رواية من نافذة قلبي الفصل الربع 4 - بقلم مروة نصار
من نافذة قلبي
الفصل الرابع
أستقل الجميع السيارة وتحرك سيف بها وسار فى الطريق ، ولكنه أثناء ذلك لاحظ وجود سيارة خلفهم منذ فترة ، لا تتركهم ، حاول سيف أن يدخل في شوارع جانبية أكثر من مرة ليتأكد من أن كانت تلك السيارة تتبعهم ، أم أنها مجرد مصادفة ، ولكن حدسه كان صحيح ، وأستطاع أن يتبين وجه قائد السيارة ، الذي لم يكن سوي صلاح طليق ميس .
توقف سيف بالسيارة فجأة ، مما أربك صلاح خلفه وتوقف سريعاً قبل أن يصطدم بهم ، ثم هبط من السيارة وتوجه إليه ووقف أمامه قائلاً : أنزل .
نظر صلاح له وأبتلع ريقه وهو يشعر بالقلق ، فهو يعلم أنه في موقف غير متكافئ ، ولكنه أضطر للنزول ومجابهته ، نزل صلاح وهو يتظاهر بالقوة وهدر فيه بغضب صلاح: نعم ، عايز حاجة .
فأجابه سيف بهدوء : السؤال ده المفروض أنا اللي أسأله ، أنت اللي عايز حاجة .؟
صلاح بوقاحة : وأنا ها اعوز منك أيه .
فأبتسم سيف وقال : يعني ماشي ورايا من بدري ، دي صدفة .
صلاح بتحدي : أنا مش ماشي وراك، أنا ماشي وراء بنتي ، أظن من حقي أني أطمئن عليها ، وخصوصاً أن واضح أن في غرام جديد دخل حياة أمها ، ومش حتبقي فاضية ليها .
نظر له سيف نظرات غاضبه وعيونه تطلق شرار من شده الغضب ثم اقترب منه وأمسك ياقة قميصه وجذبه إليه وهو يتحدث بصوت يحمل في نبرة التهديد : الأشكال اللي زيك خسارة فيها الكلام ، وخسارة كمان فيها بنت زي بنتك ، أنت أنسان حقير متعرفش يعني ايه تكون أب ، أحسن ليك تبعد عن سكة ميس لو مش عايز يحصلك حاجة ، ولو شفتك تاني بتعترض طريقها ، يبقي أنت الجاني علي نفسك .
قال سيف كلماته وعاد إلي السيارة تاركاً صلاح يكاد ينفجر من الغيظ ، وعندما أستقل السيارة بادرته والدة مَيس بالكلام : في حاجة يا بني .
نظر سيف للمقعد الخلفي ليتأكد أن مريم قد نامت علي قدم والدتها ثم قال : صلاح بيه كان ماشي ورآنا ، ثم نظر لميس وقال بحدة : نفسي أعرف أتجوزتي البنادم ده أزاي .
نظرت له ميس بتعجب ، فشعر بالأحراج وبأنه قد تسرع في كلماته ، وأنه لا يجوز له أن يتحدث هكذا ، وقبل أن يعتذر فؤجي بها تنفجر من الضحك علي كلماته لدرجة أذهلته ثم قالت ميس :مش انت الوحيد اللي قلت كده ، بس الفرق أنك قلتها بدري شوية ، الكل كان بيقولها بعد مدة ، لكن أنت يا عيني مستحملتش تشيلها في قلبك ، ثم أكملت ضحكها .
نظر لها سيف وابتسم بهدوء واكمل قائلا : أصل بصراحة باينة لعين الشمس مش محتاجة وقت طويل عشان أقولها .
صمتت ميس قليلاً ثم قالت : يمكن عندك حق بس صدقني وقتها مكانش واضح أنه بالبشاعة دي ، أو يمكن أنا اللي كنت ساذجة زيادة عن اللزوم .
تنهدت والدتها وقالت : نصيب مالناش فيه ، ربنا يعوضك خير يابنتي ، ثم حاولت تغيير الموضوع وقالت لسيف : وأنت يا بني متجوز .
فأبتسم وقال : لا والله يا طنط لسه .
فشهقت والدتها وقالت : ليه كده يا بني ، يا حبة عيني تلاقي مامتك حتتجنن وتشوفك متجوز .
ضحك سيف بصوت مرتفع وقال : هو حضرتك تعرفيها والا أيه يا طنط .
فأجابت : مش محتاجة يا بني أعرفها ، كل الأمهات كده .
فهز سيف رأسه وقال : فعلا ، ده حوار كل يوم اللي مش بيخلص ، بس أنا مقدرش أتجوز يا طنط وخلاص ، لازم تيجي الأول اللي تخطف قلبي وتخليني عندي أستعداد أني أتجوزها .
فقالت الوالدة : ربنا يا أبني يرزقك الخير وتلاقيها وتسعد قلب أمك .
فأجاب سيف وهو ينظر في مرآة السيارة علي المقعد الخلفي وقال : اللهم آمين .
مرت الأيام ببطء علي سيف كان يحاول أن يمارس حياته بشكل طبيعي ، ويعود إلي روتينه اليومي ، ولكنه لم يستطيع ، كانت ميس تحتل كل تفكيره ، كان دائم التفكير بها ، يشعر بمسئولية كبيرة نحوها ، يشعر أنه يريد حمايتها ، حتي مريم الصغيرة كانت تحتل جزء من قلبه وعقله ، تلك الجنية الصغيرة ، التي تملأ القلب بمجرد رؤيتها .
ظل بين الحين والأخر يختلس النظرات إلي نافذتها ، لعله يراها ، حاول معرفة مواعيد وصولها للمكتب ، ومواعيد مغادرتها له ، حتي يحاول أن يلقاها كأنها مجرد صدفة ، ولذلك كان يتعمد أنتظارها أمام البناية في السيارة وعند خروجها ، يتظاهر بأنه وقت خروجه وأنه رَآها صدفةً ويعرض عليها توصيلها للبيت .
استمر هكذا عدة أيام وأثناء هذا كان يتعرف عليها أكثر ، ويزداد قربه منها أكثر .
إلي أن جاء اليوم الذي فوجئ بها تصل للعمل بسيارتها بعد أن تم أصلاحها ، وبذلك قطعت عليه كل السبل في أن يجد الحجج الملائمة ليستمر في ملاقاتها .
أما في الجهة المقابلة عند ميس، فكانت منهمكة في عملها ، تحاول أن تثبت للجميع أنها تستطيع أن تقف علي قدميها مرة أخري وتنجح ، وأنها ليست بحاجة أحد وأن حياتها لن تنهار بعد أنفصالها ، بل بالعكس ستبدأ من جديد .
أستطاعت ميس أن تستقطب بعد العملاء السابقين الذين تعاملت معهم من قبل ، وبدأت في أنجاز بعض المشاريع الخاصة بهم ، وبالفعل كأنها كتلة نشاط لا يوقفها شئ ، كانت تنتقل من المكتب إلي مواقع العمل إلي المحال لشراء ما يلزمها ، هي وصديقتها دينا كانتا تعملا بكل جهد ، ولَم يكن هناك أي شئ أخر يشغلها عن العمل ولا تهتم به سوي والدتها وأبنتها ، فهي لا تعلم أن هناك من يحترق شوقاً لرؤيتها ، أو يتمني لحظة يكون فيها بالقرب منها ، لقد أغلقت قلبها تماما ولا تحاول أن تفتحه لأحد مرة أخري ، يكفيها ما حدث ، كما أنها تعلم أنها لو حاولت أن تعيش حياتها كأي امرأة ، تحب ، وتتزوج ، ستكون النتيجة حرمانها من أبنتها الوحيدة ، وهذا ما لا تستطيع تحمله ، ولذلك فتلك الفكرة غير واردة بالنسبة لها تماما .
استمر الحال هكذا علي الجميع ، سيف يحترق لا يعلم كيف يجد الفرصة لرؤيتها ، وهي تعمل بلا أنقطاع ، حتي جاء اليوم الذي كان هناك اجتماع للمدراء في الشركة التي يعمل بها ، وأثناء الأجتماع والمناقشات التي تدور بينهما ، أقترح مدير التسويق أن الشركة تحتاج إلي بعض التعديلات في بعض الأقسام والمكاتب ، وأننا بحاجة لأضفاء مظهر جديد لنا ، ويجب علينا التعاقد مع شركة لعمل الديكورات اللازمة ، وأثناء حديثه فوجئ الجميع بسيف وهو يقول بأندفاع شديد : حلوة الفكرة دي وأنا عندي الشركة المناسبة للموضوع ده .
تتوجه الانظار بين الجميع في دهشة الى سيف ، فسيف شخصية لا تهتم بالشكليات ولا يحب أن يقحم نفسه في شئ لا يهمه ، والأندهاش الأكبر كان من اندفاعه في الحديث ، ولهفته المشكوك بها .
استشعر سيف نظرات الجميع ، وأدرك أندفاعه فتدارك نفسه قائلاً : مش عايزين تكاليف كتير في حاجات مالهاش لزمة ، احنا حنجيب شركة صغيرة لسه جديدة ، تعمل شوية لمسات بسيطة في الألوان والديكورات بتكلفة أقل ، ويبقي كده كسبنا وفِي نفس الوقت مصرفناش كتير ، وأنا أخذت بالي أن في شركة فتحت جديد في العمارة اللي قدامنا ، نبعت نحدد معاهم ميعاد ونشوف شغلهم ، لو عجبنا خلاص نتفق معاهم ، والشركات الجديدة بتبقي عايزة تثبت نفسها وكمان تكسب زبون فأكيد أسعارهم حتبقي معقولة .
انتهت الهمهمات والنظرات وتحولت إلي نظرات توحي بالأعجاب بالفكرة حتي تحدث رئيس الشركة قائلاً : فعلاً عندك حق ، وخصوصاً أننا داخلين في مشاريع ومحتاجين السيولة ، خلاص موافق ، ولو سمحت يا سيف أهتم أنت بالموضوع ده ، أنا بثق في قراراتك .
ابتسم سيف وأجاب : تحت أمرك يا فندم .
أنتهي الأجتماع وعاد سيف لمكتبه وهو يشعر بسعادة كبيرة ، تلك الفرصة كان بأنتظارها ، وها قد أتت ويجب عليه الأستفادة منها جيداً ، يجب أن يصل لقرار ، يجب أن يعلم حقيقة شعوره .
أستمر يوم العمل وهو يشعر بحماس كبير لرؤية ميس ، وبمجرد أن أنهي عمله خرج مسرعاً ليتوجه إليها ويزف اليها تلك الأخبار الجديدة ، فهو علي يقين أنها ستكون فرصة جيدة لمكتبها ، وله أيضا .
هبط سيف سريعاً ودخل للبناية المقابلة وصعد بالمصعد ، وعندما وصل لباب المكتب سمع أصوات بالداخل غريبة ، فأسرع بالدخول وصدم مما رَآه ....
أنتظروني مع القادم عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية من نافذة قلبي" اضغط على اسم الرواية