رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الرابع 4 - بقلم اميرة احمد
نبضات لا تعرف المستحيل
الفصل الرابع:
في الصباح... قبل أن يذهب يوسف لعمله... دخل غرفة والده فوجده يحتسي قهوته الصباحية في الشرفة كعادته.... بينما والدته في المطبخ تعد الافطار ..... هتف يوسف في تردد وقلب وجل: بابا.... أتكلمت مع ماما؟
رد زياد بتردد و هو يأخذ رشفة من كوب قهوته: هاكلمها... بس محتاج الأمور تهدي شوية.
تغيرت ملامح يوسف وظهر الضيق عليه واضحا: طيب يا بابا انا مسافر الأسبوع اللي جاي الغردقة مع اصحابي... ممكن لما ارجع تكون كلمتها.
نظر زياد في الأفق وهو يحتسي قهوته: لارا من جروب اصحابك اللي مسافرين؟
ابتسم يوسف رغما عنه ما ان ذكر والده اسم لارا: اه يا بابا... احنا جروب كبير.
لمعت فكرة في عيني زياد وهمس: خد اختك حياة معاك.
تغيرت ملامح يوسف مرة أخري وهتف بحدة: ازاي يعني يا بابا... هو احنا عيال صغيرة..... هأخد حياة معايا ليه... هي متعرفش اصحابي.
لكن زياد لم تخفت لمعة عينيه وهمس: انا كنت بافكر اخد نور و نسافر نقعد في شقة اسكندرية كام يوم... علشان نبقي لوحدنا و أعرف أتكلم معاها براحتي... بس طالما انت هتسافر مش هينفع نسيب حياة لوحدة... يبقي تاخدها معاك.... أولا منها تغير جو... وثانيا تتعرف علي لارا و تبقي في صفك... و ثالثا البيت يفضالي انا و مامتك.... قال زياد كلمته الأخيرة و ارتسمت ابتسامة عريضة ملئت وجهه.
زفر يوسف زفرة حارة: يعني يا بابا علشان البيت يفضالكوا... اتدبس انا في حياة.
ربت زياد علي كتف يوسف: روح يا حبيبي قول لأختك على السفر قبل ما تنزل شغلك علشان تجهز نفسها و تاخد إجازة من شغلها.
خرج يوسف من الغرفة وهو يتمتم: يارب متعرفش تاخد إجازة.
وقف يوسف امام باب غرفة حياة... طرق الباب بخفة... لحظات واتاه صوتها الحنون من خلف الباب تهمس: ادخل.
فتح الباب ووقف يتأملها.... امرأة في الثانية والعشرون بتصرفات طفلة... و قلب أم.... .. بها الكثير من حنان والدتها... وعقل و حكمة والدها.... و كثير من براءة الطفولة..... قاطعت تفكيره وهي تحكم غطاء رأسها استعدادا للخروج وهتفت: في حاجة يا يوسف؟
ابتسم لها في حنان: حياة... انا هاسافر مع اصحابي الأسبوع اللي جاي الغردقة تحبي تيجي معايا؟
ضحكت حياة وهي ترفع حاجبها: اممم مين صحابك؟؟
ضحك يوسف وقد فهم مغزي سؤالها: كل اصحابي.
ابتسمت حياة: طيب و عايزني انا ليه بقي؟
اقترب منها يوسف: فرصة يا حياة تتعرفوا علي بعض و تقربي منها.... هتحبيها اوي لما تعرفيها.
ضحكت حياة: حبيبي اكيد طالما انت بتحبها يبقي انا هاحبها.... هاطلب إجازة من الشغل ان شاء الله واسافر معاك.
نظر يوسف في المرآة وهو يعدل من هدامه و يمرر يده بين خصلات شعره و يعيد ترتيب شعيرات ذقنه في تباهي: بما اني اتأخرت... يلا هاوصلك في طريقي.... بس انجزي.
جرت حياة في سعادة تلم اشياؤها داخل حقيبة يدها وهي تهتف كالأطفال: انت احسن أخ في الدنيا... انا 5 دقايق بالظبط و هاكون جاهزة.
-------------------------------
اتصل مالك بجميلة بعد ان استقر بسيارته أسفل منزلها في السادسة صباحا: جميلة من فضلك مش عاوزين نتأخر... انا واقف تحت.
ردت عليه بمرحها المعتاد: تعالي يا مالك شيل مني الشنطة انا جنب العربية... قالتها و هي تلوح له من خلف زجاج سيارته
وقعت عينيه عليها وابتسم علي الفور... دون ان يلفظ حرف ترجل من سيارته... امسك بحقيبتها الضخمة الثقيلة.... وضعها في السيارة، و لف حولها ليفتح لها الباب لتستقر علي المقعد المجاور له، نظر اليها بابتسامته الخلابة، و اغلق الباب، استقر في مقعده خلف المقود و انطلق بالسيارة بسرعة جنونيه و هو يقول: يوسف مستنينا علي الطريق... و اعتقد شادي سبقنا و اتحرك علي هناك.
حاولت ان تفتعل الهدوء وهي تقول بخبث: بس احنا لسة هنعدي علي بيت حنين.
هي حنين هتركب معانا العربية؟ قالها بصوت متهدج وهو يحاول ان يداري ملامح الضيق التي ارتسمت على وجهه.
وضعت خصلة من شعرها خلف اذنها وهمست: وليلي بنت خالتي كمان... بس انت عارف هي ساكنة جنب حنين يعني في طريقنا.
هتف مالك في ضيق: هو حد قالك أنى سواق اوبر؟
لم تستطع ان تكتم جميلة ضحكة فلتت منها: يعني كنت اقولهم لأ؟
نظر اليها بعينين كلها حب: طيب كنتي عرفيني.... ممكن حد فيهم يركب مع يوسف او شادي.
نظرت له بعتاب: يعني .... انت عارف حنين مش هينفع ... علشان شادي.... و يوسف معاه اخته في العربية ولارا كمان.... وانت عارف ليلي هتتكسف تركب عربية حد متعرفهوش.... سكتت قليلا ثم أردفت: لو زعلت انا اسفة... كان المفروض اقولك من قبلها فعلا.
نظر إلى عينيها طويلا .... ثم همس: انتي عارفة انى مش زعلان منك.. بس علشان اتأخرنا.
ضحكت جميلة ضحكتها التي تأسر روحه: خلاص هاصالحك واعزمك علي قهوة.
ابتسم لها: وانا موافق.
وصلا إلي الغردقة بعد طريق طويل و مرهق.... فرقع مالك أصابعه بجوار أذن جميلة و همس لها: جميلة.... اصحي احنا وصلنا.
فتحت عيناها و هي مبتسمة لاستيقاظها علي صوته الحاني.... نظر لها بنفس الابتسامة: هو انا مخليكي تقعدي جنبي طول الطريق علشان تفوقيني و تتكلمي معايا و لا علشان تنامي؟
ابتسمت وهي تمسح جفونها بيديها بكسل: مالك انا اتكلمت زي الراديو لحد اما زهقت... و انت ساكت مش بترد عليا حتي.
أردف بنفس الابتسامة: بس مستمتع و انا باسمع صوتك.... ثم قال ضاحكا: مش احسن من أستاذة حنين اللي بترغي في التليفون طول الطريق.
ضحكت حنين: معلش يا مالك... بس بجد عمر بيقلق اوي.. كل شوية يتصل بيا يطمن وصلت لفين.
رفعت ليلي حاجبها: معرفتش انام منها طول الطريق....
ضحك مالك: خلاص يا جماعة حمدالله علي السلامة... يلا خلينا نروح نشوف الحجز.
وقف مالك وشادي امام موظف الاستقبال... بينما هتف يوسف في الفتيات: ممكن كل واحدة فيكوا تديني البطاقة بتاعتها علشان الحجز بتاع الغرف.
هتفت ليلي: انا مش بحب اقعد مع حد في الأوضة ، هاقعد في أوضة لوحدي.
اقترب يوسف من اذن حياة: ممكن يا حياة تقعدي مع لارا في نفس الاوضة... علشان ابقي مطمن عليكوا انتوا الاتنين.
إشارة حياة بيدها بالموافقة وهي تقول: أي مكان بس خليني انام.
هتفت ليلي: انا هاروح اشوف حاجة اشربها علشان الصداع هيموتني من كتر رغي أستاذة حنين طول الطريق.
ضحكت الفتيات، بينما تغيرت ملامح شادي للعبوس وحاول ان يبتلع غصة في قلبه لم يستطع اخفاءها من ملامحه.
كانت تحمل ليلي في يدها كوبا من القهوة، حين رن هاتفها ... وضعت يدها داخل جيبها لتخرج الهاتف وبينما هي تنظر اليه اصطدمت بشخص امامها، وانسكبت القهوة من يديها علي كنزته الصوفية، رفعت ليلي عينيها عن الهاتف لتري وجهه الذي أحمر من الغيظ، كان شابا فارع الطول، حاد الملامح نظرت إليه ليلي في غضب وصاحت: ايه ده مش تاخد بالك؟
نظر إليها بغضب ويكاد ان يتطاير الشرر من عينيه: انتي مبتشوفيش؟ ماشية مش باصة قدامك و عايزاني انا اللي أخد بالي؟
صاحت بحدة: طيب انا باصة في الموبايل انت مش تبص قدامك.
ازدادت نظراته غضبا، و رفع يديه ليخلع عنه كنزته الصوفية المبلولة بالقهوة الساخنة، لكن صرخت ليلي بصوت أعلي: انت هتضربي ولا ايه؟
نظر إليها طويلا وهو يحاول ان ينظف كنزته الصوفية وقال: رغم أنك تستاهليها، بس انا مبمدش ايدي علي واحدة ست.
لم يترك لها مجالا للرد عليه... بل تركها في صدمتها وانصرف.
-------------------------------
وقف يوسف يعيد توزيع بطاقات الهوية على الجميع ومعها مفتاح الغرف، حين اقترب أنس من مالك وصاح مرحبا: حمدالله علي السلامة... نورت الغردقة.
انفرجت اسارير مالك ما ان وقعت عيناه علي أنس، وهتف وهو يضمه إلي صدره: وحشتني يا أنس باشا.
نظر إليه مالك وهو يرتدي قميصه القطني الأبيض ذو النصف اكمام الذي يبرز عضلاته ويحمل كنزته الصوفية كحلية اللون في يديه، ويتوسط صدره بقعة بنيه اللون مبللة: بس ايه اللي عمل فيك كده يا أنس؟
زفر أنس بحرارة: واحدة غبية... ماشية مش شايفة، وقعت كوباية القهوة عليا.... نظر أنس في الأفق ثم أكمل حديثه: هي الحلوة الغبية اللي هناك دي.
نظر مالك حيث يشير أنس، ثم همس ضاحكا: دي ليلي.
رفع أنس حاجبه: انت تعرفها؟
مالك: دي بنت خالت جميلة... تعالي هاعرفك على اصحابي كلهم.
لم يكد يتحرك مالك وأنس من مكانهما، حين اقترب ليلي عليهم مندفعة وهي تصرخ في أنس: انت بتعمل ايه هنا... مش كفاية القهوة بتاعتي معرفتش اشربها بسببك... ايه جاي تشتكيني يعني؟
تجاهلها أنس تماما... ظل واقفا كما هو يضع يديه في جيب بنطاله، وينظر لها من علوه و قد ارتسمت ابتسامة مستفزة علي شفتيه، لكن مالك اقترب مسرعا و هو يهتف بهدوء: أعتقد انك قابلت ليلي..... ثم نظر إلي ليلي: أنس أخويا يا ليلي.
توترت ليلي كثيرا، ومدت يدها في قلق لتصافحه وهي تهتف بتهكم: أهلا.
لكن أنس ظل واقفا على نفس هيئته، لم يتحرك، ولم يمد اليها يده ليصافحها، بل نظر إلي يديها الممدودة امامها و هتف بنفس اسلوبها: اهلا.
سحبت ليلي يدها متأففة، بينما أقبل يوسف بوجهه البشوش مصافحا: أنس باشا.
ابتسم له أنس وهو يمد يده ليصافحه، بينما رمق ليلي بنظرة جعلت القشعريرة تسري في جسدها: ازيك يا يوسف.. حمدالله علي السلامة.
قام مالك بتعريف اصدقاءه على أخيه الأكبر أنس... بينما ظل أنس بين الحين والأخر يرمي نظرة خلسة علي ليلي، التي ظهر علي وجهها علامات الضيق.
مالت ليلي علي أذن جميلة: هو ازاي اللي أسمه أنس ده قليل الذوق كده.
ضحكت جميلة: ليه بس.
ارتسمت ملامح الضيق على وجه ليلي: مش شايفة متكبر ازاي... و ايه كلهم عمالين يقولوا يا باشا يا باشا.... هو ناقص غرور.
قهقهت جميلة: يا بنتي ما هو وكيل نيابة عايزاهم يقولوا ايه... بعدين مش مغرور ولا حاجة... ثم تنهدت : كفاية انه أخو مالك.
رفعت ليلي حاجبها وقالت بحدة: وكيل نيابة على نفسه.
قاطعهم صوت أنس وهو يهتف: حطوا شنطكوا في الأوض وارتحوا شوية انا مجهزلكوا سهرة بالليل.... ثم اقترب من ليلي ورماها بنظرة نارية وهو يهتف بحنق: انا هاروح أغير هدومي علي ما تكونوا جهزتوا.
زفرت ليلي وهي تدب برجليها في الأرض: مستفز.
--------------------------
بينما يستعد الجميع ان يذهبوا الي غرفهم... استوقف يوسف صوت رجولي يهتف باسمه،
: دكتور فارس مش معقول.... انت بتعمل ايه هنا؟
قالها يوسف و هو يلتف ليسلم علي فارس المقبل عليه ببشاشة.
ابتسم فارس ليصافحه: انا عندي مؤتمر طبي هنا..... مفروض انا اللي اسألك بتعمل ايه هنا و مين معاك.
ضحك يوسف: انا مع اصحابي هنا..... و حياة اختي كمان.
قالها يوسف و هو يشير بيديه لحياة الواقفة بعيدا بجوار لارا.... تعلقت عيني فارس بحياة منذ ان وقعت عينيه عليها و هتف: لأ عندك حق.... حياة فعلا مبقيتش صغيرة.
ضحك يوسف: مش قولتلك بقت دكتورة حياة... استني أناديها.
أشار يوسف لحياة بالاقتراب... اقتربت علي استحياء و هي تتأمل فارس.... تعرفه جيدا رغم المرات القليلة التي شاهدته فيها... فمن يخطئ تلك العينين التي تلونت بلون السماء الزرقاء في نهار ربيعي.... اقتربت منه مبتسمة، واومأت إليه بالتحية..... لكنه اقترب منها شاهر كفيه للمصافحة، نظرت إلي كفه بإحراج شديد و هي عاقدة يديها خلف ظهرها، مدت يدها التي بالكاد لمسة كفه الممدودة إليها و سحبتها فورا.... بينما ارتسمت علي وجهه ابتسامة عريضة جعلت من تلك الغمازة القابعة علي جانبي وجهه تظهر بوضوح.
لم يكسر التوتر المحيط بهما سوي كلمات يوسف التي اعادتها لأرض الواقع: انتي مش فاكرة فارس ولا ايه؟
صارعت الكلمات لتخرج من حلقها وقالت بصوت خافت بالكاد مسموع: اه طبعا فاكراه.
ضحك فارس: بس الحقيقة يا حياة.... انا مش فاكر غير أنك كنتي طفلة صغيرة في المدرسة أخر مرة شوفتك فيها.
تغيرت ملامح حياة: ده اكيد من زمان اوي.
ابتسم فارس مجددا: بس العيب علي بابا.... مش بيخلينا نشوفكوا كتير.
وكزه يوسف بمرح: ايه يا دكتور... مش كفاية انك بتشوفني و لا ايه؟
لازالت تلك الابتسامة البلهاء تعلو وجه فارس، وهتف بحماقة: لأ مش كفاية.... تنحنح فارس بعد ان أدرك حماقة ما قاله للتو من ملامح يوسف التي بدأت تتغير وهتف: انا لازم امشي دلوقتي علشان أرجع المؤتمر... اشوفكم بالليل؟
قال يوسف و هو يربت علي كتفه: احنا بالليل هنطلع سهرة بره الريزورت... تحب تيجي معانا؟
ابتسم فارس: لو ميضايقكوش طبعا.... انا بالليل بأفضل قاعد لوحدي، ولو حد من زمايلي جه يقعد معايا بتبقي قاعدة مملة كلها مناقشات طبية.
صافحه يوسف: خلاص يبقي هاكلمك بالليل نتحرك سوا.
انصرف فارس، وبقيت عيني حياة معلقة بنظرته لها حتى غاب عن عينيها.
لم تستفيق حياة من شرودها سوي على وكزة من لارا: مين ده؟
تنهدت حياة وهمست: ده فارس... ابن صاحب بابا.
ابتسمت لارا، فهي تعلم جيدا الحب حين يلمع في العينين: امممممم ... ابن صاحب بابا.... طيب مش عاوزة تحكيلي عن الفارس اللي هييجي علي حصان ابيض بالليل؟
ضحكت حياة: ولا أي حاجة.... هو من واحنا صغيرين كل ما بيشوفني بيفضل باصللي نفس النظرة اللي انتي شفتيها دلوقتي دي... بس مش أكتر.
ضحكت لارا: طيب يلا علشان نطلع الاوضة ونرتاح شوية قبل بالليل.... ولا طار النوم دلوقتي خلاص.
----------------------------------
في المساء.... علي شاطئ البحر الأحمر.... اجتمع الأصدقاء حول دائرة النار التي أشعلها أنس... كان المكان هادئ ويبعث على الاسترخاء... يأتي من خلفهم أصوات المدينة.... بينما على مقربة منهم فرقة بدوية تقوم ببعض الاستعراضات.
اقترب يوسف من لارا وهو يعبث بخصلة من شعرها تدلت على وجهها: مبسوطة يا حبيبتي؟
لمعت عينيها بابتسامة عشق: مبسوطة علشان معاك.
تنهد يوسف: ان شاء الله نبقي مع بعض على طول.
مالت لارا عليه في دلال واقتربت من اذنه وهمست: مش هتحكيلي بقي ايه السبب اللي علشانه باباك مش موافق؟
ابتسم لها: حاجة عمرك ما هتصدقيها....
تدلدلت عليه أكثر كطفلة تتدلل على والدها من أجل ان يعطي لها قطعة من الحلوي: قول بقي يا يوسف..... علشان خاطري.
ربت بسبابته على أرنبة انفها: بس مش هينفع تقولي لحد... و المرة دي بجد.
جلست امامه القرفصاء كمن تنتظر ان يقص عليها حدوته: يلا انا سمعاك كويس اهو.
قال لها بصوت خافت: بابا كانت متجوز مامتك.
شهقت فالتف الجميع ينظر اليهما، هتف يوسف ضاحكا للجميع: معلش يا جماعة اتحمست شوية بس، ثم عاد يهمس اليها: هو ده اللي مش هتقولي لحد... خلي بالك حياة متعرفش حاجة عن الموضوع ده.
تغيرت ملامح لارا: اكيد اللي انت بتقوله ده كذب... استحالة يكون ده حصل بجد.
همس لها: بس ده اللي حصل فعلا... من حوالي 30 سنة.
لم تستطع لارا ان تمنع دمعة هربت من عينيها: بس كده الموضوع بيتعقد أكتر.
ربت يوسف علي كتفها بحنان: بالعكس... انا قربت أحل الموضوع... بابا موافق اننا نتجوز.
نظرت له بألم ولازالت الدموع تترقرق في عينيها: بس ماما عمرها ما هتوافق.... هي عنيدة جدا انا عارفاها.
همس لها: انا هاتكلم معاها و أقنعها.... لو وصلت أنى أخلي بابا يتكلم معاها و يقنعها هاعمل كده... بس احنا هنتجوز يعني هنتجوز.
تنهدت وهي تضع رأسها المثقل بالهموم علي كتفه، لعله حقا يستطيع ان ينجح فيما يقول.
ليس ببعيد عنهم، لكن بانعزال جلس مالك في صمت ينظر إلى أمواج البحر المتلاطمة في تناغم.... جلست جميلة إلي جواره... كان شاردا لم يشعر بوجودها الي جنبه.... نظرت اليه مطولا وكأنها تحفظ قسمات وجهه داخل قلبها ثم همست: مالك..... في ايه؟؟
أدرك مالك وجودها إلي جواره... رد عليها دون ان ينظر إليها، ولازالت عيناه معلقتان علي أمواج البحر: انا بس مرهق شوية...
لم تستطع ان تمنع نفسها من ان تضع يدها على يديه المسنودة إلى جواره وهتفت: حاسس بايه؟ انت كويس؟
ابعد يده عنها و كأنها اصابته بصاعقة كهربائية حين لمسته، مما جعلها تندم علي حركتها العفوية ... نظر لها قليلا ثم أردف: بس علشان الطريق كان طويل فا تعبت شوية... صدعت فا كنت محتاج اقعد بعيد في هدوء.
ابتعدت عنه بألم وهي تهمس: اسفة لو اقتحمت عزلتك.... هاسيبك لوحدك تستمتع بالهدوء.
نظر لها مالك قبل ان تتحرك وترجاها بنظره قبل كلماته: اقعدي شوية يا جميلة.... استمتعي معايا بالهدوء.
جلست جميلة إلي جواره مرة أخري... تحتضن ركبتيها بين ذراعيها، تنظر إلي أمواج البحر في هدوء، و السماء الصافية، و تنعم بوجود مالك إلي جوارها.
نظر مالك إلي البحر طويلا ثم همس لجميلة و لاتزال عينها متعلقة علي الأمواج السوداء المتلاطمة: تعرفي يا جميلة حكاية يونس الهلالي؟
حركت رأسها بالنفي ،فأردف: يونس الهلالي كان فارس، راح تونس مع اخواته و هو متنكر في هيئة شاعر، لما السلطان معبد بن باديس عرف بوجود يونس الهلالي و اخواته، قبض عليهم وخدهم أسري عنده... و هناك في القصر قابل عزيزة بنت السلطان، اللي كانت بتسمع عن بطولات يونس من قبل ما تشوفه و كانت معجبه بيه، و لما شافته حبته، و هو كمان حبها.... بس خبي حبه عنها، لحد ما في يوم جت هي و قالتله انها بتحبه..... تنهد مالك وأردف: بس هو رفض حبها... قالها لو كنا في مكان تاني او زمان تاني كنت هاقولك بحبك قبل ما تقوليها انتي... بس للأسف مقدرش أحبك وانا في الأسر.
سكت مالك وسكتت جميلة قليلا..... لحظات كان الصمت فيها أبلغ من الكلمات... كسر الصمت مالك وهو يهمس لجميلة: فهمتي حاجة من الحكاية؟
ابتسمت له جميلة في ألم.... وقامت تتمشي على الرمال مبتعدة عنه و هي محملة بخيبة أمل و ألم ينهش في قلبها..... همس مالك محدثا نفسه بحزن: ياريت تفهمي يا بنت السلطان.
---------------------------------------------
جلست حنين مع حياة وليلي يتجاذبان اطراف الحديث، حين اقترب شادي من حنين و همس: هتفضلي لأمتي بتهربي مني؟
زفرت حنين وقد اطرقت رأسها بعيدة عنه: انا مش باهرب منك.
نظر إليها مطولا: مش بتوجهيلي كلام..
قالت بحدة: علشان مفيش بينا حاجة نتكلم فيها.... نفسي تفهم بقي.... اللي بينا خلص خلاص.
امسك معصمها بعصبية: انا اللي احدد اللي بينا امتي يبتدي وامتي يخلص... واللي بينا مش هيخلص ابدا يا حنين.
خلصت حنين يدها منه بعصوبة، وقامت مبتعدة عن الجميع، تلجأ لملاذها الأمن.... أمسكت بهاتفها واتصلت بعمر... مجرد سماعها لصوته يبعث في نفسها الطمأنينة.
استأذنت ليلي وذهبت تتمشي فوق الرمال.... ابتعدت وهي تضرب أمواج البحر بقدميها العاريتين، لكنها توقفت فجأة حين شعرت بعين ترمقها، صاحت فيه دون ان تلتفت او تنظر له، وكأنها تعلم تماما من هو: انت ايه اللي جايبك ورايا؟
ضحك أنس وهو ينظر إليها بغطرسة وقال بتهكم: مقدرتش علي بعدك...
التفت لتنظر له وقالت بحدة: انت بتراقبني؟
رفع حاجبه وقال بكل ثقة: هو انتي مفكرة نفسك مهمة اوي علشان أنا اراقبك!
رفعت حاجبها ويتطاير الشرر من عينها: امال ايه اللي جابك هنا؟ كلهم قاعدين هناك.
رد بسخرية و هو يحرر نفس من سيجارته في الهواء: هو انتي مديرة البحر؟!... لازم اما اجي عند البحر ابقي جاي اقابلك؟ عمتا انا كنت باتمشي و انتي اللي كلمتيني... و هاكمل تمشية عادي.
لم ينتظر منها رد، بل امل في مسيرته بكل هدوء، وتركها خلفه تكاد اذنيها تخرجان دخانا من شدة غيظها منه.
كانت حياة تجلس وحيدة، تنظر إلي يوسف و لارا بحب و هي تري حبهم واضحا لا يخطئه عين... حين أقترب منها فارس و جلس إلي جوارها وهمس بصوته الدافىء: يضايقك أني أقعد جنبك؟
التفتت تنظر إليه بابتسامه وهمست: لأ اتفضل.
- معلش انا اتأخرت... بس وانا خارج من الاوتيل قابلت 2 دكاترة مسكوا وداني مسابونيش الا بالعافية.
- هو انت مبتحبش الدكاترة ولا ايه؟
- ازاي يعني وانا دكتور... بس في منهم بيبقوا رغايين شوية... دول اللي مبحبهمش.
- ضحكت حياة فأردف: يوسف قالي انك أتخرجتي من صيدلة؟
- مظبوط.
- انتي عارفة اننا بنكمل بعض.... " قالها وعيناه معلقتين بعينيها"
- نظرت له بعدم فهم فأردف: أقصد الطب والصيدلة.
- اه فعلا.
- همس لها: انتي عارفة ان كل دكتور بيحتاج صيدلي في حياته؟
- ضحكت: لا مش للدرجة دي.
- ابتسم لها حتي ظهرت غمازتيه: انا محتاج صيدلي في حياتي.... هتساعديني كتير في البحث اللي باعمله للماجيستير.
- هو الماجيستر بتاعك عن ايه؟
- بصي هو موضوع معقد شوية... بس ببساطة هو عن ان في أدوية بتعالج امراض القلب وبتكون أصلا مش الهدف الرئيسي منها علاج امراض القلب... زي كده استخدام المنشطات الجنسية لعلاج امراض القلب في الأطفال.
- ايوه انا كنت قريت بحث فعلا وانا في الجامعة عن الموضوع ده... رغم ان لحد دلوقتي في دكاترة كتير بترفض الأسلوب ده من العلاج.
- بس أحيانا العلاجات دي بتجيب نتيجة كويسة جدا... خصوصا مع الأطفال حديثي الولادة.
- ربنا يوفقك في الماجيستير بتاعك.
- انا الحمد لله قربت أخلصه.... المناقشة بتاعتي كمان شهرين.
- بجد.... عقبال الدكتوراه.
- لأ انا مش هاعمل دكتوراه في مصر.... هاعمل زمالة في بريطانيا... قدمت و اتقابلت في جامعة أكسفورد، و هسافر ان شاء الله بعد الماجيستير علي طول.
- تغيرت ملامح حياة وهمست بتردد: هتسافر؟
- ابتسم بحزن: قدمت على شغل في مستشفي هناك... ومستني ردهم، لو اتقبلت ان شاء الله هسافر علي طول، لو متقبلتش هاستني بداية الدراسة هناك و اسافر.
- قالت بصوت يملأه الحزن: ربنا يوفقك.....
اشاحت بوجهها عنه وهي تفكر لماذا شعرت بحزن لفكرة أنه سيسافر خلال أشهر... لماذا تنتابها هذه المشاعر الأن وتلك النكزة في قلبها التي لم تشعر بها من قبل.... نفضت هذه الأفكار عن رأسها وأكملت السهرة في أحاديث مع الفتيات وحاولت ان تتجنب فارس لنهاية السهرة. عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية نبضات لا تعرف المستحيل" اضغط على اسم الرواية