رواية من نافذة قلبي الفصل الثالث 3 - بقلم مروة نصار
الفصل الثالث
أستقل سيف المصعد وتوجه للطابق الخامس وفِي يده باقة كبيرة من الورود ، وقف ينظر لنفسه في المرآة ثم خرج من المصعد وتوجه إلي الباب المقابل له والذي كان مفتوحاً ، دخل وبدأ يبحث بعينيه عنها ، حتي وجدها هناك في الطرف الأخر من الغرفة تتحدث مع بعض الأشخاص ، وقف يتأملها بثوبها الوردي ، كانت جميلة مثل الحورية في ثوبها ، شعر عند رؤيتها بدقات قلبه تتسارع كأنه كان يركض خلف قطار ، لم يستطيع تفسير هذا الشعور ولَم يهتم ، هو فقط الأن يريد رؤيتها فقط .
أنتظر سيف في مكانه حتي تراه ، وبالفعل بعد أن أنهت حوارها والتفتت لتري الضيوف الأخرين ، رأته هناك يقف بجوار الباب وفِي يده باقة الزهور ، توجهت ميس نحوه بأبتسامة كبيرة ثم توقفت أمامه وقالت : أهلا بيك ، أنا قلت أنك نسيت ، ومش حتيجي لما لقيتك أتأخرت .
فرد عليها بأبتسامة هادئة وقال : لا طبعا أزاي ، انا بس كان عندي شغل مهم ، خلصته وجيت علي طول ، وأسف جداً علي التأخير .
فأجابته سريعا قائلة : لا طبعا أسف أزاي كفاية أنك أهتميت وشرفتنا بحضورك .
مد سيف يده بالباقة وقدمها لها وهو يقول : أتمني أنك تقبلي مني الهدية دي .
نظرت ميس إلي الباقة بأعجاب شديد وهي تقول : ذوقك روعة ، شكرا ليك ، ثم أشارت إليه في أتجاه أحد الأركان وقالت : أتفضل معايا أعرفك علي والدتي .
تقدما سوياً نحو والدتها التي كانت تجلس في أحد الأركان ، مبتعدة قليلاً عن الصخب ، بادرت ميس قائلة : ماما أستاذ سيف اللي حكيت لحضرتك عليه أمبارح .
نهضت والدتها من مكانها وقالت : أهلا أهلا يابني ، أزيك ، نورتنا والله ، من ساعة لما ميس حكيت ليا علي اللي عملته معاها ، وأنا نفسي أشوفك وأشكرك ، والله يا بني قعدت أدعيلك أمبارح ، ربنا يجعل دعواتي ليك من حظك ونصيبك .
فأجابها سيف بأبتسامة : مفيش شكر علي واجب ، حضرتك أنا معملتش الا الواجب .
فردت والدتها : أزاي يا بني ، اللي أنت عملته كتير غيرك ما كانش حيعمله ، ربنا يكرمك يارب .
ثم نظرت لأبنتها وقالت : روحي أنتي يا ميس لضيوفك ، وسيبي الأستاذ سيف معايا شوية .
أستاذنت ميس منه وقالت : حأسيب حضرتك مع ماما شوية ، وحأروح أكلم العميل اللي هناك ده قبل ما يمشي .
فأجابها سيف : أتفضلي .
ثم جلس مع والدتها وظل صامتاً حتي بدأت هي بالحديث قائلة : منه لله يخلص منه ربنا ، أنسان معدوم الضمير والأخلاق .
توقع سيف عن من تتحدث ولكنه أصطنع عدم المعرفة ليحاول أن يعرف منها معلومات أكثر فقال لها : حضرتك تقصدي مين .
فأجابت السيدة فاطمة بألم : أقصد البنادم الحقير ، طليق بنتي .
صدم سيف من تلك الكلمات البسيطة وحدث نفسه : طليق بنتي ، يعني كانت متجوزة ، وأكيد البنت اللي شوفتها أمبارح بنتها .
أنتبه سيف من شروده علي كلمات والدتها وهي تقول : أنا ربيت بنتي أحسن تربية بعد موت أبوها ، سابها وهي صغيرة كانت لسه مكملتش عشر سنين ، عيشت ليها وبيها ، كنت أنا وهي سند لبعض ، ربتها علي الأمانة والأخلاق والطيبة والصدق ، بس للأسف نسيت وأنا بأربيها أعرفها أن مش كل الناس كويسين ، نسيت أقولها أن العالم مليان كذب وغش وخداع ، نسيت أخليها تقدر تفرق ما بين الوحش والحلو ، أفتكرت أن أحساسها الطيب حيخليها تعرف بس الناس الطيبين اللي زيها ، لكن للأسف مش ده اللي حصل ، طيبتها الزايدة وقعتها في صلاح ، أفتكرته أنسان محترم ، وهو عرف يرسم الدور علينا ، كان زميلها في الشركة ، من أول ما شافها رمي شباكه عليها ، شاف أنه لقطة ، أبوها ميت ومالهاش حد ، قال يتجوزها ويستغلها ، وفعلا أتقدم ووافقنا ، أفتكرناه حد محترم ، لكن طلع شيطان ، كان بيأخذ مرتبها منها دايما ، حتي فلوسها اللي كانت في حسابها الخاص أستولي عليها ، كان بيبهدلنا ، حتي بنته ، قلنا لما يخلف حيعقل ، لكن للأسف بقي أسؤا ، لحد ما في يوم ميس لقيته بيضرب مريم ، مقدرتش تستحمل ، هي صبرت كتير عشان بنتها ، مكانتش طايقاه ، بس مش عايزة تحرم بنتها من أبوها ، بس لما لقت الأمور وصلت للدرجة دي وأن كمان بنته مش فارقة معاه ، أخذت بنتها ورفعت عليه خلع ، وسابت له البيت والشغل ، ورغم أنه خلاص طلقها ، لكن مش عايز يسيبها في حالها ، وكل شوية ينط لها ويضايق فيها ويهددها ، عارف للأسف أن مفيش راجل يقف ليه .
كان سيف يستمع لكل هذا الحديث وهو في حالة من الذهول ، هل يوجد بشر بهذا الشكل ، هل هذه الرجولة ، هذا ليس برجل ، هذا مجرد ذكر ، ولكنه من أشباه الرجال ، كيف يجرؤ علي فعل هذا مع أنسانة بتلك الرقة والبراءة ، أنسانة أختارته وأعتبرته الأمان والسند لها ، شرد سيف ببصره نحوها وهي تقف هناك تلاعب طفلتها ، شعر أنها برغم كل ما مرت به ولكنها امرأة قوية ، أستطاعت أن تنهض من جديد ، وتبدأ حياة جديدة .
عاد سيف ببصره إلي السيدة فاطمة وقال لها : ربنا أن شاء الله معاها ، أحسن من أي حد .
فأجابت الأم : ونعم بالله يا بني .
فأكمل : وأتمني حضرتك تعتبريني زي أبنك ولو أحتجتي أي حاجة كلميني ، ولو البنى ادام ده أتعرض لها تاني ، عرفيني بس وأنا حأتصرف ، ثم أخرج من جيبه بطاقة مدون عليها كل أرقام الهواتف الخاصة به وأعطاها إليها وقال : أرجوكي أوعي تترددي في أنك تكلميني ، أرجوكي .
أما علي الجانب الأخر ، كانت ميس تقف تتحدث مع بعض زملائها من عملها السابق ، إلي أن قال زميلها نادر : مين الشاب الحليوة اللي قاعد مع مامتك هناك ده ، أنا أول مرة أشوفه .
فأجابته ميس : ده مدير في شركة الأستثمار اللي في العمارة اللي قدامنا .
فغمز لها نادر بخبث وقال : أيه ده أنتي لحقتي تتعرفي علي الجيران اللي قدامك .
فأجابته ميس بضيق : لا يا نادر ، بس الأستاذ كتر خيره كان في العمارة ، وسمع صلاح بيه وهو بيتهجم عليا وبيبهدلني ، ودخل أنقذني منه ، وأظن أقل واجب كنت أعمله أني أعزمه علي الأفتتاح .
فأجابت دينا وهي تنظر لنادر بغضب : ده أقل حاجة ، ربنا ينتقم من البنادم ده اللي مش عايز يسيبك في حالك .
نظرت لها ميس وقالت : ربنا يهدي ، بعد أذنكم .
توجهت ميس إلي والدتها وسيف وقالت : أنا أسفة أوي أتأخرت علي حضرتك .
نهض سيف عند قدومها حتي جلست ثم جلس وأردف قائلا: لا ابداً مفيش أسف ، أنا مستمتع جداً بالكلام مع الهانم والدتك .
فأبتسمت والدتها وقالت : لا هانم أيه يا بني ، قولي يا طنط ، ربنا يعلم أنا قلبي أنفتحلك من قبل ما أشوفك .
فأبتسم سيف واجابهاً : حاضر يا طنط ، القلوب عند بعضها .
وأثناء هذا وجد سيف من يقفز عليه من الخلف ثم يقبله بشدة علي وجنته ، التفت للخلف ليجد الفتاة الصغيرة التي كانت تبكي بالأمس وقالت : عمو حبيبي ، أنت جيت ، أنا بحبك أوي عشان ساعدت مامي .
نظر لها سيف بحب شديد وقال لها وهو يجلسها علي ساقه : حبيبة عمو ، أيه الجمال ده ، أنا اللي بحبك أوي ، ممكن بقي أعرف أسمك أيه .
فأبتسمت مريم وقالت : مريم .
نظر لها سيف وشعر أن طفولتها تداعب قلبه ، وجعلته يقع في حبها فقال لها : حبيبتي ، أحلي مريم شفتها في حياتي ، البرنسيسة مريم .
فرحت مريم كثيراً وهتفت لوالدتها قائلة : مامي ... مامي ... أنا برنسيسة .
فأبتسم سيف وقال : وأحلي برنسيسة كمان .
نظرت ميس لأبنتها مع سيف وقالت : أنتي يا حبيبتي ، أحلي بنوتة في الدنيا ، أنتي الدنيا كلها .
كان نادر يقف بعيداً يراقب كل ما يحدث ، ثم اتجه إلي خارج المكتب وقام بمهاتفة صلاح وأخبره بكل ما يدور بالداخل ، كما طلب منه .
أنتهي الحفل وبدأ الجميع في المغادرة ، ووقف سيف ليستأذن في المغادرة ولكنه عاد وسأل : أنتم ساكنين قريب من هنا .
فأجابت ميس : لا أحنا في مصر الجديدة .
فعاد ليسأل : طيب معاكي عربية .
فأبتسمت ميس واردفت قائله : هو معايا ومش معايا ، أصل عزيزة عملت بأصلها ومفكرتش تعطل الا في اليومين المهمين دول .
فضحك وقال : طيب يلا عشان أوصلكم .
فأجابته ميس : لا طبعا ، مينفعش نعطلك أكتر من كده ، أنا حأطلب أوبر .
فأقترب منها قائلاً : أعتبريني يا ستي أوبر ، وبعدين مينفعش أسيبكم لوحدكم ، وكمان أنتم في سكتي ، أنا ساكن في مدينة نصر ، يعني جيران ، يلي بينا .
ولَم يترك لها المجال للأعتراض مرة أخري ، حمل مريم علي كتفه ، وذهب ليطلب المصعد .
هبط الجميع واستقلوا جميعا السيارة وبدأ سيف في التحرك ، ولكن ما لم يكن يعلمه أن هناك من يراقبهم ويتتبعهم .
تري ماذا سيحدث ؟
أنتظروني في القادم عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية من نافذة قلبي" اضغط على اسم الرواية