رواية اقدار لا ترحم الفصل الثالث 3 - بقلم سيليا البحيري
بعد كام يوم، في مطعم شيك في وسط البلد — ترابيزة على جنب بتبص على شباك كبير من الإزاز
تاليا كانت بتضحك وهي بتلوّن رسمة سيلين ادتهالها، وسيلين قاعدة بتبصلها بابتسامة فيها وجع وحنين كتير.
وفجأة...
باب المطعم اتفتح، ودخلت نوال ماسكة إيد ولد صغير جميل — وليد — شبه حسام جدًا.
بصّت نوال حواليها تدور على ترابيزة... وفجأة وقفت مكانها.
عنّيها اتشبّتت في وش سيلين.
سيلين رفعت عنيها بهدوء، شافِت نوال... وابتسمت.
ابتسامة... باردة... وفيها نار.
نوال (بصوت واطي خالص، كأنها بتكلم نفسها): – مستحيل...
سيلين (ببرود، وكأنها بتتذوق طعم بين اللذة والانتقام): – لأ، مش مستحيل... دا كابوسك رجع، يا نوال.
نوال (بتتلجلج): – إ... إنتي... خرجتي؟! إزاي؟! (بصّة حواليها، مش مصدقة اللي بيحصل)
سيلين (بتحط كوباية العصير قدامها على مهَل): – مش مهم خرجت إزاي... المهم إني هنا. واقفة قدامك. حرّة. وبنتي ف حضني... مش عندكم، أنتو الغربان.
تاليا (ببراءة وهي بتشاور على وليد): – ماما! الولد دا معاه نفس لعبتي!
سيلين (بصة لوليد وبعدين لنوال، وتضحك بسخرية): – سبحان الله... حتى عيالكم بيقلدوا بنتي. (بتقرب من وليد وتنزل لمستواه بابتسامة): – إزيك يا وليد؟ عارف أنا مين؟
نوال (مرعوبة، بتشد ابنها وراها): – إبعدي عنه!
سيلين (بصوت عالي سامعه نص المطعم، بتهكم): – ليه؟ خايفة آخده زي ما انتو خدتوا بنتي وأنا في السجن؟ (وبصوت واطي في ودنها): – ولا خايفة أعلّمك يعني إيه "ندم أبدي"؟
نوال (بتحاول تتماسك): – إنتي مجنونة... إحنا اللي كسبنا، إنتي اللي خسرانة، ضيعتي خمس سنين من عمرك في زنزانة!
سيلين (بتقف من مكانها بهدوء، وتقف قدام نوال وجهاً لوجه): – آه، كنت في زنزانة...
بس إنتي، يا نوال، هتعيشي العمر كله في زنزانة الخوف اللي جواكي.
فاكرة يوم المحكمة؟ كنتي بتضحكي وأنا منهارة، صح؟
شوفي مين اللي بيضحك النهاردة.
نوال (بتحاول ترد، بس شفايفها بتترعش): – حسام... مش هيسيبك...
سيلين (بتضحك من غير صوت): – حسام؟ لما يبطل يرعش أول ما يسمع اسمي، كلميني.
قولي له إنّي بقول: "الجحيم لسه ما ابتداش يا عروسة حسام."
نوال (بصوت خافت): – إنتي ناوية تأذينا؟
سيلين (بتقرب منها وتهمس في ودنها): – لأ يا نوال...
أنا مش هأذيك...
أنا هعلّمك يعني إيه تتمني الموت كل يوم... وميرضاش ييجي.
تاليا (بتشد إيد أمها بلطافة): – ماما... خلصت الرسمة! تعالي شوفي!
سيلين (بصّة لبنتها، وابتسامتها بتتحوّل لحنان حقيقي): – جايه يا روح ماما...
(بصّت لنوال نظرة أخيرة قبل ما ترجعلها مكانها) – آخر نصيحة، يا نوال...
نامي كل ليلة وإنتي حاضنة ابنك كويس...
عشان أنا قريبة... أقرب ما تتخيّلي
********************
بعد ما نوال خرجت مباشرة
سيلين كانت لسه قاعدة، بتبص ناحية الباب بابتسامة فيها طعم الانتصار، بس باهتة...
جنبها تاليا كانت بتاكل قطعة الحلوى وهي مبسوطة، مش واخدة بالها إن العالم حواليهم بيولع.
وفجأة، ومن غير صوت،
قربت ست في أواخر العشرينات، شكلها حلو بس باين عليها التعب...
شعرها بني نازل على كتفها، وعنيها فيها نظرة بتخترق القلب…
دي كانت ليل.
وقفت عند ترابيزة سيلين، وابتسمت بهدوء.
ليل:
– ينفع أقعد؟… خمس دقايق بس.
سيلين (بصّة حذرة):
– على حسب… إنتي مين؟
ليل (قعدت من غير ما تستأذن):
– أنا حد... عنده سبب كفاية يكره نفس الناس اللي إنتي بتكرهيهم... حسام ونوال.
(بتحط نضارتها الشمس على الترابيزة، وعنيها بقت جد قوي)
سيلين (بنبرة فيها جمود):
– إنتي مين؟ وبتسألي عني ليه؟
ليل (بابتسامة خفيفة):
– عشانك سيلين... اللي خرجت من السجن بخطوة محدش فاهمها، وخوّفت نوال أول ما شافتك.
– واللي الكل دلوقتي بيتكلم عنها في السر.
سيلين (ترفع حاجبها باهتمام ساخر):
– الله… بقيت مشهورة وأنا مش واخدة بالي.
ليل:
– مشهورة إنك الوحيدة اللي خرجت... ولسّه عايشة.
(وقفة بسيطة)
– ولسّه ماشية في طريق الانتقام.
سيلين (ببرود):
– ولو افترضنا إن ده صح… إنتي مالك؟ عايزة تساعديني ليه؟
ليل (بابتسامة غامضة):
– نقول إن ليا تار عند حسام…
– ومفيش أحلى من الانتقام لما يكون بإيدين اتنين.
سيلين (بتضحك بسخرية):
– واثقة من نفسك أوي!
– إيش عرفك إني مش ممكن أكون شايفاكي جاسوسة ليه؟ ولا مبعوتة منه؟
ليل (تبص في عنيها بثبات):
– عشان عنيا زي عنيكي…
– فيها وجع، وخيانة، ونار لسه مولعة.
(بتهمس)
– وعنيا ما بتعرفش تكذب.
سيلين (تسكت شوية... تبصلها بتركيز، وبعدين تبتسم ببطء):
– حلو...
– طب قوليلي يا ليل…
(تميل ناحيتها شوية)
– إيه اللي عمله فيكي حسام؟
ليل (وشها يتشدّ، تضحك ضحكة سريعة مكبوتة):
– ما قولتش إني هجاوب على السؤال ده… مش دلوقتي على الأقل.
سيلين (تبتسم بثقة، تبصلها في عنيها):
– مش محتاجة تقولي...
– في حاجة فيكِ… نبرة صوتك، قعدتك، حتى نظرتك…
– إنتي مش بس بتكرهيه…
إنتي من ضحاياه.
(لحظة سكون تقيلة...)
ليل (تهز راسها ببطء، وصوتها لأول مرة يهتز شوية):
– كلنا كنا ضحاياه… كل واحد بطريقته.
سيلين (تفرد ضهرها، وابتسامتها تبقى أقوى):
– خلاص…
– بقينا اتنين دلوقتي، يا حسام.
– وأنا ووحدة زيي... ما بنرحمش لما نوصل لـ "نقطة اللاعودة".
ليل (تمد إيدها على الترابيزة بابتسامة قوية):
– شراكة… على جهنم.
سيلين (تبصلها، وترد بابتسامة أشد):
– على جهنم… وأبعد.
(يتصافحوا.
و تاليا بتضحك وهي بترسم قلب صغير على منديل،
من غير ما تعرف إن أمها لسه بدأت أكبر خطة انتقام في حياتها
******************
في فيلا عيلة سيف – الجنينة اللي ورا
الكل قاعد حوالين ترابيزة الفطار.
مازن بيضحك بخفة مع إيهاب، وياسمين بتحكي موقف يضحك، وتيا بتزن تطلب عربية جديدة.
هايدي قاعدة ساكتة، بتحاول تبتسم،
بس عنيها مليانة ديق... خصوصًا لما تلمح نظرات سليم وهدى وهي رايحة على ياسمين.
هدى (الأم):
– يا جماعة... نرجع لموضوعنا الأساسي!
(تبص على سيف بابتسامة حنونة)
– إمتى هنشوفك عريس بقى يا حبيبي؟
سيف (بيضحك بهدوء):
– يا ماما، الشغل واخد كل وقتي، لدرجة إني نسيت يعني إيه جواز وزفّة!
تيا (بتضحك وهي بتشرب العصير):
– طب وإحنا لما نتجوز قبلك، هتعمل إيه؟ تقعد في ركن الفرح وتعيّط؟ 😅
ياسمين:
– لا لا... سيف هيكون مشغول يعد فلوس الشغل بدل الدموع 😜
مازن (بضحكة خفيفة ونبرة هادية):
– سيف قلبه كبير… بس يمكن لسه ما دخلت حياته اللي تستاهله.
سليم (الأب، بيبص له بود):
– كلامك دايمًا يدخل القلب يا مازن.
هايدي (بنبرة باردة وهي بترشف القهوة):
– الحب ما بيأكلش عيش... كله كلام فاضي.
(تبص من طرف عينها على ياسمين اللي كانت بتضحك مبسوطة)
هدى (بابتسامة مجاملة):
– مش الكل شايف الحب كده… في ناس بتعيشه بصدق ووفا.
(تبص لياسمين بحنان)
ياسمين (بخجل):
– ربنا يخليكي يا طنط... إنتو بجد زي أهلي.
هايدي (بتخبي نظرة قهر وهي بتشد على فنجان القهوة):
– أكيد...
مازن (ببراءة، وهو بيبص لهايدي):
– وأنا محظوظ إنك في حياتي يا هايدي...
(هايدي ما بتردش... تبتسم ابتسامة ناشفة، والعيلة كلها تتبادل نظرات فيها شوية حزن)
سليم (يقطع الصمت بصوت هادي بس فيه نبرة حزن):
– أهم حاجة عندي… إنك تبقى مرتاح، وصحتك تفضل كويسة.
– أي حاجة تفرّحك، إحنا معاها... حتى لو مش عاجبانا.
مازن (يبتسم بحب ويحط إيده على إيد أبوه):
– إنت دايمًا ضهري يا بوي.
تيا (بخفة عشان تغيّر الجو):
– أنا قررت! فرح سيف لازم يكون في جنينة القصر... فيها شمع وورد وكوشة زي بتاعة الأفلام!
سيف (يضحك وهو بيبص لها):
– أول ما ألاقي بنت ما تخافش من ظِلّي، هخليكي أول واحدة تعرفي.
(ضحك خفيف يملأ الجو، بس هايدي تفضل ساكتة…
تشرب قهوتها بالراحة، وعنيها بتنزف غِل مكتوم...)
*****************
في شقة سيلين الفخمة – الدور اللي فوق – وقت الغروب
الشقة واسعة، نوافذها كبيرة بتطل على المدينة، والفرش عاجي شيك، وسجاد ناعم، والورد مالي الزوايا.
تاليا الصغيرة واقفة في نص الصالة، بتلف وبتضحك بفرحة وهي لابسة فستان بينك جديد،
وشعرها مربوط بشريطة بيضا ناعمة.
سيلين واقفة من بعيد بتتفرّج عليها، حاطة إيديها على صدرها، وابتسامة كلها دموع على وشها.
الدادة أمينة جنبها، بتحبس دموعها، وبتدعيلها بصوت واطي.
تاليا (بصوت رقيق وفرحانة):
– واااااو! البيت كبييييير… وفيه لمبة بتغيّر ألوان!
– والغرفة دي... فيها سرير ناعم زي المارشميلو!
(تجري على سيلين وتمسك إيدها)
– ماما… قصدي… آنسة سيلين، إحنا هنعِيش هنا على طول؟
سيلين (بتنزل لمستواها، وبتحضن وشها بإيديها):
– أيوه يا قلب ماما… هتعيشي هنا…
– في بيتك… ومعايا أنا.
تاليا (بترمش بدهشة):
– بس… سهر قالتلي إني ماعنديش ماما… قالتلي ماما ماتت.
سيلين (نبرتها مكسورة):
– كدبوا عليكي يا روحي…
(تتنهد وبتحضنها جامد)
– أنا مامتك يا تاليا… مامتك اللي كانت مشتاقالك كل يوم…
– مامتك اللي كانوا مخبّيينها عنك.
تاليا (بتبعد شوية ووشها متفاجئ، وعنيها بتلمع):
– إنتي… إنتي ماما؟
– ماما بجد؟ مش حلم؟
سيلين (بتضحك وهي بتمسح دموعها):
– مش حلم يا روح ماما… أنا مامتك، وهفضل جمبك دايمًا…
– ومفيش حد هيبعدنا عن بعض تاني، أبدًا.
تاليا (بتحضنها جامد، وبتعيط وتضحك في نفس الوقت):
– أنا عندي ماما! أخيرًا بقى عندي ماما!
(وبهمس)
– وسهر الشريرة راحت… مش هتضربني تاني، صح؟
سيلين (بتحضنها أكتر):
– لأ يا حبيبي… خلاص الكابوس خلص…
– من النهاردة، مفيش وجع…
– هتعيشي زي الأميرات.
الدادة أمينة (بتقرب منهم وهي بتعيط بهدوء):
– الحمد لله يا رب… رجعت البنت لحضن أمها.
(تمسح على شعر تاليا بحنية)
– تعالي في حضن أمينة يا سكر… أنا اللي ربيت ماما زمان، ودلوقتي هربّيكي إنتي كمان.
تاليا (بتضحك):
– يعني عندي ماما… و"أمينة"!
– النهاردة أحلى يوم في حياتي!
سيلين (تبص لأمينة بعنيها مليانة دموع):
– النهاردة… رجّعت قلبي يا أمينة.
– قلبي الصغير اللي اسمه… تاليا.
التلاتة قاعدين مع بعض على الكنبة الكبيرة،
تاليا بتضحك،
أمينة بتدعيلهم،
وسيلين أخيرًا بتبتسم من قلبها…
بس عنيها… فيها لسه ظل الانتقام
لسه مخلصش
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية