Ads by Google X

الروايات كاملة عبر التلجرام

رواية ثنايا الروح "الريح والغيامة" الفصل الخامس والثلاثون 35 - بقلم رانيا الخولي

الصفحة الرئيسية

 رواية ثنايا الروح "الريح والغيامة" الفصل الخامس والثلاثون 35 - بقلم رانيا الخولي 

ثنايا الروح 
رانيا الخولي 
الخامس والثلاثون 
......................
كان المقهى هادئًا في ذلك الوقت من اليوم، مكانًا مثاليًا للقاء بعيدًا عن الأعين. 
جلس جاسر ونغم على طاولة في زاوية منعزلة يفصل بينهما صمت أثقل من أي كلام. 
استئذن منها ليأتي بمشروب لها ثم عاد حاملاً إياه بنفسه
وضع جاسر كوب العصير امامها
_اشربي.
كان يرتدي نظارة شمسية داكنة، تخفي عينيه لكنها لا تخفي تركيزه المطلق عليها. 
كانت نغم تشعر بنظراته تحوم فوقها، تتفحص وجهها، يديها، كل حركة تصدر منها. 
كانت نظرات لا تستطيع قراءتها لكنها تشعر بحرارتها، مزيج من الشوق واللهفة والترقب.
بدأ الندم يتسلل إلى قلبها لماذا وافقت على هذا اللقاء؟ ماذا كانت تتوقع؟ أن يتغير؟ أن يعتذر؟ كل الأفكار التي رتبتها في رأسها تبخرت، وتركتها عاجزة عن النطق. 
شعرت بأنها ارتكبت خطأ فادحًا بالمجيء إلى هنا.
لم تعد تحتمل هذا الصمت الخانق تحركت فجأة ونهضت من مقعدها عازمة على الرحيل.
_ أنا لازم أمشي.
لكن قبل أن تخطو خطوة واحدة، امتدت يده بسرعة البرق وأمسكت بمعصمها. 
لم تكن قبضة عنيفة بل كانت حازمة ومتمسكة ومليئة برجاء صامت.
_ استني.
نظرت إلى يده التي تمسك بها ثم رفعت عينيها لتواجهه
لم تكن ترى عينيه خلف النظارة لكنها شعرت بتغير في نبرة صوته عندما تحدث.
_ لو إنتِ مش لاجية كلام تجوليه... أنا عندي... عندي كلام كتير جوي.
كان هناك شيء في صوته، شيء لم تسمعه من قبل رجاء حقيقي، ضعف لم يكن يليق بجاسر التهامي الذي تعرفه هذا التناقض أربكها، وجعلها تتراجع وتجلس على مقعدها مرة أخرى، وهي تسحب يدها من قبضته بهدوء.
خلع جاسر نظارته ووضعها على الطاولة، كاشفًا عن عينين تحملان عاصفة من المشاعر.
_ ارجعيلي يا نغم.
قالها مباشرة دون مقدمات كلمة بسيطة لكنها كانت تحمل وزن شهور من الألم والندم.
_ ارجعي بيتك وأنا مستعد أعمل أي شيء عشانك، أي شيء تطلبيه.
نظرت إليه ببرود حاولت أن تتصنع به القوة لقد سمعت هذا الوعد من قبل.
_ أي شيء؟
أكد بلهفة لم يستطع إخفاءها.
_ أي شيء.
قالت بهدوء، وهي تلقي بقنبلتها التي كانت تعرف أنها ستصيبه في مقتل.
_ طلج شروق.
تجمدت ملامح جاسر واختفت اللهفة وحل محلها تعبير معقد من العجز والألم أدار وجهه بعيدًا للحظة، ثم عاد لينظر إليها وقد عادت نظراته القوية لكن هذه المرة كانت تحمل مرارة.
_ ده... صعب حاليًا على الأجل إنتِ عارفة وضعي مع عمي، وعارفة إن الچوازة دي كانت شرط عشان...
قاطعته بحدة ساخرة
_ عشان يكسروني أكتر؟
تجاهل سخريتها واقترب بجسده من الطاولة وخفض صوته كأنه يبوح بسر مقدس.
_ اسمعيني يا نغم، شروق طول عمر عمي عايز يچوزها ليا بس انا كنت بتهرب منيها، وبعد ما عرفتك الموضوع اترفض تماماً بس لما اتزاع في البلد كلام مش زين عليا وعليها كان لازمن اتچوزها غصب عني
صدجيني يا نغم، أنا عمري ما لمستها ولا هفكر ألمسها. 
حتى لو مفيش أمل إننا نرجع لبعض، مكانك في جلبي وفي بيتي محدش هياخده هي مجرد اسم على ورج وهتفضل إكده.
كان يرجوها لكن بشموخه المعتاد. 
لم يقل "أرجوكِ"، لكن كل حركة منه كانت تصرخ بها.
هزت رأسها برفض قاطع وقد استعادت قوتها.
_ وأنا مستحيل أجبل بضُرة مستحيل أكون زوچة تانية في حياة أي راجل، حتى لو كانت الأولى مجرد اسم على ورج زي ما بتجول كرامتي متسمحليش.
استمر الجدال بينهما هو يصر ويعد، وهي ترفض وتقاوم
لكن بعد دقائق، سألها بصوت يائس 
_يعني ده آخر كلام عنديكى؟
بدأت نغم تشعر بشيء غريب شعرت بأن رأسها يثقل فجأة، وكأن ضبابًا كثيفًا بدأ يغزو عقلها. 
_ا...ه...اه آخر...كلا..م
الكلمات أصبحت غير واضحة، وصوت جاسر بدأ يبدو بعيدًا ومشوشًا.
رفعت يدها إلى صدغها وحاولت أن تركز.
_ماشي يا نغم يبجى انتِ اللي اختارتي.
لم تفهم شيء مما تفوه به وتمتمت بصوت غير مفهوم
_ أنا... أنا....مش... جادرة...
نظرت إلى جاسر لكن صورته بدأت تهتز وتتراقص أمام عينيها. 
الرؤية أصبحت ضعيفة والألوان باهتة آخر ما استطاعت فعله هو أن تنطق باسمه بصوت ضعيف، صوت أشبه بالهمس صوت يستنجد به من الظلام الذي بدأ يبتلعها.
_ جاسر...
ثم انطفأ كل شيء وقبل أن تسقط التقفتها ذراعي جاسر قبل ان تغيب عن الوعي
في السيارة..
جلس جاسر في مكانه يراقبها وهي تغرق في نوم عميق لم يكن على وجهه أي تعابير للدهشة أو القلق.
بل كان هناك هدوء مخيف هدوء رجل نفذ خطته بنجاح لقد كان يعلم أنها سترفض كان يعلم أن كبرياءها وكرامتها لن يسمحا لها بالعودة بهذه السهولة. 
لذلك كان قد أعد خطته البديلة.
لقد وضع المخدر في العصير دون أن تلاحظ لأنه إذا لم تعد إليه برضاها... فسيعيدها بقوته كما فعل في المرة الأولى.
❈-❈-❈
كانت ليلى تلاحظ صمت أكمل المفاجئ وتجمده في مكانه تتبعت نظراته لتجدها مثبتة على إحدى العاملات في المحل لم تفهم سر هذا التركيز، لكنها شعرت بتوتر غريب يملأ الهواء.
_ أكمل... أكمل في إيه؟
لم يرد كان عالمه قد انحصر في تلك المرأة الواقفة على بعد أمتار، وفي الحقيقة المروعة التي رآها بعينيه لم يكن يسمع صوت ليلى، لم يكن يشعر بوجودها حتى.
مدت ليلى يدها وهزت ذراعه بقوة أكبر وصوتها يحمل مزيجًا من الحيرة والغضب.
_ أكمل! بكلمك! مالك بتبص على البنت دي كده ليه؟ أنت تعرفها؟
هنا فقط، انتبه أكمل لوجودها، كمن يستيقظ من كابوس. 
التفت إليها لكن عينيه كانتا فارغتين، باردتين، كأنه ينظر من خلالها قال بصوت أجش وحازم، لا يقبل أي نقاش
_ ليلى، وقفي تاكسي وروحي.
اتسعت عيناها بصدمة.
_ أروح؟! أروح فين وأسيبك كده؟ عايزة أفهم مين دي الأول وإيه اللي بيحصل!
لم يعد لديه أي قدرة على التحمل أو التظاهر نظر إليها بحدة، وصرخ فيها لأول مرة في حياتهما معًا صرخة مكتومة لكنها عنيفة.
_ قولتلك امشي، دلوقتي.
تجمدت ليلى في مكانها من الخوف
لم ترى هذا الجانب من أكمل من قبل هذا الغضب البارد، هذه القسوة في عينيه. 
دون أن تنطق بكلمة أخرى استدارت وخرجت من المحل بسرعة، وقلبها يخفق بالرعب والارتباك.
في تلك الأثناء، كانت صبر تريد أن تبتلعها الأرض كانت تريد أن تهرب، أن تختفي، لكن عينيه كانتا تحبسانها في مكانها، تجردها من أي قوة. 
شعرت بالدموع الحارقة تتجمع في عينيها، تهدد بالهطول في أي لحظة.
بعد أن خرجت ليلى بدأ أكمل في التحرك سار نحوها ببطء، خطواته ثقيلة ومدروسة، كخطوات مفترس يطوق فريسته لم يتكلم، بل اكتفى بالصمت صمت كان أشد رعبًا من أي صراخ كان يدمر أعصابها ببطء، ويجعلها تتمنى لو أنه صرخ أو ضربها، أي شيء سوى هذا الصمت القاتل.
توقفت عيناه عند بطنها المنتفخة وبحركة لا إرادية، غريزية، وضعت صبر كلتا يديها على بطنها، كأنها تحاول أن تحمي جنينها من نظراته الحارقة، من غضبه الذي لم ينطق به بعد.
عندما رأى حركتها هذه، رفع عينيه ليواجهها مباشرة ذاب الجليد في عينيه، وحل محله لهيب من الغضب المكتوم قال بصوت حازم، صوت آمر لا يمكن عصيانه
_ يلا... معايا.
ارتجفت وحاولت أن تتراجع خطوة إلى الوراء، وهمست بصوت متقطع.
_ أ... أروح فين... أنا... أنا في شغلي.
هنا، انفجر غضبه المكبوت صرخ فيها بصوت جعل كل من في المحل يلتفت إليهم.
_ قلت يلا.
تقدم أحد زملائها في العمل، رجل في منتصف العمر محاولاً التدخل بهدوء.
_ يا بيه اهدى بس، مالك بيها؟ لو فيه مشكلة نقدر نحلها...
استدار إليه أكمل ونظر إليه نظرة جعلت الرجل يتمنى لو أنه لم يتكلم.
_ وأنت مالك؟! دي مراتي!
ألقى كلمته كقنبلة في وسط المحل، ثم عاد إلى صبر التي كانت ترتجف من الخوف لم يمنحها فرصة أخرى أمسك بذراعها بقوة وسحبها خلفه، متجاهلاً نظرات الجميع المصدومة.
سحبها خارج المحل وفتح باب سيارته، ودفعها إلى الداخل لكن برفق. 
أغلق الباب بقوة واستدار ليجلس في مقعد القيادة انطلق بالسيارة بسرعة جنونية، متجهًا بها إلى شقته، الشقة التي كان من المفترض أن تكون عش الزوجية مع ليلى، والتي أصبحت الآن... مسرحًا للمواجهة التي ستحدد مصيرهم جميعًا.
❈-❈-❈
كانت الشقة غارقة في هدوء وصمت، لا يكسره سوى صوت انفاسه تحرك مالك بخفة وحذر داخل المكان الذي كان يعرفه جيداً، خطواته صامتة كشبح لم يكن من المفترض أن يكون هنا، ولم يكن من المفترض لكن عليه ذلك كي يطوي تلك الصفحة من حياته.
كانت خطته بسيطة وحاسمة: يدخل بهدوء مستخدماً نسخته من المفتاح، يتجه مباشرة إلى درج مكتبه حيث يحتفظ بنسخته من عقد الزواج العرفي، يأخذها يمزقها ويغادر دون أن يترك أي أثر خلفه سوى الفراغ. 
كان يريد أن يمحو هذا الفصل من حياته كأنه لم يكن، أن ينهي الأمر بضربة واحدة قاضية وصامتة، دون مواجهة، دون كلمات، ودون دراما.
وصل إلى المكتب الصغير في زاوية غرفة المعيشة، وفتح الدرج ببطء 
رأى الورقة المطوية أمامه، تنهد بارتياح خفي لقد أوشك الأمر على الانتهاء مد يده ليلتقطها...
وفجأة، تجمد جسده بالكامل
شعر بذراعين تلتفان حول خصره من الخلف، ودفء جسد أنثوي يلتصق بظهره بقوة. 
ثم جاء صوتها همساً دافئاً في أذنه مليئاً بالشوق.
_ وحشتني.
للحظة لم يستطع التنفس لقد كانت هنا كل خططه، كل حذره، كل شيء انهار في ثانية واحدة. 
لم تكن في مأمورية عمل كانت هنا طوال الوقت.
استدار ببطء، وانتزع نفسه من حضنها بحركة حاسمة أربكتها
وقفت سيدرا أمامه، ترتدي ملابس منزلية فخمة، وعلى وجهها مزيج من السعادة المفاجئة لرؤيته والحيرة من رد فعله البارد.
_ مالك! أنت هنا؟ إمتى جيت؟
نظر إليها بعينين باردتين كالثلج، لم يكن هناك وقت للمجاملات أو التمهيد لقد تم كشفه والآن يجب أن ينهي المعركة التي بدأت للتو.
_ لسة واصل وكنت ماشي تاني.
عبست ملامحها بعدم فهم.
_ ماشي؟ ماشي رايح فين؟ وأنت لسة واصل.
_ ماشي من هنا راجع مصر نهائي.
قالها ببرود قاطع وهو يلتقط ورقة العقد من الدرج المفتوح.
اتسعت عيناها بصدمة وعدم تصديق، وهي تراه يمسك بالورقة التي تمثل الرابط الوحيد بينهما.
_ أنت... أنت بتقول إيه؟ مالك، فيه إيه؟
_ أنا رجعت مصر عشان أستقر واتجوزت.
ألقى بالقنبلة دون أي تردد يريد أن ينهي الأمر بأسرع وقت ممكن.
هنا انفجر كل شيء، تراجعت خطوة إلى الوراء وضحكت بمرارة وهستيريا.
_ اتجوزت؟! إمتى ده حصل؟! وإزاي؟ وأنا هنا زي الهبلة بستناك!
ثم تحول ضحكها إلى غضب ناري، وتقدمت نحوه وهي تصرخ.
_ أنت بتضحك عليا يا مالك؟ كنت بتتسلى بيا كل الفترة دي؟! بعد كل اللي عملته عشانك؟! بعد ما فرشتلك الأرض ورد عشان بس ترضى عني؟!
عندما رأى انفعالها تصلبت ملامح مالك أكثر. 
لقد جاء لينهي الأمر ولن يسمح لها بقلب الطاولة عليه.
قال بنبرة حادة كالشفرة، يذكرها بالأساس الذي بنيا عليه علاقتهما.
_ ده كان اتفاقنا من الأول يا سيدرا، إنتِ نسيتي ولا إيه؟
نظرت إليه بصدمة، فتابع بنفس القسوة الباردة
_ اتفاقنا كان واضح زواج عرفي سري، ومؤقت علاقة بين حيطان الشقة دي، تنتهي بمجرد ما حد فينا يقرر يرجع بلده بشكل نهائي، أنا قررت أرجع والاتفاق انتهى.
صاحت به بغضب وقهر
_ لأ مكنتش صريح أنت خدعتني يوم ما اتجوزنا، يوم ما كنت المفروض تكون ليا، هربت مني خرجت من الأوضة وسبتني لوحدي زي أي قطعة أساس ملهاش لازمة اتحملت إهانتك دي وقلت أكيد لما يحبني هييجي لحضني وفي الآخر، وبعد ما اتحملت السنين دي كلها عايز تمحي اللي بينا وتطلقني بالسهولة دي؟!
تقدم منها مالك خطوة وقصر المسافة بينهما، ونظر في عينيها مباشرة بتحدي جليدي وصوته كان كالصقيع.
_ أه منكرش إني ضعفت في البداية قدام كل اللي قدمتيه بس ضعفي مغيرش من حقيقة قلبي. 
قلبي عمره ما كان ليكي يا سيدرا، وإنتي كنتي عارفة كده كويس كنتي بتراهني على حصان خسران من الأول، وبتخدعي نفسك مش أنا اللي خدعتك.
انا محبتش ولا هحب غير روح وانتي قبلتي بده وقولتي انك وافقة على أي وضع
ولو تفتكري برضه اني قولتلك وقت ما أفكر أرجع الورقة دي هتتقطع برضه وافقتي، يبقى تعترضي بناءً على ايه؟
لم يمنحها فرصة للجدال رفع ورقة زواجهما العرفي أمام عينيها المذهولتين وبحركة واحدة عنيفة مزقها إلى نصفين، ثم إلى أربعة وألقى بالقصاصات في وجهها ببرود.
_ وخلاص... طلقتك.
كانت كلمته الأخيرة قاطعة كحد السيف، روح هل تزوج روح
لكنها لم تستسلم صرخت به
_بقى حتة عيلة تعمل فيك كدة وتخسرني انا.
تشنج فمه ولم يعد يستطيع التحكم باعصابه
تقدم منها وأمسك عنقها بقبضته ليرفع وجهها إليه وقال من بين أسنانه بلهجته الأم
_جولتلك جبل سابج وهجولها تاني، روح خط أحمر اي إهانة منك لها هخلص عليكي في وجتها ومش هيهمني.
استدار وتوجه نحو الباب دون أن ينظر خلفه مرة واحدة، تاركاً إياها واقفة وسط قصاصات الورق المتناثرة على الأرض، ووسط حطام أحلامها التي تحطمت في لحظة.
أمسك بحقائبه التي كان قد أعدها واتجه نحو الباب دون أن ينظر خلفه 
خرج من الجناح السري وأغلق الباب خلفه ثم خرج من الشقة بأكملها، تاركًا وراءه حياة كاملة لم يكن يعرف عنها أحد.
في الشركة دخل مكتب ناجي مباشرة.
_ ناجي أنا عايز كل أوراقي ومستحقاتي أنا استقالتي نهائية.
نظر إليه ناجي بصدمة.
_ مالك! إيه اللي حصل؟ ليه فجأة كده؟
لم يرد مالك على سؤاله، بل سأله هو بهجوم.
_ إزاي متقوليش إن سيدرا رجعت من السفر؟
ارتبك ناجي.
_ والله ما كنت أعرف يا مالك! أنا نفسي اتفاجئت لما شفتها الصبح قالت إنها خلصت مهمتها ورجعت مكنتش أعرف إنك مش عارف.
أدرك مالك أن ناجي لم يكن له يد في الأمر تنهد وقال بنبرة أكثر هدوءًا.
_ خلاص يا ناجي مش مهم جهزلي كل حاجة أنا لازم أمشي.
بعد أن أنهى كل إجراءاته، أخذ مالك أغراضه واستقل سيارة أجرة لم يعد إلى الشقة، بل توجه إلى فندق بعيد في منطقة أخرى من المدينة حجز غرفة، وألقى بنفسه وبحقائبه فيها لقد أغلق كل الأبواب خلفه والآن، كل ما عليه فعله هو الانتظار حتى صباح اليوم التالي ليعود إلى مصر، إلى حياته الحقيقية وإلى زوجته... روح.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن 
كانت غرفة الفندق هادئة وصامتة لا يكسر صمتها سوى صوت عقارب الساعة التي تدق ببطء، كأنها تعد الثواني المتبقية لعودته إلى وطنه الحقيقي... إلى روح. 
كان مالك يجلس على حافة السرير ينظر من النافذة الواسعة إلى أضواء دبي المتلألئة دون أن يراها حقاً. 
عقله كان هناك في مصر مع زوجته 
فجأة قُطع حبل أفكاره بصوت طرقات حادة وعنيفة على باب الغرفة.
نهض باستغراب من يمكن أن يكون في هذا الوقت؟ 
توجه نحو الباب وفتحه بحذر ليتجمد في مكانه عندما وجدها أمامه سيدرا 
كانت تقف كعاصفة على وشك الانفجار، عيناها تطلقان شرراً.
رد فعله كان غريزياً وفورياً هم بغلق الباب في وجهها يريد أن ينهي هذا الكابوس قبل أن يبدأ. 
لكنها كانت أسرع وضعت يدها وقدمها لتمنعه من إغلاقه ودفعت الباب بقوة ودلفت إلى الداخل وهي تقول بحدة وصوت يرتجف من الغضب
_ للدرجة دي مش طايق تشوف وشي؟ نسيت كل حاجة بالسهولة دي يا مالك؟
أغلق الباب خلفها ببطء واستدار ليواجهها ببرود قاطع، كجدار من الجليد.
_ مكنش فيه حاجة أصلاً عشان أنساها.
كانت كلماته كصفعة شهقت بصدمة وتقدمت نحوه بغضب أكبر.
_ مكنش فيه حاجة؟ والحب اللي حبيتهولك؟ وأيام الوحدة اللي كنت جنبك فيها وسند ليك في غربتك؟ دموعك... دموعك اللي مكنتش بتأمّن حد عليها غيري، كل ده مكنش حاجة؟
هنا انفجر مالك لقد ضغطت على الجرح الخطأ. 
انفعل عليها بصوتٍ متحشرج وقاسٍ، وعيناه تقدحان غضباً لأنه لم يعد يحتمل هذا الابتزاز العاطفي.
_ دموعي؟ كويس إنك لسة فاكرة لأنك عارفة كويس أوي الدموع دي كانت عشان مين!
اقترب منها كالمتهم الذي يواجه شاهده الزور.
_ الدموع دي مكنتش عشانك كانت عشانها عشان روح عشان حبيبتي اللي كنت بموت في اليوم ألف مرة وأنا بعيد عنها وإنتي كنتي عارفة كنتي شايفة وساكتة وبتستغلي ضعفي!
واصل هجومه الكاسح يلقي بالحقائق في وجهها كالحجارة.
_ أنا عمري ما اديتك أي أمل إنتي اللي جيتي وعرضتي عليا كل حاجة إنتي اللي أقنعتيني بالجواز العرفي لما شفتيني منهار ولما قلتلك بالحرف الواحد "صعب ألمس واحدة غير روح" قلتلي إيه؟ قلتلي أنا هنسيهالك فاكرة؟
لم يمنحها فرصة للرد، وذكّرها باليوم الذي حفر في ذاكرته كرمز لخطئه.
_ يوم ما مضينا العقد، يوم ما دخلنا الشقة كـ متجوزين مقدرتش أقرب منك. 
خرجت من الأوضة وقلتلك صعب... مقدرش 
ومع ذلك كملتي قولتلك مفيش أمل قولتلي "أنا معاك ومع الوقت هتحبني".
نظر في عينيها مباشرة ونطق بالحقيقة القاتلة التي كانت تهرب منها دائماً.
_ وأنا... محبيتش وعمري ما حبيت ودلوقتي خلاص اتجوزت حبيبتي اتجوزت اللي قلبي عمره ما دق لغيرها.
نظرت إليه بيأس وبصوتٍ منكسر حاولت أن تلعب على وتر شفقته للمرة الأخيرة.
_ يعني خلاص... هتتخلى عني؟
رغم أن الكلمة لم يكن لها أي أساس من الصحة في نظره، فالعلاقة كانت منتهية قبل أن تبدأ، إلا أنه قرر أن يقتلع هذا الوهم من جذوره حتى لو كان ذلك بقسوة
_ أه بتخلى.
كانت كلمته الأخيرة قاطعة كحد السيف.
وقفت للحظات تنظر إليه بصدمة كأنها لا تصدق أنه قالها بهذه البساطة القاتلة ثم استدارت وخرجت من الغرفة وهي في قمة غضبها وانكسارها، وصفعت الباب خلفها بقوة هزت أركان الغرفة.
بقي مالك واقفاً في مكانه يلهث قليلاً من أثر المواجهة لم يشعر بالانتصار، بل شعر بالمرارة. 
لقد أغلق فصلاً مؤلماً من حياته لكنه الآن يجب أن يعود ليواجه العاصفة الحقيقية... عاصفة قلب روح المجروح.
❈-❈-❈
فتحت نغم عينيها ببطء، وشعرت بثقل في رأسها وجفاف في حلقها لم تكن في غرفة المستشفى البيضاء، ولا في غرفتها في بيت الجبل كان المكان غريبًا تمامًا، كانت نائمة على سرير كبير ومريح، مغطاة بغطاء ثقيل.
جلست بسرعة وشعرت بدوار خفيف. 
حاولت أن تتذكر لكن آخر ما تتذكره هو أنها كانت في المقهى... مع جاسر. 
كانت تتجادل معه ثم شعرت بألم في رأسها، وبدأ كل شيء يختفي...
جاسر.
انقبض قلبها بالخوف والغضب، لابد أنه هو لقد فعلها مرة أخرى.
نهضت من السرير وخرجت من الغرفة بحذر وجدت نفسها في صالة واسعة، يغلب عليها الطابع الرمادي، وهذا ما أكد انه هو من آتى بها.
وفي نهايتها شرفة كبيرة تطل على النيل
وكان هو يقف هناك.
كان جاسر واقفًا في الشرفة، وظهره لها يتحدث في الهاتف.
استمعت إليه وهو ينهي مكالمته بحدة
_...لأ محدش يعرف مكاني خليك متابع كل حاچة وأي چديد تبلغني بيه فورًا.
ما إن أغلق الهاتف حتى لم تعد تستطع كبت غضبها صرخت فيه بصوت يرتجف من القهر
_ أنت!! أنت عملت فيا إيه؟! جبتني هنا إزاي؟!
استدار جاسر ببطء وكأنه كان يتوقع انفجارها لم يكن على وجهه أي تعابير للدهشة، بل كان هناك هدوء مستفز هدوء رجل يسيطر تمامًا على الموقف.
_ صحيتي؟ كنت لسه هعملك جهوة تفوجك.
اقتربت منه كالعاصفة ووقفت أمامه مباشرة، وعيناها تقدحان شررًا.
_ جهوة؟! أنت چيبتني اهنه كيف؟
وضعت يدها على رأسها وحاولت التذكر 
_انت...انت..حطتلي حاچة في العصير.
نظر إليها ببرود ولم ينكر.
_ حطيتلك اللي يخليكي تسمعيني بهدوء، من غير ما تهربي في نص الكلام.
صاحت به وهي تتقدم منه وتضربه على صدره بقبضتيها الصغيرتين لكنه لم يهتز، كأنها تضرب جدارًا من الصخر.
_ أنا بكرهك! بكرهك! فاهم يعني إيه بكرهك؟! أنت إيه؟! بجولك مش عايزاك، وبرضه بتلاحجني زي ضلي!
أمسك بيديها برفق وأبعدهما عن صدره لكنه لم يتركهما ظل ممسكًا بهما، وهو ينظر في عينيها مباشرة.
_ لو الكره ده هو التمن اللي هدفعه عشان تفضلي معايا أنا موافج.
حاولت أن تسحب يديها، لكنه شدد من قبضته.
_ سيب إيدي ورجعني موطرح ما جبتني!
_ مش هسيبك ومش هرجعك.
قالها بهدوء حاسم، لا يقبل الجدال.
_ بيتك هنه يا نغم معايا.
ضحكت بمرارة ودموع الغضب بدأت تلمع في عينيها.
_ بيتي؟! هو فين بيتي ده؟
ده سجن! وأنت سجاني وأنا مستحيل أعيش مع واحد أهله دمروا أهلي، وواحد أبوه كان السبب في موت أبويا!
لأول مرة ظهر الألم في عينيه عند ذكر والده.
_ وأنا مستعد أعتذرلك عن كل ده مستعد أكون أي حاچة تطلبيها، بس تسامحيني وتديني فرصة.
هزت رأسها بعناد وهي تحاول أن تحرر نفسها من قبضته.
_ مفيش فرص بينا يا جاسر اللي بينا دم وتار وكسرة جلب كل ما هشوف وشك هفتكر كل اللي عملتوه فينا هفتكر عدي اللي مات وهو بيحاول ينقذني منيك!
تألم من كلماتها لكنه لم يتراجع.
_ وأنا كل ما هشوفك هفتكر إني لجيت روحي اللي كانت ضايعة هفتكر إني مستعد أحرج الدنيا كلايتها عشان تفضلي في حضني.
قالت بتحدي، وهي تنظر في عينيه مباشرة.
_ يبجى هنتحرج إحنا التنين لأني عمري ما هكون ليك، عمري ما هسامحك.
نظر إليها مطولاً ثم ارتسمت على شفتيه شبه ابتسامة غامضة.
_ هنشوف يا نغم الأيام بينا طويلة وأنا صبري أطول 
دلوجت ادخلي ارتاحي ولما تهدى أعصابك، نبجى نكمل كلامنا.
ترك يديها فجأة واستدار ليعود إلى الشرفة تاركًا إياها واقفة في مكانها، ترتجف من الغضب والعجز لقد حاصرها مرة أخرى في قفصه الذهبي، وكان يراهن على أن الزمن... وقربه منها... كفيلان بتحطيم عنادها، وجعلها تستسلم له في النهاية.
❈-❈-❈
أغلق أكمل باب الشقة خلفهما، وصوت القفل وهو يغلق كان كصوت إغلاق باب زنزانة على صبر. 
تجمدت في مكانها قرب الباب، لا تجرؤ على التحرك أو حتى التنفس بعمق.
كانت الشقة فسيحة وأنيقة لكنها شعرت بأن جدرانها تطبق عليها وأن الهواء أصبح ثقيلاً وساخنًا.
استدار أكمل ليواجهها لم يتكلم. 
كان يقف هناك كتمثال من الغضب الصامت وعيناه مثبتتان عليها، تخترقانها، تحللانها، وتدينانها في آن واحد. 
كان هذا الصمت أشد رعبًا من أي صراخ كانت تشعر بموجات الغضب تنبعث منه، ورأت في عينيه عاصفة من الخيانة والألم والارتباك.
حاولت أن تتكلم، أن تبرر، أن تقول أي شيء يكسر هذا الصمت المريع فتحت فمها، لكن لم يخرج أي صوت، حلقها كان جافًا تمامًا ولسانها التصق بسقف فمها.
بدأت الدنيا تدور بها لم يكن مجرد دوار عادي بل شعرت وكأن الأرض تميد تحت قدميها بقع سوداء بدأت تتراقص أمام عينيها، وأطرافها شعرت بها باردة وثقيلة حاولت أن تستند على الحائط، أن تقاوم هذا الضعف الذي اجتاحها فجأة لكن جسدها خانها لقد استنفدت كل طاقتها في الخوف والتوتر.
تأوهت بصوت خافت وبدأت ركبتاها في الارتجاف. 
وقبل أن يسقط جسدها بالكامل على الأرض كان أكمل قد تحرك بسرعة البرق.
_صبر...
في تلك اللحظة تبخر كل الغضب، وتلاشت كل الأسئلة لم يعد يرى المرأة التي خدعته بل رأى صبر الفتاة الهشة التي كانت بين يديه على وشك الانهيار اندفع نحوها ولحق بها قبل أن ترتطم رأسها بالأرض.
لف ذراعيه حولها وشعر بثقل جسدها المرتخي بين يديه.
_ صبر...
نطق اسمها بخوف حقيقي خوف نابع من أعماق قلبه، نسي معه كل شيء آخر نسي الخيانة، ونسي الطفل، ونسي كذبتها كل ما كان يراه هو وجهها الشاحب وعينيها المغلقتين.
حملها بين ذراعيه بسهولة وركض بها إلى غرفة النوم وضعها برفق على السرير ووقف للحظة ينظر إليها بقلق شديد. 
لمس جبينها فوجده باردًا ورطبًا من العرق.
أخرج هاتفه بسرعة ويداه ترتجفان قليلاً بحث في جهات الاتصال عن رقم الدكتور مجدي، طبيب النساء الذي يسكن في نفس العمارة والذي تعرف عليه بالصدفة. 
ضغط على زر الاتصال وشرح الموقف بسرعة وقلق.
لم تمر سوى دقائق قليلة حتى كان الطبيب يطرق الباب أدخله أكمل بسرعة إلى الغرفة بعد فحص سريع، نظر الطبيب إلى أكمل نظرة مطمئنة.
_ متقلقش يا أكمل بيه ده نتيجة إرهاق وتوتر، وشكلها كمان مش بتتغذى كويس. 
الضغط عالي شويتين ودي حاجة متطمنش في الوقت ده من الحمل أنا اديتها حقنة هتفوقها بس لازم أول ما تصحى وتسترد قوتها تجيلي العيادة فورًا عشان نعمل فحوصات كاملة ونطمن على وضعها ووضع الجنين.
هز أكمل رأسه بالموافقة وشكر الطبيب ورافقه إلى الباب.
عندما عاد إلى الغرفة وجدها لا تزال نائمة جلس على حافة السرير، وعيناه لا تفارقان وجهها كانت مشاعره في حالة فوضى عارمة. 
كان الغضب لا يزال هناك يغلي تحت السطح، الشعور بالخيانة كان لا يزال حادًا ومؤلمًا. 
لكن الآن اختلط به شعور آخر، شعور قوي بالقلق بالخوف عليها، وبمسؤولية غريبة تجاهها وتجاه هذا الكائن الذي ينمو بداخلها.
كيف يمكن أن يكرهها ويخاف عليها في نفس الوقت؟ كيف يمكن أن يشعر بالرغبة في معاقبتها وفي حمايتها في آن واحد؟
نظر إلى بطنها المنتفخة، ثم إلى وجهها البريء في نومه لقد انقلب عالمه رأسًا على عقب في أقل من ساعة. 
ولم يكن يعرف كيف سيعيد ترتيب هذا العالم، أو حتى من أين يبدأ كل ما عرفه في تلك اللحظة، وهو يراقب أنفاسها الهادئة هو أن القصة... لم تكن بالبساطة التي تخيلها.
❈-❈-❈
محاولات كثيرة بالاتصال لكنه لا يجيب. 
قام بحظرها لكنها لم تستسلم وفعلتها من رقم آخر ظل يعد الساعات والدقائق حتى جاء موعد انطلاق الطائرة وعاد إلى بلده.
كانت فرحة عارمة تلك التي استقبلت مالك حين خطت قدماه عتبة السرايا. 
تجمع الكل حوله الجد والأعمام والجميع فرحين بعودته النهائية. 
كانت الوجوه مبتسمة والكلمات ترحيبية لكن العيون الفاحصة لاحظت شيئاً مختلفاً فيه
كان هناك إرهاق يطغى على ملامحه وبرود في عينيه لم يعتادوه منه.
_ حمدلله على السلامة يا ولدي نورت بيتك.
قالها جده وهو يحتضنه بقوة.
_ الله يسلمك يا جدي.
أجاب مالك بصوتٍ مجهد.
سألته والدته بقلق وهي تمرر يدها على وجهه
_ مالك يا حبيبي وشك أصفر كده ليه إنت تعبان؟
هز رأسه نافياً وهو يحاول رسم ابتسامة باهتة.
_ لأ يا أمي أبداً ده بس تعب السفر والطريج طويل.
قالت روح التي كانت تقف بجانبه وتتشبث بذراعه كأنها تخشى أن يختفي مرة أخرى
_ طب اطلع ارتاح في أوضتك يا مالك شكلك مرهق جوي.
وافق الجميع على اقتراحها وأصروا على أن يصعد ليرتاح.
ما إن أغلق باب جناحهما خلفه حتى تغير كل شيء.
في لحظة خاطفة استدار مالك وأغلق الباب خلفهما بالمفتاح
كان صوت نقرة القفل حاداً ونهائياً كأنه يعزل جناحهما عن العالم الخارجي بأكمله. 
لم يمنح روح فرصة لتتحدث أو حتى لتلتقط أنفاسها في خطوتين كان أمامها، يداه القويتان أمسكتا بذراعيها وفي اللحظة التالية كان يخطفها إلى حضنه وفمه يطبق على فمها بقوة جائعة ويائسة.
لم تكن قبلة شوق فقط بل كان أشبه بمحاولة عنيفة لطرد شيطان يسكنه لإطفاء نيران تلتهم روحه من الداخل. 
كانت قبلته مزيجاً غريباً ومخيفاً لم تعرفه من قبل، خليط من الشوق المرير والغضب المكتوم والألم الذي يكاد يفتت روحه. 
كانت يداه تتجولان على ظهرها بقوة، تشدانها إليه كأنه يخشى إن أرخى قبضته أن تتبخر وتختفي.
تجمدت روح للحظة تحت وطأة هذا الهجوم المفاجئ لكنها سرعان ما شعرت بما هو أعمق من العنف. 
شعرت باحتياجه المطلق لها أحست بأنه يحارب معركة داخلية طاحنة، معركة خسر فيها كل أسلحته وأنه يرى فيها طوق النجاة الوحيد، المرسى الأخير في محيط هائج. 
استسلمت له لفت ذراعيها حول رقبته وبادلته قبلته محاولة أن تسكب فيها كل ما تملكه من حنان وسلام، على أمل أن يجد في قربها بعض السكينة.
لكن عنفه بدأ يزداد قليلاً دون وعي منه أصبحت قبلاته أكثر قسوة، وقبضته على خصرها أشد إيلاماً لم يعد يراها، كان يرى فقط أشباحه التي يقاتلها من خلالها. 
هنا دق ناقوس الخطر في عقلها ليس خوفاً منه، بل خوفاً عليهما معاً. 
ضغطت على صدره العريض برفق، وبالكاد استطاعت أن تجمع أنفاسها لتهمس بصوت لاهث ومتقطع
_ مالك... بالراحة... أنا حامل.
كانت كلماتها الثلاث كدلو من الماء الجليدي أُلقي عليه كانت كصفعة مدوية أعادته من حافة الهاوية إلى أرض الواقع. 
ابتعد عنها فجأة خطوة، ثم خطوتين، وكأنه أفاق من كابوس مروع ورأى للتو حجم الدمار الذي كاد أن يسببه. 
اتسعت عيناه بالرعب وهو ينظر إليها، ثم إلى بطنها ثم يعود بوجهه إليها.
كانت ملامحه تحمل ألماً يفوق الوصف، مزيجاً من الأسف والذنب وكراهية الذات.
_ أنا آسف... آسف يا روح... والله آسف... مكنتش......
فتحت فمها لتسأله لتهدئه لتقول له إن كل شيء على ما يرام، لتعرف ما الذي حطمه بهذا الشكل لكنه رفع رأسه قليلاً ووضع إصبعه على شفتيها برفق، وكانت عيناه تتوسلان إليها.
_ هششش... أرجوكي... مش عايز أي كلام مش هجدر أسمع حاچة ولا أجول حاچة خليكي بس في حضني عايز هدوء.
أغمض عينيه وأعاد رأسها إلى حضنه الدافئ، مستسلماً تماماً للصمت ولدفء قربها الذي كان الشيء الحقيقي الوحيد والنقطة المضيئة الوحيدة في عالمه المظلم والمضطرب.
بعد وقت طويل وروح مستلقية على الفراش ومالك يضع رأسه في حضنها وبرأسه قرارات متناقضة
تارة يود اخبارها، وتارة أخرى يخشى من رد فعلها
أما هي فكانت تنظر إليه بحيرة كانت تظن أن حالته تلك بسبب عودة نغم لزوجها لكن هو كان يعلم مسبقاً وأيد ذلك.
تريد ان تعرف منه، تريد ان تسأله عن سبب حالته لكنها فضلت الصمت كما طلب منها.
❈-❈-❈
أفاقت صبر على صداع عنيف يضرب رأسها بقوة
فتحت عينيها ببطء وصعوبة بالغة، ونظرت حولها لتجد الغرفة فارغة تمامًا، لا أثر لأي شخص حاولت النهوض من السرير لكنها شعرت بإرهاق شديد وألم مبرح في بطنها كأن سكينًا يُغرس فيها.
سمعت باب الشقة يُغلق بالخارج، صوت خافت لكنه واضح تلته خطوات سريعة في الصالة تقترب من غرفتها. 
حاولت أن تقوم مرة أخرى مستجمعة ما تبقى من قوتها لكنها صرخت فجأة صرخة مكتومة حين زاد عليها الألم بشكل لا يُحتمل.
فُتح الباب ودخل أكمل الذي سألها بلهفة وقلق واضحين على وجهه
- صبر مالك؟ في إيه؟ إيه اللي حصل؟
حاولت أن تتكلم لكن الألم كان أقوى منها أجابت بصوت متقطع
- مفيش أنا بس تعبانة شوية
نظر أكمل إليها بعينين متفحصتين رغم قلقه الواضح كان فيه تحفظ غريب في كلامه في طريقة نظراته.
_ خلينا نروح للدكتور دلوقتي حالاً عشان نطمن.
هزت رأسها برفض ضعيف.
_ ملوش لزوم أنا زينة شوية وهبجى تمام.
لكنه أصر بحدة لم تعتدها منه.
_ مفيش حاجة اسمها كويسة دلوقتي لازم نروح.
ثم وضع كيس بلاستيكي كبير على المنضدة بجانب السرير.
_ جبتلك أكل من بره كلي قبل ما ننزل.
نظرت إلى الأكل ثم إليه.
_ مش عايزة مليش نفس.
جرحها بكلامه الذي خرج بارداً قاسياً.
_ ده مش عشانك ده عشان ابني أو بنتي مش أكتر.
أخرج الطعام من الكيس ووضعه أمامها
شعرت بصفعة قوية على وجهها، لكن ماذا كانت تنتظر منه.
ابتلعت غصتها وأكلت غصباً عنها كل لقمة كانت تنزل بصعوبة كأنها حجارة. 
كانت عيناها معلقتين بالطبق لكن عقلها كان يدور في دوامة من الأسئلة المخيفة لماذا يتصرف أكمل هكذا؟ ما الذي يخبئه؟ هل هو قلق عليها حقاً أم على الجنين فقط؟ هل يمكن أن يأخذ ابنها منها ويطردها؟ هذه الفكرة كانت كابوساً يطاردها منذ أن رأته.
كان أكمل جالساً على المقعد الجانبي يتحاشى النظر إليها مباشرة.
كانت ملامحه جامدة لكن عينيه كانتا تخطفان نظرات سريعة إليها كل بضع ثواني كي يتأكد إذا كانت تتناول طعامها أم لا. 
شعر بالحنق من نفسه بعد كل ما فعلته معه بعد كل الخيانة التي ارتكبتها مازال قلبه الخائن يحن إليها مازال يشعر بقلق غريب تجاهها كان يكره هذا الشعور ويكره ضعفه أمامها.
عندما انتهت من طعامها حمل الطاولة الصغيرة وأعادها للمطبخ ثم تطلع إليها بفتور مصطنع.
_ هتقدري تمشي؟
أومأت له بصمت وهي تحاول أن تجمع قواها
نهضت بصعوبة شديدة والوهن تمكن منها
كانت على وشك أن تسقط لولا أنه مد يده ليساندها، لمسة يده كانت كالصدمة لمسة باردة لكنها قوية شعرت بقشعريرة تسري في جسدها لمسة تحمل الكثير من التناقضات.
خرجت معه ونزلوا للطابق الثاني حيث عيادة الطبيب..
.....
في عيادة الدكتور كان الجو متوتراً بشكل لا يطاق الصمت كان ثقيلاً ومادياً يطبق على المكان كأنه يمهد لخبر كارثي. 
بعد فحص دقيق ومطول وبعد مراجعة نتائج التحاليل السريعة التي طلبها، خلع الدكتور نظارته ووضعها على الطاولة أمامه نظر إلى أكمل وصبر بجدية قاتمة لم يسبق لها مثيل.
_ للأسف مش هقدر أطمنكم.
تعلقت عينا صبر بالدكتور بلهفة ممزوجة بالرعب، وشعرت بقلبها يهوي في بئر سحيق.
_ في إيه يا دكتور طمني.
قال الدكتور بوضوح قاطع، وكل كلمة كانت كضربة مطرقة.
_ ضغط الدم عندك مرتفع جداً يا مدام صبر وده ممكن يسبب حالة بنسميها "تسمم الحمل ".
اتسعت عينا أكمل بصدمة حقيقية لم يكن يتوقع هذا على الإطلاق.
_والحل ايه يا دكتور؟
رد الطبيب 
_الحل إننا نحجزها في المستشفى عشان نكون مطمنين.
_ والحجز ليه؟
قال الدكتور مباشرة وبنبرة لا تحتمل الجدال موجهاً كلامه لأكمل
_هكون صريح معاكم ومخبيش حاجة، لإن الجنين في خطر حقيقي والأم أكتر.
الضغط العالي ده بيقلل تدفق الدم والأكسجين للمشيمة، وده ممكن يسبب توقف نمو الجنين أو انفصال المشيمة المفاجئ
أي حركة زيادة أي إجهاد بسيط، أي توتر ممكن يكون هو الزناد اللي يبدأ الكارثة لازم حجز فوري في المستشفى تحت الملاحظة الدقيقة على مدار الساعة.
شعر أكمل بأن الأرض تميد به  كانت ترن في أذنيه كرصاصات
للحظة تبخر كل غضبه وكل كبريائه، وحل محله رعب خام، رعب نقي من أن يفقدها أن يفقد طفله. 
نظر إلى صبر رأى وجهها الشاحب وعينيها المذعورتين وهي تضع يدها على بطنها بخوف وشعر بأن قلبه يتمزق.
لكن هذا الرعب نفسه هو ما أيقظ شيطاناً آخر بداخله. 
شيطان الخوف من هروبها، فكرة وجودها في المستشفى بعيداً عن عينيه حيث يمكن لها أن تهرب... كانت فكرة لا تطاق.
رفض بشدة وبنبرة حاسمة كأنها صدرت من صخر نبرة ولدت من رحم الخوف المطلق.
_ لأ مفيش مستشفى أنا عايزك تعمل كل حاجة بس في البيت.
نظر إليه الدكتور باستغراب لم يستطع إخفاءه، وكأنه يرى رجلاً مجنوناً.
_ بس ده مش ممكن يا أستاذ أكمل ده انتحار الحالة محتاجة أدوية وريدية للضغط، ومراقبة مستمرة لنبض الجنين واستعداد فوري لعملية قيصرية طارئة في أي لحظة المستشفى هي المكان الوحيد اللي ممكن نضمن فيه سلامتها وسلامة الجنين!
اشتعلت عينا أكمل بالغضب غضب يائس لرجل محاصر. 
حاول السيطرة على صوته الذي خرج متحشرجاً ومخيفاً.
_ أنا بقولك اعمل كل حاجة في البيت هجيبلك كل اللي تحتاجه
هجيب ممرضات ٢٤ ساعة هحول أوضة في البيت لغرفة عناية مركزة لو لزم الأمر. 
هجيب أي جهاز تطلبه هجيب أي حاجة بس مراتي مش هتتحجز في مستشفى.
نظرت صبر إلى أكمل بصدمة أكبر ورعبها منه فاق رعبها من المرض لم تفهم سبب رفضه القاطع، هل هو قلق على طفله لهذه الدرجة؟ أم أن هناك سبباً آخر، سبباً مظلماً؟ كانت تشعر بالخوف يتسلل إلى كل خلية في جسدها. 
خوف على جنينها وخوف منه هو 
هل يخاف أن تهرب؟ هل يفضل أن تموت بين يديه على أن تخرج من سجنه؟
حاول الطبيب أن يقنعه مرة أخيرة، بنبرة شبه متوسلة.
_ يا أستاذ أكمل، أنا أقسمت قسم إني أحافظ على حياة المرضى
اللي بتطلبه ده ضد قسمي وضد المنطق، حياة المريضة والجنين في خطر وشيك.
قاطعه أكمل بحدة
_ وأنا مسؤول عن كل حاجة يا دكتور مسؤول عن حياتها وحياة اللي في بطنها بس مراتي مش هتخرج من البيت.
❈-❈-❈
وقفت نغم في منتصف الغرفة، تطل على أضواء القاهرة التي تتلألأ من كل اتجاه، كانت الشقة أشبه بتحفة فنية معلقة في السماء، كل قطعة فيها مختارة بعناية فائقة لكنها في عينيها لم تكن سوى قفص، قفص ذهبي لكنه يظل قفصاً.
لقد فعلها مرة أخرى.
خطفها اقتلعها من عالمها من أهلها من حياتها الهشة التي بدأت تستعيدها بصعوبة وألقى بها هنا 
لم تكن هناك قيود حديدية هذه المرة، لم يكن هناك حراس بوجوه عابسة يقفون على الباب. 
كان هناك صمت مطبق، بل يهمس بالعزلة.
تنهدت بمرارة لقد تعلم الدرس من المرة السابقة هذه المرة السجن أكثر تطوراً، وأكثر عزلة وأكثر إيلاماً لأنه يخاطب العقل لا الجسد.
حاولت البحث عن مخرج
لكنها تعرف جاسر ليس غبياً هو أذكى وأدهى مما تتخيل، هو بالتأكيد قد أمن كل شيء لكن لكل نظام ثغرة ولكل سجان نقطة ضعف.
عادت إلى غرفة النوم وجلست على حافة السرير، أغمضت عينيها وبدأت تفكر بعقلانية متجاهلة الخوف والغضب اللذين يعصفان بقلبها.
لكن هذه المرة كان التفكير مختلفاً. 
لم يكن هناك غضب نقي أو رغبة واضحة في الانتقام كان هناك تردد حيرة مؤلمة تمزقها.
جزء منها الجزء الذي يحمل ندوب الماضي يصرخ بها: 
"اهربي حاربي لا تسمحي له بأن يكسرك مرة أخرى تذكري خيانته، تذكري رسالة شروق، تذكري كل دمعة ذرفتيها بسببه لا تكوني غبية"
لكن جزءاً آخر جزء نما في الخفاء ورعاه الشوق يهمس لها: 
"ولماذا تهربين؟ إلى أين؟ هل كنتِ سعيدة حقاً بدونه؟ تذكري رجاءه في عينيه أمام منزلك. 
تذكري كيف تخلى عن كبريائه من أجلك تذكري اعترافه بأنه يحبك ألم يكن هذا ما كنتِ تتمنينه في أعماقك؟"
شعرت بأنها تقف على حافة جرف خطوة إلى الوراء تعني العودة إلى حياة آمنة لكنها فارغة وباردة وخطوة إلى الأمام تعني السقوط في المجهول، في حضن رجل هو سبب ألمها ومصدر شغفها في آن واحد.
هل تستطيع أن تثق به مرة أخرى؟ هل تغير حقاً؟ أم أن هذا مجرد وجه آخر من وجوهه المتقلبة، لعبة جديدة أكثر دهاءً من سابقاتها؟
فتحت عينيها ونظرت حولها هذا القفص الذهبي... لم يصممه سجان لضحيته. 
لقد صممه رجل لمليكته كل تفصيل فيه يصرخ بالاهتمام، بالذوق الرفيع بالرغبة في توفير الراحة المطلقة هذا لم يكن سجناً للانتقام، بل كان ملاذاً قسرياً.
وهنا أدركت الحقيقة التي ترعبها نقطة ضعف جاسر لم تعد فقط حبه لها لقد أصبحت هي أيضاً نقطة ضعف نفسها. 
ترددها هو سجّانها الحقيقي.
نهضت وسارت نحو الشرفة الزجاجية مرة أخرى. 
وضعت كفها على الزجاج البارد وشعرت ببرودته يتسلل إلى يدها لكنه لم يستطع إطفاء النار المشتعلة في صدرها.
لم تعد تعرف ماذا تريد هل تريد الحرية بدونه؟ أم تريد العبودية معه؟ هل تكرهه لأنه سجنها، أم تحبه لأنه جعلها مركز عالمه لدرجة أنه لم يجد حلاً آخر سوى أن يسجنها ليحتفظ بها؟
كانت حائرة ضائعة ومترددة وأدركت أن المعركة القادمة لن تكون بينها وبين جاسر بل ستكون بينها وبين نفسها بين نغم التي تريد النجاة ونغم التي تريد أن تُحَب وأيهما ستنتصر سيحدد مصيرها إلى الأبد.
...............
عادت صبر مع أكمل إلى شقتهما الجديدة وكل خطوة كانت تخطوها على الأرضية الرخامية كانت تثير في نفسها موجة من القلق لم يكن خوفاً على نفسها، فقد تبلدت مشاعرها تجاه مصيرها بل كان خوفاً عميقاً ومتجذراً على الكائن الصغير الذي ينمو بداخلها، والذي أصبح محور وجودها وسببها الوحيد للاستمرار.
جلس أكمل على أقرب مقعد في الصالة وأشار لها بيد مرتعشة قليلاً لتجلس. 
كان يحاول بجهد أن يرتدي قناع وكيل النيابة الهادئ والمسيطر، لكن خلف هذا القناع كان هناك رجل مرعوب، رجل اكتشف قبل ساعات قليلة أنه سيصبح أباً، وأن طفله وأمه كانا يعيشان في ظروف لم يكن ليتخيلها في أسوأ كوابيسه.
جلست صبر على حافة الأريكة المقابلة له في وضع استسلام كامل لم تعد لديها طاقة للمقاومة أو الجدال كل ما تريده هو أن ينتهي هذا الكابوس.
كسر أكمل الصمت بصوته الذي حاول أن يجعله رسمياً لكنه خرج أجشاً من فرط المشاعر المكبوتة.
_ جيتي القاهرة إزاي وكنتي قاعدة فين الفترة دي كلها؟
أطرقت صبر برأسها وأخفت عينيها التي امتلأت بظلال الحزن وكأنها تسترجع شريطاً سينمائياً مؤلماً.
_ بعد ما طردتني... مكنش ينفع أرجع لأبويا. 
كنت هبجى عار عليه وحمل زيادة. مكنتش أعرف حد في الدنيا دي كلها أروحله غير ليان صاحبتي اللي كنت ساعات بكلمك عنها.
رفعت عينيها إليه للحظة وفي نظرتها عتاب صامت.
_ استقبلتني في بيتها وفتحتلي جلبها قبل بابها بعد فترة جبتلي شغل في محل ملابس. 
كنت بحاول أجف على رچلي من غير ما احتاچ لحد، بس بعدها بفترة تعبت جوي ولما روحت للدكتور... جالي إني حامل.
قالت الكلمة الأخيرة بصوت خفيض وكأنها سر لا تزال تخشى البوح به أمامه.
_ أول تلات شهور كانوا أصعب حاچة في حياتي كنت تعبانة على طول والعلاج كان غالي مكنتش منتظمة عليه عشان الفلوس. 
جوز ليان راجل ابن حلال كان بيدفع إيجار الشجة لوحده وأنا كنت بصر على ليان إني لازم أشاركها في مصاريف البيت والأكل باللي بجدر عليه.
أخذت نفساً طويلاً وكأن الكلمات تستنزف آخر ما تبقى من قوتها.
_ صاحبة الشغل الحاجة فاطمة، كانت ست طيبة وبتعتبرني زي بنتها لما عرفت بظروفي وحملي، كانت بتخليني أقف مكانها في المحل عشان متعبش نفسي في المواصلات، وكانت بتديني يومية زينة فضلت على الحال ده... لحد ما جيت أنت ولجيتني.
شعر أكمل بنيران الغضب تشتعل في صدره، غضب موجه بالكامل نحو نفسه كيف سمح لكبريائه وغضبه أن يعميه إلى هذا الحد؟ كيف تركها تلجأ للغرباء ليساندوها في أصعب أوقات حياتها، بينما كان هو، زوجها ووالد طفلها يعيش حياته غافلاً عن معاناتها؟
_ وليه مرحتيش لأبوكي؟
سأل بانفعال لم يستطع السيطرة عليه.
ارتسمت ابتسامة ساخرة وموجوعة على وجه صبر.
_ أبويا؟ وتفتكر أبويا كان هيعيشني معاه ويصرف عليا أنا واللي في ب

•تابع الفصل التالي "رواية ثنايا الروح" الريح والغيامة" اضغط على اسم الرواية 

ملحوظة

يرجى التنبية: حقوق الملكية محفوظة لدى المؤلفون ولم تسمح مدونة دليل الروايات pdf نسب الأعمال الروائية لها أو لشخص غير للكاتب الأصلي للرواية، وإذا نشرت رواية مخالفة لحقوق الملكية يرجى أبلغنا عبر صفحة الفيسبوك
google-playkhamsatmostaqltradent