رواية اقدار لا ترحم الفصل الثلاثون 30 - بقلم سيليا البحيري

 رواية اقدار لا ترحم الفصل الثلاثون 30 - بقلم سيليا البحيري

فصل 30
الجو مشحون بالعاطفة والهدوء، وتيا بدأت تهدأ وتستعيد قوتها، لكنها لا تزال مرتبكة من كل ما كُشف. عندها، يتنحنح سيف ويقف بجانب السرير
سيف (بصوت هادئ وجاد): لو تسمحوا… عايز أتكلم مع تيا لوحدنا شوية.
الجميع ينظر له باستغراب لحظة، ثم والدهم سليم يبتسم فهمًا ويومئ برأسه
سليم (بنبرة حازمة ولطيفة):قوموا، خلوا أخوها الكبير يحكي معاها شوية… يمكن يقدر يوصل لقلبها أكتر مننا كلنا.
ينهض الجميع بهدوء… سيلين تبتسم لتيا وتهمس لها "أنتِ قوية يا أميرة"، قبل أن تغادر مع البقية. يغلق سيف الباب خلفهم ويتنهد، ثم يعود ليجلس بجانبها على الكرسي
سيف (بابتسامة ناعمة): أخيرًا لوحدنا، أنا وإنتِ… زي زمان.
تيا (بابتسامة حزينة): زمان… لما كنت تجيب لي شوكولاتة بعد المدرسة وتقول لي: "الأميرات ما يبكوش".
سيف (يمد يده ويمسك يدها بلطف):وإنتِ لسه أميرة… بس كبرتي، وقلبك كبر معاكي.....قوليلي، تحبي تحكيلي اللي جوّاك؟
(تيا تتردد لحظة ثم تنهار بصدق وراحة)
تيا: أنا مش فاهمة حاجة، سيف… كنت بحب آسر، بس هو ما يعرفش حتى إنّي موجودة…
ولما جي أمير… حسّيت بحاجة تانية… اهتمامه، كلامه، نظراته…بس برضو… مش عارفة هو حاسس بشيء ولا لأ......أنا ضايعة بين إحساسين… وبكره نفسي إني محتارة بالشكل ده.
سيف (ينظر لها بعطف شديد): متكرهيش نفسك تيا. مشاعرك دليل على إنك حية… وإن قلبك لسه في أول خطواته.....الحب مش اختيار يا تيا، بس الاستمرار فيه… هو اللي محتاج وعي.
تيا (بهمس): أختار مين، يا ابيه؟
سيف (ينظر في عينيها بثبات):ما تختاريش دلوقتي… خليكِ صادقة مع قلبك، بس ذكية بعقلك.
اللي يستاهلك، هيبان… مش بالكلام، بالفعل......آسر… ولا أمير… ما فيهم حد يستحقك إلا لو شفتِ فعلاً إنه بيحترمك، بيخاف على قلبك، مش بيشوفك مجرد لعبة أو لحظة إعجاب.
تيا (بدموع خفيفة):شكراً، يا سيف… أنت مش بس أخويا… أنت فعلاً أبويا التاني.
سيف يبتسم ويقبل جبهتها بلطف، ثم يمسح دمعتها بأصبعه
سيف (بمرح خفيف): ويلا قومي بسرعة… عايزين نرجّع الأمير لعرشه.
تضحك تيا للمرة الأولى منذ دخولها المشفى، وسيف ينهض ليخرج من الغرفة بينما ينظر إليها بفخر
***********************
في فيلا عيلة هايدي – أوضة المعيشة الفخمة
أبواب الفيلا بتتفتح بعنف، وهايدي داخلة زي الإعصار، شنطتها الغالية في إيدها، وبتخلع جزمتها بالكعب العالي وهي متنرفزة.
بتقع على الكنبة كأن حد حدفها، وبتزعق بصوت عالي
هايدي (بانفجار):
وقاحة! إهانة! أنا هايدي البحيري! أتهزّق قدام الكل في المستشفى؟! أنا؟!
يدخل أبوها "زاهر" لابس روب  نوم شيك، باين عليه التكبر من صغره، وراها أمها "قسمت" ماسكة كباية عصير، وساندي – أختها الشيطانة الصغيرة – داخلة بتضحك وهي بتعكّ في لبانة وبتستمتع بالمنظر
زاهر (رافع حاجبه):
اتطردتي؟! منين؟ ومين اللي اتجرأ؟!
هايدي (بتقوم من مكانها، بتلوّح بإيديها):
من مستشفى العيلة! بعد ما تيا – الهبلة دي – وقعت من على السلم… والسبب؟ خناقة تفهى بيني وبينها عشان دفترها السري… البت وقعت وأنا بقيت أنا المجرمة!
قسمت (عاملة نفسها مصدومة):
دفتر؟! هي كتبة فيه إيه؟ فضايحك؟!
هايدي (بعصبية):
تفاهات مراهقين! بتحب اتنين في نفس الوقت، ولا فارقة معاها دراستها ولا سمعة العيلة!
وأنا؟ بقيت أنا اللي زقيتها!
وسليم؟
سليم طردني قدام الناس كأني شغالة عندهم!
زاهر (بعصبية):
والراجل؟! فين مازن؟ ساكت؟!
جبان!
هايدي (باحتقار):
مازن؟ الغبي؟!
واقف زي الشبح، حتى وهو تعبان ما فتحش بقه.
بيخاف من أهله… شكله بقى بيخاف من عيلته كمان!
يا ربي… حتى وهو مريض ملوش كرامة!
ساندي بتقعد وبتحط رجل على رجل، وبتضحك ضحكة لادغة
ساندي (بسخرية):
بصراحة؟ تستاهلي.
من أولك وانتي بتتعالي عليهم ومفتكرة نفسك فوق الكل.
ودلوقتي؟ طارت هيبتك، وسمعتك بقت مسخرة…
ومازن؟ بيدبل زي الورد في البرد، وانتي مش عارفة تحافظي عليه!
هايدي (بدموع في عينيها وهي بتزعق):
اخرسي!
أنا هايدي!
هايدي البحيري!
مستحيل أتهزم!
مستحيل أتهزق كده!
كلهم هيدفعوا التمن!
قسمت (ببرود):
بس شكلك اتهزمتي خلاص…
البنت الصغيرة وقعتك، وجوزك؟ كأنه مش شايفك أصلاً…
زاهر (بصوت بيفكر):
لازم نرجّع كرامتك… لازم نردّ اعتبارك.
لو هما طردوكي… يبقى نوقعهم من جوا.
هايدي (بصوت حاد):
أنا ما خلصتش…
وسيلين؟
هتندم… مش عشان رجوعي،
لا…
عشان كل نفس تنفسّته من ساعة ما خرجت من السجن.
ساندي (بتصفق بإيدها وببتسامة شريرة):
هايدي الشريرة رجعت…
بس لو احتاجتي حد، متنسيش إن ساندي أقوى منك بكتير.
هايدي تبصّ لها ببرود،
عارفة إن أختها الصغيرة مش سهلة،
بس اللعبة لسه في أولها…
**********************
هايدي (بتقوم فجأة من مكانها، تلف شعرها بعصبية وتقول بنبرة كلها غِل):
تتخيلوا؟ كل اللي حصل… كل الإهانة دي… كانت بسبب عيّلة!
بنت عندها خمس سنين… تاليا! بنت سيلين!
هي اللي فتحت بقها وقالت قدام الكل إن تيا كانت بتتخانق معايا… ومن ساعتها، كل البلاوي نزلت فوق دماغي!
قسمت (رافعه حواجبها بدهشة):
تاليا؟ بنت سيلين؟
سيلين عندها بنت؟!
هايدي (بضحكة مكسورة وبصوت عالي مشحون):
أيوه، عندها بنت!
بنت من جوزها الأول… اللي دخلها السجن، واللي محدش عارف وساخة علاقتهم كانت عاملة إزاي!
ورغم كل ده، سيف البحيري! ابن الأصول!
راح واتجوزها!
اتجوز مطلقة… ومعاها بنت كمان!
وسماها "مراته" بفخر!
تخيلوا القرف!
زاهر (بينفجر غضب وبيخبط على الترابيزة):
سيف البحيري؟!
يتجوز مطلقة… معاها عيلة؟!
إيييييه العار ده؟!
قسمت (تتظاهر بالاستغراب):
والكل ساكت؟
سليم وهدى وعيالهم؟ ساكتين كده؟!
ساندي (بتضحك بقسوة وهي بتعكّ في اللبانة):
البنت دي… سيلين… شكلها بتلعب لعبها صح أوي.
دخلت العيلة من أضيق باب… وراحت ماسكة القصر بإيد من حديد.
وبنتها؟
هي السبب اللي طردك؟
واو يا هايدي… شوفي انتي بقيتي فين!
هايدي (بتصرخ والدموع في عنيها):
عشان أنا الوحيدة اللي شايفة حقيقتها!
الوحيدة اللي وقفة في وشها!
بس لا…
أنا لسه ما خلصتش!
خلّيهم يستهينوا بيا…
بس وقتي جاي!
وسيلين؟
هفضحها… وهولّع في كل حاجة حواليها!
زاهر (عنينه بتلمع طمع):
لازم نلاقي نقطة ضعفهم…
ولو كانت البنت نفسها!
هايدي (بتبتسم بخبث):
وأنا عارفة فين أضرب!
الكل بيتبادل النظرات… والمكر بيزيد،
وهايدي عينيها بتوعد: سيلين؟
مش هتتهنّي باللي هي فيه
********************
في شركة آسر – طابق الإدارة، مكتب الرئيس التنفيذي.
المساء، الإضاءة خافتة شوية، والمكتب فاضي تقريبًا.
آسر قاعد ورا مكتبه الفخم، لابس بدلة شيك، وعينيه فيها لمعة مكر.
تدخل السكرتيرة "نغم" – بنت شيك، ذكية، ومن فترة وهي ملاحظة تصرفاته في صمت.
نغم (وهي بتحط شوية ملفات على مكتبه وبتبتسم):
كل حاجة جاهزة لاجتماع بكرا مع شركاء دبي، أستاذ آسر.
بس عندي سؤال… لو ما فيش إحراج يعني؟
آسر (من غير ما يرفع عينه من الورق، بنبرة فيها لعب):
نغم… لو له علاقة بالشغل قولي، إنما لو فضول؟ خليّه ليوم ما نكون فاضيين.
نغم (تضحك بخفة وبتتردد):
الموضوع مش شغل…
بس الصراحة، كل الناس في الشركة بتتكلم…
بجد بتحب رهف؟ أخت حسام؟ ولا ده كله تمثيل؟
آسر يرفع عينه ليها ببطء، ونظرة في وشه فيها سخرية وتحدّي، وبعدين يضحك ضحكة باااردة.
آسر (يميل على المكتب بنبرة قاطعة وجليدية):
رهف؟
البنت اللي بتصدق أي كلمة حلوة تتقال؟
دي وسيلة يا نغم… وسيلة أخلّي بيها حسام يدفع التمن.
زي ما سرق مننا كل حاجة… هسرق منه أهم حاجة عنده.
نغم (تتجمد في مكانها):
يعني… أنت مش بتحبها؟ ولا حتى شوية؟!
آسر (يضحك بقسوة):
حب؟ أنا؟
أنا بحب الانتقام، نغم.
ورَهف؟ غبية… بريئة أكتر من اللازم.
مصدقة إنها عايشة قصة حب… بس الحقيقة؟
هي عايشة قصة انتقام، أنا اللي كاتبها… والقلم؟ بدم أخوها.
نغم (بصوت واطي، وعنيها فيها صدمة):
بس… دي بتحبك بجد.
آسر (يقف، ويقرب منها بنبرة ناعمة وشيطانية):
ولما تقع من فوق السما وتفوق على الحقيقة…
ساعتها بس حسام هيعرف يعني إيه وجع بجد.
مش إنه يتعور… لأ.
الوجع الحقيقي لما يشوف إن حد بريء اتكسر بسببه.
نغم تبص له بدهشة، وساكتة مش قادرة ترد.
آسر يبعد عنها، ويرجع يقعد على كرسيه بكل برود.
آسر (بلامبالاة):
اقفلي الباب وراكي يا نغم… عندي خطة جديدة محتاجة أرسمها النهاردة.
نغم تطلع من المكتب بهدوء، بس وشها متوتر،
وفي سرّها، بتسأل نفسها…
هي شافت بداية سقوط راجل؟
ولا نهاية واحدة غلبانة… اسمها رهف؟
*******************
قدّام مكتب آسر في شركته – الدور الأخير – الساعة قرّبت تبقى خمسة العصر.
رهف لابسة فستان بسيط وشيك، شايلة في إيدها علبة شوكولاتة فاخرة، ووشّها منوّر بابتسامة خجولة. كانت ناوية تفاجئ آسر بزيارتها.
وصلت لباب المكتب، رفعت إيدها عشان تخبط،
بس وقفت فجأة لما سمعت أصوات جوا…
صوت آسر، وصوت نغم السكرتيرة.
صوت آسر من جوّه المكتب، بنبرة ساخرة وقاسية: رهف؟ البنت الطيبة اللي بتصدق أي كلام؟
دي مجرد وسيلة… وسيلة أخلّي بيها أخوها حسام يدفع التمن.
مصدقة إنها عايشة قصة حب؟ لأ يا نغم، دي عايشة قصة انتقام…
مكتوبة بدم أبويا اللي مات مظلوم.
صوت نغم بدهشة: بس… دي بتحبك بجد! إزاي قدرت…؟
آسر (ببرود وقسوة):الحب؟ مالوش مكان في لعبتي.
رهف دي أداة… ولما تتكسر؟
ساعتها هتكون الطعنة اللي تغرز في قلب حسام…
واللي عمره ما هينساها.
رهف وقفت متسمّرة، عينيها اتفتّحت على الآخر، حطت إيدها على بُقها عشان ما تصرخش،
رجعت ورا بخطوات بطيئة، وكانت علبة الشوكولاتة هتقع من إيدها.
بتتنفس بسرعة، ملامح وشّها بتتحول من صدمة… لخذلان… لانكسار.
رهف (بهمس مرتعش): لأ… لأ… مش ممكن…
مش آسر… مش هو…
لفّت فجأة وجريت، دموعها نازلة بغزارة، نازلة السلم بسرعة،
عدّت من قدّام الموظفين اللي بصّوا عليها باستغراب،
بس مفيش حد اتجرأ يوقفها.
برّه – قدّام الشركة:
رهف خرجت من الباب الزجاجي الكبير، الهوا لطم وشّها،
بس ما وقفتش…
ماشية بسرعة، شبه بتجري، بتشهق من كتر العياط.
رهف (بصوت مخنوق):كنتي غبية يا رهف…
كنتي ساذجة…
صدّقتيه… وآمنتي في كذبة اسمها "آسر"…
بتبعد… لوحدها…
وظهرها بيبعد عن المبنى اللي كسر قلبها جواه
********************
في شارع هادي قريب من الشركة – قبل المغرب بشوية
رهف كانت بتجري… عنيها حُمرة، نفسها متقطع، ودموعها سابقة خطواتها.
مشاعرها منهارة، وقلبها مكسور، وتفكيرها تايه.
رهف (وهي بتهمس وسط شهقات العياط): كنت مصدّقاك…
كنت فعلاً مصدّقاك يا آسر…
طلعت لعبة… لعبة تافهة وغبية…
بتتخبط وهي ماشية، وبتكاد تقع بس بتمسك نفسها وتكمل جري،
لحد ما توصل لآخر الشارع… وهناك، فجأة، يتسمع صوت ست من وراها،
صوت قوي، حازم… بس فيه دفء.
صوت الست من وراها: رهف!
رهف بتقف فجأة في مكانها، عنيها بتتسع من الصدمة، وإيديها بترتعش.
رهف (بصوت مرتعش، من غير ما تبص وراها): مين…؟
خطوات الست بتقرب منها بهدوء وثقة… بس وشّها مش باين،رهف  جسمها بيرتعش، ودموعها نازلة.
الصوت تاني، بنبرة أهدى… بس مليانة وجع: رهف… استني، لازم نتكلم.
رهف بتقفل عنيها بقوة، تنهيدة وجع بتطلع من صدرها،
وصوت بكاها بيعلى شوية…
والمشهد بيقفل على وشّها الباكي، وهي محتارة…
تهرب؟
ولا تفضل؟
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية

تعليقات