رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الثلاثون 30 - بقلم اميرة احمد

 رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الثلاثون 30 - بقلم اميرة احمد

نبضات لاتعرف المستحيل

الفصل الثلاثون:

خرجت نور من عند الطبيب بعينين دامعتين، لف زياد ذراعه حولها يربت على كتفها وهمس: متعطيش يا حبيبتي.... بسيطة ان شاء الله.

همست نور من بين دموعها: انت مسمعتش الدكتور بيقول ايه.... ورم على الرحم ولازم عملية استئصال.

زياد: متقلقيش يا نور.... عملية سهلة وتقومي بالسلامة على طول ان شاء الله وكلنا جنبك.

انهمرت الدموع من عينيها ولم تعقب.... كان يوسف في انتظارهم في السيارة، حين بصر والدته على هذه الحالة اقترب منها بذعر وهو يقبل يدها وهتف: ماما... بتعيطي ليه.. طمنيني الدكتور قالك ايه.

ربت زياد على ظهره بحنان وهتف: متقلقش يا يوسف.... الدكتور قال ورم على الرحم وهتحتاج عملية علشان تشيله.

قبل يوسف يدها مرة أخري: بعد الشر علىكي يا ماما.

زياد: روح ماما يا يوسف وخليك معاها لحد اما انا ارجع البيت.

تمسكت نور بكف زياد وهتفت: هتروح فين يا زياد و تسيبني.

ربت على كفها الموضوعة فوق كفه بحنان: مش هتأخر عليكي يا حبيبتي.... ساعة بالكتير و راجع.

على أحد المقاهي المطلة على نهر النيل... جلس زياد مع طارق، زفر زياد تنهيدة حارة وقال و الدموع تترقرق في مقلتيه: مش قادر أتصور يا طارق ان ممكن نور تروح مني.... انا خايف عليها جدا.

طارق: متقولش كده يا زياد دي عملية بسيطة جدا.

تنهد زياد بألم وفرت دمعة من عينيه: انت عارف يا طارق نور بالنسبالي ايه..... مش بس مراتي.... دي حبيبة عمري..... مش عارف ازاي مخدتش بالي انها تعبانة... يا حبيبتي تعبانة بقالها شوية و مخبية... ملهية في البيت والولاد... بس ازاي انا محسش بيها..... معقول كنت مشغول عنها كده.

ربت طارق على ذراعه وهتف: انت برضه كنت مشغول في جواز الولاد... متلومش نفسك... وان شاء الله عملية تعدى على خير.

زياد: نور خايفة من العملية اوي... وانا مش عايزها تدخل العملية وهي خايفة كده ومش عارف اعملها ايه...... انا كمان خايف عليها...... خايف يطلع الورم مش حميد... وقتها مش هاقدر اشوفها بتتألم... رحلة العلاج صعبة ومتعبة وانا مش هاقدر اشوفها كده.

طارق: متعملش في نفسك كده يا زياد..... أمسك نفسك شوية انت لازم تبقي قوي علشان تقدر تقويها.

قال زياد بضعف: طول عمري نور كانت نقطة ضعفي... مقدرش يمسها حاجة.

طارق: ده نصيب واحمد ربنا على كل حاجة بتحصلك.

زياد: الحمدلله.... انا راضي والله بس.... احساسي اتحول فجأة 180 درجة من فرحتي انها ممكن تكون حامل لخضتي عليها انها تعبانة .... كل ده حصل في لحظة.

قام طارق من مكانه وربت على كتف زياد: قوم يا زياد روح لمراتك خليك جنبها.... واستغفر ربنا كتير لعله يرفع البلاء.

قام زياد بخطي متثاقلة عاد إلي المنزل... دخل فوجد نور تجلس على أحد المقاعد القريبة من الباب تنتظره... صاح بمجرد ان وقعت عينيه علىها: انتي لوحدك؟ يوسف راح فين؟

ردت نور بهدوء: مشي... انا قولتله يمشي يروح يشوف مراته ميسيبهاش لوحدها 

زفر زياد بضيق: مكنش هيجري حاجة لو أستني لحد اما ارجع و ميسيبكيش لوحدك.

قامت نور من مكانها، اتجهت إلي زياد وضمته لصدرها وقالتك متخافش عليا يا زياد....انا مش خايفة من المرض... حتي مش خايفة من الموت... انا بس.... 

ابتلعت غصة في حلقها ونزلت دمعة ساخنة تجري فوق وجنتها وأردفت: انا بس زعلانه اني مش هاقدر أكون بصحتي واخدمك واشوف طلباتك.

ضمها زياد إلي صدره وقال: خدمة ايه وطلبات ايه بس يا حبيبتي..... انا مش عايز غير أنك تكوني جنبي وبخير.

همست من بين دموعها: انا مش مستعدة اسيبك دلوقتي يا زياد.

ضمها أكثر إلي صدره واحكم قبضته عليها، لم يستطع ان يقاوم دمعة فرت من عينيه وهمس: محدش هيسيب حد.

تنهدت نور بألم وهي تعلم بداخلها انها يمكنها ان تتحمل كل الآم العالم في سبيل ان تكون بجوار زياد إلي الأبد.

---------------------

عاد فارس من عمله بعد يوم طويل بين الجامعة والمستشفى... دخل ليجد حياة تجلس فوق أحد المقاعد شاردة تماما... تحمل بين يديها كوب من الشاي برد ولم تشعر به، وعيناها معلقتان في الفراغ خارج النافذة... اقترب منها فارس بهدوء وسحب كوب الشاي من يدها، التفتت لتنظر إليه بذهن شارد وكأنها لا تراه.... جذبها فارس من ذراعها لتقف في مواجهته، وضمها إلي صدره بحنان وهمس: وبعدين يا حياة.... من ساعة ما عرفتي ان مامتك تعبانة وانتي على الحالة دي.

لم ترد، بل دفنت رأسها في صدره وبدأت تبكي وتشهق.

لف ذراعيه بقوة حولها وهمس بصوته الدافئ: حياة... أنتي عارفة وقريتي التقارير كويس.... وانا سألت أكتر من دكتور وكلهم طمنونا .... يبقي ليه بتعملي في نفسك كده؟

قالت حياة من بين دموعها وشهقاتها: انا زعلانة من نفسي.... غيرتي عمتني لما عرفت أنها حامل... شفت اللي انا عايزة أشوفه.

فارس: وبعدين يا حياة.

رفعت حياة عينها لتنظر إلي فارس وهمست بنبرة باكية: انا طول عمري في مشاكل بيني وبين ماما.... دايما بنتخانق... دايما مش فاهماني.... بس كنت عارفة انها دايما موجودة.... متخيلتش في يوم أنها ممكن تروح مني..... أنا خايفة يا فارس بعد الشر......

قاطعها فارس بحزم: متقوليش كده.... ان شاء الله هتقوم وتبقي بخير.... ويمكن دي فرصتك أنك تصلحي علاقتك بيها.

اومأت حياة برأسها: عندك حق.... أنا لو اقدر دلوقتي أكون تحت رجليها، بس صعب.

ضمها فارس إلي صدره وهمس: انا أسف لو أني السبب أنك تبقي بعيدة عنها في وقت زي ده.... سامحيني.... بس انتي تقدري برضه تكوني جنبها وتكلميها وتطمنيها .... الحالة النفسية بتفرق في الأوقات اللي زي دي.

رفعت حياة وجهها وهمست بنصف ابتسامة: شكرا يا حبيبي أنك جنبي في وقت زي ده.... مكنتش هاعرف أعدي ده من غيرك.

ربت فارس على ظهرها بحنان، بينما شردت حياة مرة أخري وقد أتخذت في نفسها قرار أن تصلح ما فاتها مع والدتها.... وبالفعل تغيرت علاقتهم منذ هذه اللحظة.

-------------------------------------------

بينما كانت نور تجلس على سريرها بوجه شاحب، وعينان أحاطت بهما الهالات السوداء، دخل عليها زياد بابتسامة صافية وعينان امتزج فيهما الحب بالألم وقال: أخيرا صحيتي يا حبيبتي.

ابتسمت نور بضعف وقالت: ازاي تسيبني أنام كل ده.

جلس زياد بجوارها على طرف السرير وقال: أنت محتاجة ترتاحي بعد العملية الدكتور اللي قال كده.

نور: بس انا الحمد لله كويسة يا زياد.

أشار زياد لها بسبابته على فمه أن تصمت وقال: مش عايز مناقشة في الموضوع ده... الدكتور قال راحة يبقي في راحة.

ثم تركها وهم ان يخرج من الغرفة ، فنادته نور: رايح فين؟

قال وهو يخرج من الغرفة: رايح أجيبلك الغدا.

دقائق وعاد زياد يحمل صينية علىها أطباق الطعام، وضعها بجوارها على الطاولة المجاورة للسرير، ضحكت نور بخفة وقالت: أكيد أنت معملتش الأكل ده.

ضحك زياد بدوره وقال: لأ دي مرات أبنك اللي عملته..... لارا جت مع يوسف وانتي نايمة وكانت جايبة معاها أكل يكفينا أسبوع.

رفعت نور حاجبها بدهشة وقالت: لارا هي اللي عاملة الأكل ده؟

زياد: بقولك جايبة أكل يكفي أسبوع كمان.

شردت نور قليلا ثم قالت: طيب ليه مصحتنيش يا زياد لما يوسف ولارا كانوا هنا؟

تنهد زياد: علشان يا حبيبتي شكلك كان تعبان أوي.

نور: بس واضح يا زياد أني كنت ظالمة لارا.... البنت مهتمية بيوسف من يوم ما اتجوزوا، ودلوقتي مهتمية بيا أنا كمان.

ضحك زياد وقال لأثارة حنقتها: طبعا مش تربية سارة.

وكزته نور في كتفه وقالت: وبعدين معاك يا زياد.... والله هازعل منك.

ضحك زياد: خلاص خلاص... ما صدقت بدأتي تعاملي البنت كويس.... يلا بقي كلى الأكل هيبرد.

تنهدت نور وهي تضع الطعام بفمها وقالت: بس أنا مرتاحة من ساعة ما نتيجة التحاليل طلعت والدكتور قال الحمدلله الورم حميد.

زياد: الحمدلله يا حبيبتي.... كمان ابتديتي تستعيدي صحتك اهو..... وقريب اوي هترجعي زي الأول.

نور بأمتنان: ان شاء الله.

نظر زياد إلي نور وهي تتناول طعامها، وشرد قليلا وهو يشعر بالأمتنان لأن هذه المحنة قد مضت وبدأت نور تستعيد صحتها، لم يكن يتخيل ابدا حياته بلاها... فلم يعرف سبيل للعيش دونها.

-----------------------------------------------------

دخلت نسمات الهواء الدافئة من الشرفة، وقفت حنين في منتصف غرفة المعيشة تحكي بحماس لعمر الجالس امامها على الأريكة عن قصة فيلم شاهدته في التليفزيون.... عمر يتابعها بابتسامة وعينين لامعتين ... يراقبها بصمت... لكن فجأة بنبرة واثقة تماما قال عمر: بحبك.

أكملت حنين حديثها للحظة ثم توقفت وكأنها أدركت للتو ما سمعته، قالت بارتباك: ايه؟!

ابتسم عمر، ثم قام من مكانه واقترب من حنين... شعر بنبضات قلبها المتسارعة، وبعينين مثبتتين على عينيها ونبرة دافئة قال: بقول أني بحبك..... وبحب الطريقة اللي بتتكلمي بيها لما بتتحمسي، وبحب انفعالاتك، وبحب ارتباكك اما بقرب منك .... وبحب حتي سكوتك.

بدأت انفاس حنين تتسارع، قلبها يدق بين صدرها بعنف... شعرت بان عقلها توقف عن التفكير للحظة.... اقترب عمر أكثر، لف ذراعه حول خصرها... وهمس: وانتي؟

سقط سؤاله عليها كالماء البارد، لا يسمح لها بالهرب.... تعرف الإجابة جيدا لكنها لا تقوى على البوح بها.... راقب عمر ملامحها بصبر وهو يمرر انامله بنعومة فوق يدها بلمسة خفيفة جعلتها تفقد رباط نفسها.... شعرت حنين بالهواء ثقيلا داخل حلقها وكأن كل شيء حولهما قد اختفي ولم يتبق سوي عيني عمر تنظر اليها بكل حب.... 

همس لها عمر بصوت يملئه الدفء: قوليها يا حنين.

كانت نبرته تحمل رجاء وليس امر... رجاء ان تعترف لنفسها قبل ان تعترف له.... اخفضت حنين عينيها للحظة، ثم رفعتها في مواجهة عمر مرة أخري وهمست بصوت بالكاد مسموع: بحبك.

تجمد عمر في مكانه للحظة، تنفس بعمق، اقترب بوجهه منها أكثر حتى لمس جبينه جبينها، أغمض عينيه للحظة وكأنه في حلم جميل وهمس: قوليها تاني يا حنين.

استجمعت حنين كل القوة بداخلها، حاولت ان تنظم نفسها لكن قربه كان مهلك لها، رفعت يدها بتردد تلمس صدره وكأنها تحتاج ان تثبت لنفسها انه حقيقي... ثم قالت بنبرة اكتر وضوحا: بحبك يا عمر.

رفع عمر كفيه يحاوط وجهها بحنان، مال يضع قبلة رقيقة على شفتيها... همست حنين باسمه... كانت نبرتها مختلفة، اشعلت بداخله شيء ما، ربما اعطته الضوء الأخضر للاستمرار... قبلها مرة اخري قبلة أطول... أعمق.. قبلة مليئة بكل المشاعر التي لم يسمح لها بالخروج من قبل... لم تبتعد حنين... بل مدت يدها تتشبث بقميصه وكأنها تطلب منه البقاء.

ابتعد عنها قليلا، ينتظر عمر منها رد، ينقل عينيه بين عينيها باحثا عن إجابة...  اسبلت حنين جفنيها باستسلام وارتسمت بين شفتيها ابتسامة صغيرة، فاقترب أكثر، يقبلها قبلات أعمق تحمل شوق كل الليالي الماضية... شعر باستسلامها بين ذراعيه فتجرأ أكثر... لكن قبل ان تستسلم تماما له، بدأ جسدها ينتفض لا اراديا.... حاول عمر تهدئتها وان يبث الطمأنينة داخلها، لكنها غابت في نوبة من البكاء.

ضمها عمر الي صدره وهمس: هشششش انا مش هأذيكي.

ازداد بكاؤها وهمست بين ذراعيه: انا اسفة بس مش قادرة انسي الوجع.

مرر عمر كفه على ظهرها بحنان وهمس: متخافيش يا حنين... متضغطيش على نفسك يا حبيبتي.

بكت حنين على صدره حتى أرهقها التعب فراحت في ثبات عميق.

استيقظت في الصباح لتجد نفسها وحيدة وعمر ليس بجوارها..... عاد في المساء كالمعتاد، كانت تنتظر بقلق رد فعله على ما حدث.... كانت تخشي منه، لكنه فاجأها عندما عاد وكأن شيء لم يكن... لكن حزن دفين كان يلمع في عينيه وصمت يخيم على العلاقة بينهما.

---------------------------------

دخل أنس إلي المنزل بعد يوم عمل طويل وشاق، هتف باسم ليلي على الفور بمجرد دخوله.... وقف على باب الغرفة يشاهدها تجلس بدلال على الاريكة وقدماها مرفوعتين لجوارها.... وقف يشاهدها باستمتاع وهو يفك رابطة عنقه... كان تركيزها مصب على الهاتف في يدها... هتف باسمها مرة أخري، رفعت رأسها ببرود وقالت: أنت جيت يا أنس؟

اقترب أكثر وهو يخلع جاكيته: في ايه؟

اخفضت عيناها تتحاشي النظر لعينيه وهمست: انا في مشكلة كبيرة يا أنس.

تنهد وقال: قولي يا وجع قلب أنس.

ليلي: انا مش عارفة اتصرف ازاي؟

جلس أنس إلي جوارها، أمسك بيدها وقال باهتمام: ليلي... قولي في ايه مش وقت ألغاز من فضلك.... أنتي عارفة كان عندي يوم طويل في المحكمة وراجع تعبان.... ايه اللي حصل؟!

رفعت ليلي عينيها إليه وهمست: انا مش عارفة هاعيش مع نسخة تانية منك ازاي.

حرك رأسه بعدم فهمت، فأردفت بدلال وهي تلف يديها حول عنقه: انا مش عارفة هاقدر على استفزاز نسخة صغيرة منك ازاي.... كفاية علىا مستحملاك انت.

صمت أنس قليلا يحاول ان يستوعب كلماتها، ثم هتف: ليلي انا مش فاهم حاجة.

ابتسمت ليلي له بحنان وهمست: انا حامل.

اتسعت حدقتي أنس، صمت وكأن الزمان من حوله توقف.... أردفت ليلي: انا خايفة اوي... مسؤولية كبيرة جدا....خايفة معرفش اربيه... وخايفة بجد يطلع مستفز زيك.

أخيرا لمعت عيني أنس بابتسامة وهمس ضاحكا: طيب ولو بنت وشبهك أعمل انا ايه؟ قلبي مش هيستحمل.

ضحكت ليلي أخيرا.... ضمها أنس إلي صدره وهمس بالقرب من أذنها: انا كمان خايف.... بس اللي مطمني أننا هنربيه مع بعض.

مررت ليلي اناملها بين خصلات شعره وهمست: جوايا حتة منك بتكبر كل يوم.

ضحك أنس وهو يبتعد عنها ويخلع ساعته: بس عندك حق يا لولا دي مشكلة كبيرة.... مش عارف هاستحملك انتي وهبلك وضيفي علىهم هرمونات الحمل.... هاستحمل انا كل ده ازاي بس... ربنا يعيني.

ضحكت ليلي: ده انت هتشوف جنان رسمي بس أصبر علىا.

خفتت ابتسامة أنس وصمت قليلا يحاول ان يستوعب الموقف وقال بصوت بالكاد مسموع: يعني انا هابقي أب؟!

اقتربت ليلي منه وضمته من ظهره وهمست: أحلي أب في الدنيا.

لم يكن أي منهما في هذه اللحظة مستعد أن يكون مسؤولا عن طفل، لكن وجودهما معا، جعل كل شيء أسهل.

•تابع الفصل التالي "رواية نبضات لا تعرف المستحيل" اضغط على اسم الرواية

تعليقات