رواية اقدار لا ترحم الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم سيليا البحيري

 رواية اقدار لا ترحم الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم سيليا البحيري

فصل 29
في  فيلا إياد  الطحاوي– صالون أنيق وأجواء هادئة في الليل.
الأنوار خافتة، صوت الموسيقى الكلاسيكية يعزف بهدوء، وأكواب الشاي الساخن بين أيديهم.
نهال (بابتسامة خفيفة وهي تنظر لابنها):
يعني مش ناوي تفرّحنا وتستقر يا أمير؟ أخوك ياسر دخل 37 سنة ولسه ما شفنا عروس، وإنت كمان قربت التلاتين!
أمير (يضحك وهو يرفع حاجبه):ماما إنتِ ناسية إني لسه صغير؟ ولسه الدنيا قدامي! أنا في بدايات مشواري الأكاديمي.
نهال (بمكر الأم العارفة): صغير؟ عندك 29 سنة يا ابني… وأكتر من بنت لفتت نظري ليك، بس ما شاء الله عليك، لا حس ولا خبر.
إياد (يضحك وهو يحتسي الشاي):أمك كانت ناوية تجوز ياسر لـ سيلين زمان... بس راحت عليه.
أمير (يضحك بخفة):سيلين؟ دي متجوزة سيف البحيري دلوقتي، وأصلاً كانت دايمًا بالنسبة لينا أخت كبيرة.
نهال (بحسرة):سيلين كانت بنت كلها   نباهة وشطارة… راحت في كارثة اسمها حسام، وبعدها دخلت السجن وخرجت قوية أكتر... سيف كسبها، وياسر خسرها!
إياد: بس الحمد لله إن يوسف الله يرحمه ما شاف اللي حصل... وسيلين دلوقتي واقفة على رجليها، وده أهم حاجة.
نهال (تغيّر الموضوع وهي تنظر لأمير): طيب… ولو قلنا لارين؟ بنت عاصم، وأبوها أخو يوسف. من العيلة، ومتربية، ومطلقة وأم ريان، … ومحتاجة راجل محترم زيك.
أمير (ينتفض قليلًا في جلسته): لارين؟! ماما… لارين زي أختي الصغيرة، كبرنا سوا، وكنت بشوفها دايمًا في بيت عمي يوسف. لا يمكن أفكر فيها كزوجة.
نهال (متعجبة): إزاي يعني؟ بنت نضجت وبقت ست بيت، ومفيش عيب إنها مطلقة. بالعكس، دي ست محترمة.
أمير (ينظر نحو النافذة ويصمت قليلاً، ثم بصوت خافت فيه شرود): مشكلتي مش في الزواج، مش حابب أتجوز من باب إننا نلم الموضوع والسلام… وبعدين… فيه واحدة…
إياد (ينظر له باهتمام): واحدة؟! مين؟!
أمير (يتدارك نفسه بسرعة):مش… مش مهمة. مجرد طالبة من طلابي في الجامعة، مفيش حاجة.
نهال (تضيّق عينيها):طالبة؟! من بنات الجامعة؟! مين هي؟ اسمها إيه؟
أمير (بغرور بسيط يخفي التوتر):ماما… خفّي شوية، لسه ما نعرفش حاجة. يمكن حتى مش تعرف إني موجود في الدنيا.
إياد (يضحك):آدي اللي ناقص… ابن إياد الطحاوي، المعيد المغرور، واقع في حب بنت ومش قادر يقولها حتى اسمه!
نهال (بفضول): شكلها حلو؟ طيبة؟ من عيلة معروفة؟
أمير (يبتسم لنفسه وهو يتذكر تيا): معرفش عنها كتير… بس فيها حاجة… بريئة، وضحكتها هادية. مختلفة.
نهال (تبتسم بخبث): يا رب ما تكون واحدة تكسّر قلبك زي ما حسام كسر قلب سيلين.
إياد (يرفع الكوب):خلينا نسيب الولد على راحته، اللي فيه الكفاية… إحنا عندنا حرب نكسبها الأول.
يضحكون جميعًا، لكن أمير ينظر بعيدًا… فكره لا يزال مع "الطالبة المجهولة"... تيا
*********************
إياد، نهال، وأمير يجلسون بعد نقاشهم السابق. فجأة، يرن هاتف نهال.
نهال (تبتسم عند رؤية اسم المتصل):ياسر بيتصل.
ترد بسرعة، وقلق خفيف يلوح في صوتها: ياسر؟ فينك يا حبيبي؟ تأخرت قوي… إحنا قلقنا عليك.
صوت ياسر من الهاتف، هادئ لكن متعب قليلاً: ماما، أنا آسف لتأخيري… بس أنا في المستشفى.
نهال (تصيح في ذعر وهي تنهض من مكانها): المستشفى؟! يا ربِّي، حصلك إيه؟ أنت بخير؟! إياد قوم شوف ابنك!
إياد (يقف بسرعة): ياسر! إيه اللي حصل؟!
ياسر (يهدّئهم بصوت حنون): بابا، ماما، اهدوا… أنا بخير. مش أنا اللي مريض.
نهال (بصوت خائف):طمني… مين طيب؟!
ياسر: أخت سيف الصغيرة… تيا. وقعت من على الدرج، حالتها كانت حرجة، ودخلوها العمليات… بس دلوقتي وضعها مستقر الحمد لله.
أمير (يرتفع حاجباه):تيا؟ (يتمتم لنفسه دون أن يشعر) الاسم ده… غريب.
نهال (تتنهد براحة ولكن بقلق): الحمد لله… طيب يا حبيبي، انتبه على نفسك، وبلّغ سيف وسليم وهدى سلامنا، وقلهم إننا بندعيلها من قلوبنا.
إياد:وقلهم لو احتاجوا أي حاجة نحنا موجودين… سليم أخ وصاحب ومش حنسيبه.
أمير (بهدوء وهو يستمع): إن شاء الله تقوم بالسلامة… تيا.
نهال (تنظر له): قلت حاجة أمير؟
أمير (ينتبه): لا لا، بس دعيت لها… ربنا يشفيها.
ياسر من الهاتف (بابتسامة رغم التعب):هبلّغهم… وسلّموا لي على بعض. لما أخلص هرجع فورًا.
إياد: خليك مع سيف دلوقتي، هو محتاج رجّالة حواليه… وإنت منهم.
نهال: وربنا يحفظك يا ابني… قلبي كان حيقف.
ياسر:بحبكم… سلام.
يُغلق الهاتف… ويسود الصمت للحظة
نهال (تمسح دمعتها بخفة):يا رب اشفِ البنت يا رب.
أمير (يجلس مرة أخرى وهو شارد الذهن):تيا… تيا… (يهمس لنفسه) معقول تكون هي؟
********************
في  مستشفى خاص – جناح خاص بعائلة البحيري
بعد منتصف الليل بقليل
الهدوء يلف المكان… تيا لا تزال في غيبوبة خفيفة، ومازن في سريره يتنفس ببطء وتحت المراقبة… سليم يجلس على الكرسي بجانب ابنته، يمسك يدها ويمسح على شعرها برقة بينما هدى تمسك بمسبحتها وتتمتم بدعاء
ياسمين (بهمس لإيهاب وهي تمسك يده): يا رب تقوم بخير… البنت لسه صغيرة، وهايدي دي… كان لازم تطلع من حياتنا من زمان.
إيهاب (بنبرة غاضبة مكبوتة): لو مش مرض مازن… كان زمانها برا العيلة من سنين.
سيلين تقف في الزاوية تراقب المشهد بصمت… وتاليا الصغيرة نائمة في حجرها، ووجهها ملتصق برقبتها كطفلة أنهكها البكاء
سيف (يقترب من سيلين، يهمس وهو ينظر لتاليا): نامت أخيرًا؟
سيلين (تهز رأسها بهدوء): كانت مرعوبة… 
كانت فاكرة إن تيا ماتت. فضلت تبكي لساعات.
(تنظر إليه)
مازن كمان… حالته مش مطمئنة.
سيف (يتنهد ويمرر يده على وجهه):هايدي… قربت تنتهي. أنا مش هسكت لها أكتر من كده.
سيلين (بنبرة هادئة لكنها باردة): ودي كانت بدايتها… كذبت، وقهرت زوجها، وكانت هتدفن البنت بمذكرة.
نظرة سريعة باتجاه الغرفة
بس تيا قوية… حتقوم.
سيف (ينظر لسيلين قليلاً، ثم يجلس بجانبها):لما شفت تيا نايمة كده… افتكرت يوم ما خرجتي من السجن.
(يبتسم ابتسامة خفيفة حزينة)
كنتِ نايمة بنفس الطريقة… والكل خايف يكلمك.
سيلين (تبتسم بخفة وهي تنظر لتاليا): الفارق إنك وقتها ماكنتش مهتم… دلوقتي، أنت اللي جمبي.
سيف (يرد بسرعة، بعفوية): لا… كنت مهتم… بس كنت بخاف أضعف قدامك.
نظرة طويلة بينهما، صمت مليء بكل شيء لم يُقال بعد… ثم تتكلم سيلين بهدوء
سيلين:فاكر يوم قلتلي إن الحرب دي مش حتخلص بسهولة؟
أنا كنت متعبة… وكنت فاكرة إني هشيل كل دا لوحدي.
سيف (يقترب قليلاً): مش لوحدك.
(ينظر لها مباشرة)
من أول يوم وافقتي تبقي مراتي… بقيت مسؤوليتك، وحمايتك، ونصرك.
(تدمع عينا سيلين لكنها لا تبكي، تهمس بصوت خافت)
وساعتها… حسام خسر فعلاً.
(يسود صمت جديد، ثم يسمعون صوت الممرضة تأتي نحوهم.)
الممرضة (بلطف):المعذرة… الدكتور بيقول ممكن حد يدخل يطمن على تيا، صحتها بدأت تستقر.
سليم (يقف بسرعة): أنا هدخل… هدى تعالي.
يدخل الوالدان لغرفة تيا، بينما يبقى سيف وسيلين بالخارج، وتاليا الصغيرة تنام بعمق في حضن والدتها
***********************
في  غرفة هايدي – الطابق العلوي في فيلا البحيري
بعد منتصف الليل
الغرفة غارقة في الظلام، الضوء الوحيد يصدر من شاشة هاتفها المحمول. هايدي جالسة على طرف السرير، عيناها تشتعلان من الغضب، وشعرها منكوش من التوتر. تمسك الهاتف بين يديها بقوة، تقرأ الرسائل القديمة، تتذكر الشتائم التي نالتها هذا اليوم، النظرات، والإهانة من الجميع
هايدي (تتمتم من بين أسنانها): أنا السبب؟ أنا السبب؟!
عشان البنت الغبية وقعت من الدرج، أنا أتحمل كل دا؟
والله ما يخلص على خير، يا تيا… يا سيلين… وخصوصًا إنتِ، يا سيلين.
تقوم من السرير فجأة وتبدأ المشي في الغرفة ذهابًا وإيابًا… عينها تلمع، مزيج من الجنون والحقد
هايدي (تضحك بسخرية):من يوم ما دخلتي البيت، قلبتي كل حاجة… سيف؟!
سيف اللي ما كنتش أصدق إنه ساكن تحت نفس السقف!
كنت قريبة… قريبة أوي… بس دخلتي إنتِ، وسرقتيه.
تتوقف أمام مرآتها، تحدّق في انعكاسها… ثم تلتفت نحو الهاتف وتفتحه مجددًا، تكتب اسم "نوال" وتتردد قبل أن تضغط على الاتصال
هايدي (بغضب):نوال؟ دي أغبى من إنها تفهم أي حاجة!
عايشة في أوهامها، اوهام أنها تدمر سيلين لوحدها......
تمسح الاسم وتلقي بالهاتف على السرير. تقف لوهلة ثم تهمس لنفسها بنبرة باردة:
لازم أبعد سيلين عن سيف…
لازم أخليها تشك فيه… تخاف منه…
أيوه… سيلين ذكية؟ وأنا أذكى…
سيف، هخليها تكرهك… زي ما كرهت مازن.
تبتسم بسخرية وهي تفتح درجًا صغيرًا في الكومود… تسحب منه ظرفًا قديمًا مليئًا بورق قديم ومفتاح فلاش USB
هايدي (بخبث): خليهم يندموا إنهم قللوا مني…
تيا؟ مازن؟ سيف؟
الكل هيشرب من نفس الكأس.
تجلس على الأرض وتبدأ تفحص بعض الأوراق… يتسلل ضوء القمر من الستارة، يضيء عينيها الشريرتين… الكاميرا تبتعد تدريجيًا، هايدي تبدو كأنها ساحرة شريرة تجهّز تعويذتها...
*************************
في  فيلا نوال وحسام – الطابق الأرضي – صالة المعيشة
تجلس نوال على الأريكة، ترتدي رداءً حريريًا داكن اللون، وشعرها مرفوع بعناية… يدها تمسك بكوب شاي لم تشرب منه، وتحدّق بالساعة بقلق وتوتر. صوت فتح باب الفيلا يُعلن وصول حسام. يدخل بهدوء، يحمل حقيبة صغيرة، ووجهه مرهق
نوال (ببرود قاتل): أخيرًا…  حسام   بيه شرفنا.....الساعة كام يا حسام؟
حسام (وهو يخلع سترته بتعب دون أن ينظر إليها):متأخر… كان عندي شغل.
نوال (تقف فجأة):شغل؟
ولا جوليانا؟
يتوقف للحظة. ينظر إليها نظرة سريعة، ثم يتجه نحو الطاولة ويسكب لنفسه ماء
حسام (ببرود):المحامية بتاعتي، نوال......لو كنتِ ناسية، إحنا بنحاول نرجّع حضانة وليد.
نوال (تقترب منه بحدة):آه؟ وفين الأخبار الحلوة؟وصلتوا لإيه؟ولا لسه بتعملوا اجتماعات "ليلية" علشان تجهزوا الخطة؟!
حسام (بتنهيدة مرهقة): نوال… مش وقته.....أنا تعبان، وفعلاً مليش طاقة أتخانق.
نوال (بغضب): لا يا روح نوال، هنتخانق…ابني مع واحدة سرقته مني، وإنت بترد عليا ببرود؟!
حسام (بهدوء مريب):"الواحدة" دي أحنّ على وليد منك ......وده مش رأيي بس، ده رأي وليد نفسه.......النهاردة شُفته في الحضانة، كان مع تاليا، بيضحك ومرتاح.
نوال تنظر له بذهول، ثم تضحك بسخرية مريرة
نوال (بعينين تشتعلان):إنت بتقارنني بيها؟!تقارن أم بولادها مع خدامة خرجت من السجن؟!
حسام (يحدق فيها أخيرًا، بنظرة باردة): الخدامة اللي خرجت من السجن دي… قدرت تاخد منك ابنك بحكم المحكمة.....والنهاردة… قدرت تعمل بيت لابنك وبنتك… وإنتي؟ لسه بتعيشي دور الضحية.
صمت ثقيل يسقط بينهما، تتسع عينا نوال بالذهول من وقاحة كلامه
نوال (بصوت مكسور لكنه غاضب): بتحبها؟إنت… لسه بتحب سيلين؟!
حسام لا يرد، فقط ينظر لها نظرة طويلة… ثم يأخذ كأس الماء ويمشي بهدوء نحو السلم
حسام (دون أن يلتفت): ارتاحي، نوال.خلينا نركّز على قضيتنا… مش على شكوكيك.
يصعد السلم ببطء ويختفي من المشهد، بينما نوال تبقى واقفة في مكانها، عيناها ممتلئتان بالدموع، لكن فيها أيضًا غضب وقسم واضح بالانتقام
نوال (همسًا لنفسها): بتحبها؟ طيب…خليني أوريك لما نوال تقرر تلعب لعبتها الحقيقية
*******************
مستشفى خاص – جناح كبار الشخصيات – الغرفة الخاصة بتيا
الصباح الباكر – ضوء الشمس الخفيف يتسلل عبر النافذة
تيا ترقد على السرير، وجهها شاحب قليلاً، عيناها نصف مغمضتين، تتنفس ببطء. إلى جانبها تجلس والدتها هدى، تمسك يدها برفق وتتمتم بالدعاء بصوت خافت. سليم واقف بجانب السرير، يضع يده على كتف زوجته. عند الباب يقف سيف و إيهاب ومازن – الأخير يبدو متعباً لكنه أفضل من الأمس. سيلين تقف خلفهم ويداها متشابكتان، فيما تجلس ياسمين قرب النافذة وتبكي بصمت. لارين وياسر يقفان إلى جانب الحائط باحترام وهدوء
تتحرك يد تيا ببطء… عيناها تفتحان ببطء شديد. تنظر أولاً إلى السقف ثم تهمس بخفوت شديد:
تيا (بصوت ضعيف): ماما…؟
هدى (بانفجار دموع وفرح): يا روحي… تيا… بنتي! سليم! فتحت عينيها!
سليم (بصوت مرتجف): حمد الله على سلامتك يا بنتي… نورتي الدنيا يا تيا.
يسارع الجميع نحو السرير، يحيطون بها، تبتسم تيا بخفوت وهي ترى وجوههم
سيف (بصوت دافئ): قلقتينا يا مجنونة…
كنت ناوي أخذك شاليه مخصوص من خوفي عليك.
تيا (بابتسامة ضعيفة): أنا… وقعت؟
إيهاب (يحاول المزاح لتخفيف التوتر):وقعة محترمة يا حلوة، بس عدّت على خير… الحمد لله.
مازن يقترب منها ببطء، يمد يده ويمسك يدها بلطف
مازن (بصوت حنون وضعيف قليلاً): حمد الله على سلامتك يا تيا…كنت خايف أموت قبل ما أشوفك بخير.
تدمع عينا تيا وهي ترى عائلتها تحيط بها بالحب… ثم تنظر خلفهم
تيا (بصوت متقطع):فين… تاليا… ووليد… و ريان؟
سيلين (تبتسم بثقة): مع  ماما أمينة في الفيلا… كانوا هنا طول الليل، بس تعبوا شوي، فقلنا نخليهم يناموا ويرتاحوا.....أول ما يعرفوا إنك فقتِ، هيجنّوا يجوا.
(ياسمين تقترب وتقبل جبين تيا):يا عمري… حمد الله على سلامتك. ما تتعبيش حالك بالكلام. إحنا جنبك، وكل شيء هيكون تمام.
(ياسر يقترب بخفة، ينظر إليها بلطف): قلنا لكِ قبل كده إنك أميرة، بس المرة دي نزلتِ من القصر غلط.
خلي بالك في المرات الجاية، يا آنسة عنيدة.
تضحك تيا ضحكة خفيفة متقطعة… ثم تغمض عينيها قليلاً، التعب ما زال ظاهرًا عليها. الجميع ينظر لبعضه بارتياح وامتنان
لارين (بهمس لسيلين): كانت معجزة… الحمد لله.....لمشهد ده رجّع الروح للقلب.
سيلين (بصوت منخفض، تنظر لتيا بحنان): كانت قريبة من الموت… بس البنات الأقوياء، دايمًا بيرجعوا.
الجو في الغرفة مشبع بالمحبة، والترابط… رغم كل ما مروا به، هذه العائلة ما تزال تقاتل وتتشبث ببعضها
***************************
بعد دقائق من استيقاظ تيا 
تيا تستند على الوسادة، لا تزال متعبة، لكن ملامحها بدأت تستعيد بعض الحيوية. تنظر حولها بتوتر خفيف، تسترق النظرات نحو وجه والدها، ثم إلى سيف، إيهاب، مازن، ووالدتها هدى. الجميع يحاول إظهار الهدوء... لكن الصمت بدأ يثقل الغرفة
تيا (بهمس):قبل ما أقع… كنت… في الطابق العلوي…
كنت اتخانق مع… هايدي…
يتبادلون النظرات… مازن يخفض نظره، بينما سيف يكتف ذراعيه، وإيهاب يشهق بخفة وكأنه تجهز لما سيأتي
سليم (بهدوء صارم): نعرف.
تيا تتفاجأ، تنظر لهم بعينين متسعتين
تيا (مرتبكة):تعرفوا؟... عن الخناقة؟!
هدى (بلطف لكن بنبرة أم):نعرف عن كل شيء يا تيا… حتى عن... المذكرة.
يتسع توتر تيا، تضع يدها على فمها وتخفض عينيها، وجهها يحمر خجلاً
تيا (بهمس محرج):يعني… هي… أخبرتكم؟
إيهاب (بتهكم خفيف):طبعاً… ما ضيّعتش دقيقة قبل ما تعمل من الحبة قبة.
مازن (بصوت متعب ومكسور):قالت إنك ضايعة بين شابين… وإنك بتخوني ثقة العيلة.
(تيا تهز رأسها سريعاً وتنظر لوالدها)
تيا (باندفاع وخوف): لا! لا مش كده! أنا بس… كنت بكتب مشاعري، ما قلتش إني بحبهم، بس كنت تايهة… مش قادرة أفهم قلبي!
سليم (يضع يده على يدها):اهدئي، يا بنتي… محدش هنا بيحاسبك. إحنا بس كنا خايفين عليك.
سيلين (تتدخل بصوت هادئ وحازم): تيا، إنك تكتبي مشاعرك ده مش عيب. بالعكس، ده دليل نضج…
لكن تحاولي تخبيها، وتنهاري لو عرفنا، هنا المشكلة.
تيا (بصوت مكسور): كنت خايفة… أكون خيّبت ظنكم.
سيف (يقترب منها ويبتسم): أنتِ ما خيّبتِ ظن حد… أنتِ بس لسه بتكبري… وبتتعلمي.
وصدقيني، اللي يستاهلك… هو اللي هيحارب عشانك، مش العكس.
تبتسم تيا من بين دموعها، وتمسح خدها بخفة، بينما يقترب مازن ويقبل رأسها
مازن (بحنان):أنا آسف إنك شفتِ وش هايدي الحقيقي بسببي… بس وعد، محدش هيأذيك تاني.
(تيا تهمس): شكراً… كلكم.
(سيلين تلتفت إلى سيف وتهمس له): أخوكَ قلبه نقي أكتر مما كنت أتصور.
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية

تعليقات