رواية اقدار لا ترحم الفصل الثامن والعشرون 28 - بقلم سيليا البحيري

 رواية اقدار لا ترحم الفصل الثامن والعشرون 28 - بقلم سيليا البحيري

فصل 28
في  مستشفى خاص – قسم الطوارئ – الساعة الرابعة والنصف مساءً
أصوات أجهزة، أقدام تسرع، ممرضات يتحركن، والطوارئ تعجّ بالحركة.
كل عائلة "البحيري" مجتمعة أمام غرفة العمليات.
سليم يقف ، ووجهه شاحب كأن روحه معلّقة خلف ذلك الباب.
هدى تجلس على الكرسي تبكي بصمت، تمسك بيد ياسمين زوجة إيهاب، التي بدورها كانت تواسيها وهي تحاول أن تبقى متماسكة.
إيهاب واقف يتنفس بعصبية، يده على فمه، يراقب الباب كأنه ينتظر معجزة.
هايدي واقفة على بعد خطوات، بوجه متجهم، وذراعها معقودة، تحاول أن تبدو حزينة… لكن لا أحد ينظر إليها.
تدخل سيلين ووراءها سيف بسرعة، ومعهما ياسر ولارين.
تاليا الصغيرة تمسك بيد سيف بقوة وهي خائفة، وريان بجوارها متوتر.
سيلين (بصوت مرتفع وقلق):
– فينها؟! فين تيا؟!
إيهاب (بصوت مخنوق):
– جوه... في العمليات... الدكتور لسه ما خرجش!
سليم (بصوت مبحوح):
– كانت نازلة السلالم بسرعة... حدفها؟ اتزحلقت؟ مش عارفين… بس الدم كان كتير!
سيف (يشد على يد والده):
– ربنا معاها يا بابا… تيا قوية… هتقوم منها إن شاء الله.
ياسمين (بصوت منخفض لهدى):
– يا رب يا ماما… ما نتحملش نخسرها...
هدى (بدموع):
– دي صغيرة… وردة لسه بتتفتح… ما تستاهلش اللي بيحصل فيها...
سيلين (تنزل على ركبتيها أمام تاليا):
– حبيبتي… أنتي كويسة؟ شفتي تيا وهي بتقع؟
تاليا (تهز رأسها وتبكي):
– كانت بتجري ورا واحدة شريرة… خدت دفترها... تيا كانت بتعيط!
الجميع ينظر إلى تاليا... ثم ينظرون ببطء نحو هايدي، الواقفة كأنها تمثال بارد لا أحد يكترث به...
سليم (يلتفت بنظرة صارمة نحو هايدي دون أن يسميها):
– في حاجات بتتخبى… بس ربنا بيكشفها في الوقت الصح…
هدى (نظرتها قاتلة نحو هايدي):
– وإحنا اتحملنا كتير… عشان مازن وبس…
مازن (ينظر للأرض بحزن):
– لو حصل لها حاجة… عمري ما هسامح نفسي.
هايدي تنظر إليهم جميعاً، لكن لا أحد يوجه لها كلمة… وكأنها غير موجودة.
لارين (بهمس لياسر):
– في حاجة مش طبيعية… حدفها؟ دفتر؟… في حكاية أكبر من مجرد وقعة.
ياسر (ببرود):
– وأنا ناوي أعرفها… اللي لعب بالنار، يتحرق بيها.
تُفتح أبواب غرفة العمليات فجأة… يظهر الطبيب وهو يخلع قفازاته الطبية… الكل ينهض دفعة واحدة.
سيلين (بلهفة):
– يا دكتور؟ طمنّا!
الطبيب (بصوت جاد):
– عملنا اللازم… بس النزيف كان شديد… حالتها مستقرة حاليًا، لكن محتاجة رقابة 24 ساعة… والأيام الجاية حاسمة.
الجميع يتنهد بارتياح… فيما هايدي تقف في الزاوية، وجهها شاحب، تتصبب عرقاً، وتشعر أن الجميع بدأ يقترب من الحقيقة
**********************
في  شرفة منزل حسام في غرفة رهف– في فترة العصر، نسيم هادئ، وفناجين قهوة على الطاولة.
رهف كانت شاردة، عيناها على السماء، وابتسامة خفيفة على وجهها، بينما حلا تقطع قطعة الكيك وتراقبها بدهشة.
حلا (تغمز بمرح):
– يا بنتي رجعي روحك معانا! شكلك ناوية تطيري ورا آسر وتسيبي الدنيا!
رهف (تضحك بخجل وحرج):
– لأ… بس… مش عارفة يا حلا…
كل حاجة بينا حصلت بسرعة، وحسيت إني عرفته من سنين مش من أيام.
حلا (ترفع حاجبها):
– آه، اللي هو من أول نظرة؟!
رهف (بهمس):
– هو مختلف… كلامه، أسلوبه، بيهتم بيا… بس في نفس الوقت، بحس فيه حاجة مستخبية…
كأنه… بيخبي حاجة أو مش بيكون نفسه بالكامل معايا…
حلا (تأخذ رشفة قهوة، ثم تنظر لها بجدية نادرة):
– رهف، اسمعي مني…
مش أي حد يقول كلام حلو يبقى ملاك.
أحياناً الناس اللي بنحس معاهم أمان بسرعة… بيكونوا أكتر ناس لازم نخاف منهم.
رهف (تتنهد، ونظرتها قلقة):
– بس قلبي مش مطاوعني أصدّق إنه بيكذب…
بحس إنه مجروح… ومتألم… زي ما يكون شايل جوا حاجة كبيرة.
حلا (تمسك يدها بلطف):
– طيب، لو فعلاً بيحبك… هيقولك الحقيقة لوحده.
بس لو طلع بيلعب… يا رهف، ما تديش قلبك للي مش صادق.
وخلي بالك… الحب الحقيقي مش بيخبي ولا يمثل.
رهف (بصوت مرتعش):
– خايفة يا حلا…
خايفة أطلع غلطانة، وخايفة أكون صح.
حلا (بحنان):
– ووقت ما ييجي الصح… قلبك هينورلك الطريق.
بس قبل القلب… خليه يعدي على العقل شوية
********************
في  المستشفى خاص – الطابق الأرضي – أمام غرفة تيا
كان الجميع ينتظرون بقلق.
سيف واقف ويداه في جيبه، لكن القلق بادٍ على وجهه.
ايهاب يسند والدته هدى، وسليم يجلس على المقعد ويداه متشابكتان.
ياسمين تهمس أدعية، وهايدي واقفة على جنب، لا أحد يكلّمها.
مازن يجلس بصمت، وجهه شاحب وعيناه محمرتان من البكاء.
يخرج الطبيب أخيراً، بنظرة مطمئنة.
الطبيب (بصوت هادئ):
– الحمد لله… البنت بخير. الارتجاج بسيط وحنراقبها كم ساعة وننقلها لغرفة عادية.
تنفّس الجميع الصعداء… تنهّدت هدى وبكت، وابتسم سليم بحمد.
أما مازن، فنهض ببطء وابتسم ابتسامة مرتعشة…
وفجأة… بدأ يهتز جسده قليلاً، ثم يتمايل، ثم يسقط على الأرض فاقداً للوعي.
ياسمين (تصرخ):
– ماااازن!!
سيف وايهاب ركضا نحوه، والهدى وضعت يدها على صدرها بفزع.
سيف (يحمله مع أخيه):
– مازن! فوق! مازن!
الطبيب (ينادي على الممرضين):
– دخلوه غرفة الطوارئ حالاً!
هايدي كانت واقفة في الزاوية، لا تعرف كيف تتصرف، ووجهها شاحب.
أدرك الجميع فجأة أن مازن لم يكن على ما يرام منذ فترة… وأن كسر قلبه كان بيد من تقف أمامهم.
هدى (تنظر نحو هايدي بنظرة نارية):
– دا جزاء اللي بيتحمل فوق طاقته… جزاء اللي بيتخان.
ياسمين (بهمس وهي تبكي):
– مازن طيب أوي… أطيب من إنه يتحمل وحده كل ده.
سيف (ينظر لهايدي بحدة):
– مازن ما كانش محتاج دوى… كان محتاج حنية.
وإنتِ… كان لازم تبقي مراته مش سجانه.
هايدي (تحاول الرد، لكن صوتها يختنق):
– أنا… ما…
ايهاب (يقاطعها ببرود جارح):
– ما تتعبيش نفسك… سكوتك أفضل.
الطبيب يعود بعد دقائق:
– عنده انهيار حاد بسبب الضغط العصبي والإجهاد الجسدي. لازم يرتاح تمامًا.
العيون كلها تلتفت من جديد إلى هايدي…
لكنها هذه المرة لم تكن "زوجة" مريضة… بل "سبب" مرضه
***********************
الجميع ما يزال تحت وقع صدمة سقوط مازن بعد حادثة تيا…
سيف واقف في صمت وعيناه مشتعلة، إيهاب يحاول التماسك، الأم هدى تجفف دموعها، وسليم يقبض على عصاه بقوة.
وهايدي واقفة في الزاوية، مطأطئة الرأس تتظاهر بالحزن.
تقترب تاليا الصغيرة، تمسك طرف فستان سيلين وتنظر للجميع ببراءة:
تاليا (بصوت طفولي):
– ماما… أنا شفت الأميرة تيا كانت بتتخانق مع الشريرة قبل ما تقع!
(الجميع ينظر لها بذهول)
ياسمين (منحنية لمستوى الطفلة):
– تقصدي مين يا حبيبتي؟
تاليا:
– الشريرة اللي بتزعق طول الوقت… مرات العم مازن.
(كل العيون تتجه نحو هايدي، التي تجمّدت ملامح وجهها)
إيهاب (ينفجر فجأة ويمشي نحو هايدي بعنف):
– إنتِ عملتي فيها إيه يا بنت الـ…!
سيف (يمسكه بقوة من ذراعه ويصرخ):
– إيهاب! إوعى توسخ إيدك بدمها… دي ما تسواش!
هايدي (تصرخ وهي تشتعل غضبًا):
– أنا مالي! هي اللي هاجمتني! وأنا كنت هاروح أقول لبابا الحقيقة!
سليم (بصوت غاضب مخنوق):
– حقيقة إيه؟؟
هايدي (تلتفت له بعيون نارية):
– بنتك كانت بتكتب في دفترها إنها بتحب شابين في نفس الوقت! آسر وأمير!
بنتك اللي مربيها على الأخلاق! كانت ضايعة ومش عارفة تمشي على خط واحد!
وأنا… أنا اللي غلطانة إني سكت!
(صمت ثقيل يسود المكان… هدى تكاد تنفجر، ياسمين تضع يدها على فمها مصدومة، إيهاب يوشك على فقدان صوابه، وسيف ينظر لزوجته…)
سيف (يلتفت ببطء نحو سيلين التي كانت صامتة طوال الوقت، عيناها ثابتة على هايدي ببرود مرعب):
– سيلين… سكوتك بيخوفني.
سيلين (تتكلم أخيراً، بصوت هادئ لكن يحمل في داخله عاصفة):
– اللي بيمسك دفتر بنت صغيرة ويفضحه… يبقى أوطى من إنه يتوصف.
واللي يرمي فتنة وهو متجوز أخوه المريض… يبقى نجس.
واللي يفرّق بين الإخوات ويفجر الكراهية…
يبقى لازم يتحاسب.
(هايدي تصرخ):
– أنتِ فاكرة نفسك مين؟!
سيلين (بنظرة قاتلة):
– أنا مرات سيف البحيري… واللي هتحاسِبِك بمعرفتي.
وكل شيء له نهاية… حتى دورك.
سليم (بغضب):
– من النهاردة… مفيش لك مكان في البيت دا يا هايدي.
هايدي (تضحك بمرارة):
– إنتو بتطردوني؟ أنا مرات ابنكم!
هدى (تقترب منها وجهًا لوجه):
– لا… إنتِ خنتيه قبل ما تتجوزيه… وخنتينا كلنا بعدها.
هايدي تصرخ وتغادر بخطوات هستيرية… الجميع يلتفت نحو غرفة العناية، حيث يرقد مازن، وتيا لا تزال في غيبوبتها…
سيف (بصوت خافت):
– لازم ننقذ إخواتنا… قبل ما الحقد ياكل الباقي من قلبهم
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية

تعليقات