رواية تقاطع طرق الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم اميرة احمد

 رواية تقاطع طرق الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم اميرة احمد

الفصل الرابع والعشرون
في يوم الرحلة في التاسعة مساءا.... توجه أحمد مع ندي إلى منزل أدم، حيث سيقلهم أحمد بسيارته إلى محطة مصر لاستقلال القطار إلي الأقصر و من ثم تبدأ الرحلة النيلية من الأقصر إلي اسوان.
ودعهم أحمد عند محطة القطار وانصرف بعد أن وصي أدم فوق السبعين مرة على ندي، وأن يعاملها كأخته حتى يردها إليه مرة أخري......
امسكت ندي في يد أدم وتوجها يبحثان عن كراسيهما في القطار... سلمت ندي في طريقها على بعض من اصدقاءها.... لكن تغيرت ملامح وجه أدم عندما جاء أحد الشباب مقبلا على ندي يصافحها..... لكن مد أدم يده بدلا عنها وسلم عليه وعرفه بنفسه.
قال أدم باقتضاب و ابتسامة صفراء اعتلت وجهه: اهلا.. انا أدم خطيبها.
حسن: ازيك ايه الاخبار.... انا حسن معاها في الكلية.
نظر أدم إلى ندي ونيران الغيرة تطل من عينيه وهتف بصوت غير مسموع: ممم حسن.
استكمل حسن حديثه موجها كلامه لندي ومتجاهلا أدم: احنا قاعدين هنا يا ندي.. معانا فرح وجني... تحبوا تيجوا تقعدوا معانا؟
ندي: لا شكرا انا و أدم الكراسي بتاعتنا قدام.
حسن: عمتا لو احتاجتي حاجة احنا هنا.
بلغت الغيرة مبلغها من أدم، فأردف و هو ينظر لحسن بنظرة تحذيريه: لأ شكرا مش هتحتاج حاجة طول ما انا موجود.
انصرف حسن لصديقاته.... جلس إلى جوار فرح وهتف في حنقه: دي رحلة لطلبة الجامعه، خطيبها جاي معاها يعمل ايه؟
نظرت له فرح باستحقار وقالت: وانت مالك؟ كل واحد حر على فكرة... بعدين خطيبها بيخاف عليها.
حسن: هناكلها يعني لما تيجي لوحدها؟
شعرت جني بالغيرة من اهتمام حسن بندي فردت عليه بحدة: انت مالك ومالها مركز معاها ليه؟
حسن: خلاص اسكتي اسكتي.
شعر أدم بالضيق والغيرة على ندي.. فما إن جلست إلي جواره حتي تحدث بغضب.
أدم: بقي متعرفيش حسن هاا؟ مش ده اللي اتصل بيكي قبل كده.
ندي: على فكرة انا فعلا معرفهوش بس هو صاحب جني وفرح و انا مبطيقهوش.... و أول مرة كنت أعرف ان في حد في الدنيا أسمه حسن يوم ما اتصل بيا و احنا سوا.
أدم: على فكرة لو عايزة تروحي تقعدي معاهم اتفضلي.
قالت ندي مطمئنة غيرته: انا جاية الرحلة معاك انت ومش عايز اقعد غير معاك انت... ومش عيل صغير زي ده اللي يخليك تغير... انا ميملاش عيني غيرك.
صمت أدم وضم كفيها بين راحتيه في حنان.. هدأت كلماتها من روع غيرته قليلا...
كان الطريق إلى الأقصر طويلا ومرهقا...فغفي أدم من شدة الإرهاق... استيقظ بعد ساعات لا يعلم عددها.. فتح عينيه فوجد ندي تغفو ورأسها مسند على كتفه.... كانت دقات قلبه تتصارع وهو ينظر لملامحها من ذلك القرب...كانت قريبة قربا وتر مشاعره، ود لو طبع قبلة على جبينها، لكنه أثر نصيحة صديقة بالا يرتكب أي حماقة..... وضع يده على خدها بحنان وهمس باسمها... فتحت ندي عينيها في كسل.
همس أدم: مش حلو حد يشوفنا كده.. اعدلي راسك يا حبي
تململت ندي و قالت بصوت ناعس: الناس كلها نايمة وانا رقبتي وجعتني.
أدم: معلش يا حبيبتي استحملي...
ابتسمت ندي وهي تبعد رأسها عن كتفه وتعتدل في جلستها.
ابتسم أدم بدوره وهمس: شكلك حلو و انتي نايمة.
رفعت ندي حاجبها مستنكرة وقالت بسخرية: علشان كده صحيتني؟!
أدم: مش عايز حد يشوف حلاوتك غيري و ده حقي... عارفة نفسي لو كنت أقدر احبسك في اوضة متشوفيش حد ولا حد يشوفك غيري انا بس.
هتفت ندي بدلال: اخس عليك يا دومي عاوز تحبسني؟ هو ده الحب؟
أدم: هو انت لو عندك جوهرة غالية هتسيبيها للي رايح واللي جاي يشوفها ولا هتهتمي بيها وتبعديها عن الناس و تخافي حتي ان حد يجرحها بعينيه.
ابتسمت ندي بخجل.. فاحمرت وجنتيها
أدم: طيب بذمتك ينفع الخدود الحمرا دي حد غيري يشوفها.
ندي: بس بقي يا أدم.
أدم: ما طول ما انتي بتحلوي كده بتغريني أقول أكتر.
ندي: بس بقي يا أدم حد يسمعنا.
ضحك أدم بخفة: دلوقتي حد يسمعنا مش من شوية كلهم كانوا نايمين.
ندي: خلاص بقي.
وقف أدم ولا يزال يبتسم لمنظر ندي و وجنتيها الحمر التي تعصف بروحه و قلبه وقال: انا هاروح اشوف حد بيعمل قهوة ولما ارجع نشوف الموضوع ده.. تحبي اجيبلك معايا؟
ندي: انت عارف مش باشرب قهوة
أدم: مش عايزة حاجة تانية؟
هزت ندي رأسها بالنفي.
بعد دقائق عاد أدم يحمل كوب من القهوة.
ندي: اتاخرت ليه؟
أدم: الراجل في اخر القطر حرفيا.
ابتسمت ندي: حلوة القهوة؟
عقد أدم حاجبيه وقال: اوحش قهوة دوقتها في حياتي.
ضحكت ندي: طيب بتشربها ليه؟
ابتسم أدم وهمس لها: علشان عاوز افوقلك.
ندي: و ده مدح ولا ذم؟
أدم: مدح يا نوني طبعا.
ابتسمت ندي، فأردف أدم: عمتا احنا خلاص داخلين المحطة أهو.. حمدالله على السلامة يا حبي.
ندي: الله يسلمك.
دقائق وكانوا قد وصلوا إلي الباخرة الراقدة على شي ضفاف النيل.. كانت المناظر من حولهم خلابة تأخذهم الي عالم من السحر والجمال... وزينت البواخر ضفاف النيل و من خلفهم تظهر الجبال و هي تحتضن المسطحات الخضراء و النيل بين ذراعيها.
انطلقت السفينة تشق مياه النيل بهدوء، ضوء الشمس ينعكس على سطح الماء فتلألأت، و الهواء العليل يلف المكان بحميمية......جلس أدم يحتسي قهوته ويستمتع بالمناظر الخلابة... حين اقتربت ندي منه بهدوء... ابتسم لها أدم ما إن شعر بوجودها و قال: حطيتي شنطك في الاوضة؟
ندي: اه خلاص.. هاقعد مع فرح في نفس الاوضة.. قريبة من اوضتك على فكرة.
أدم: تفتكري دي صدفة.. اتفقت مع الولد اللي في الرسيبشن طبعا.
ضحكت ندي: مفيش حاجة بتعدي عليك ابدا.
ابتسم لها أدم و هو ينظر لعينيها بحب: ابداا.
ندي: يلا علشان نتغدي انا جعانة اوي.
أدم: أخلص القهوة حاضر ونروح.
ندي: حلوة القهوة دي عن بتاعت القطر؟؟
أدم: بكتييير... تحبي تجربي؟
هزت ندي رأسها في ايجاب....
أدم: بس انتي مبتشربيش قهوة
ندي: انا عمري ما دوقت طعمها قبل كده.. ماما الله يرحمها دايما كانت تقولي عيب البنت تشرب قهوة... بعدين انا ملاحظة إنك بتحبها اوي.
أدم: تحبي اطلبلك واحدة؟
نظرت له ندي بعينيها العسلية التي انعكس عليها ضوء الشمس فأضحت ساحرة وهمست بعينين يملؤهم الحب: لأ..... انا عاوزة اشرب القهوة اللي انت بتشرب منها.
ناولها أدم فنجان القهوة فارتشفت منه رشفة صغيرة وناولته الفنجان مرة اخري.
أدم: عجبتك؟
اومئت رأسها بإيجاب: حلوة
ابتسم أدم وهو يقول: انتي عارفة أمي بتقول اللي تشرب من فنجان واحد تجري وراه.
رفعت ندي حاجبها وقالت: هو انا محتاجة اجري وراك يا أدم؟
اقترب منها أدم وهمس: انا اللي جريت وراكي يا نوني...ثم تنهد و هو يقول: ااااه لو تعرفي انا طلبت ايدك كام مرة من أحمد وهو يرفض.
صاحت ندي بدهشة: بس أحمد عمره ما قالي... هو قالي بس يوم الحادثة.
أدم: انا حاسس انه كان خايف يقولك فا توافقي... بس انتي عمرك ما قولتيلي وافقتي تتجوزيني ليه؟
اشاحت ندي بنظرها عن عيني أدم، فشعرت ان عينيه تخترقها وهمست: تفتكر ليه؟
أدم: يعني ليه انا مش أي حد تاني؟
اعتري ندي الخجل واحمرت وجنتاها وهمست: بصراحة لما كنت بتيجي البيت وبشوفك مع أحمد كنت معجبة بيك.
أدم: مجاوبتيش على سؤالي.
سرحت ندي في الأفق الممتد امامها وقالت: قلوبنا مش بايدينا يا أدم.... مش بنختار حد ونقول هو ده اللي انا هأحبه وأعجب بيه... فجأة وبدون مقدمات كده بتلاقي حاجة بتشدك للي قدامك و انت مش عارف ايه هي و لا علشان ايه......اقولك على سر.. لما كنت بتيجي عند أحمد البيت، انا كنت باقف في البلكونة بس علشان اشوفك وانت خارج من البيت و بتركب عربيتك... المشاعر يا أدم مفيهاش ليه.
ابتسم أدم لكلامها و همس: عندك حق.... قوليلي ايه اكتر حاجة بتحبيها فيا؟
ندي: اممم... حنيتك... وانت ايه اكتر حاجة بتحبها فيا؟
أدم: براءتك... بس انا اول مرة اعرف موضوع إنك كنتي بتبصي عليا و انا مش واخد بالي ده،مكناش بنتكلم يعني وقتها كانت ايه اكتر حاجة كانت بتشدك ليا ؟
عضت ندي على شفتيها خجلا: انت عارف.. انا بحب شكل دقنك اوي، انا فاكرة لما كنت بتحلقها كان بيبقي نفسي اقولك متعملش كده تاني.
مرر أدم أصابعه بين شعيرات ذقنه: وانا اكتر حاجة بحبها فيكي عينيكي.
ندي: لسة عاوزني اشرب من فنجانك علشان اجري وراك؟
قال أدم بمكر وهو يغمز لها: القهوة دي أنواع كتيرة وحظك انا بحبها كلها.. بعد الغدا بقي بحب اشرب قهوة باللبن.
ابتسمت له وهي تقول: ماشي يا أدم بعد الغدا أجرب قهوة باللبن معاك... يلا بقي نروح ناكل علشان انا جعانة اوي.. كمان علشان نلحق، هنروح معبد الكرنك بعد الغدا.
ضحك أدم: لأ قصدك بعد القهوة.
جذبته ندي من يديه: يلااا بقي بجد جعاانة.
انطلقا إلى الغذاء ومن بعدها ذهبا الي معبد الكرنك.. كانا مأخوذين بجمال وعظمة وعراقة التماثيل الفرعونية.. والتي تحمل كل منهما قصة ومعني، أخذ يشرح لهم المرشد عن أسباب بناء المعبد وإلى ماذا يرمز كل تمثال فيه.. كانت الشمس على غير المتوقع في هذا الوقت من الشتاء حارة من فوق رؤسهم... كانت حماسة ندي تنسي أدم أي تعب يشعر به...عادا مرة أخري إلى الباخرة وبدأ أدم يشعر بالإرهاق و الصداع.. فاستأذن من ندي ان يذهب ليرتاح قليلا في غرفته على ان يتقابلا على العشاء.
وقبل ان تخرج ندي من حجرتها للعشاء اتصلت بأدم فلم يجيبها.. انتظرت قليلا عساه يعاود الاتصال بها كعادته، لكنه لم يفعل.... ظنت انه لا يزال نائما.. تعلم عنه تلك العادة التي تكرها كثيرا، يضع هاتفه على وضع الصامت حين ينام حيث انه يستيقظ من أقل صوت بجانبه.. عاودت الاتصال به مرارا وتكرارا لم يجب..... بدأ القلق يتسلل إلي قلبها، لكن صديقتها فرح طمأنتها انه ربما يكون لايزال نائما... قررت ندي ان تخرج إلي حجرته و تطرق الباب لعلها توقظه.. فعلت لكنها لم تجد أي استجابة منه.. طرقت الباب عدة مرات أخري لكنه لم يجب.... بدأ القلق يعتري ندي، حاولت صديقتها فرح أن تطمئنها و هما لا يزالا واقفتان امام باب غرفة أدم.
هتفت فرح: يمكن سبقك على المطعم تعالي نروح نشوفه هناك.
ندي: بس انا عارفة أدم مش هيروح من غيري.
فرح: يمكن يا ستي بلاش قلق تعالي نروح نشوفه.
انطلقا إلى المطعم.. جالت ندي بنظرها بين الحاضرين فلم تجده.. ساورها القلق أكثر...قررت ان تعود هي وفرح الي غرفته مرة أخري وطرقت الباب لكنه لم يجب..
صاحت ندي بقلق: اعمل ايه يا فرح انا قلقت عليه اوي... خايفة يكون تعبان.
فرح: جربي تطلبي من الريسيبشن يفتحلك اوضته.
ندي: تفتكري هيرضوا؟
فرح: اشرحيلهم الظرف يمكن يرضوا.. تعالي بس نتعشى وبعدين اعملي كده.
هتفت ندي بقلق: لأ روحي انتي انا ملياش نفس.. هاشوف أدم الأول.
ذهبت ندي إلى موظف الاستقبال وشرحت له الأمر و طلبت منه أن يأتي معها و يفتح حجرة أدم للاطمئنان عليه...تفهم الموظف الوضع و وافق ان يفتح لها حجرة أدم... توجه معها إلي الحجرة و فتح بابها، دلفت ندي تبحث عن أدم.. وجدته مستلقي على سريره عاري الصدر يهذي ومحموم... هالها منظره اقتربت منه ببطيء ووضعت يدها على جبينه، لم تستحمل حرارة جسده لثواني معدودة... توجهت إلى موظف الاستقبال الذي لا يزال يقف عند باب الحجرة صارخة: مفيش دكتور هنا؟؟ ده تعبان أوي وحرارته عالية.
موظف الاستقبال: حاضر يا فندم هابعت لحضرتك الدكتور حالا.
قال كلماته وانصرف لإحضار الطبيب... بينما عادت ندي مرة أخري إلى جوار سرير أدم وهتفت بأسمة عسى ان ينتبه لوجودها.. لكنه كان لايزال يهذي ويهمهم... دقائق وكان الطبيب يدلف إلى الحجرة مع موظف الاستقبال
الطبيب: هو ايه اللي حصله؟
هتفت ندي بقلق واضح على ملامحها: معرفش هو لما رجعنا كان بيقول انه مصدع و عايز ينام بس حاولت اصحيه كتير مبيصحاش و حرارته عاليه.
كشف الطبيب على أدم ثم توجه لندي بنظره وقال: عنده ضربة شمس.. محتاج تعمليله كمادات ويفضل دوش ساقع بس لو مش قادر يقوم ممكن ترشي على جسمه مايه ساقعه علشان تنزل الحرارة و يشرب ماية و سوايل كتير...
ثم فتح حقيبته و أخرج منها أدويه و ناولها لندي: اديله من الدوا ده دلوقتي قرص وواحد الصبح و الدوا التاني ده اديله قرص كل 12 ساعه.. بس أهم حاجة تنزلي الحرارة.، ثم توجه بكلامه لموظف الاستقبال: ممكن تجيبلها بخاخ مايه وقطع تلج.
انصرف الطبيب وتبعه موظف الاستقبال وبعد لحظات عاد ومعه بخاخ المياه والثلج.
تناولته منه ندي وشكرته.... وانصرف وبقيت ندي ممسكة بالباب في تردد.. تخشي ان تترك الباب مفتوح فيراها أحد زملاءها في غرفة أدم، ام تغلق الباب وتكن هي وهو وحدهما في غرفته...كانت في حيرة من أمرها حسمتها مجرد ان رأت إحدى صديقاتها في الجامعة في بداية الممر المؤدي إلى الغرف فأسرعت بإغلاق الباب.
توجهت حيث فراش أدم وبدأت في عمل الكمادات له.. رفعت رأسه قليلا في محاولة لإعطائه كوب من الماء كتعليمات الطبيب، لكنه وجدته يهتف في هذيانه "بحبك".... ابتسمت ندي رغما عن دموعها المنسابة على خدها.... وعادت لوضع تلك الفوطة الصغيرة المحملة بالثلج على جبينه الساخن.
دققت النظر في ملامحه المستكينة في ضعف.... وجنتيه التي احمرا بفعل الحرارة، تقاطيع وجهه الحادة المنمقة.... شعره المجعد، لحيته التي تعشق، ثم توجهت بنظرها إلى صدره العاري الذي يغزوه الشعر، ثم وقعت عيناها على أثر ذلك الجرح الطولي ببطنه من أثر العملية الجراحية..... شعرت بالألم يملأها ما ان رأته ولم تستطع ان تكبح رغبتها فمدت يدها و تحسسته بلطف، انتفض جسده أثر لمستها، فأبعدت يديها مسرعة، لكنه كان لايزال في حالة الاغماء.... ظلت ندي إلى جواره حتى الصباح تقوم بعمل الكمادات على جبينه، حتي هدأت حرارته و عادت إلي طبيعتها... و من الحين للأخر ترفع رأسه و تعطيه قليلا من الماء.... حتى غفت رغما عنها على إحدى المقاعد بجوار فراشع.
فتح أدم جفونه في صعوبة وكأن ثقلا معلقا بأهدابه.... لازال رأسه يؤلمه وتخونه قواه العضلية.. يرفض جسده ان يستجيب له... دار بعينيه في كل ما حوله محاولا إدراك اين هو وماذا حدث.... حتى وقعت عيناه على ندي النائمة على المقعد بجواره.. هتف باسمها بصوت ناعس ضعيف، فاستيقظت فزعة ظنا منها انه عادت إليه الحرارة و عاد إلي هذيانه مرة أخري.
أعتدل أدم محاولا الجلوس و قال متعجبا بصوت ضعيف: ندي... انتي دخلتي هنا ازاي؟
اسرعت ندي إليه بلهفة: أدم انت فوقت أخيرا.. انت كويس؟
أدم: حاسس بس ان راسي تقيلة.. هو ايه حصل؟
ندي: جاتلك ضربة شمس امبارح
فزع أدم: امبارح!!! يعني انا نايم من امبارح؟
ندي: اه يا حبيبي كنت تعبان أوي... لما لقيتك مبتردش من امبارح كلمت الريسيبشن وفتحولي الباب ،ولما لقيتك تعبان كده جبت الدكتور و هو اللي قال ان عندك ضربة شمس و لازم تشرب سوايل كتير و كمادات فا قعدت جنبك و عملتلك كمادات طول الليل.
أدرك أدم انه كعادته ينام عاري الصدر ولايزال على تلك الهيئة.. تحامل على نفسه وقام من فراشه وارتدي أول قميص قطني وجده في حقيبة سفره.
قال في عدم فهم و هو يرتدي ملابسه: يعني انتي هنا من امبارح يا ندي؟
ردت عليه ندي ببراءتها المعهودة: اه.... يعني كنت عايزني اسيبك وانت في الحالة دي؟
اعتري أدم الغضب وصاح: انتي مجنونة يا ندي ازاي تعملي كده؟ لما الناس تعرف أنك بايتة عندي في الاوضة هيقولوا عنك ايه؟ لما صاحبتك تعرف انك منمتيش في سريرك امبارح عارفة هتبصلك ازاي؟ ...
وضع رأسه بين كفيه وأردف بانكسار... لو حد شافك و انتي خارجة من اوضتي دلوقتي هيبقي شكلك ايه؟ كنتي بتفكري في ايه لما عملتي كده؟
انسابت دموع ندي على خديها وردت عليه بانفعال: مكنتش بافكر يا أدم... كل اللي كنت بفكر فيه أنى قلقانة عليك.. وعمري ما كنت هاسيبك و انت في الحالة دي و احنا في وسط النيل مفيش مستشفى او حاجة ممكن تسعفك... مكنش في غيري كنت عايزني اسيبك؟
على قدر العصبية التي كان يشعر بها أدم من فعل ندي، إلا أنه كان يخشى عليها من عواقب افعالها.. كان يستمع لكلماتها و هو منكس الرأس ثم قال بضعف: كنتي سيبني اموت ولا ان حد يمسك بكلمة او يظن فيكي ظن سوء.
قالت ندي من بين دموعها: بعد الشر عليك يا أدم.. محدش يقدر يقول عليا حاجة.. ولو على فرح هي عارفة إنك تعبان و كانت معايا و انا قلقانة و بأدور عليك لما مرديتش عليا... و لو انت متضايق من وجودي انا هاخرج ، ومتخافش هما كلهم اتحركوا راحوا البر الغربي محدش هيشوفني لما اخرج.
رفع أدم رأسه من بين راحتيه وقال بحزن: دلوقتي كلهم هياخدوا بالهم ان احنا الاتنين مش معاهم.
هتفت ندي بحدة: انا اسفة يا أدم انا هاخرج دلوقتي.... بس على فكرة أحمد كلمك كتير جداا طول الليل.. هو كلمني اكتر من مرة وسأل عليك وانا قولتله إنك تعبان وقولت هتنام.
قالت ندي كلماتها الأخيرة وفتحت الباب وانصرفت في هدوء.
ظل أدم يفكر كيف كان بهذه القسوة معها بعد ان سهرت طوال الليل تمرضه.... أخذ حماما سريعا ليقلل من حرارته التي بدأت في الازدياد مرة أخري وتناول قرص من الدواء خافض للحرارة، وقرر أن يعوض ندي عن أسلوبه معها، اتصل بها على هاتفها.. لم تجب، أرسل لها رسالة نصية" انا مستنيكي في المطعم نفطر سوا، انا عارف اكيد مكلتيش حاجة من امبارح"
لم تجيبه على رسالته، لكنه تلقي اشعار بانها قرأت الرسالة... صعد إلى المطعم على سطح الباخرة و طلب قهوته كالمعتاد و جلس في انتظارها... رأها تصعد الدرج لسطح الباخرة بعد أقل من 5 دقائق، كان لايزال يبدو على ملامحها الضيق و أثر البكاء ... جلست إلي جواره في صمت دون ان تنطق حرفا.
همس أدم بضعف: انا اسف.. شكرا على اللي عملتيه علشاني.. بس انا كنت خايف عليكي و قولت الكلام البايخ اللي قولته من خوفي عليكي.
نظرت له ندي بحب وقالت: انت حاسس بايه دلوقتي؟ احسن؟
أدم: مصدع شوية، ان شاء الله يروح الصداع بعد القهوة.
ندي: انت المفروض تاكل الأول قبل القهوة وأصلا مش المفروض تشرب قهوة مفروض تشرب سوايل كتييير.
أدم: اعمل ايه ما انتي سبتيني و مشيتي و مقولتليش التعليمات دي... عمتا خلينا نفطر علشان منتأخرش.
هتفت ندي في استغراب: نتأخر على ايه؟
أدم: انا سألت و قالولي الباخرة هتفضل واقفة لحد الساعه 6، و بما اني كنت السبب انك تضيعي رحلة الصبح فا قولت لازم اعوضك و نخرج نتفسح انا و انتي لوحدنا.
قالت ندي بحزم: لأ مش هنخرج انت تعبان.. هتاكل كويس و تشرب مايه و سوايل كتير و تنام علشان تبقي أحسن مش هنخرج و تتعب أكتر، الدكتور قال امبارح لازم راحة.
أدم: ما انا نايم من امبارح، بعدين انا قررت خلاص ومش هارجع في كلامي، و انتي مفروض تسمعي كلامي و لا ايه؟
ندي: هاسمع كلامك بس مش على حساب صحتك.
نظر أدم لعينيها بحنان: سيبيني اصالحك بطريقتي و متنشفيش دماغك.
ابتسمت ندي: حاضر.
هتف أدم بحماس: تفطري و10 دقايق بالظبط الاقيكي قدام باب اوضتي اتفقنا.
تناولا الإفطار، واستعدت ندي في عجالة وتوجهت إلي غرفة أدم الذي كان مستعد من البداية... توجها معا إلي الاستقبال حيث هتف موظف الاستقبال حين رأي أدم مقبلا: العربية مستنيه بره يا أستاذ أدم.
ندي: هنروح فين؟
أدم: هتبقي مفاجأة ازاي لو قولتلك.
انطلقت السيارة وسط الطرق، وأدم وندي يستمتعان بجمال المدينة، دقائق ووقفت السيارة على هضبة، و كان المنظر يأثر اللب حيث تتطاير المناطيد الهوائية في السماء... و البعض منها كان لا يزال علي الأرض يستعد للصعود إلي عنان السماء... كان المنظر يبدو و كأنه مشهد من فيلم رومانسي... أمسك أدم بيد ندي و ساعدها للصعود إلي إحدى المناطيد، و دلف خلفها.
همس أدم وهو ينظر لها بعينين لامعتين: عجبتك المفاجأة؟
ابتسمت ندي بسعادة كطفلة صغيرة و صاحت : اوي.
ابتسم أدم وهمس بحب: لسة زعلانه مني؟
ندي: انا مكنتش زعلانه، بس مكنش ده رد الفعل اللي مستنياه منك إنك توبخني بدل ما تقولي شكرا.. انت مش عارف انا كنت هاتجنن عليك ازاي طول الليل وانت تعبان.
أدم: و انتي مش عارفة انا باتجنن عليكي ازاي كل يوم و انا شايفك قدامى و مش معايا.
ابتسمت ندي واحمرت وجنتيها من الحياء... وراحت تنظر في الأفق مع أدم لتلك المناظر الطبيعية التي أسرت روحيهما.
اما في المطعم... جلس حسن مع فرح وجني وبعض من الأصدقاء ، هتف حسن موجه كلامه ل فرح.
حسن: امال صاحبتك العروسة فين؟
ردت فرح باقتضاب: معرفش
هتف حسن بخبث: مشفنهاش من امبارح ولا نزلت معانا الصبح و دلوقتي مش هنا.
احمر وجه جني من الغيرة وصاحت: انت مركز معاها كده ليه؟ مالك ومالها.
حسن: أصلها يعني عاملة نفسها خضرا الشريفة وهي....
قاطعته فرح بعصبية: اخرس قطع لسانك اوعي تقول نص كلمة على ندي.
حسن: والله ابقي اسألي صاحبتك كانت فين امبارح و بتعمل ايه؟
جني: ايه الكلام اللي انت بتقوله ده.
حسن: انا مبقولش كلام انا شفتها داخلة اوضة خطيبها امبارح بالليل و بتقفل الباب وراها.
صاحت فرح: انت حيوان وغبي ومش فاهم حاجة، ندي دي احسن واحدة فينا و انت بتقول الكلام ده علشان انت غيران علشان مديتلكش وش و مبتعبركش.
تعجبت جني و هي تنظر لفرح: هي فعلا منامتش في الاوضة يا فرح؟
فرح: انا مش هارد عليكوا ، حتي انتي يا جني، انا كنت فكراكي صاحبتها، تصدقي اللي بيقوله الحيوان ده عليها.
قالت فرح كلماتها وانصرفت عائدة إلى غرفتها.... وجدت ندي قد عادت... فهمست لها بعتاب: ندي انتي كنتي فين من امبارح؟
ندي: أدم كان تعبان اوي يا فرح مش انتي كنتي معايا.... الدكتور قالي لازم أفضل اعمله كمادات لحد الحرارة ما تنزل، فضلت قاعدة اعمله كمادات لحد الصبح على ما فاق.
فرح: ومن الصبح كنتي فين؟
اعتري الضيق ملامح ندي من أسئلة فرح المستمرة و صاحت: هو في ايه يا فرح ، هو تحقيق؟ خرجنا اتمشينا شوية ورجعنا.
فرح: مش تحقيق بس انا خايفة عليكي، الناس بتتكلم.
لم تفهم ندي كلمات فرح فأردفت مستائلة: بتتكلم على ايه؟
هتفت فرح بارتباك: يعني كله بيقول هي ليه جايبة خاطبها معاها.. هو موجود بصفته ايه... يعني انتي عارفة كلام الناس بيبقي رخم.
صاحت ندي: هما مالهم أصلا.... اللي بيتكلم قوليله ييجي يعيش حياتي... انا ملياش في الدنيا دي كلها غير أحمد وأدم، مستكترنهم عليا كمان.
فرح: متزعليش نفسك يا ندي.... انا عارفة اللي انتي بتمري بيه، وأي حد بيقول عليكي نص كلمة انتي عارفة أنى في ضهرك و بارد علي أي كلب يتكلم... المهم تعالي ارتاحي شوية انتي شكلك مرهق اوي.
ندي: فعلا منمتش من امبارح.
فرح: طيب يلا هاسيبك تنامي و اصحيكي ننزل سوا....علشان في حفلة بالليل بعد العشا
ندي: ماشي
غفت ندي واستيقظت على ميعاد العشاء.. راسلت أدم لتلاقيه عند باب حجرته حيث انها في الطريق إلى المطعم... تناولا طعامهما سريعا وتوجها إلى الحفلة لكن استوقفهما حسن وجني في طريقهما إلي لحفلة.
قال حسن بتهكم: يارب تكونوا انبسطوا و انتوا لوحدكوا، اصلنا مشفناكوش من امبارح.
................

•تابع الفصل التالي "رواية تقاطع طرق " اضغط على اسم الرواية

تعليقات