رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم اميرة احمد

 رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم اميرة احمد

الفصل الواحد وعشرون:

على أعقاب صالة المطار، وقف فارس بقلب محطم، وعينين يمتزج فيهما الألم بالأمل، وقفت إلي جواره والدته، تمسك بيده بقوة وعيناها تبكي بلا توقف... قالت بصوت مجروح من الألم: هترجعلي تاني يا فارس؟ 

ابتسم فارس بمرارة، ورفع كفها إلى شفتيه يقبلها بحنان وقال: سايب حتة من روحي معاكي هنا يا ماما.

اقترب طارق وربت على كتفه بحنان، عينيه حزينة ومكسورة، لكنه كان يحاول ان يخفي ذلك بابتسامته المرحة كالعادة ومزاحه بطريقته الخاصة فهتف في فارس: طيب وقلبك؟ مش كنت خدته معاك بدل ما انت سايبه هنا؟

تجهمت ملامح فارس، لكنه هتف بجدية: أشوفك علي خير يا بابا.

زاد ضغط طارق علي كتف فارس وقال: سافر يا حبيبي... شوف الدنيا وأتعلم واشتغل... وأعرف اننا فخورين بيك في كل الأحوال.

سقطت دمعة من عين طارق رغما عنه، ضمه فارس إلي صدره وربت على ظهره بقوة، لم يعلم في لحظتها هل كان يمنح والده القوة على فراقه، أم يستمدها منه.

اما سما فكانت تبكي بلا توقف، قبل فارس رأسها بحنان وقال: أرجوكي يا ماما كفاية عياط.

همست له سما من بين دموعها: كان نفسي تسافر يا حبيبي وقلبك مرتاح.

تنهد فارس بألم: محدش عارف بكرة فيه ايه.

ودع فارس والديه بحنان، فرت دمعة من عينيه ألما لفراقهما... حمل حقيبة سفره وتوجه ناحية صالة المطار لإنهاء الإجراءات.

جلس فارس ينتظر في المطار، عينيه شاردتين يراقب حركة الطيارات بعينيه، لكن ذهنه كان هناك معها... أخرج هاتفه.... فتح المحادثة بينه و بين حياة..... لم يتحدث معها منذ أخر لقاء لهما في منزلها حين رفضت السفر معه... يفتقدها بشدة... يفتقد أحاديثهما و صوت ضحكتها..... نظر طويلا إلى الهاتف ... كتب رسالة لها " خلاص مسافر... كان نفسي تبقي معايا"

قرأ الرسالة أكثر من مرة، ثم مسحها و تراجع عن ارسالها، همس لنفسه بألم : أنا مسافر بس سايب روحي معاكي هنا يا حياة.

أخرجه من شروده صوت المذياع ينادي علي الطيارة المتجهه إلي لندن.... حمل حقيبته الصغيرة ومشي بخطي بطيئة مثقلة بالهموم.

وضع السماعات في أذنه وانطلق الصوت وكأنه يلف كيانه.

Well you only need the light when it's burning low

 Only miss the sun when it starts to snow

 Only know you love her when you let her go

 Only know you've been high when you're feeling low

 Only hate the road when you're missing home

 Only know you love her when you let her go

 And you let her go.......

Staring at the ceiling in the dark

 Same old empty feeling in your heart

 'Cause love comes slow and it goes so fast

 Well you see her when you fall asleep

 But never to touch and never to keep

 'Cause you loved her too much and you dive too deep

أغمض عينيه بألم وكأن كلماتها لمست روحه وأنطلق يمضي في طريقه

----------------------------

في المساء دخلت حياة علي والدها الغرفة لتطمئن عليه... طرقت الباب بخفة، فتح لها وهو يرتدي جاكيته، يقف امام المرآة يعدل من هندامه... وضعت حياة قبلة على وجنته وهتفت وهي تلف يديها حول عنقه: رايح فين يا زيزو؟

ضحك زياد وهو يرش عطره: أخيرا خرجتي من اوضتك يا دكتورة.

جلست حياة علي طرف السرير، نظرت لصورة والدها في المرآة وقالت بصوت ضعيف: كنت مضايقة شوية بس يا بابا.

التف إليها زياد وقال: ودلوقتي بقيتي أحسن؟

شردت حياة بعينيها و قالت: لأ... بس قولت أجي استمد طاقتي منك... المهم متضحكش عليا... بالحلاوة دي كلها رايح فين؟

ضحك زياد: رايح اقابل عمك طارق يا ستي... متضايق شوية هو كمان.

حياة: متضايق ليه؟ ... أونكل طارق أكتر شخص بشوفه دايما بيهزر ويضحك.... عمري ما شفته شايل هم لحاجة.

زياد: هو اكتر انسان بيزعل ويحس... بس بيدارى ده وسط ضحك والهزار

حياة: وايه مزعله للدرجة دي؟

قال زياد وهو يخرج من الغرفة: علشان فارس سافر امبارح.

تجمدت ملامح حياة، شعرت وكأن قلبها توقف عن الخفقان للحظة، وعاد يخفق من جديد لكن بلا روح.

قامت حياة من مكانها وتحركت نحو غرفتها، جلست على سريرها تبكي بحرقة... هل حقا فارس تركها وسافر دون وداع، الا يشتاق لها كما تشتاق له... هي من اختارت البعد، لكنها لم تكن مستعدة لذلك الفراغ الذي شعرت به حين ابتعد وتلك الغصة التي اصابت قلبها حين علمت بسفره.

مر أسبوع....

في البداية كانت تقنع حياة نفسها ان الأمر مؤقت.. حتما سيشتاق لها و سيتصل... سيسأل عنها.... لكنه لم يفعل، عينيها دائما معلقة بالهاتف لكن لا اشعارات، لا رسائل و لا مكالمة منه.

في اليوم العاشر، 

أغلقت باب غرفتها جيدا... جلست أمام المرآة... ما تراها امامها هي حتما ليست هي... وجهها شاحب من قلة النوم، عينيها ذابلتين من أثر البكاء.. أمسكت بهاتفها بتردد... فتحت المحادثة مع فارس... شغلت رسالة صوتيه كان قد أرسلها لها قبل سفره بعدة أشهر.... دمعت عيناها وهي تستمع لنبرة صوته الدافئة.... كادت ان تكتب له رسالة طويلة تبث له فيها اشواقها، تبوح بحبها واشتياقها له، لكنها أغلقت الهاتف وألقت به بعيدا.

نظرت إلي انعكاسها في المرآة وهمست لنفسها: أنتي اللي كسرتي قلبك بايدك... كنتي جبانة يا حياة.

بعد مرور حوالي أسبوعين علي سفر فارس.

انعزلت حياة تماما عما حولها... لم تعد تخرج من غرفتها... تأكل الطعام بلا شهية.... لا تتحدث مع أحد... حتي اصدقاءها لم تعد تتحدث معهم او تراهم... تذهب إلي عملها كل يوم و تعود للمنزل كالإنسان الألي... جسدا بلا روح.

أمسكت بهاتفها من جديد... فتحت المحادثة بينهما، نظرت إلي صورته وعيناه الزرقاوين و ابتسامته المرحة، شعره بني اللون... تأملت كل تفاصيله وهمست كما لو كانت تحدثه: يا تري يا فارس حاسس بيا.... الوجع اللي في قلبى في زيه في قلبك؟ وحشتني أوي... يا تري الجو عندك عامل ايه؟ ... بتنام امتي وتصحي أمتي؟

لو حاسس بيا أرجع يا فارس.... أو حتي قولي إنك نسيتني يمكن انا كمان أنسي.

في اليوم الثلاثين.

كانت حياة في حالة مزرية.... شرود تام... بهتت بشرتها، يحيط بعينيها هالتين سوداء من أثر البكاء... خسرت جزء من وزنها بشكل ملحوظ...

دخل عليها زياد في الغرفة، كانت شاردة لم تشعر بوجوده في البداية إلا حين أغلق الباب خلف وهتف باسمها.

نظرت له حياة بابتسامة باهته وقالت: محتاج حاجة يا بابا؟

جلس زياد علي طرف السرير، نظر إليها بألم وقال بنبرة حانيه: مش عايزة تقوليلي مالك برضه؟

اشاحت بعينيها عنه وقالت بصوت ضعيف: انا كويسة يا بابا.

تنهد زياد: أوعي تفتكري أني مش فاهم ولا مش واخد بالي أنك علي الحالة دي من يوم ما فارس سافر.

حين سمعت أسمه بدأت عيناها تذرف الدمع بلا توقف، فتح لها زياد ذراعه فألقت بنفسها في حضنه و همست من بين دموعها: وحشني أوي يا بابا.

ربت زياد علي ظهرها وقال: بتحبيه؟

همست من بين دموعها: مكنتش أعرف أني بحبه أوي كده غير لما بعد.

نظر زياد إلي عينيها الدامعتين وقال: هيرجع ان شاء الله.

هزت حياة رأسها بالنفي وقالت: قالي مش هيرجع تاني... انا اللي كنت غبية يا بابا ورفضت.

زياد: ورفضتي ليه لما انتي بتحبيه كده؟

حياة: علشان كنت خايفة يا بابا... مش عاوزة أبعد عنك ولا عن ماما... خايفة أعيش في بلد معرفهاش مع ناس معرفهاش.

ابتسم زياد: طيب ودلوقتي؟

حياة: وجع انه مش موجود أكبر من أي حاجة تانية.... حاسة أن روحي موجوعة لفراقه.

ربت زياد علي ظهرها بحنان: طيب لو رجع و طلب أيدك تتجوزيه يا حياة؟

علي نحيب حياة وقالت من بين دموعها: من غير تردد هاتجوزه... بس هو مش هيرجع تاني.

وضع زياد قبلة على جبين حياة وهمس: هيرجع.... علشان هو كمان ساب قلبه معاكي.

--------------------------------------

بعد ان اسدلت الشمس ستائرها على الكون وبدأ يحل القمر مكانها، جلست لارا مع يوسف وعائلته في غرفة المعيشة، لارا ويوسف يجلسان جنبا الي جنب على الاريكة وامامهم على الطاولة بعض الأوراق المتناثرة وحاسوب لوحي صغير، على المقعد بجوارهم يجلس زياد و بجواره حياة و هي شاردة تماما و امامهم تجلس نور تتصفح هاتفها ولا تعيرهم أي انتباه.

كانت لارا يبدو عليها التوتر الذي كانت تحاول ان تخفيه عن يوسف، بين الحين والأخر تنظر الي هاتفها بقلق... تتأكد من انه علي وضع الصامت وتعيده مكانه مرة اخري مقلوبا علي وجهه خوفا من ان تأتيها مكالمة او رسالة من سامر و يراها يوسف.... كانت تتصفح الحاسوب اللوحي مع يوسف بقلب سعيد وروح متوترة.

قال يوسف وهو يشير الي إحدى الصور علي الحاسوب: انا شايف القاعة دي احلي كتير.

امسكت لارا بالحاسوب اللوحي من يده وقالت: هي حلوة بس انا مش عجباني الإضاءة فيها، حاسها ضلمة اوي.

زياد: طيب ما تتفقوا معاهم يغيروا الإضاءة.

لارا: تفتكر ينفع يا اونكل؟!

يوسف: خلينا نسألهم و نجرب.... انا شايف ان دي اكتر قاعة مناسبة للفرح.

نظر يوسف الي والدته التي يبدو على ملامحها الضجر وقال: ولا انتي رأيك ايه يا ماما؟

رفعت نور عينها وقال ببرود: اللي تشوفوه... انتوا اللي هتتجوزوا.

نظر زياد اليها وقال بحنان: عارفة يا حبيبتي.... بقالك شوية معملتليش قهوة من ايدك ايه رأيك تعمليلي فنجان قهوة.

قامت نور من مكانها ودخلت الي المطبخ دون ان تتكلم، غمز زياد ليوسف فقام الأخير خلفها... دخل الي المطبخ واقترب من والدته، امسك ابريق القهوة من يدها، بدأ يضع البن والسكر والماء فيها، نظرت اليه نور وجلست علي المقعد في منتصف المطبخ، قال يوسف وهو يقلب القهوة: ماما.... من فضلك حاولي تعاملي لارا كويس علشان خاطري.... حاولي تنسي هي بنت مين... بصي لها بس على انها البنت اللي هتكون مراتي.

تنهدت نور: انا بحاول.... بس مش سهل... انت مش متخيل هي شبه سارة وهي في سنها ازاي، انت كمان يا يوسف فيك شبه من زياد وهو صغير اوي.... فاهم انا حاسة بايه لما باشوفكوا مع بعض... كأني شايفة زياد مع سارة.

اقترب منها يوسف وامسك كفها بين يديه ووضع قبلة على كفها وقال: ماما... انا اسف لو برجعلك أي إحساس قديم... بس انا عايزك تفصلي لارا عن أمها، عامليها يا ماما زي ما بتعامليني.... خليها تشوف حنانك وحبك... مش هاعرف أعيش وانتي مش بتحبيها.

نظرت نور في عيني يوسف رأت ذلك الطفل الصغير الذي كان يترجاها من أجل قطعة حلوي، ابتسمت له بحنان: حاضر يا يوسف هحاول.

قبل يوسف رأسها: وده كفاية عليا يا ماما.

ضحكت نور: خليك أتكلم علي لارا و سايب القهوة، ولو فارت انت اللي هتنضف البوتجاز.

ضحك يوسف وهو يصب القهوة في الفنجان: متخافيش انا مركز.

خرج يوسف يحمل فنجان القهوة في يده والأمل في قلبه، جلس الي جوار لارا مرة اخري، هتفت لارا بطفولة: انا بفكر الورد يبقي ابيض و داخل فيه ورد بينك.

ضحك يوسف: مش كفاية اوضة النوم بينك... كله هيبقي بينك.

ضحك زياد بخفة: ربنا يجعل حياتكم كلها بمبي.

لارا: طيب انتي ايه رأيك يا حياة؟

خرجت حياة من شرودها نظرت الي لارا و قالت بصوت مهزوز: اللي انتي عاوزاه يوسف لازم يعمله... ده فرحك في الأول و الاخر.

نور: قوليلي يا لارا اخترتي فستان الفرح ولا لسة؟

نظرت لارا الي عينين يوسف بارتباك، ثم نظرت الي نور التي حاولت ان تكسر الحاجز بينهما وقالت: بصراحة يا طنط استقريت علي الديزاين بس لسة مخلصش.... 

ابتسمت نور: طيب مش تفرجيني عليه.

قامت لارا من مكانها وجلست بجوار نور، أخرجت هاتفها وقالت ببراءة: هاوريهولك انتي بس يا طنط... يوسف مش لازم يشوفه.

ضحك يوسف بخفة وهو يرفع حاجبه: علي فكرة انتي هتلبسي الفستان ده ليا انا.... يعني انا لازم اشوفه و أوافق عليه كمان... بعدين اصرارك اني مشوفهوش بيخليني اقلق اكتر.

القت نور نظرة علي صورة الفستان وقالت بوجه هاديء: حلو اوي... هيبقي حلو عليكي.

هتف يوسف بمشاكسة: قوليلي يا ماما هيعجبني ولا لأ؟

ضحك زياد: يا يوسف أي حاجة لارا هتلبسها لازم تعجبك.... انت ناوي تتخانق معاها يوم فرحكوا؟

قالت لارا بدلال: يرضيك كده يا اونكل... هو علي طول بيتلكك علي أي خناقة كده.

يوسف: خلاص بقيت انا اللي وحش؟

ضحكت نور: اوعي تزعلها يوم فرحها يا يوسف انا بقولك اهو.

لأول مرة شعرت لارا بالانتماء داخل هذا البيت، ربما من كلمات نور... او بشاشة زياد... لكنها شعرت انها في هذه اللحظة لم تكن ضيفة.

لمعت عيني لارا من السعادة، نظر لها يوسف بحب ومال على اذنها وهمس: مش قولتلك ماما بتحبك.

ابتسمت لارا بسعادة ولم تعقب.

وفي طريق العودة الي المنزل في سيارة يوسف كان قد تمكن التوتر من لارا... هتف يوسف وهو ينظر اليها: مالك يا لولو ... شكلك متوتر ليه؟

ابتسمت نصف ابتسامة: مفيش... انت عارف تجهيزات الفرح.

امسك يوسف يدها: بس حاسس ان في حاجة تانيه موتراكي.... لو في حاجة قوليلي... احنا هنتجوز يا لارا.... يعني حياتنا هتبقي واحدة... متخبيش عني حاجة.

تنهدت لارا وقالت: تفتكر مامتك بتحبني بجد؟

يوسف: حتي لو مش بتحبك بجد... لما تقرب منك هتحبك زي بنتها بالظبط.

لارا: يعني تفتكر لو حد حاول يوقع بينا وقالها كلام عني هتصدقه؟

عقد يوسف حاجبيه وقال: ليه يا لارا بتقولي كده... ماما مش مندفعة مش هتصدق عنك حاجة من غير ما تواجه وتسأل... بعدين ليه أصلا حد ممكن يوقع بينا؟

حاولت لارا ان تداري ارتباكها: انا بس بقول... يعني لو حد حاول.

قال يوسف بحزم: لا متقوليش... ماما عاقلة جداا علي فكرة.

لارا: يوسف... انا بحبك اوي... متخليش أي حاجة تبعدنا عن بعض مهما كانت هي ايه.

امسك يوسف يديها بقوة وقال: متخافيش... مفيش حاجة هتبعدنا عن بعض ابدا

•تابع الفصل التالي "رواية نبضات لا تعرف المستحيل" اضغط على اسم الرواية

تعليقات