رواية اقدار لا ترحم الفصل الحادي والعشرون 21 - بقلم سيليا البحيري
فصل 21
الساعة السادسة مساءً – أمام مقر القناة الفضائية التي ظهر فيها ياسر
شارع مزدحم، أضواء، كاميرات، رجال أمن... وسيلين وسيف واقفين عند الباب يتكلموا مع ياسر، لابس بدلة سودة شيك جدًا، وواقف زي الملك.
صوت فرامل عربية بحدة!
ينزل حسام من العربية وهو بيولّع، عنيه طالعة منها نار، وورا منه نوال اللي بتحاول تمسك أعصابه.
ياسر بيبصله من بعيد وهو بيبتسم، وبيقول لسيف وسيلين:
"أهو جه... زي ما توقعت بالظبط."
حسام (وهو بيصرخ بصوت عالي وهو بيقرب):
إنتَ... إنتَ لسه عايش؟!!!
ده أنا قتلتك بإيدي يا ياسر!
إزاي؟! إزاي؟!
ياسر (واقف مكانه بهدوء وقلة بال):
آه، ماشي يا حسام... قتلتني؟
ولا كنت فاكر إنك أذكى من الدنيا كلها؟
ده أنا كنت بلعب معاك شطرنج من قبل ما تفكر تبيعني.
حسام (بيهجم عليه بس سيف بيوقفه):
سيبني عليه!
سيبني يا سيف! ده كداب!
ده بيزوّر!
الراجل ده ميت! ده ميت!
سيلين (بسخرية):
اللي مات يا حسام... ضميرك، مش ياسر.
نوال (بتشد حسام من دراعه):
اهدى بس، الناس بتتفرج علينا!
ياسر (بيضحك ضحكة ساخرة):
الناس كلها شافت وشك الحقيقي النهارده...
شوفت الضجة؟ 15 مليون مشاهدة يا حسّومة، ولسه!
حسام (بيصوت وبيزعق):
أنا هوديكوا كلكم في داهية!
انتي يا سيلين، وانتا يا ياسر، وسيف!
كلكم!
سيف (بيقرب من وشه):
لو لمست شعرة من سيلين أو بنتها، هتشوف مني وش عمرك ما شفته.
ياسر (واقف جنبه وبيهمس في ودنه):
لسه ما شفتش حاجة يا صاحبي...
دي كانت أول صفعة... والباقي جاي.
جهّز نفسك... لأن الدور عليك.
حسام (بينفجر):
أنا هقتلك تاني يا ياسر!
والمرادي مش هسِيبلك فرصة ترجع!
ياسر (بهدوء قاتل):
أنا اللي راجع يا حسام... وانت اللي قربت تودّع.
المشهد ينتهي بصوت صافرات شرطة بتعدي من بعيد، وجمهور بيتجمّع حوالين المقر، وحسام بيترجّع لنوال يمشي من المكان، وعيونه حمراء من الغضب والانكسار.
سيلين تبص لياسر بابتسامة رضا... وسيف حاطط إيده على ضهرها باحترام
*******************
حسام بيزيد من الغضب، إيديه بتترعش، وبيبص حواليه لقى الناس بتصوّر، و"ياسر" واقف واثق في نفسه، و"سيلين" جامدة زي الصخر، و"سيف" ملازمها خطوة بخطوة.
حسام (بصوت عالي، وبيزعق):
أنا مش هسكت!
أنا هارجع كل حاجة بالقوة!
ياللي فاكرة نفسك كسبتي، انتي لسه ما شفتيش جنوني الحقيقي!
سيلين (تتقدّم ناحيته خطوة، وبهدوء قاتل):
جنونك الحقيقي؟
إنت متعرفش أنا وصلت لفين دلوقتي...
ولو تماديت يا حسام، قسمًا بالله، هسلّم ابنك وليد للخدمات الاجتماعية بنفسي.
حسام (ينصدم):
إنتي... إنتي بتتكلمي عن ابني؟!
سيلين (ببرود وسخرية):
الولد اللي نسيته في الحضانة، واللي مراته نوال بتفرّغ غضبها فيه كل ما تنهزم؟
آه يا حسام... أنا حطيت كاميرات جوه فيلتك، وشوفت كل حاجة.
نوال (بتشد حسام بقوة):
ما تردّش! اسكت!
(ثم تهمس له) دي هتودينا في داهية لو فتحت موضوع وليد.
حسام (بعصبية):
إنتي بتتجسسي عليّا في بيتي؟
إنتي اتجننتي؟
سيلين (بتقرب أكتر، وبنبرة جامدة):
أنا أم، والأم تعمل أي حاجة علشان تحمي بنتها... وولاد الناس.
واللي شفته بيحصل لوليد، يخليني أحرّك بلاغ في لحظة...
ومش بس البلاغ، عندي فيديوهات... وأدلة.
سيف (بيقولها بثقة):
وحسابك الجاي... هيتفتح قدّام المحكمة، مش في الشارع.
ياسر (بيضحك):
عارف يا حسّومة، اللي عملته فيا زمان علّمني حاجة...
الناس اللي بتغدر، دايمًا بتفتكر إنهم أذكى من غيرهم... بس بينسوا إن الكدبة مهما طولت، لازم تقع.
حسام (يصرخ):
أنا هقطعكوا حتت!
كلكم!
سيلين (تضحك بسخرية وهي تبص لنوال):
قولي لجوزك يتحكم في أعصابه شوية...
عشان المرة الجاية، مش هتكون قدام الكاميرات... هتكون قدام وكيل النيابة.
المشهد يُغلق على وجه حسام المصدوم، المترنّح، بين الرعب والذل، بينما سيلين تدير ظهرها وتغادر مع سيف وياسر... بثقة المنتصرين
*******************
– داخل سيارة حسام ونوال (منتصف الليل، الطريق خالي ومضطرب)
حسام سايق بجنون، عضلات وجهه مشدودة، وسواقته عنيفة كأنّه بيصب غضبه في الدركسيون.
نوال قاعدة جنبه، ساكتة... بس نظراتها مشتعلة، وكل ثانية بتعدّي بتغلي أكتر.
نوال (بصوت واطي ومليان حقد):
يعني كده؟
كلهم ضحكوا عليك؟
وأنت واقف قدامهم زي الأهبل؟!
حسام (يضرب الدركسيون):
اسكتي نوال! مش ناقصك!
نوال (تصرخ):
لا! مش هسكت!
أنا سايبة الدنيا كلها وجاية معاك… وانت واقع فـ شرك متخيط بإبرة وانت مش واخد بالك؟!
حسام (بغل):
أنا وقعت؟ ده أنا هدمّرهم واحد واحد!
نوال (تقهقه بسخرية):
وإنت لسه فاكر نفسك بتلعب لوحدك؟
المدعوة "لارين" اللي جاي تتعامل معاها في الشركة؟
"المديرة الكبيرة" اللي جايبة استثمارات بملايين؟
حسام (ينظر لها):
أيوه! مالها؟!
نوال (تضحك بمرارة):
"لارين"... دي مش غريبة خالص يا حبيبي.
دي ابنة عم سيلين!
وسايباك تبلبع الطُعم على مهلك.
حسام (ينصدم تمامًا، يقف بالعربية فجأة):
إييييييييييه؟؟
انتي بتقولي إيه؟!
نوال (بقوة):
أيوه يا حبيبي...
لارين هي مديرة شركة وهمية، ما وراهاش أي استثمار حقيقي.
والشركة دي معمولة مخصوص علشان توقعك قانونيًا...
تضحك عليك… تجيب أدلة… وبعدها يودّوك السجن وانت مش فاهم حصل إزاي.
حسام (يهمس وكأنه بيكلم نفسه):
لاااا... مش ممكن...
أنا كنت حاسس إن في حاجة غلط… بس… ازاي فاتتني دي؟!
نوال (بحدة):
فاتتك لأنك بقيت أضعف من زمان، لأنك كنت طول عمرك بتتّكل عليا!
بس دلوقتي، لا أنا قادرة أساعدك، ولا سيلين هتسيبك.
حسام (يتنفس بصعوبة):
يعني… كل حاجة كانت تمثيلية؟
حتى الصفقات… الاجتماعات…؟
نوال (تهز رأسها):
كله!
وسيلين بتضحك دلوقتي من قلبها…
ومعاها سيف، وابنة عمها، وياسر اللي راجع من الموت… وانت؟
أنت بتغرق!
حسام (يضرب المقود):
مش هاعديها…
والله ما هاعديها…
أنا هحرق الدنيا على دماغهم كلهم!
نوال (بهمس، وهي تبص من الشباك):
ابقى شوف هتحرقها بإيه… وانت بقيت لعبة في إيدهم
*********************
فيلا البحيري – صالة الطابق الأرضي – بعد العصر
الهدوء يسود المكان، وتيا تجلس وحدها على الأريكة، تحدق في لا شيء، ملامحها حزينة بشدة، وعيونها مغرورقة.
الهاتف في يدها، لكنها لا تفتحه… كأنها تنتظر شيئًا لا يأتي.
تيا (بهمس لنفسها):
"غريبة... ليه مضايقة كده؟ أنا مالي أصلاً؟ يمكن عشان شفته... بس هو حر في حياته، وأنا معرفوش حتى."
تتنهد وتخفض رأسها، وعيناها تلمعان بالحزن.
فجأة، يُفتح باب الصالة وتدخل هايدي بخطواتها المتعالية، مرتدية فستانًا أنيقًا رغم أنها داخل البيت، تمضغ علكة ببطء وتبتسم باستهزاء عندما ترى تيا وحدها.
هايدي (بسخرية لاذعة):
"أومال فين الضحكة الحلوة؟ ده وش واحدة اتصدمت في حاجة كبيرة!"
تيا (تحاول تجاهلها):
"مافيش حاجة... سيبيني في حالي، مش ناقصة."
هايدي (تجلس قبالتها، وتدعي الشفقة):
"يا بنتي مالك؟ شكلك مش زعلانة بس… شكلك مكسورة!"
تيا (تلتفت بحدة):
"أنا بخير! وإنتي ليه دايمًا لازم تدوسي على الجرح؟"
هايدي (بضحكة صغيرة):
"جرح؟ آه، يبقى فيه جرح فعلاً… شوفي، أنا مش بحب أتكلم كتير، بس لو في حد كسرلك قلبك، فـ عادي، أنتي لسه صغيرة، وهتتعودي."
تيا (تنفجر فيها):
"إخرسي بقى! هو فيه حد يقدر يرتاح وأنتي حواليه؟ دايمًا بتقرفينا بكلامك السام!"
هايدي (تنهض واقفة، بصوت مستفز):
"بس برافو! عرفتي تردي! يعني لسه فيكي حيل… يلا خليني أمشي قبل ما تعيطي تاني."
تيا (تنهض فجأة وتشدها من شعرها):
"قولي كمان كلمة وهوريكي التربية الصح عاملة إزاي!!"
هايدي (تصرخ):
"آآآآه! مجنونة! حد يلحقني! البنت دي هتقتلني!"
يدخل مازن وهدى مسرعين، خلفهم ياسمين.
مازن (مصدوم):
"تيا! سيبيها حالًا!"
هدى (بحدة):
"تيا، إيه اللي حصل؟"
تيا (وهي تبعد نفسها عن هايدي):
"هي اللي بدأت! دايمًا بتتكلم كلام يقرف، وأنا مخنوقة أساسًا!"
هايدي (تمثل الانهيار):
"أنا؟! أنا بس كنت بسألها مالها… شوفتوا أخرتها؟!"
هدى (تنظر لهايدي باشمئزاز):
"إنتي لو عندك ذرة عقل، كنتي سكتّي. دي بنت صغيرة ومش ناقصة نكدك."
ياسمين (تحاول تهدئة الوضع):
"يلا يا مازن، خد مراتك فوق... وتيا، تعالي نشرب شاي مع بعض."
هايدي (بغصة وهي تطلع السلالم):
"أنا همشي، بس اللي حصل ده مش هعديه!"
تيا (تتمتم وهي تنظر للدرج):
"هي دي اللي لازم تتحبس في أوضة لوحدها... مش أنا."
هدى (تحتضنها):
"اهدَي يا بنتي… أنا عارفة إنك مش في أحسن حال، بس حاولي ما تدّيش لحد فرصة يستفزك."
تيا (بصوت خافت وهي تحبس دموعها):
"أنا حاولت… بس مش قادرة…"
الكاميرا تبتعد ببطء عن تيا وهي تضم نفسها كأنها تحاول لملمة شتات قلبها، بينما هايدي تصعد وهي تفكر في كيف تستغل هذا الانفجار لاحقًا…
**********************
شركة البحيري – الطابق الإداري – قاعة الاجتماعات الخاصة
الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحًا. الشمس تتسلل من النوافذ الزجاجية الواسعة، لتضيء طاولة الاجتماعات الضخمة التي يجلس حولها:
سيلين، أنيقة وهادئة، تضع ملفًا أمامها وتبدو مركّزة بشدة.
سيف بجوارها، بذقنه الخفيفة ونظراته الحادة، يمسك هاتفه يتفقد شيئًا.
ياسر يجلس على الطرف الآخر، واثقًا كعادته، يشرب قهوته ويبتسم ابتسامة رجل يستمتع بإسقاط عدوه.
لارين تدخل متأخرة قليلاً، ترتدي بزة رسمية أنيقة وتحمل جهازها اللوحي.
سيف (بهدوء وهو يغلق الهاتف):
"كل التقارير بتأكد إن حسام ابتلع الطُعم بالكامل… شَرِك في الصفقة وباع نصيب من أملاكه عشان يموّل المشروع."
ياسر (بسخرية):
"طبعًا... حسام مبيعرفش يقاوم الطمع، ولو فيه باب جهنم عليه كلمة استثمار، هيدخل وهو بيصفق!"
سيلين (ببرود):
"بس لازم نثبت دلوقتي إن شركته داخلة في مشروعنا الوهمي من غير علمه الكامل، عشان نوقعه قانونيًا… مش بس فضيحة، إحنا عايزينه يلبس قضية نصب."
لارين (بثقة):
"أنا قدرت أخلّيه يوقّع على أوراق تثبت إن كل شيء تم بمعرفته… بس بطريقة ما تخلي الشكوك عليه مش علينا، وهو فرحان بنفسه، فاكر نفسه شريك استراتيجي ذكي."
سيف (ينظر لسيلين):
"الخطة ماشية زي ما خططنا… فاضل خطوة واحدة: نفضح العملية دي إعلاميًا، بس في الوقت المناسب."
ياسر (ينقر على الطاولة):
"أنا رأيي ندي له شوية أمل قبل الضربة… نخليه يحس إنه فوق الكل، وبعدين نقطع عنه الهوا."
سيلين (تبتسم بخفة):
"تمام... خلّيه يطير شوية، ولما يقع، هيعرف إن اللي لعب معاه مش سيلين القديمة."
لارين (تغمز لسيلين):
"سيلين الجديدة مرعبة."
سيف (ينظر إلى زوجته بابتسامة هادئة):
"وخطيرة… بس الحمد لله إنها في صفنا."
سيلين (تغمز له):
"لحد دلوقتي."
(الجميع يضحك)
ياسر (ينهض من مقعده):
"طيب، لازم أروح أجهز للمرحلة الجاية… وافتكروا، حسام مش هايتوقع أبدا إن الكارت الجاي هيكون ضده ومكتوب عليه اسمي."
سيلين (بصوت منخفض):
"بس إحنا مش عارفين... ممكن يكون حسام بدأ يشك، بس ما علينا... حتى لو عرف، فات الأوان."
لارين (بحذر):
"لازم نتحرك بسرعة... قبل ما أي حد يلاقي ثغرة."
سيف (بهدوء):
"إحنا دايمًا سبقين بخطوة… ونفضل كده لحد النهاية."
الأربعة مجتمعين على الطاولة، قوة واحدة… يظنون أن الساحة نظيفة، لكن على بُعد شوارع قليلة، هناك من يجهز للرد الموجع
******************
فيلا عائلة البحيري – المساء – بهو المدخل الفسيح
الساعة تقترب من الثامنة مساءً.
أضواء الفيلا ناعمة ودافئة، وأصوات ضحكات خفيفة تأتي من غرفة الجلوس.
الباب الأمامي يُفتح بهدوء… سيلين تدخل أولاً، ترتدي معطفًا أنيقًا، يتبعها سيف بهدوئه المعتاد، يحمل حقيبتها الصغيرة على كتفه.
وفور دخولهما…
تاليا الصغيرة تركض بسرعة من نهاية السلم بضحكة بريئة:
تاليا (بحماس):
"مااامااا!!"
سيلين (تفتح ذراعيها):
"حبيبتييي! اشتقتلك كتير!"
ترتمي تاليا في حضن سيلين، وتبدأ بالكلام بسرعة وبهجة، وكأنها كانت تحفظ كلامها طوال اليوم لتخبرها به:
تاليا (بحماس طفولي):
"ماما! اليوم لعبت مع وليد، عملنا بيت من المكعبات! وبعدين ريان زعل شويّة… قالي إنو ما يحب إني أضحك لوليد كتير… بس أنا قلت له إنو وليد صديقي! ريان صار يقول إني مراته! هاهاها!"
سيف (يضحك وهو يقترب):
"آه والله؟ صغيرة ولسّا بدينا بالغَيرة؟"
تاليا (تنظر له بخفة):
"بابا سيف! مش معقول! هو ما يحب يشاركني حتى باللعب!"
سيلين (تضحك وتمسح على شعرها):
"ريان غيران لأنه بيحبك يا روحي… بس لازم نحب الكل وما نزعل من بعض، صح؟"
تاليا (بثقة):
"أنا بحبهم كلهم… وليد و ريان و ماما و سيف!"
سيف (يجثو على ركبته أمامها):
"وإحنا كلنا بنحبك يا شِقفة القمر… بس أنا أكثر واحد!"
تاليا (تضحك وتغطي وجهها بخجل):
"سيف! لا تقول كده… بخجل!"
سيلين (تراقب المشهد بنظرات حب وامتنان):
"أنت دايمًا بتعرف كيف تدخل لقلبها… رغم إنها مش بنتك…"
سيف (ينظر لسيلين بعينين دافئتين):
"هي بنتي… وأكتر… هي قلبي الصغير."
سيلين (بهمس):
"شكراً يا سيف..."
سيف (يبتسم):
"أنا اللي بشكرك… رجعتي الدفء لبيتنا… ولسّه المشوار طويل."
تاليا (تشد يد سيلين):
"يلا نروح نقرأ القصة قبل النوم!"
سيلين (بحنان):
"أكيد يا عمري… يلا نختار القصة سوا."
تمسك سيلين يد تاليا، وسيف يمشي بجانبهما مبتسماً، وتمر الكاميرا على الوجوه الثلاثة:
الابنة البريئة، الأم العائدة بقوة، والرجل الذي يحميهما بحب…
***********************
في شقة آسر – منتصف الليل – أضواء خافتة وموسيقى كلاسيكية هادئة
آسر يجلس على أريكة جلدية فاخرة في صالونه الأنيق، مرتدياً بيجاما سوداء أنيقة، وبيده كوب قهوة، وهاتفه المحمول بين يديه.
ابتسامة خفيفة، ساخرة، ترتسم على شفتيه وهو يحدّق في شاشة الهاتف.
صوت إشعار واتساب يهتز…
📲 "رهف الجمال: وصلت البيت… كانت سهرة جميلة، شكراً بجد 🙈"
يرتشف آسر رشفة قهوة، ويضع الكوب على الطاولة الزجاجية أمامه، ثم يبدأ في الكتابة:
📲 آسر:
"السهرة حلوة عشانك فيها، مش عشان المكان."
📲 رهف:
"إنت دايمًا بتعرف تقول كلام حلو 😅"
📲 آسر (يرد بسرعة):
"مش كلام… دي الحقيقة.
أنتِ مش بس جميلة، إنتِ مختلفة… حساسة، نقية… وده مش سهل ألاقيه."
يضحك آسر ضحكة مكتومة بسخرية، ثم يُلقي بالجملة التالية كأنها سهم:
📲 آسر:
"نفسي أعرف أكتر عنك… بعيد عن اسمك ولقبك.
أنا شايف فيكي حاجة مش لاقيها في حد."
📲 رهف:
"أنا كمان حاسة إني مرتاحة لما أتكلم معاك… مش عارفة ليه."
آسر (بصوت ساخر لنفسه وهو يقرأ):
"آه طبعا… مرتاحة؟ استني بس لما أخلص لعبتي."
يضع الهاتف على صدره، ينظر للسقف قليلاً، ويضحك بخفوت:
آسر (بسخرية خبيثة):
"يا بنت الجمال… لو تعرفي إني داخل عليك بخطة هدية من أخوكي المجرم، كنتِ هربتي من أول كلمة!
بس عادي…
أنا هلبسكم واحد واحد…
بالحب… وبالوجع."
📲 رهف ترسل صورة وردة حمراء
يرد عليها:
📲 آسر:
"جميلة… بس مش أجمل من اللي بعتتها."
ثم يُطفئ الشاشة، ويقف متجهاً للشرفة الواسعة، يفتح الباب ويخرج للهواء البارد.
آسر (يهمس وهو يطل على المدينة):
"استعد يا حسام…
أنا هكسر قلبك بنفس إيدي…
وبعدين هبلّغ عليه كل شيء…
بس بعد ما يتفرج عليّا وأنا باخد كل حاجة منه… حتى أخته."
***********************
صباح اليوم التالي – مقهى صغير هادئ بديكور زجاجي مشمس – طاولة عند النافذة
رهف ترتدي فستاناً بسيطاً بلون وردي باهت، تمسك كوب الموكا بين يديها وتبتسم بخجل وهي تحدّق في شاشة هاتفها، وصورة آسر تظهر على الشاشة.
حلا تدخل كالعاصفة، بشعرها المجعد وفستانها الملوّن، وهي تمضغ العلكة وتمسك بيدها قطعة دونات ضخمة.
حلا (وهي تجلس فجأة):
"آآه يا قلبي! مين ده اللي مخليكي سارحة كده؟! لا تقولي لي… فارس الأحلام أخيراً جه؟! 😍"
رهف (تضحك بخجل):
"يعني… ممكن تقولِ كده شوية…"
حلا (تضرب الطاولة بحماس):
"يا سلام! هو وسيم؟ طويل؟ عنده عضلات؟ ولا بيعزف جيتار كمان؟!"
رهف (تضحك):
"لا بلاش عضلات وجيتار… بس آه، هو طويل، وسيم جدًا، وشخصيته قوية كده… فيه حاجة بتشدني له."
حلا (تمط شفتيها):
"هممم… كأنك بتحكي عن أمير في مسلسل تركي! اسمه إيه بقى؟ يلا قولي… متكتمة ليه؟!"
رهف (تنظر حولها وتهمس):
"اسمه آسر."
حلا (تُجمد في مكانها وهي تفتح عينيها):
"آسر؟! ده اسم يخليني أقول آه من قلبي! 😩 يعني آسرك فعلًا من أول نظرة؟"
رهف (بخجل شديد):
"تقريبًا… شوفي، اتقابلنا بالصدفة، في مطعم… النادل لخبط بين الطاولات، وخلانا نقعد مع بعض…"
حلا (بعيون تلمع):
"أووووه! مصير! قَدَر! دي بداية فيلم رومانسي خالص! وبعدها؟ كلمك؟"
رهف (تهز رأسها بحماسة):
"آه… بعتلي بعدها، وكلمنا واتقابلنا كمان مرة، وكان مؤدب جدًا، بيهتم بتفاصيل صغيرة، بيضحكني… ومش زي الباقي."
حلا (تأكل من الدونات وتقول بفم ممتلئ):
"طيب وبعدين؟ ناوية تعترفي له بمشاعرك؟"
رهف:
"لأ لأ، بدري! أنا بس بحس إن فيه حاجة مختلفة، هو كأنه بيقرب مني كل يوم أكتر… وأنا… مش عارفة، خايفة أفرّط في الإحساس ده."
حلا (تمسك يدها وتبتسم):
"اسمعي كلامي، لو قلبك بيقولك إنك مرتاحة… اتبعيه، بس خدي بالك… مرات الراحة تكون بداية وجع، ومرات تانية تكون بداية حكاية عمر."
رهف (تبتسم وهي تنظر للهاتف):
"أتمنى تكون الحكاية دي حلوة يا حلا."
حلا (ترفع كوب العصير):
"نخب الحب يا رهف… وربي يسعدك، بس لو طلع خاين، أنا أول واحدة أكسر عليه الكرسي! 😤"
رهف (تضحك بشدة):
"اتفقنا!"
**********************
في الحضانة – الساعة العاشرة صباحًا
الأطفال يلعبون في الحديقة الصغيرة التابعة للحضانة. أصوات ضحكهم تملأ المكان.
تاليا تجلس على الأرجوحة، تضحك وهي تتحدث مع صديقتها الصغيرة عليا، ووجنتاها تورّدت من المرح.
لقطة: دخول حسام من بوابة الحضانة، متخفي بنظارات شمسية وسترة داكنة.
يسير بخطى ثابتة نحو تاليا. يركع أمامها محاولًا الابتسام بود.
حسام (بصوت ناعم مصطنع):
"هاي يا حلوة… إزيك؟ اسمك تاليا مش كده؟"
تاليا (تتوقف عن التأرجح، تحدّق فيه بقلق ثم تعقد حاجبيها):
"إنت مين؟! إنت الراجل الوحش اللي بيزعّق لماما!" 😠
حسام (يتظاهر بالضحك):
"يا حبيبتي، دي كانت سوء تفاهم… ماما بتحبني، وإنتي كمان هتحبيني لما تعرفيني."
تاليا (بحدة وطفولية شديدة):
"لأ! إنت شرير! إنت زعّلت ماما، وأنا مش بحبك! سيبني! هقول للمس!"
حسام (بدأت أعصابه تفلت، ومد يده نحوها):
"إنتي مش فاهمة حاجة، تعالي هنا شوية بس…"
تاليا تصرخ وتبدأ بالبكاء، وتبتعد للخلف. في اللحظة نفسها، تدخل المربية "رانيا" مسرعة بعد أن راقبت كل شيء من بعيد.
رانيا (بغضب وانفعال):
"إنت بتعمل إيه هنا؟! ده مكان أطفال مش ساحة تصفية حسابات! ابعد فورًا عن الطفلة!"
حسام (يتحسس كرامته ويسيطر عليه الغضب):
"إنتي مالك إنتي؟ دي بنتي! ومحدش ليه عندي حاجة!"
رانيا (تتقدم وتضع نفسها بينه وبين تاليا):
"لو فعلاً كنت أبوها… كان زمانها عرفت ده من بدري! لكن إنت بالنسبالها راجل بيخوفها وبيزعّق لمامتها… وده كفاية يخليها تكرهك!"
حسام (يهمّ بالرد، لكن نظرات الناس بدأت تلتفت إليه، وبعض المربيات اقتربن بخوف وقلق).
تاليا (تبكي وهي تحتضن رانيا):
"خليه يبعد عني يا مس رانيا… ده بيخوفني!"
رانيا (تنظر له بنظرة صارمة):
"اخرج فورًا… وإلا هبلغ الشرطة. واللي بينك وبين أمها مش شغلي… بس هنا في الحضانة؟ لأ… هنا في أمان، وملكش مكان."
حسام يزمّ شفتيه، يتراجع بخطوات عنيفة، عينيه مشتعلة غضباً، ويخرج وهو يرمق تاليا بنظرة حاقدة.
لقطة أخيرة: تاليا في أحضان رانيا، تبكي وهي تهمس:
"ماما كانت عندها حق… هو وحش بجد…"
*********************
جامعة القاهرة – كلية الإعلام – المدرج الكبير – الساعة 9:00 صباحًا
المدرج يعجّ بالطلبة، وضجيج أحاديث الفتيات لا يتوقف.
تيا تجلس في منتصف المدرج، تتأمل هاتفها بشرود واضح، وأفنان بجانبها تثرثر بحماس.
أفنان (وهي تهمس):
"بيقولوا المعيد الجديد جامد آخر حاجة… أجنبي ولا إيه؟! كل الدفعات بتتكلم عنه! اسمه… أمير؟ ولا أدهم؟ مش فاكرة!"
تيا (ببرود):
"أنا مش فارق معايا بصراحة... كله واحد لما نذاكر ونمتحن وخلاص."
فتاة خلفهم (بهمس مسموع):
"ده عنده ماستر من بريطانيا! ولسّه راجع من منحة... بس شكله، أوووف، ملاك نازل يدرّس!"
ضحكات مكتومة تنتشر.
لحظة صمت... ثم يفتح باب المدرج. الجميع يلتفت.
يدخل أمير الطحاوي — شاب في أواخر العشرينات، طويل، شعره الأشقر مسرّح بإتقان، عيونه الخضراء تلمع بثقة، وكتفاه العريضتان تعكسان مظهره الرياضي. يرتدي قميصًا أبيض بسيطًا وبنطالًا كحليًا أنيقًا، يضع نظارة طبية خفيفة تضيف إلى وسامته وقارًا خاصًا.
أفنان (تفتح فمها بدهشة):
"ياااا نهار أبيض… ده مش معيد! ده موديل كتالوج إعلانات!"
تيا ترفع عينيها إليه لأول مرة، وتتجمد مكانها، تنسى تنفّسها للحظة.
تيا (بهمس مذهول):
"ده هو؟!"
أمير بصوت واضح، صارم، وهادئ:
"صباح الخير... أنا المعيد أمير الطحاوي. هكون معاكم في مادة الإعلام الرقمي هذا التيرم.
وأتمنى... نكون على قدر من الالتزام. أنا مش بفرّق بين طالب وطالبة... اللي مش ملتزم، هياخد حقه."
الطلاب يلتزمون الصمت فجأة، والتوتر يسري في الجو، بينما عيون البنات تلمع بالانبهار.
تيا تحاول التظاهر بعدم الاهتمام، لكنها تقلب الصفحة في دفترها بلا معنى. قلبها ينبض بشدة.
أفنان تهمس بمزاح:
"الظاهر يا تيا إنك نسيتِ آسر خلاص!"
تيا (بهمس شديد):
"أسكتي… دا شكله مش بيهزر!"
•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية