رواية بنت البئر (كاملة جميع الفصول ) حصريا عبر دليل الروايات بقلم حور طه
رواية بنت البئر الفصل الاول 1 - بقلم حور طه
هنادي،كانت بترجع ورا بخطوات تقيله
رجليها بتتهز وجسمها بيرتعش من الخوف
صوتها مخنوق وهي بتبص حواليها
بعيون بتدور علي أي مخرج:
ــ إيه المكان ده؟ جبتني اهنا ليه يا جابر؟
جابر،واقف قدامها زي سـواد الليل
ملامحه مفيهاش لا رحمه ولا ندم
عينه ناشفة زي الصخر
كأنه لا سامع خوفها ولا شايف دموعها
اللي غرقت خدها. بص لها ببرود وقال:
ــ نهايتك عتكون أهنأ!
هنادي صرخت،بس الصوت اتكتم
جوا الضلمه،اللي بتغلف المكان:
ــ حرااام عليك! بتعمل اكده ليه؟
أنا مرتك! عمرى ما آذيتك! ليه يا جابر؟ ليه؟!
جابر قرب منها بشويش
وبعينين مات فيهم الضمير من زمان
وقال بصوت بارد يقطع القلب:
ــ للأسف...
عتمــ ـوتي ومش هتعرفي جواب السؤال ده واصل!
هنادي رجعت لورا بخوف
لحد ما ضهرها خبط في حيطة حجر
لفت بسرعة، عينيها وقعت على بئر غويط
مفيهوش غير سـواد بيبلع النور،بصت له بذعر:
ــ جابر.. إنت ناوي على إيه؟!
جابر قرب أكتر، وفي إيده حبل
لفه حوالي وسطها بسرعة وربطه بغل
وقال بصوت كله كره:
ــ هخلص من أكبر عقبه موجوده بحياتي!
هنادي صرخت، وزقته، بتحاول تبعده
بس هو كان زي الجبل، مفيش أي فايده:
ــ أنا حبله يا جابر! لو مش هترحمني... ارحم ولدك!
جابر ضحك، وقال بصوت ناشف:
ــ الرحمه من صفات ربنا وانا عبده مسكين!
والمــ ــوت رحمه لولدي!
هنادي صرخت بصوت بيمزق الليل:
ــ إنت اتجــ ــننت... بعد عني!
جابر... شالها كإنها ولا حاجه
وسابها تتعلق من طرف الحبل
وبدأ ينزلها ف البئر بشويش
كأنه بيستمتع بعــ ــذابها.
هنادي صوتها اتكســ ـــر:
ــ حرام عليك يا جابر!بالله عليك ما تهملنيش!
أنا مش رايده أمــ ـوت... ارجع لعجلك يا واد عمي!
اللي انت بتعمله ده جـــ ـــريمه!
ــ أنا مش رايده أمــ ـــوت! انت اكده...بتجتـــ ــلني!
جابر وقف لحظة،كأنه بيفكر،أو بيستطعم اللحظة بس عنيه فضلت ناشفة، وقلبه حجر.
شد الحبل مرة واحده، جسمها اتحرك
هنادي صرخت بصوت أعلى:
ــ بالله عليك ارحمني!طب طلجني ...
بس ما تجتلــ ــنيش يا واد عمي
ده انا هنادي حبيبتك!
جابر ضحك ضحكة مالهاش طعم غير الوجع
وقال بصوت بارد زي التلج:
ــ متعرفيش قد إيه كنت مستني اللحظة دي...
اوعى تكوني مفكره اني بحبك! انا عمري ما كان ليا في امور العشق والمعشقه يا بت عمي
قرب من ودنها وهمس:
ــ المــ ــوت بالنسبالك راحة... وأنا جاي أريحك.
وبإيده... بدأ ينزلها لتحت، وهي بتصـ ـرخ وتعيط وتستعطفه، لكن هو ما فيش في عينه نقطة نـ ـدم.
وفجأة...
ساب الحبل.
وقعت لتحت، صوتها انقطع
واختفى جوا سـواد البئر.
وجابر... لف وشه، ومشى من جمب البئر
وعلى شفايفه... ابتسامة.
ابتسامة شيطـ ــان فرحان بالجـ ــريمة اللي ارتكبها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«تاني يوم الصبح»
جبريه دخلت أوضة جابر، بقلق:
ــ اصحى يا ولدي، مرتك مش في الدار!
جابر بص ليها من غير ما يتحرك من السرير
صوته تقيل وبارد:
ــ وانتي عايزه منيها إيه دلوج ياما؟
جبريه بصت له باستغراب:
ــ وديتها وين يا جابر؟!
جابر قام من على السرير بهدوء:
ــ أما أنا هدخل أتسبح
وعايز أفطر، عندي شغل كتير النهارده.
جبريه رفعت حاجبها، وعينيها لمعت بالغضب:
ــ أنا بحول لك إن مرتك ما نامتش ليله عشية في الدار، وانت تجولي هتسبح؟!
قربت منه، ومسكت دراعه بقوة:
ــ خرجت ليلة عشية، ومرتك معاك
ورجعت من غيرها!
وديتها وين يا جابر؟!
جابر بص لها، عينه ساكنة وكلمته أقسى من الحجر:
ــ وديتها لمثواها الأخير...
ارتحت، يا أما.
مش هو ده اللي كنا متفاجين عليه؟!
جبريه صرخت فيه:
ــ إنت بهيمة يا واد!
مش خبرتك تصبر... لحد ما أخوها يسافر!
اللي فـ راسك دي بلغة جديمة!
هتجول له إيه لما ييجي يسأل علي خيته
جبل ما يسافر؟!
جابر لف وشه عنها، وقال وهو بيبعد عنها:
ــ أماااا اللي حصل... حصل.
وهنادي دلوج، ما يجوزش عليها غير الرحمة.
ولما سابع البرمبة، أخوها، ييجي
أبجى أجول له أي حاجه.
وسابها واقفة، ودخل الحمام يتسبح...
كأنه ما حصلش حاجه.
الباب اتقفل، وصوت الميه اشتغل جوه الحمام
جبريه وقفت في نص الأوضة
جسمها ساكن، بس عقلها بيغلي...
رفعت عينها للسقف
وزفرت تنهيدة طويلة،وبصوت خافت قالت:
ــ يا رب...
ما كان بودي نوصل لليوم ده
بس يا ما داريت... ويا ما سكت
بصت ناحيته، وهي سامعة صوت الميه، وقالت:
ــ دلوج ما ينفعش اهمله.. بعد ما ورط نفسه
الفضيــ ــحة لو طلعت، لا أنا هسلم، ولا هو هيعيش.
سكتت لحظة، وغمغمت بكلام كأنها بتقنع نفسها:
ــ صوح...
اللي حصل، حصل.
إن لله وإن إليه راجعون.
رجعت بخطوتين ناحية باب الأوضة، وبصت من الشباك على تراب النجع، وقالت ببرود صاعق:
ــ الله يرحمك يا هنادي
كنتي بت حلال وطيبة
بس مــ ـوتك...
مصلحة كبيرة جوي.
شدت شالها علي راسها وقالت وكأنها بتحسم المعركة:
ــ جابر ولدي...
ما حدش هيجرب منيه
اللي ييجي يسأل، له رد
واللي يشك، له حكاية تلهيه
وإن رجعت البت من المـ ــوت؟
ما يرجعش صوتها!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت الشمس رايحة تغرب، واللون البرتقالي مغرق السما، لما وقف صالح بعربيته قدام الكهف...
نزل منها ببطء، وبص حواليه بشوق
لمعة حنين في عينيه، خطواته بترتجف
ما بين الذكرى والغياب.
صالح ابتسم، وقال بهمس:
ــ يااااه...
كأني راجع سنين ورا.
أنا وأخويا كنا بنلعب هنا...
وأبوي واقف بعيد يراقبنا
وبصوته اللي كنا بنخاف نكســ ـره
يقول،ما تروحوش نواحي البير يا ولدي
المكان ده واعر!
صالح لف حواليه، وشه مليان لهفة:
ــ الله يرحمك يابا...كاني شامم ريحتك
معلقة ف الهوا، ف التراب، ف كل حجر هنا.
لكن فجأة...
سمع صوت.
مش صوت ريح، لا...
صوت حد بيئن.
التفت حواليه، وقف ساكن، عينيه بتدور بسرعة
الصوت كان بيقرب... جاي من ناحية البئر.
جري صالح، قلبه بيخبط
كأنه عارف إن اللي جاي حيبدل دنيته.
وصل للبئر، ولقي حبل معقود حوالين حجر على الحافة،والصوت... بيعلي.
صوت بنت... بتصرخ، بتستغيث:
ــ الحقونييي...
ــ حد سمعنييي!
صالح اتسمر مكانه
عينيه على الحبل، صوته مبحوح:
ــ مين؟
مين جوا؟!
مد إيده بسرعة عشان يشد الحبل...
لكن قبل ما يلمسه
الحبل يفلت فجأة من الحجر
وينزل جوه البئر بسرعة!
والصرخة... تطلع من جوا الظلمة:
ــ الحقونييي
وصالح اتجمد، عينه اتسعت
قلبه بيخبط في صدره كأنه بيحاول ينط من مكانه...
لكن فجأة، بحركة خاطفة، رمى بجسده للأمام
لحق طرف الحبل قبل ما ينسحب لجوف البئر.
لفه حوالين ذراعه بإحكام، وبدأ يسحب بكل قوته عضلاته بتتوتر، وعرق بيبلل جبهته، وصرخات البنت من جوه البير بتعلي... صوتها كان كفاية يهد جبال.
وبعد لحظات من الشد والتنهيد والتعب...
جمال طالع من جوف البئر.
هنادي.
بوجه شاحب، جسمها بينتفض
شعرها مبلول، بس ملامحها... ساحرة.
رعشة في إيده، نظرة مندهشة
كأن الزمن وقف لحظة.
صالح اتسحر.
برغم الخوف اللي مرسوم على وشها
والتعب اللي مفرود في كل عضلة من جسمها...
كان فيها جمال نازل من السما.
صحى من دهشته، مسك إيدها بقوة
وسحبها لبرا،أول ما رجليها لمست الأرض
وقعت في حضنه..قافلة عنيها، وجسمها بيرتعش.
صالح بصوت هادي،دافي،كأنه بيطبطب بكلامه:
ــ اهدي...
انتي بخير دلوقتي، خلاص.
هنادي بعدت عنه شوية، وقعدت ع الأرض
ضمت رجليها، وبكت...بوجع
صالح نزل جنبها
قلبه واجعه على حالتها...وقال بلطف:
ــ طيب... اهدي، ما تعيطيش.
انتي إيه اللي جابك هنا؟
وليه نزلتي البير؟!
هنادي رفعت راسها، دموعها على خدها
حاولت تتكلم... بس صوتها ما طلعش.
مرة، واتنين... تحرك شفايفها، بس ولا حرف طلع.
صالح فهم، وصوته بقي أحن:
ــ تمام... ماتضغطيش ع نفسك.
المهم دلوقتي إنك تهدي.
أنا اسمي صالح... صالح العرباوي.
تعالي معايا على بيتي لحد ما ترجعي لطبيعتك
وأنا هرجعك لأهلك.
هنادي مجرد ما سمعت الاسم...
بعدت فجأة، الخوف ف عنيها رجع أقوى.
قامت، وجريت، لكن رجليها ما أسعفتهاش...
وقعت على الأرض.
صالح جري عليها
مسك إيدها وهو بيحاول يطمنها:
ــ ماتخافيش!
أنا مش هأذيكي.
ليه بتهربي مني؟
أنا عايز أساعدك!
دقات قلبها كانت بتخبط ف صدرها
أنفاسها متقطعة، وعينيها بتلف...
وفجأة... أغمى عليها.
صالح شالها بين إيديه
وكأنها ورقة من نور... خفيفة، وناعمة، وساكنة.
راح بيها لعربيته، فتح الباب، ونيمها برفق.
قعد جمبها، وساب نظره يتأمل ملامحها وهي نايمة الهدوء على وشها كأنه ملاك نايم بعد عاصفة.
صالح ابتسم، وهمس لنفسه:
ــ اللي بيطلع من البئر...
بيكون جماله مش من الدنيا.
خرج يوسف وسحر القافلة...
وإنتي؟
سحرتيني أنا يا ملاكي...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«في المساء، ف دوار جابر»
كان الهوا ساكن، والنخل ما بيتحركش.
دخل مختار، شاب طيب، لابس جلابيته المكوية وابتسامة خفيفة ع وشه،دخل على جبريه اللي كانت قاعدة قدام المنقد، عينيها فيها نار
مختار، وهو بيبتسم:
ــ كيف حالك يا خاله جبريه؟
أنا جاي أسلم،عليكم،وطل علي هنادي وجابر
جبل ما أعاود. علي اسكندريه
جبريه رفعت وشها، وشدت شالها
وحطت ابتسامة خبث صغيرة ع شفايفها
وقالت بصوت محسوب:
ــ الحمدلله يا ولدي، أنا زينه.
جابر سافر لجصر في الفجريه
وهنادي؟ جالتلي إنها رايحه تشج على ابوك الشيخ زكريا.
مختار ضيق عينيه باستغراب، وقال ببطء:
ــ كيف يعني؟
أنا جاي من اهناك، من ادار حدانا
وما شفتهاش لا ف السكة ولا ف الدوار!
جبريه اتفاجئت، بس المفاجأة كانت مصطنعة
زي تمثيل متقن، حركت راسها وقالت:
ــ عتجول ايه يا ولدي؟
دي طلعت من الدار من نص العصريه
عتكون راحت وين؟!
مختار بدأ يقلق، ملامحه اتغيرت
صوته بقي فيه توتر:
ــ انتي متوكده يا خاله
إنها جالتلك إنها رايحه الدوار حدانا؟
جبريه بسرعة قطعت عليه التفكير
وقالت بصوت الأم الخايفة ع سمعة بنتها:
ــ إيوه يا ولدي
جابر لو رجع ومالجهاش
هيجلب الدار علينا وعليها.
روح شوفها راحت وين
ورجعها جبل ما جوزها يعاود.
الناس ما عترحمش... وانت خابر يا ولدي
مختار بسرعة وقف، وهو بيحاول يخبي قلقه:
ــ حاضر يا خاله
هروح أشوفها، يمكن راحت عند تسنيم بت عمي...
إن شاء الله خير، ما تجلجيش.
جبريه بصت للباب وهو بيقفل وراه
ومن بعدها نزلت بعينيها للأرض
وهمست وهي بتحط إيديها ع صدرها:
ــ رحتي وين يا هنادي يا بتي؟
اكده تخلعي جلبي عليكي؟
ربنا يستر... وترجعي جبل ما جوزك يرجع
ويجلب الدوار علينا
بعد ما مشي مختار وقفل الباب ورا ضهره
الجو ف الدار سكت، كأن الهوا حب يحبس أنفاسه.
جبريه كانت لسه واقفة ف نص الأوضة، بتعدل شالها على وشها، وفجأة...
طلعت بدور من ورا الباب، عينيها مليانة دموع وصوتها مرعوب:
ــ أنا... أنا سمعتكم، ياما.
سمعتكم وإنتوا بتتحددو! وين هنادي؟
جبريه لفت ناحيتها، في البداية ما اتكلمتش
بس عنيها اضيقت، وابتدت تحسب وقالت بهدوء:
ــ جلت إنها راحت تشج ع أبوها الشيخ زكريا
بس مختار عيجول إنها ما راحتش عنديهم ..
بدور قربت خطوة
وقالت بصوت أوطى، بس فيه رعشة:
ــ لع يا ياما...
هنادي ما نامتش ف الدار
خرجت مع جابر... وما راجعتش معاه.
أنا سمعتكم، وأنا متوكده
سكتت لحظة، وبصت في الأرض
وبعدين رفعت راسها وقالت بخوف بيقطع القلب:
ــ جابر... جتـ ـل هنادي، ياما.
جبريه لفت بسرعة، وفي ثانية كانت قدامها
ومدت إيدها وسدت بقها بكفها الخشنة
وقالت بصوت حاد زي السكين:
ــ اجفلي خشمك يا بت!!
واللي سمعتيه، ما يخرجش من خشمك ده واصل!
ولو خرج؟ عجتع لسانك، وعرميه لكلاب السكك تاكله!...عتفهمي يا بت؟!
بدور عيطت، دموعها نازلة وهي بتحاول تفك إيد جبريه من على بقها، وصوتها مخنوق:
ــ إيه؟!
عتجتـــ ـلوني أنا قمان؟!
جبريه سابتها، ودفعتها دفعة خفيفة
فيها ما يكفي من التهديد من غير ما تسيب علامة وقالت بصوت مشدود، فيه شر محبوس جوه:
ــ اطلعي أوضتك... وهمليني لحالي.
وأوعاكي... أوعاكي تنطجي بحرف واحد من اللي سمعتيه يابدور!
نظرتها كانت سكين... وبدور قلبها اتقبض
خدت نفس عميق وهي بتبعد بخطوات مرعوبه
طلعت السلم زي اللي بيهرب من نار
وكل درجة كأنها بتزيد حمل فوق قلبها
وكل خطوة بتقول:
ــ الدار دي ما بجتش امان!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«في سراية صالح العرباوي»
الهدوء مسيطر
إلا من صوت خافت لتقليب صفحات كتاب.
صالح كان قاعد على كرسي جنب الشباك
في إيده كتاب، وعينه بتتحرك بتركيز
لكن قلبه مشغول باللي نايمة على السرير ورا ضهره.
هنادي، جسمها مرهق، وعيونها تقيلة
بس بدأت تفتح عنيها ببطء.
أول ما رجعت لوعيها
قلبها خبط بقوة قامت تنتفض من الخوف
وعنيها بتدور حوالين المكان:
ــ أنا... أنا وين؟!
صالح ساب الكتاب
ورفع إيده يطمنها بهدوء:
ــ اهدي...
انتي في بيتي.
ما تخافيش، أنا مش هقربلك ولا هأذيكي.
هنادي بصت علي جدران الأوضة
ملامحها متلخبطة ما بين خوف واستغراب:
ــ ده مش... مش دوار العرباويه، صوح؟
صالح ابتسم، ونبرة صوته بقت فيها دفء:
ــ لا، مش دوار العرباويه
ده بيتي أنا.
رن تليفون صالح فجأة، قام بسرعة:
ــ سامحيني، معايا مكالمة مهمة...
انتي ارتاحي، وأنا هارجعلك حالا
خرج صالح.
هنادي قامت على مهل، قربت من الشباك.
بصت على الجنينة، كانت نضيفة بس مهجورة
زي مكان كان عايش فيه ذكريات وتساب:
ــ ده هو؟
ده صالح العرباوي اللي كنا نسمع عنه؟
بس ده كان امسافر من سنين...
حطت إيدها على بطنها، ونظرتها تغيرت:
ــ جابر... لو عرف إني عايشه، هيجــ ـتلني.
هو كان ناوي يخلص مني ومن ولدي...بس ليه؟!
رجعت خطوتين، وقربت من الباب.
نفسها تهرب... بس وقفت فجأة:
ــ أهرب؟
أهرب على وين؟
لو عدت للدار، جابر هيلاجيني...
ومش هيهملني أعيش.
وقتها... الباب اتفتح.
صالح وقف قدامها، حاجبه مرفوع:
ــ كنتي خارجه؟
عايزه حاجه؟
هنادي ارتبكت، وبصت في الأرض:
ــ لا... كتر خيرك يا بيه.
ضحك صالح، وقال بلطف:
ــ إيه يا بيه دي؟!
أنا اسمي صالح، وبس.
وانتي... اسمك إيه؟
هنادي سكتت، نظرتها هربت منه، خجلانه.
صالح فهم، ابتسم:
ــ تعالي، أنا حضرت فطار.
نفطر سوا، وتحكيلي حكايتك.
إزاي وصلتي للمكان ده، وازاي وقعتي في البير.
نزل السلم وهو بيطمنها، وهي مشيت وراه.
التراب كان مغطي المكان كله، كأن السرايا كانت نايمة في عزلة من سنين.
رجليها اتزحلقت فجأة على الدرج
لكن صالح مد إيده وسندها بسرعة:
ــ على مهلك...
انتي بخير؟
هنادي سحبت إيدها بخجل، وسندت على التربزين:
ــ متشكره.
صالح قال وهو بينفض إيده من التراب:
ــ إن شاء الله هشوف حد ينضف السرايا
أصله مقفوله من يوم ما سافرت...
في المطبخ، قعدوا يفطروا
الجو ساكت،صالح قال بهدوء:
ــ مش ناويه تحكيلي حكايتك؟
هنادي سابت الأكل، وسكتت.
صوتها ما طلعش.
صالح حاول يكسر الصمت، بلطافة:
ــ طيب...
على الأقل، قوليلي اسمك.
هنادي ردت بعد لحظة، بتردد:
ــ اسمي...
صالح بابتسامه :
ــ اه اسمك نسيتيه ولا ايه؟
هنادي :
ــ اسمي...
اسمي ملك
ابتسم صالح، وقال بصوت ناعم:
ــ اسمك جميل يا ملك...
هنادي قامت فجأة، نظرتها مرتبكة:
ــ أنا لازم أمشي من أهنأ.
صالح وقف معاها، وقال بلطف:
ــ طيب...
فين بيتك؟
أوصلك بنفسي.
هنادي حست بدوخة، الدنيا لفت بيها، اتمايلت.
صالح قرب منها، قلقان، بس حافظ على المسافة:
ــ انتي كويسه؟!
هنادي حطت إيدها على راسها:
ــ أنا زينه...
لازم... أمشي... هملني لحالي
وقبل ما تكمل، عنيها غابت،ووقعت بين إيديه.
شالها بسرعة، وطلع بيها فوق...
وعيونه مش سايبة ملامحها
الهدوء على وشها، كأنه ملاك وقع من السما!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
•تابع الفصل التالي "رواية بنت البئر " اضغط على اسم الرواية
