رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل التاسع عشر 19 - بقلم اميرة احمد

 رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل التاسع عشر 19 - بقلم اميرة احمد

نبضات لاتعرف المستحيل
الفصل التاسع عشر:

في الصباح، فتحت جميلة عينيها ببطء تغالب النعاس، وجدت امامها وجه مالك، ملامحه ساكنه، يداه تلتفان حول خصرها بقوة وكأنه يخشى ان يفقدها.

ابتسمت وهي تمرر اناملها علي عظام فكه و تتأمل ملامحه، تراقب صدره الذي يعلو و يهبط بانتظام... شعر بها مالك، دون أن يفتح عينيه قال بصوت ناعس مبحوح: صباح الخير يا حبيبتي.

همست له: صباح الخير.... صحيتك؟

فتح عينيه ببطء، نظر لها بابتسامة وهمس: هو في أحلي من أني أصحي الاقيكي جنبي.

ابتسمت بسعادة وقالت: انا بجد مش مصدقة أني هنا.... جنبك.

تأمل ملامحها بصمت والابتسامة تعلو وجهه دون أن يعقب.

همت أن تقوم من السرير و هي تهتف: عارف... دايما كنت باحلم أني أعملك كل حاجة بنفسي... هاقوم أحضرلك الفطار.

همس لها وهو يجذبها لحضنه مرة أخري: هششششششش

ضحكت وهي تدفن رأسها بين صدره: خلاص يا مالك صحينا.

وضع قبلة مليئة بالمشاعر بين شفتيها وقال: مش مستعد أصحي دلوقتي.

دفنت رأسها أكثر في صدره، تستشعر بدفء أنفاسه ودقات قلبه، وكأنه عالمها الذي تحلم به من سنوات.

دقائق مرت وهي بين أحضانه، يعبث بخصلات شعرها بين أصابعه، تحسس وجهها وقال: أنتي أخيرا هنا.

ابتسمت له: ومش ناوية أروح مكان تاني.

ابعد رأسه عنها قليلا وقال: تحبي تفطري أيه؟

نظرت له جميلة بعينين لامعتين وقالت بمرح: انا مراتك، وماما قالتلي الزوجة الصالحة تعمل لجوزها الفطار كل يوم.

ضحك مالك: بس النهاردة انا اللي هاعملك الفطار.

رفعت حاجبها بمشاكسة: لأ

ضمها إلي صدره مرة أخري و قال: خلاص نعمل الفطار سوا.... بس خليكي في حضني شوية.

اومأت رأسها دون أن تتكلم... همس وهو يضع قبلة على رأسها: مبسوطة؟

أغمضت عينيها، أخذت نفس عميق وامتلأ صدرها برائحة عطره وقالت: أوي.

بعد دقائق، قام مالك ببطء وتوجه إلي المطبخ... يرتدي قميص قطني أبيض اللون وبنطال بيتي مريح، بينما قامت جميلة بنشاط ترتدي منامة قصيرة من الستان الأبيض و شعرها مرفوع للأعلي باهمال، وقفت عند مدخل المطبخ المفتوح علي غرفة الاستقبال تشاهد مالك بابتسامة و هو يخرج الأطباق بعناية، و يبدأ بتجهيز الفطور.

انتبه لها أخيرا فهتفت بمرح: اتفقنا هنحضر الفطار سوا، يلا قولي اساعدك ازاي؟

اقترب منها، أمسك بخصرها، وبخفة أجلسها فوق إحدى وحدات المطبخ وهمس وهو يضع قبلة علي وجنتها: خليكي بس جنبي.

وضع مالك البيض في وعاء على النار ليسلقه، بينما في نفس الوقت يضع بعض أنواع الجبن في الأطباق، يجهز الخبز، يقطع بعض الخضروات و الفاكهة، و يضع الماء في الغلاية لعمل الشاي، وجميلة جالسة فوق المطبخ تشاهده باستمتاع و تحرك قدميها في الهواء بمرح، و بين الحركة و الأخرى عندما يمر مالك بجوارها يضع قبلة سريعة علي شفتيها، كان يتحرك بخفة و نشاط و الابتسامة تملأ وجهه.

أخيرا أنتهي من تجهيز الفطور، وضعه علي طاولة الطعام و أشار لجميلة بمرح و هو يحملها لينزلها علي الأرض مرة أخري: علي فكرة ده هيبقي أحلي فطار هتاكليه في حياتك... احفظي اللحظة التاريخيه دي.

ضحكت جميلة: علشان دي أول وأخر مرة هتعملي فيها فطار؟

اقترب منها مالك، ضمها من ظهرها... وضع وجنته علي وجنتا و همس: لأ، علشان ده فطار معمول بحب، فلازم طعمه هيبقي مختلف.

ابتسمت جميلة وهمست: ده حرفيا معمول بحب.

جلست جميلة مع مالك علي طاولة الطعام يتناولان الفطور، كانت عينا جميلة تراقبه بصمت و هو بين الحين والأخر يضع لقمة في فمها بحب، كانت لا تصدق السعادة المحيطة بها من كل جانب وكأن الكون قد تقلص فلم يعد هناك سوي مالك وجميلة ويحاوطهما الحب.

---------------------------------

جلس فارس في غرفته في المساء يفكر، مستلقي علي سريره عيناه شاردتان و الأفكار تدور في ذهنه، دخلة عليه والدته تحمل صينيه فوقها كوب من الشاي و بعض من الكيك، وضعتها علي الطاولة بجواره وربتت فوق كفه بحنان فأخرجته من شروده وقالت بنبرة دافئة تماما كنبرة فارس: بتفكر في ايه يا حبيبي.

انتبه فارس لها، و قال و الابتسامة ترتسم علي وجهه: مفيش يا ماما.... بالي بس مشغول علشان السفر.

ابتسمت سما و قالت: بتخبي عليا من أمتي يا فارس؟ طول عمرنا أصحاب و بتحكيلي علي كل حاجة.

تنهد فارس و قال: بس مش كل حاجة ينفع تتحكي يا ماما.

اقتربت منه سما و قالت: انت فاكرني مش عارفة و لا مش هافهم.

حاول فارس ان يتصنع الغباء علي والدته فقال: مش عارفة ايه يا ماما، هو في حاجة أصلا؟

صمتت سما قليلا و هي تنظر إلي عيني فارس و قالت: بتحبها يا فارس؟

ابتسم فارس وهتف بمرح: دايما فقساني كده

بجدية هتفت سما: فارس انت أبني، انا قضيت عمري كله باربي فيك أنت و أخواتك، عارفة عنكوا كل حاجة حتي اللي متعرفهاش عن نفسك.... بس انت مجاوبتنيش بتحبها.

تنهد فارس بهدوء و همس بنبرة ضعيفة: بحبها.

ضحكت سما و هي تضربه بخفة علي ذراعه: و الله كنت عارفة.... طيب فين المشكلة.

بعينين حزينتين نظر إليها فارس و هو يري إنعكاس صورته في عنينها التي تلونت بلون أسمها و قال: طريقنا مش واحد يا ماما.... هي مش عايزة تسافر.

سما: و أنت قولتلها و هي قالتلك مش عايزة أسافر معاك، و حتي لو هي مش عايزة تسافر أخطبها دلوقتي، و اتجوزها بعد ما تخلص دراستك و ترجع.

توتر فارس و ظهر هذه علي ملامحه و قال: ماما انتي عارفة أني ممكن مرجعش بعد ما أخلص دراسة.

ظهر الحزن علي عيني سما وهمست: و أهون عليك؟ ده ربنا يعلم الكام سنة اللي جايين هيعدوا عليا ازاي من غيرك، عايز تسافر و مترجعش تاني.

أمسك فارس بكفها بين يديه بحنان: مين قال يا ماما أن السفر حاجة سهلة عليا... أنا برضه مش سهل أبعد عنكوا.... بس أوعدك هاكلمك في التليفون كل يوم.... و هانزل اجازات كل ما تسمح الفرصة.

حاولت ان تمنع سما دمعة ترقرقت في مقلتيها، وأدارت كفة الحوار وقالت: طيب خلينا نرجع لحياة..... أنت قولتلها أنك بتحبها وهي قالتلك لأ مش هسافر؟

فارس: لأ مقولتلهاش... بس انا عارف أنها مش عايزة تسافر.

نظرت له سما و قالت: حبيبي.... متاخدش قرارات علي لسانها... خليك واضح و اسألها، و هي من حقها توافق او ترفض، يمكن هي رافضة فكرة السفر عمتا... بس موافقة تسافر معاك.

بعينين مترددتين قال فارس: يعني انتي رأيك كده يا ماما.

سما: ايوه طبعا... خلاص يا حبيبي مفاضلش وقت كتير على سفرك، يبقي يادوب تقولها.

ضحك فارس و نظر إلي والدته و قال بنبرة جادة: ماما انا معرفش رأيك.... هو أنتي موافقة؟

عقدت سما حاجبيها وهتفت باستنكار: علي ايه؟

بنبرة مرتبكة أجاب فارس: أني أتجوز حياة.

اجابت سما: طبعا يا حبيبي.... انت عارف زياد صديق أبوك من الطفولة، ونور صاحبتي، وحياة تقريبا انا اللي مربياها.

اقترب منها فارس وقبل رأسها وهتف: ربنا يخليكي لينا يا ماما.

وقفت سما لتخرج من الغرفة، لكن قبل ان تخرج استدارت وهتفت: قولها يا فارس مش هتخسر حاجة، ولو هي رفضت تبقي هي الخسرانة.

خرجت سما من الغرفة، لكن صدي كلماتها ظل يتردد في أذن فارس حتى الصباح.

وفي الصباح عزم فارس أمره، وتوجه إلي بيت زياد، قلبه يخفق بشده حين دق جرس الباب، فتحت له نور بابتسامة بشوشة وأدخلته إلي غرفة الاستقبال.

استقبله زياد بحفاوته المعتادة.... بعد أن اطمأن فارس علي صحته، وراجع مع زياد أدويته، أستأذن فارس بأدب ان يجلس مع حياة علي انفراد متحججاََ أنه يريد أن يراجع معها بعض المعلومات عن دواء يعمل علي بحث طبي عنه.

وافق زياد علي مضد، دخلت حياة مع فارس غرفة المكتب بارتباك، كانت لاتزال غير معتادة علي لقاء فارس وجها لوجه، كذلك كان تشعر بالغرابة لأنه لم يخبرها بقدومه بالرغم من أنه هاتفها في المساء.

جلست حياة أمامه تتفادي النظر في عينيه، لكن فارس كسر الصمت بينهما وقال: حياة..... انا بخلص ورقي ومسافر بعد 6 أسابيع.

لم ترفع حياة عينيها إليه، بل قالت وهي تنظر في الأرض: ربنا يوفقك.

نظر إليها فارس مطولا و كأنه يبحث عن الكلمات المناسبة، و بعد صمت طويل أخذ نفس عميق و قال: تعالي نتجوز يا حياة و نسافر مع بعض.... انا مش قادر اتخيل حياتي من غيرك.

ابتسمت حياة بخجل وأحمرت وجنتيها، أخيرا رفعت عينيها لتواجهه وقالت بمرح: نتجوز على طول كده... مش في حاجات بتتقال قبل نتجوز دي يا دكتور.

عقد فارس حاجباه يحاول أن يستوعب معني كلماتها، صمت قليلا ثم قال: كنت فاهم أنك عارفة... ولو مش عارفة أني بحبك و مستنية إني أقولها.... فأنا بحبك يا حياة.

أحمرت وجنتي حياة أكثر حتي صارت بلون الدم، حاولت أن تسيطر علي نفسها بصعوبة ولاتزال تتفادي النظر بين عيني فارس، أقترب منها فارس أكتر و همس: لو موافقة انا مستعد أخرج دلوقتي اطلب ايدك من أونكل زياد... وأجهز لك ورقك و نسافر سوا نبتدي حياتنا هناك.

أخيرا رفعت حياة عينيها لتواجه فارس، نظرت إلي عينيه و ابتعلت ريقها بصعوبة وقالت بنبرة حاولت أن تبدو واثقة: أنا مش موافقة يا فارس.... مش عايزة أسافر و أسيب أهلي.

تجهمت ملامح فارس، صمت قليلا يستوعب صدها وحدتها... ثم هتف متسائلا: مش موافقة على الجواز و لا مش موافقة على السفر؟

همست بنبرة ضعيفة: مش موافقة على السفر.... مش سهل يا فارس أسيب كل حاجة ورايا و أسافر... أنت شفت بنفسك حالة بابا الصحية عاملة أزاي.... كان كويس و فجأة تعب.... انا مش هاستحمل ان ده يحصل و أنا بعيد عنهم.

زفر فارسبحدة : انا مش فاهم يعني ايه موافقة علي الجواز و مش موافقة على السفر؟ عايزاني أتجوزك و انتي تعيشي في بلد و انا في بلد تانية؟

فركت حياة اصابعها بتوتر: لأ يا فارس.... بس انا مش مستعدة أسيب كل حاجة ورايا وأروح بلد جديدة معرفش فيها حد، فكر أنت في السفر تاني.

فارس: قوليلي يا حياة انتي عايزاني بجد؟ يعني اللي انا حسيته من ناحيتك ده صح ولا انا كنت موهوم؟

همست حياة بعينين متلألئتين بالدموع: أنا كنت فاكرة أنك عارف اللي انا حاسة بيه كويس يا فارس.... بس الموضوع ملوش علاقة بيك... انا مش عايزة أهاجر.... أنت بنفسك بتقول مش سنة ولا سنتين وراجع... أنت مسافر و مش راجع تاني.

قام فارس من مكانه بغضب وقال: بس انا والسفر حاجة واحدة، مفيش حاجة اسمها عايزاك ومش عايزة أسافر معاك.

أنطلق فارس خارجا من الغرفة بغضب بينما دفنت حياة وجهها بين كفيها وبدأت تبكي.

-------------------------------

أمسكت حنين هاتفها بتردد، عبثت بين الأرقام المسجلة في هاتفها و اتصلت بجميلة، مع أول جرس أتاها صوت جميلة ملىء بالسعادة و صاحت: أخس عليكي يا حنين....كل ده متتصليش بيا؟

ضحكت حنين: قولت أسيبك شوية يا عروسة.

علي صوت ضحكة جميلة: خلاص بقى مبقيتش عروسة..... بقالنا أسبوعين.

حنين: وحشتيني يا صاحبتي.

جميلة: طمنيني عليكي؟ عاملة ايه؟

همست حنين: الحمدلله.... أنتي عاملة ايه ؟ ومالك عامل ايه؟

قالت جميلة بامتنان وسعادة حقيقة ظهرت في نبرتها: مبسوطين أوى الحمدلله.

قالت حنين بنبرة مرتبكة: الجواز حلو يا جميلة؟

جميلة: غريبة أن انتي تسألي السؤال ده.... يعني أقصد أنتي متجوزة من فترة.

ارتبكت حنين: أ.. أقصد يعني أنك تتجوزي الراجل اللي بتحبيه.

ابتسمت جميلة: أحلي حاجة في الدنيا...

صمتت حنين ولم تعقب، فأردفت جميلة: حنين.... ممكن أسألك على حاجة؟

حنين: أكيد..

جميلة بنبرة مرتبكة: أنتي لسة بتحبي شادي؟

صاحت حنين بحدة وكأنها تنفي عن نفسها تهمة: لأ

جميلة: أنا مقصدش والله أفكرك باللي حصل... بس أقصد نسيتى شادي؟

همست حنين بضعف: لأ منسيتش..... ربنا يسامحه.

جميلة: طيب وعمر؟ طبعا معيشك في سعادة و مخليكي حتي مش بتتصلي بينا.

حنين: عمر... مفيش انسان زيه بجد.. كفاية انه مستحمل...

صمتت حنين، فقالت جميلة بخفة: انتي منكده عليه ولا ايه؟ لو بتنكدي أديني دروس علشان أعرف أنكد علي مالك كويس.

ضحكت حنين: حرام عليكي... مالك ميستاهلش منك نكد.

قالت جميلة بنبرة جادة: وعمر اللي يستاهل؟

صمتت حنين قليلا ثم قالت: عمر يستاهل واحدة أحسن مني... واحدة تقدر تسعده... تكون له زوجه وأم لأولاده.

تعجبت جميلة من كلمات حنين فقالت: ليه يا حنين؟ أنتي مش ناوية تجيبي أولاد ولا ايه؟

بدأت دموع حنين تنهمر على وجنتيها وقالت بصوت مختنق بالدموع: مش قادرة.... مش قادرة أكون له زوجة.

صاحت جميلة: حنين!! انتي......

مسحت حنين دموعها سريعا وكأنها أدركت للتو ما قالتها: جميلة معلش انا لازم أقفل دلوقتي علشان أشوف عمر.... هارجع أكلمك تاني. 

•تابع الفصل التالي "رواية نبضات لا تعرف المستحيل" اضغط على اسم الرواية

تعليقات