رواية اقدار لا ترحم الفصل الثامن عشر 18 - بقلم سيليا البحيري

 رواية اقدار لا ترحم الفصل الثامن عشر 18 - بقلم سيليا البحيري

فصل 18
على طريق سريع منور، شوارع القاهرة بالليل، والعربية ماشية بسرعة متوسطة.
سيلين سايقة، وياسر قاعد جنبها، الإزاز شبه مقفول، وصوت فيروز طالع واطي في الخلفية.
ياسر (بصوت هادي):
كنت فاكر لما أرجع، هتحسي بارتياح… بس باين عليكي شايلة كتير جواكي.
سيلين (بصّة في الطريق وساكتة شوية، وبعدين ابتسمت ابتسامة حزينة):
شايلة سجن، يا ياسر…
شايلة خمس سنين وجع وذل وقهر…
خمس سنين كنت فيها مجرد رقم…
صوتي ماكانش بيتسمع.
ياسر (بيبصلها بهدوء):
إنتِ مش مضطرة تحكي… بس لو حبيتي، أنا سامعك.
(سيلين تغمض عينيها لحظة… والمشهد يدخل فلاش باك)
🎬 فلاش باك – سجن الستات – من ٤ سنين
عنبر لونه كئيب، ستات باين عليهم التعب، صوت مفاتيح وصريخ حارسات.
مديرة السجن (ست ضخمة ووشها ناشف):
سيلين؟ فاكرة نفسك في فندق خمس نجوم ولا إيه؟
قومي نظفي الحمّامات حالًا!
سيلين (بكرامة مكسورة):
أنا مظلومة… والله ما قت*لت حد!
المديرة (تلطشها بالقلم):
وكلهم بيقولوا كده!
هنا الحقيقة الوحيدة هي "اسكتي واعملي اللي يتقالك"!
فهمتي ولا لأ؟
سيلين (تحط إيدها على خدها وتهمس لنفسها):
أنا هخرج… أنا لازم أخرج…
(الفلاش باك ينتهي على صوت صريخ المديرة في الخلفية...)
🎬 رجوع للعربية – الوقت الحالي
سيلين (بتتنهد):
كانوا عايزين يخلوني أصدق إني مجرمة…
بس كل ليلة كنت أقسم لنفسي…
هخرج… وهخلّيهم يدفعوا التمن… واحد ورا التاني.
ياسر (بصوت جاد):
وأنا أول واحد هيقف جنبك لحد ما ده يحصل.
بكرا… أول ما أظهر في شركة سيف،
حسام مش هيلاقي حتة يستخبى فيها.
سيلين (تبصله بنظرة جانبية وابتسامة باردة):
آه… ودي لسه البداية.
ياسر (يرد بابتسامة أوسع):
كل خطوة محسوبة… زي رقعة شطرنج.
بس الفرق إن إحنا معانا الملك، والوزير، وكل العساكر…
وهو واقف لوحده… ملكه عريان.
سيلين (بترجع تبص للطريق):
بس لازم سيف يعرف كل حاجة…
عشان نعرف نلعب صح.
ياسر (بص على أنوار الشركة اللي بيقربوا منها):
وصلنا…
جاهزة؟
سيلين (بثقة):
أنا اتولدت جاهزة
********************
بعد ساعة – فيلا البحيري – صالة كبيرة منورة بنور هادي
الساعة قرّبت على نص الليل، والدنيا ساكتة، مافيش غير صوت عقارب الساعة.
هايدي قاعدة على الكنبة الفخمة، لابسة فستان شيك، ومتربعة وهي ماسكة كوباية شاي، وبسمة سخرية مرسومة على وشّها.
باب الفيلا بيتفتح بهدوء، وسيلين تدخل بخطوات واثقة وأناقتها كالعادة، شنطتها في إيدها، وماشية من غير استعجال.
هايدي (ترشف شوية شاي من غير ما تبص عليها):
آه، أخيرًا مدام الأنيقة افتكرت إنها متجوزة…
ولا نظامكم الجديد إن كل واحد يرجع البيت وقت ما يحب؟
سيلين (بتقلع المعطف بهدوء، وتحط الشنطة على الترابيزة، وبعدين تبصلها من بعيد):
كان أحسنلك تكوني نايمة دلوقتي بدل ما عاملة نفسك حارس ليلي.
هايدي (بتضحك بسخرية):
أنا بس بتفرج… على أحوال البيت.
بسم الله ما شاء الله… مرات سيف راجعة بعد نص الليل، شكلها راجعة من سهرة مش اجتماع.
سيلين (بتمشي ناحيتها بالراحة، وتوقف قدامها، صوتها هادي بس بارد):
عارفة الفرق بيني وبينك يا هايدي؟
إني مش براقب غيري… عشان حياتي مليانة كفاية.
إنما إنتي؟ حياتك فاضية… مليانة بس حقد وغيرة… ومراقبة.
هايدي (بتكشّر):
أنا؟ أغار منك؟ بالعكس…
أنا بستمتع وأنا شايفة تمثيليتك بتقرب من نهايتها.
سيلين (بتبتسم بس ابتسامة تقيلة، وتميل براسها):
الفرق بين التمثيل والحقيقة إن التمثيل بيخلص مع التصفيق…
إنما الحقيقة؟ بتكمل… وبتكسر.
وإنتي؟
مجرد ظل ف مشهد كبير… محدش بيفتكره.
هايدي (بتقوم واقفة، ومتوترة):
ما تستهزئيش بيا يا سيلين…
أنا شايفة كل حاجة، وهفضحك عاجلًا ولا آجلًا.
سيلين (تقرّب منها خطوة وتهمس):
جربي…
بس لما تقعي، ما تلوّميش غير نفسك.
وبعدين تلف وتسيبها وتطلع عالسلم، وهايدي واقفة بتغلي من الغيظ، ومسكه الكوباية كأنها هتكسرها
سيلين طلعت فوق بنظرة انتصار، وهايدي بتغلي تحت…
والسكوت اللي سابته وراها كان أقوى من أي شتيمة أو صريخ
********************
فيلا البحيري – الطابق العلوي
الصمت يلف المكان.
سيلين تصعد بخفة على أطراف أصابعها إلى غرفة تاليا الصغيرة.
تفتح الباب برفق، تضيء المصباح الخافت بجانب السرير.
تاليا نائمة على جانبها، تضم لعبتها القطنية. وجهها البريء غارق في الطمأنينة.
سيلين (بهمس رقيق وهي تنحني لتقبل جبينها):
أنتِ كل النور في حياتي…
مش هخلي حد يلمسكِ، مش هخلي حد يؤذيكِ، لا من الماضي ولا من المستقبل.
تغلق المصباح، وتخرج من الغرفة بهدوء.
الباب نصف مفتوح.
سيف يجلس على طرف السرير بكتاب بين يديه، لكنه لم يقرأ حرفًا واحدًا.
عيناه تنتظرانها منذ دخلت الفيلا.
تدخل سيلين وتغلق الباب بهدوء خلفها.
سيف (ينظر إليها دون أن يبتسم):
اتأخرتِ…
كنت فين كل ده يا سيلين؟
سيلين (بهدوء وهي تخلع وشاحها):
كنت بحل أمر مهم…
أمر يخص الماضي، ويضمن المستقبل.
سيف (ينظر لها مطولًا، صوته منخفض):
لما يبقى في شيء يخص مستقبلك، المفروض أعرفه.
مش مجرد شريك على الورق، أنا دلوقتي مسؤول… ولو حتى بالشكل.
سيلين (تتنهد وهي تبتعد عنه وتتجه نحو النافذة):
علشان كده لازم أذكّرك، زواجنا ده صفقة قانونية، مش أكتر.
وأول ما تنتهي قضية الحضانة، هطلب الطلاق…
أنا مش حابة أقيّدك أو أعيقك… يمكن في حياتك حد بتحبه، مستني تتحرر.
سيف (بحدة مفاجئة وهو يقف):
توقفي!
كم مرة هتفضلي تفتكري الناس اللي باعوكي؟
أنا مش حسام يا سيلين…
ولو كنت بحب، فدي مش مشكلتك.
سيلين (تلتفت إليه، وجهها جامد، لكنها تهتز من الداخل):
ماينفعش، أنا مش مستعدة لأي شيء من النوع ده.
أنا بقيت حد تاني، وقلبي ما بقاش جاهز يصدق أي مشاعر… حتى لو كانت حقيقية.
سيف (يقترب منها خطوة، بصوت خافت):
وهتفضلي تهربي كده طول عمرك؟
مش كل الناس جراح… ومش كل حب خيانة.
سيلين (بصوت أقرب للهمس وهي تنظر في عينيه):
أنا مش بهرب يا سيف…
أنا بس بحاول أنقذ نفسي.
سيف (ينظر لها طويلاً، ثم يبتعد ويقول بمرارة):
زي ما تحبي يا سيلين…
بس بلاش تتوقعي مني أبقى بارد زي اتفاقنا الورقي…
لأن قلبي مش ورقة.
سيلين تنظر نحوه بصمت، وقلبها يرتجف…
لكنها تُخفيه كما اعتادت، وتغادر الغرفة، تائهة بين الماضي الذي يلاحقها، والحاضر الذي يُصرّ أن يمنحها فرصة جديدة
********************
فيلا البحيري – الصباح الباكر
الصالة الداخلية تعجّ بالحياة.
تيا تركض نزولاً على الدرج، ترتدي زيّ المدرسة بثقة وحماس، حقيبتها على كتفها، شعرها مربوط على شكل ذيل حصان.
تيا (بصوت مرتفع وهي تضحك):
يااا صباح الحياة! صباح الحب والجمال والفيزياء اللي مش فاهمة منها ولا حاجة!
هدى (والدتها، وهي تضع بعض الفواكه في حقيبة تيا):
بس ما تنسي تاكلي… عقلك مش هيشتغل على ساندويتش بس.
تيا (تقبل يدها بسرعة):
أنتِ الحب الحقيقي يا ماما!
سليم (بهدوئه المعتاد وهو يقرأ الجريدة):
انتبهي في الطريق، وركزي بالدراسة، مش كل الناس زي إخوتك حواليكِ دايمًا.
مازن (يضحك وهو يربط حذاءه):
ركزت بالفيزياء يا عبقرية؟
تيا (بخبث):
أنا لو ركزت بس بالوسامة اللي في المرايا، أنجح بدرجة الامتياز!
إيهاب (ساخراً):
أوه، يا حبيبة نفسك.
تيا (تفتح الباب بسرعة):
باي يا عيلتي المجنونة! إلى المدرسة… وربما القدر!
في الشارع – أمام الفيلا
تيا تمشي بخفة على الرصيف، تشغل أغنية مرحة في سماعاتها، تهمّ بعبور الشارع…
وفجأة!
سيارة سوداء أنيقة تنعطف بسرعة نحو الزاوية، تكاد تصدمها!
إطارات السيارة تصرخ وهي تتوقف فجأة.
تيا تتجمد في مكانها، قلبها كاد أن يقف.
الشباك ينخفض، ويظهر وجه شاب وسيم جداً، بشعر داكن ونظرة حادة، هو: آسر.
آسر (بصوت عميق):
أنتِ مجنونة؟ ما بتشوفي الطريق؟!
تيا (وقد صُدمت من صوته أولاً، ثم من وسامته):
أنا… آسفة… ما كنت منتبهة.
آسر (يتنهد، ويخرج من السيارة ليتأكد):
كنتي هتموتي، انتبهي لنفسك.
تيا (تبتلع ريقها وهي تنظر إليه كأنها رأت ملاكاً نزل من السماء):
أنا بخير… شكراً… أستاذ.
آسر (يرفع حاجبه وهو يلمح أنها لا تزال تحدق فيه):
مش لازم تتأخري على مدرستك…
تيا (بصوت منخفض، كأنها تتحدث إلى نفسها):
أوه… لو المدرسة فيها درس زي ده، كان زماني الأوّل عالدفعة!
آسر (يسمعها ويبتسم دون أن يظهر ابتسامته كاملة):
سلامتك.
يصعد إلى سيارته، ينظر إليها من المرآة الجانبية للحظة، ثم ينطلق.
تيا تقف في مكانها، تضع يدها على قلبها الذي ينبض بجنون.
تيا (تتنهد بسعادة):
أنا مشيت… على الأرض… وشفت ملاك
********************
في فيلا لارين – الصباح
داخل غرفة المعيشة.
لارين تضع حقيبة طفلها ريان الصغيرة على الطاولة، وهي تعدّ له ملابسه. ريان، الطفل البالغ من العمر 5 سنوات، يجلس على الأرض في زاوية الغرفة وهو يلعب بمكعبات البناء، لكن ذهنه في مكان آخر. يبدو عليه الحماس.
ريان (ينظر إلى أمه بحماسة):
ماما، اليوم هنروح للحضانة؟!
لارين (تبتسم بينما تجهز ملابسه):
أيوة، هنروح النهاردة، حبيبي. لكن في حاجة تانية عندك في ذهنك؟!
ريان (يقفز فجأة من مكانه، وجهه مليء بالحماس):
أيوة! عايز شوف تاليا! هيكون عندها النهاردة! هنتجوز لما نكبر!
لارين (تفاجأت قليلاً، ثم تبتسم بحنان):
تتجوز تاليا؟! لما تكبروا مع بعض؟ ده أمر كبير!
ريان (وهو يجري صوبها):
آه! هي جميلة جداً، وحبها قلب ريان، هنكون مع بعض ونلعب كتير، زي الأفلام! هنعيش في قصر!
لارين (تضحك برفق وتربت على رأسه):
ده كله جميل، لكن خليك فاكر أنك لو حبيت تاليا دلوقتي، لازم تبقى كويس مع كل صحابك!
ريان (بجديّة براءة الأطفال):
أنا هكون كويس! عايز أديها هدية! عشان أنا عايز أكون فارسها.
لارين (مبتسمة، وهي تشده برفق لتكمل تحضيراته):
حلو منك يا ريان. لكن لازم تلبس كويس عشان تروح الحضانة. خليك جاهز عشان تروح تلعب وتتعلم!
ريان (وهو يضع سترة حمراء فوق ملابسه):
أنا جاهز! نروح دلوقتي؟ هي بتكون فين بالظبط؟!
لارين (تأخذ حقيبته الصغيرة بيدها وتقترب منه):
هنروح دلوقتي، وهتروح تشوفها وتلعبوا مع بعض. لكن، لو صرت فارسها في المستقبل، هتكون القائد بتاعها ولا إيه؟!
ريان (يبتسم بفخر):
أكيد! أنا بديها قلوب هدية وبقيت فارسها!
لارين (تضحك بخفّة):
وهنشوف، هنشوف… لو كبرت، هتكون أفضل فارس لقلوب الناس
*******************
بعد فترة ، في  شركة البحيري – الطابق العلوي – قاعة الاجتماعات الخاصة
المكان واسع، بإضاءة هادئة، على الطاولة ملفات كثيرة وجهاز لابتوب أمام لارين. يجلس سيف إلى جانب زوجته سيلين، وعلى الطرف الآخر يجلس إيهاب ومازن.
لارين (وهي تقلب في بعض الأوراق وتفتح شاشة العرض):
أوكي… دي آخر التقارير من الشركة الوهمية اللي دخلنا فيها حسام.
بصراحة، كمية الجشع والأنانية اللي شفتها فيه مش طبيعية.
إيهاب (بابتسامة جانبية):
متفاجئة؟ دا حسام… ده اسمه الجشع ماشي على رجلين.
مازن (ينظر بدهشة):
بس للدرجة دي؟ يعني بيمضي عقود بملايين بدون ما يتحقق من أي تفاصيل؟!
لارين (تهز رأسها، وتضحك بسخرية):
بيمضي وهو بيضحك… بيحلم بالمليارات. صدقوني، لو قلتلكم إنه ناوي يدخل السوق الإفريقي في خطة توسعية وهمية معانا، تصدقوا؟
سيلين (تبتسم بنصر وهي تتكئ للخلف):
هذا متوقع… طبيعته يندفع في أي شيء فيه سلطة وفلوس.
لارين (تنظر إلى سيلين باستغراب):
بس بصراحة، يعني… كيف كنتي متزوجة شخص بالشكل ده؟!
سيف (يضع يده على الطاولة بقوة خفيفة، نبرة صوته حادة قليلاً):
لارين… مش لازم كل شوية نرجع نحكي عن الماضي.
(لحظة صمت ثقيل تسود الغرفة.)
سيلين (تلتفت إلى سيف بهدوء وحنان):
أنا اللي اختارته غلط… بس كنت صغيرة وكنت بصدق الناس بسرعة.
والحمد لله… اتعلمت كتير. ووجودي هنا معاكم هو دليلي على التغيير.
سيف (ينظر لها بعينين ثابتتين، يغمر صوته دفء خفي):
أيوه… المهم إنك هنا، معانا. وكلنا في نفس الصف.
إيهاب (يحاول كسر التوتر وهو يمد يده نحو الأوراق):
والأهم من كده، إن حسام واقع في المصيدة، وإحنا بنجهز للضربة القاضية!
لارين (تغمز بخفة):
مش باقي غير توقيع واحد منه على العقد الرسمي… وساعتها، ينزل السوق بنفسه يشوف الطوفان.
سيلين (تبتسم بمكر):
وساعتها… راح يعرف قيمة الظلم اللي زرعه
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية

تعليقات