رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الثامن عشر 18 - بقلم صفاء حسني

 رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الثامن عشر 18 - بقلم صفاء حسني 

بعد لحظات من الصدمة. الكل واقف مذهول، النظرات رايحة جاية بينهم وبين زينب اللي لسه دموعها ما نشفتش.
إيمان بتحاول تهديها، والعيال بقوا هاديين شوية، لكن التوتر في الجو كان خانق.
سعاد همست بدهشة:
— البنت دي مين؟ وجات إمتى؟ وليه بتعيط بالشكل ده؟
منى بصوت خافت، وهي ماسكة إيد ايمان بخوف:
— آنتى كويسة يا قلبي انا افتكرت آنتى إلا صرخت ... بس أنا مش فاهمة إيه اللي بيحصل.
الكل بيتكلم إلا محمد، والد مؤمن.
كان واقف في مكانه متصلّب، عيونه معلّقة بزينب كأنه شايف شبح من الماضي.
إيده راحت ببطء لجيبه، وطلّع محفظته القديمة اللي دايمًا شايلها.
فتحها بإيده المرتعشة... وطلع منها صورة صغيرة لـ ياسمين وهي طفلة.
الصورة كانت قديمة شوية، طرفها متقطع...
وكأنها نص صورة!
وقف محمد وسطهم، صوته مليان لهفة ودموع:
— انت... انت لقيت أختك ومقولتليش يا مؤمن؟!
الكل اتصدم، ومؤمن فتح عينه على الآخر:
— أختي؟! إنت بتقول إيه؟
محمد ما استناش رد...
اتجه بخطوات سريعة ناحية زينب اللي كانت لسه قاعدة على السرير، وشكلها تايه.
ركع قدامها، وعينه فيها دموع كتير:
— أنا مش مصدق نفسي... قلبي كان بيتقطع من لحظات لما عرفت إن عندي بنت واتخطفت!
لكن ربنا كبير... في نفس اليوم اللي كنت بدعي فيه أشوفها، بعتك ليا!
طلّع الصورة ورفعها بإيده المرتعشة ناحية ياسمين:
— بصي يا ياسمين ... دي صورتك وإنت صغيرة، ودي... دي نص تاني منها!
(يبص لزينب)
وانتِ... انتى النص التاني يا بنتي!
اللحظة كانت كأنها زمن وقف...
ياسمين وقفت متسمّرة مكانها، بتبص لزينب بدهشة،
نظرتها فيها دموع، فيها ذهول، فيها إحساس مش قادرة تفسّره.
اقتربت خطوة بخطوة،
إيدها اترعشت وهي بتقرب من وش زينب،
ولما لفت خصلة شعرها على إيديها...
اتصدمت، نفس الحركة اللي كانت بتعملها وهي صغيرة!
ياسمين بصوت واطي ومبحوح:
— دي... دي نفس الحركة... نفسى وأنا صغيرة كنت بلف شعري كده...
زينب وقفت تبص لها، ودموعها بتجري من غير ما تنطق.
كأن قلبها فهم قبل عقلها.
وفي لحظة... رمت نفسها في حضن ياسمين، وفضلوا يعياطوا الاتنين بصوت عالي،
كأن السنين كلها خرجت في اللحظة دي.
مؤمن كان واقف مذهول، مش قادر يصدق اللي شايفه.
عينه راحت على أبوه، اللي كان ماسك الصورة وبيعيط بحرقة.
مؤمن بصوت مخنوق:
— يعني... يعني زينب دي أختي فعلاً؟
قبل ما يسمع رد،
رن تليفونه فجأة — كان زياد!
رد بسرعة، صوته مضطرب:
— أيوه يا زياد؟
جاء صوت زياد من الطرف التاني متوتر:
— في إيه؟ الصوت عالي ليه؟ وزينب كويسة؟
مؤمن بصوت مبحوح ومليان دهشة:
— زياد... إنت كنت عارف إن زينب أختي؟!
سكت زياد على الطرف التاني شوية...
اتنهد، وصوته نزل بهدوء غريب:
— أنا... جاي دلوقتي. استناني، وما تخليش حد يعمل حاجة.
اتقفل الخط.
مؤمن فضل ماسك الموبايل بإيده، مش فاهم إذا اللي بيحصل حلم ولا حقيقة.
داخل شقة زياد — منتصف الليل.
الكاتبة صفاء حسنى
عشقت فتاة المصنع
زياد قام من على السرير مضايق، ملامحه مجهدة وعيونه فيها سهر وقلق.
مد إيده على شعره وهو بيتمتم بتعب:
— هى ليلة من أولها مش باين فيها نوم! كنت مأجل الموضوع لحد ما أنام شوية، بس خلاص... شكلها مش ناوية تهدى.
فتح الدرج بسرعة، وطلّع منه ظرف فيه أوراق...
نتيجة تحليل.
فضل يبص فيها بثبات لحظة، وبعدين قفل الظرف بحذر، حطه في جيبه، وتنهد بعمق كأنه شايل هم جبال.
— يلا يا زياد، نامت راحتك خلاص... (همسها لنفسه).
ما قدرش يسوق، كان تعبان ومش مركز، ففتح الموبايل وطلب عربية أوبر.
بعد دقائق كانت العربية وصلت تحت.
داخل العربية — الطريق خافت الأضواء.
السواق، راجل بسيط في الخمسينات، بدأ يحكي بنبرة فيها وجع واعتياد:
— والله يا باشا، البلد دي بقت نار... البنزين كل يوم بيغلى عن اللي قبله، والأسعار مولعة!
بقينا أربع طبقات مش طبقة واحدة،
طبقة الناس اللي فوق السحاب،
وطبقة الأطباء والتمريض اللي بيشيلوا البلد على كتفهم،
وطبقة الجيش والشرطة،
وآخر طبقة... الشعب الغلبان اللي مش لاقي ياكل.
زياد كان ساكت، بيبص من الشباك، لكن الكلام بدأ يستفزه.
بص له بحدة وقال:
— ومين قالك إن ضابط الشرطة أو الجيش عايش في بلد تانية يا عم الحاج؟
أعمل حسابك الجيش والشرطة من الشعب نفسه...
الغلاء عليك زيه زينا.
بتاع الكهرباء لما يخبط على شقة ظابط جيش أو شرطة ما بيسألش على رتبته!
وفي ناس منهم ماشية بالعافية زيك بالظبط.
السواق، بابتسامة فيها سخرية بسيطة:
— هما بيقبضوا حلو يا باشا...
أنا أعرف واحد في الجيش، طلع عينه وبيكنز فلوس، بياخد 15 ألف في الشهر!
زياد اتنفس بقوة وضحك بسخرية:
— و15 ألف دي فلوس دلوقتي يا راجل يا طيب؟
ده نصهم بيطير على أقساط شقة واخدها،
والنص التاني على دخان ينسيه بعده عن مراته وولاده...
الظابط بيسيب بيته وشغله، وبينتقل من محافظة لمحافظة،
وبيقدم روحه قبل ما ياخد فلوسه...
ولو ابنه تعب، مراته بتجري بيه لوحدها!
السواق، مصرّ يكمل الجدال:
— ما هو عندهم مستشفيات ليهم ولأهلهم... بيتعالجوا ببلاش يا باشا.
زياد نفخ جامد وهو يشيح بوشه ناحية الشباك، صوته بقى مبحوح من العصبية:
— خلاص يا عم... كفاية!
اللي بيتكلموا في الكلام ده ناس مش فاهمة،
ولا عاشوا يوم واحد في الحقيقة دي.
ناس قاصدة تشوه كل حاجة حلوة في عيون الشعب.
زياد سكت لحظة، مسك ضميره بالعافية عشان ما ينفجرش، وبص في المراية بنظرة حادة:
زياد (بصوت منخفض لكن غاضب):
"أيوه، مستشفيات… بس مش اللي في بالك، مش رفاهية، دي ضرائب خدمة!
إنت سامع كلام متسوق ومتلون عشان يكره الناس في بعض… بس الناس دي بتدفع تمن البلد كل يوم!"
السواق سكت، والجو جوه العربية بقى تقيل، وصوت الموتور هو الوحيد اللي بيكسر الصمت.
زياد غمض عينه شوية وهو بيهمس لنفسه:
زياد (بهمس):
"اللهم الطف بينا يا رب، مش ناقص نقاشات دلوقتي…"
بعد شوية، العربية وصلت عند المجمع، وزياد فتح موبايله واتصل بمؤمن.
زياد (بنرفزة):
"مؤمن، تعالى بسرعة… نسيت البطاقة ومش راضيين يدخلوني!"
مؤمن (مستغرب وبيضحك):
"إنت بتتكلم جد يا زياد؟ ولا بتستهبل؟"
زياد (منفعل):
"بهزر إزاي يا عم، انزل أبوس إيدك، السواق وجّع دماغي بالطبقات والجيش والشرطة والفساد، وأنا خلاص همفجر!" صدقت
وصلت العربية قدام بوابة المجمع، نزلت بسرعة افتّش في جيوبى وبعدين لاقتينى — نسيت المحفظة وكل الفلوس جواها. ، ونزلت من العربية خايف اعمل مشكلة
عشقت فتاة المصنع الكاتبة صفاء حسنى
مومن، اللي كان واقف من بعيد بيحاول يتمالك نفسه من الضحك، وقال وهو لسه مش مصدق الموقف كله،
وبعدها قام بسرعة ولبس جاكيت خفيف وخرج من البيت بخطوات سريعة.
محمد، اللي كان لسه مذهول من اللي حصل، ناداه بصوت عالي:
— "رايح فين يا مومن؟"
مومن وقف عند الباب، أخد نفس عميق وقال بنبرة فيها قلق:
— "زياد تحت... واضح إنه يعرف كل حاجة عن موضوع زينب."
محمد رفع حاجبه بابتسامة خفيفة وقال وهو بيحاول يفهم:
— "زىاد؟ هى ده زينب اللي كان متابع قضيتها؟"
هزّ مومن راسه بتأكيد:
— "آه، واضح إنه كان عارف كل حاجة من الأول."
ضحك محمد بخفة وقال بثقة:
— "قولتلك زمان إن زياد جامد في شغله... ده طلع ماسك كل الخيوط في إيده، وجابلي بنتي بعد السنين دي كلها."
وقف لحظة، وصوته اتبدل بنبرة شكر وتأثر:
— "انزل، جيبه يا مومن... جيبلي اللي ربنا جعله سبب يجمعنا ببنتي تاني."
مومن اكتفى بهز راسه، وطلع يجري على الباب الخارجي، قلبه بيخبط من القلق والترقب، مش عارف اللقاء بين زياد والعيلة المصدومة هيكون عامل إزاي، بس كان حاسس إن الليلة دي مش هتعدي عادي أبدًا.
ساق عربيته لحد باب المجمع. نزل، سلم على الأمن، وطلب منهم ياخدوا رقم السواق ويصوروا البطاقة بتاعته
كان السواق بيتكلم بحماس ووشه متأثر، وهو بيبص في المراية:
"ليه حضرتك؟ هو أنا عملت حاجة؟"
ابتسم مؤمن بنبرة هادية وقال:
"لا خالص، مجرد إنك هنا في مجمّع خاص بأهلي من القضاء والشرطة والجيش... وعايزين نضيفك شوية ونوريك إحنا عايشين إزاي في الزمن الأخير ده."
ضحك زياد بخفة دم، وعمل نفسه بريء وهو يقول:
"آه يا ابن عمي النقيب... قوله بقى، بتدفع كام في الشهر قسط على شقتك، إنت وأبوك القاضي؟"
تنهد مؤمن وقال بجدية ممزوجة بالسخرية:
"ولازم تفكرني... بندفع كل شهر خمسين ألف، غير الكهرباء والأكل والشرب. يعني كل المرتب اللي منبوّره علينا من الشعب، متاكل!"
اتسعت عيون السواق بخوف وقال مرتبكًا:
"مش عايز الأجرة يا حضرتك... ربنا يكون في عونكم! أنا كنت بهزر مع الأخ ده، حسّيته نايم قولت أفوّقه، بدل ما نعمل حادثة."
ضحك زياد وقال وهو بيهز راسه:
"لو على كده، معلش براءة يا حضرة النقيب... أنا فعلًا كنت بتواب طول الطريق."
مدّ مؤمن إيده، ورجع له البطاقة، وحطله الأجرة وهو يقول بتحذير لطيف:
"بص يا صاحبي، بلاش تتكلم في اللي بتسمعه وانت مش فاهم، عشان متقعش مع ظابط أمن وطني يفهمك غلط... ويودّيك ورا الشمس!"
ارتبك السواق، وقال بخوف وهو بيركب العربية
"بعد الشر يا باشا... ربنا يكفينا شرّهم زوّار الليل دول! إحنا ماشيين جنب الحيط... ربنا ينصركم. سلام!"
ضحك زياد وهو بيبص لمؤمن:
"حرام عليك، نشّفت ريقه... ممكن من الخوف يعمل حادثة!"
ابتسم مؤمن وردّ عليه وهو بيحاول يمسك ضحكه:
"بزمتك، لو كنت معاك كل حاجة تخصك، مش كنت خده زيارة؟"
ضحك زياد وقال وهو بيحرك راسه بأسلوبه المعروف:
"مش للدرجة دي... ده راجل غلبان، ومن كتر الغلب بيسمع القنوات المنتشرة على اليوتيوب اللي مفهّماهم إن البلد متقسمة وإن الشعب ملوش حق. للأسف، الإعلام عندنا محتاج تغيير جزري. لازم نجيب شباب واعي، يفهموا الناس إن مش كل كلام يتقال يتصدق، ولا كل واقع زي ما بيصوّروه."
هزّ مؤمن راسه بأسى وقال:
"فعلاً... مش كفاية خطفوا أختي وإيمان وغيّروا حياتهم... كمان بيشوّهوا فينا في كل مكان."
---
قال:
"بالحق، انت كنت تعرف إن زينب أختي من إمتى؟ وليه مقولتش؟"
تنهد زياد وقال:
"كان لازم أتأكد، خوفت يكون كدبة من محمود عشان ينتقم منك، عشان حميت إيمان منهم ورجعتها لأهلها، قولت يمكن بيلعب بيّا.
تعال نروح عندهم، ولازم تحكي من الأول."
وفعلاً ركبوا ووصل على البيت، وفتح الباب وطلع على الدور الثالث عند إيمان، والكل كان بيتجمع.
أول ما دخل زياد، قامت زينب وراحت عنده وقالت بسرعة:
"هو كلام صح؟ ولا كلامهم هما اللي صح؟
قولي أنا مين؟ أهلي مين؟ وانت تعرف حاجة عنهم؟ أرجوك، فاهمني!"
تنهد زياد وقال بهدوء:
"ردّ الإجابة موجود هنا."
وطلّع نتيجة التحليل.
سألته زينب وهي متوترة:
"إيه ده؟"
وضح زياد:
"لما كنت بركب ليك الجهاز، أخدنا منك عينة عشان أعمل تحليل DNA ليك مع عمي محمد، وكنت طول الوقت بشتغل على القضية لحد ما النتيجة تطلع."
سأله محمد باستغراب:
"طيب وصلت لتحليل منى إزاي؟"
رد زياد موضحًا:
"يوم خطف إيمان، أخدنا عينة من الكل، وطلبت منك إنت كمان عشان احتمال يكونوا حطوا حاجة ليك، رغم إنك كنت متأكد إنك لا شربت ولا أكلت حاجة، لكن كان لازم أعمل التحليل قبل ما أتكلم. ولسه التحليل واصل من نص ساعة، قولت أنام وبكرة أجيبه وامهد الموضوع ليكم... لكن الأحداث اتغيرت، وكان لازم تطمنوا."
مسكت زينب الورقة وهي إيديها بتترعش بشدة...
تتبع

•تابع الفصل التالي "رواية عشقت فتاة المصنع" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات