رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل السابع عشر 17 - بقلم اميرة احمد
نبضات لاتعرف المستحيل
الفصل السابع عشر:
بينما كانت الشمس ترسل اشعتها الذهبية علي النيل الذي يجري بهدوء، جلس يوسف و لارا في إحدي الأركان الهادئة في المطعم، امامهما فطور خفيف لم يلمسه أحد منهما ، لارا تسند رأسها علي كتفه بهدوء، ترفع عينيها و تراقبه بصمت، وكأنّها تحاول أن تحفظ ملامحه من جديد. بينما يوسف يضع كفه فوق كتفها، صامت يستأنس بدفء قربها
همست بهدوء: يوسف.
يوسف: امممم.
لمعت الدموع في عينيها و قالت: عارف... أنا أكتشفت أني كنت بحبك أوي ... أكتر ما كنت فاكرة...... كاتبة حاجات كتير عنك... عن حاجات بسيطة، زي إنك بتحب القهوة من غير سكر، أو إنك دايمًا بتهتم بتفاصيل صغيرة أوي محدش غيرك بيلاحظها.
صمت يوسف و لم يعقب، فأردفت: أقولك علي سر.... من أول لحظة شفتك فيها بعد الحادث، كنت بحس بالأمان. كنت بستغرب ليه، بس دلوقتي... فهمت
رفعت رأسها تواجهه، نظرت داخل عمق عينيه و همست: انا بحبك يا يوسف... و بأختارك تاني دلوقتي بإرادتي
ابتسم يوسف وهو يمرر انامله علي وجنتها بحنان وهمس: انا كنت مستني كل الوقت ده علشان اللحظة دي... اللحظة اللي تحبيني فيها تاني، وتختاريني تاني... أنا بحبك بكل نسخة منك، قبل الحادثة وبعد الحادثة بحبك.
-----------------------------------------------
جلس مالك مع جميلة في إحدى المطاعم، نظر لها مالك بابتسامة كالعادة وهمس و هو يعبث بخصلة من شعرها: تعرفي أنا بغير اوي ان حد غيري يشوف شعرك، مش ناوية تغطي شعرك بقي.... و .... وخليني انا بس اللي اشوفه.
ضحكت جميلة وهي تضع خصلة شعرها خلف اذنها: مالك انا ان شاء الله لما اتحجب انت كمان يا حبيبي مش هتشوف شعري.
همس مالك محدثا نفسه بصوت لم تسمعه جميلة وهو يضغط علي اسنانه: غبية.
لاحظت جميلة التوتر البادي علي وجه مالك فهمست: طيب شجعني و تعالي ننزل دلوقتي نشتري حجاب سوا.
ابتسم لها مالك و همس بحنان: ماشي يلا.
سارت جميلة الي جوار مالك بهدوء، بينما كان التوتر ملحوظ علي مالك، لكنه وقف فجأة و نظر الي جميلة و قال بنبرة متوترة: جميلة.... تتجوزيني؟
وقفت جميلة لحظات تنظر له، تحاول ان تستوعب الكلمات التي خرجت من فمه للتو، ارتسمت علي وجهها ابتسامة و ترقرقت في عينيها دمعة فرح و همست: انت عارف يا مالك انا رسمت في دماغي سيناريوهات كتير عن الطريقة اللي نفسي تطلب ايدي بيها، بس اللي انت قولته دلوقتي احلي من اي حاجة كان نفسي فيها.
اتسعت ابتسامة مالك، و رفع كتفيه في استنكار و هتف: يعني موافقة و لا ايه؟
ضحكت و هي توكزه في كتفه: طبعا موافقة.
تنفس مالك الصعداء: ما تقولي كده من بدري.....
ضحكت بدلال: هو انت كنت شاكك يا مالك بعد كل ده؟
نظر لها بعينين ممتلئتين بالحب، و قال بنبرة جادة: مش شاكك في حبك، بس الجواز مسؤولية كبيرة، و تحديات... بس لو وافقتي هنبقي في كل ده مع بعض.
امسكت جميلة كفه برفق و قالت: انا مستعدة اواجه الدنيا كلها لو هنبقي مع بعض... انا بقيت أحس ان روحي معاك يا مالك... و عاوزة اقضي عمري و انا جنبك.
ابتسم مالك و اخذ نفسا عميقا و كأن حملا ثقيلا قد رفع من علي صدره للتو و قال: و انا اوعدك من اللحظة دي مش هتواجهي اي حاجة في الدنيا لوحدك... بس لازم تعرفي ان الحياة مش دايما هتكون في صفنا، و مش دايما هتكون وردي.
زاد ضغطها علي كفه و همست: و انا مستعدة اكون جنبك في الوحش قبل الحلو، هافضل احبك حتي في الوقت اللي متبقاش قادر فيه تحب نفسك..... وطول ما احنا مع بعض هنقدر علي اي حاجة.
اتسعت ابتسامة مالك و قال بمرح: طيب اكلم باباكي دلوقتي و لا هتقوليله انتي و لا ايه؟
ضحكت جميلة واحمرت وجنتاها بخجل: هاتكلم معاه انا.
ضحك مالك: هتقوليله عني ايه؟
جميلة: هاقوله قد ايه انت بتحبني علشان يوافق... انت مش عارف بابا بيخاف عليا ومتمسك بيا معاه في البيت قد ايه.
مالك: يبقي اخطفك تيجي تعيش معايا.
ضحكت جميلة وهي تنظر في الأفق بنظرة حالمة: تخطفني علي حصان أبيض و نسافر بعيد أنا وأنت نتجوز ونعيش في جزيرة لوحدنا.
فرقع مالك أصابعه بجوار أذنها وقال: ممكن ترجعي معانا أرض الواقع، وتتصلي بوالدك تقوليله.
ضحكت جميلة: دلوقتي؟
رفع مالك حاجبه وهتف بحدة: امال السنة الجاية.
ضحكت وهي تمسك بكفه و تسير بجواره: الموضوع مش سهل كده يا حبيبي، ده لازم اجتماع لمجلس الادارة وأعرض عليهم السيرة الذاتية بتاعتك، و طبعا لازم الرئيس التنفيذي يوافق الأول...
نظر لها مالك بنظرة جادة و همس: ضيعنا وقت كفاية يا جميلة، انا شايف نكتب الكتاب و نبقي مع بعض علي طول ، رأيك ايه؟
ابتسمت بخجل: موافقة علي أي حاجة تقول عليها.
ابتسم مالك بسعادة وهو يري الخجل في عينيها، أقترب منها أكتر وهمس بنبرة هادئة:
يعني خلاص؟ مش هتخليني ألف وراكي تاني؟
ضحكت جميلة وهي تحاول تخبي توترها: هو أنا كنت بخليك تلف ورايا؟ أنت اللي بتحب الدراما.
رفع حاجبه بمزاح وهو يحاوط كفها بكفه: حبك كان دراما كفاية في حياتي.
ضحكت جميلة: طيب جهز نفسك علشان انا هاقول لبابا النهاردة.... بس لو قال لأ أعمل حسابك أنك هتخطفني.
مالك ممازحا: انا أصلا حرامي.
جميلة: ايوه.... سرقت قلبي.
ضحك كلاهما سويا، بعدها ساد بينهما لحظة صمت نظر فيها مالك لجميلة نظرة عاشق ثم همس: أنا مش عايز يوم يعدي من غير ما تبقي جنبي فيه.
ارتجف صوتها وهمست: و انا عايزة أقضي عمري معاك من غير وجع أو بعد.
مد يده ولمس وجنتها بحنان وهمس: احنا لسة في بداية الحكاية، و أوعدك علي قد ما أقدر اللي جاي كله مش هيكون فيه وجع، ولو غصب عننا الدنيا حطتنا في موقف صعب.... اللي أوعدك بيه أنك مش هتكوني لوحدك تاني أبدا.
سارا جنبا إلي جنب بعينين ممتلئة بالأحلام و الوعود التي لا نهاية لها.
-------
اضاء هاتف جميلة باسم مالك، امسكت الهاتف واجابت بتوتر، اتاها صوته بكل ثقة يهمس: عروستي.
احمرت وجنتاها وظهر للتوتر علي صوتها و قالت: انا لحد دلوقتي مش مصدقة انك كنت في بيتنا.... احكيلي المقابلة مع بابا كانت عاملة ازاي.
ضحك مالك و قال بمرح: انا حسيت أني في لجنة تقييم، والدك صعب اوي .
قالت جميلة بمرح: اتكلم معاك في ايه؟
ضحك مالك مجددا: قولي متكلمش معايا في ايه، سألني عن دراستي، شغلي، عيلتي، مرتبي، مستقبلي، افكاري، طموحاتي... صمت لثانية ثم أردف: جميلة والدك سألني انا بنام الساعة كام.... متخيلة.
قهقهت جميلة: وانت قولتله ايه؟
قال مالك بنبرة جادة دافئة: قولت انك نعمة و انا هاعيش عمري كله احافظ عليها.
همست بخجل: يا مالك.
هتف بمرح: تخيلي قولتله كده و مبتسمش حتي.
همست جميلة بثقة: بس بابا أعجب بيك.
صاح مالك بحماس: بجد؟ عرفتي منين؟
جميلة: دخل عليا بعد ما مشيت وقالي الولد ده شكله بيحبك أوي.
تنهد مالك: طيب ايه؟
ضحكت جميلة بدلال: بابا موافق يا حبيبي.
مالك: و انا حبيت والدك جداا.. بس مش زي ما بحبك طبعا....... انا هأعد الايام لحد اما تبقي هنا معايا
ظهرت الأبتسامة علي صوت جميلة وهمست: ده حلم هيتحققلي.
همس بنبرة دافئة: استعدي لأحلام كتير تتحقق طول ما احنا مع بعض.
-----------------------------------------
كانت الساعة تقترب من الحادية عشر مساءا حين نظرت حنين إلي الهاتف مجددا، قلبها يخفق بشدة و شيء بداخلها يخبرها ان هناك خطب ما، عمر لا يتأخر هكذا، و غير معتاد ان يترك مكالمتها ورسائلها دون رد، نهضت من مكانها تدور في انحاء المنزل علي غير هدي، تنظر من خلف النافذة الكبيرة علي الطريق تتابع السيارات عسي ان تلمح سيارته في الأفق، كانت في حالة شرود تام حين رن هاتفها بأسمه، أمسكت الهاتف بلهفة و أجابت: عمر... أنت فين.
اتاها صوته متعب ضعيف: انا طالع، ممكن بس تدخلي الأوضة و تقفلي علي نفسك علشان معايا ضيوف.
حنين: ضيوف؟ دلوقتي؟
قاطعها عمر: من فضلك يا حنين انا خلاص علي الباب.
دخلت حنين الي غرفة نومها وأغلقت الباب والقلق يعتصر قلبها، شعرت بحركة في الخارج و أصوات بعض الرجال، و بعد دقائق سمعت صوت عمر يهتف بأسمها: تعالي يا حنين الضيوف مشيوا.
خرجت حنين بسرعة، لكنها تسمرت مكانها حين وجدت عمر يجلس علي الأريكة قدمه اليسري في الجبيرة، وذراعه مرفوعة بحمالة و رباط أبيض سميك مربوط حول كتفه، وجهه شاحب و علامات الإرهاق واضحة عليه.
صرخت حنين أول ما وقعت عيناها عليه، أسرعت إليه، ركعت علي ركبتيها أمامه وأرتمت في حضنه، بدأت الدموع تسيل من عينيها و همست بصوت متقطع: و الله كنت حاسة أن حصلك حاجة... انت كويس يا عمر.
ببطء لف يده السليمة حول خصرها وهمس: متخافيش أنا كويس.
حين لمس كفه ظهرها، أدركت أنها ألقت بنفسها بين ذراعيه.... ابتعدت عنه سريعا وهمست بنبرة متوترة: أ... أنا أسفة.
عمر: أسفة علشان حضنتي جوزك؟
رفعت عينيها إليه وهي لا تزال تركع في الأرض أمامه، أدركت حنين لحظتها أن مشاعرها تجاه عمر بدأت تكبر، لكنها نحت مشاعرها جانبا وقالت و هي تجلس علي إحدي المقاعد القريبة بصوت مرتبك ملئ بالقلق: ايه اللي حصل؟
تنهد بألم: و انا خارج من البنك عربية خبطتني.... رجلي اتكسرت و كتفي اتخلع، بس الحمدلله انا كويس متقلقيش.
نظرت إليه و عيناها ممتلئتين بالدموع، ابتسم عمر و قال بنبرة مرحة: انا لو كنت أعرف انك هتحضنيني كده كنت خليته يخبطني من زمان.
ابتسمت حنين رغم دموعها و همست بصوت بالكاد مسموع: بعد الشر عنك.
نظرت حنين حولها ثم صاحت: طيب اجيبلك مسكن؟ في دوا بتاخده؟ تحب أعملك حاجه؟
اومأ عمر برأسه و قال: ممكن بس تساعديني أدخل الاوضة جوه... حاسس أني محتاج أرتاح.
نظرت حنين إليه بتوتر، اقتربت منه حاوطت ظهره بذراعها، بينما لف هو ذراعه حول كتفها، حاولت أن تمسك بخصره و تساعده علي النهوض... أخيرا وقف علي قدم واحدة بمساعدتها... تقدما ببطء شديد حتي وصلا إلي غرفة النوم... رغم أن المسافة لم تكن كبيرة لكنها كانت شاقة علي كليهما.
جلس عمر علي زاوية السرير بمساعدة حنين، فتحت خزانة الملابس و أخرجت له منامة قطنية مريحة و وضعتها بجواره علي السرير، نظر لها عمر و قال: ممكن تجيبيلي شورت و تي شيرت... مش هأقدر ألبس بنطلون.
صاحت حنين بقلق: بس الجو برد عليك.
أبتسم عمر: طيب ألبس البنطلون فوق الجبس ازاي؟
ضحكت حنين: صح عندك حق.
أخرجت له ما طلب و وضعته بجواره علي السرير قبل ان تدير ظهرها استعدادا للخروج، عادت مرة أخري ألتفت إليه و أخفضت عينيها و همست: هتقدر تغير هدومك لوحدك؟
نظر لها عمر و قال بنبرة مازحة: أنتي شايفة أيه؟ كتفي مخلوع و رجلي مكسورة.
ضحكت بخفة، و اقتربت منه، مدت يديها تساعده في فك أزرار قميصه بلطف.
كان يرقبها بصمت... يتأمل ملامحها القريبة، حركتها الحذرة، و خوفها عليه الممزوج بحياؤها.
حين حاولت ان تساعده في خلع قميصه برفق، تأوه عمر بألم حين لمست يداها الرباط الملفوف حول كتفه.
تأوه بألم وقال: بالراحة.
حنين: أسفه غصب عني.
ناولته السروال في يديه واستدارت وهي تخبىء عينيها بكف يديها.
ضحك عمر و هو يأخذه منها، دقائق و همس بأسمها ألتفت إليه وجدته يجاهد ليجلس مرة أخري كما كان متألما، أقتربت منه و لفت ذراعها حول ظهره و قالت: تعالي أرتاح علي السرير.
ساعدته في الوصول إلي السرير، وضعت بعض الوسائد خلف ظهره والأخرى تحت قدمه، ظلت بجواره تصلح الوسائد من حوله وتضع الغطاء فوقه وقالت: حاسس بأيه؟
نظر إليها بعينين ممتلئتين بالحب وقال: حاسس أن ربنا عوضني بيكي، الألم مش تقيل و أنتي جنبي.
رفعت عينيها ونظرت له لأول مرة بنظرة حب لم تحاول أن تخفيها، لكنها ليست قادرة علي الأعتراف بها وقالت: طيب نام دلوقتي و لو أحتجت حاجة ناديني.
ابتسم لها عمر بخبث وقال: لو ناديتك هتيجي تحضنيني تاني؟
ابتسمت حنين بارتباك وقالت: بتهزر حتي و انت تعبان.
نظر لها عمر نظرة جادة وقال: انا مبهزرش.... انا فعلا نسيت الألم لما حضنتيني.
نظرت له بهدوء للحظات وقالت: تصبح علي خير يا عمر.
أمسك عمر بكفيها قبل أن تنصرف وقال: مش هتيجي تنامي؟
حنين: طول النهار كنت قلقانة عليك و معملتش حاجة في البيت.... هاخلص شوية حاجات ورايا و أجي أنام.
نظر لها عمر برجاء: ممكن تفضلي جنبي دلوقتي، وأعملي اللي الحاجات دي الصبح.
ابتسمت حنين ولم تعقب، بل تمددت إلي جواره في صمت.
•تابع الفصل التالي "رواية نبضات لا تعرف المستحيل" اضغط على اسم الرواية