رواية تقاطع طرق الفصل السادس عشر 16 - بقلم اميرة احمد
لفصل السادس عشر
انطلق أحمد في طريقه للقاء مريم، وهو في شك وحيره من أمره.... وصل إلي المكان من قبلها... زفر دخان سيجارته في السماء، تجمدت الدماء في عروقه، حين وجد مريم تدخل عليه و تحمل بين ذراعيها طفلة صغيرة...
ابتسمت مريم بهدوء وهي تجلس أمامه: ازيك يا أحمد؟
نظر إليها أحمد وهو بحالة من الصدمة والشرود، لكنه جاهد حروف كلماته لتخرج من فاه: الحمد لله.
كان أحمد ينظر إلى الصغيرة بحيرة، و ينظر إلي عيني مريم عسي ان تقول شيئا يكذب ظنونه، لكنها انطلقت بكلمات كانت قاتلة بالنسبة له.
ابتسمت مريم وقالت ببرود: ايوه يا أحمد دي بنتك... سميتها ورد.
انفعل أحمد، وصاح بحدة: انتي كذابة... بنتي ازاي وامتي؟؟ وكانت فين كل الوقت ده احنا بقالنا كتير.
مريم: اهدي يا أحمد، الكلام اللي بتقوله ده ملوش لازمة، الإهانة مش هتغير حاجة من الواقع... صدقني انا كمان مش عايزة حاجة تربطني بيك، بس غصب عني وعنك.
أحمد: ازاي برضه؟
ابتسمت مريم بثقة وقالت بهدوء: اسمعني يا أحمد... بعد اما اتطلقنا انا عرفت إني حامل، اتصدمت زيك كده بالظبط.
قاطعها أحمد بحدة: و مقولتيش ليه؟ عاملهالي مفاجأة؟
مريم: ممكن تسمعني للأخر... لما عرفت كل الدكاترة كانت بتقولي استحالة الحمل ده يكمل، كان الدكتور في كل زيارة بيقولي ده حمل حرج، ولازم ترتاحي و متعمليش مجهود.. كنت عارفة انه مش هيكمل، فخفت اقولك تفتكر اني عايزة نرجع لبعض..... كنت باتحرك عادي رغم كل تحذيرات الدكاترة، كان نفسي يحصلي اجهاض من غير ما اسعي انا ليه، لحد اما وصلت للشهر السابع، الدكتور قالي ان البنت حالتها وحشة، و لما تتولد ممكن تتوفي بعد ساعات، حمدت ربنا انه هيخلصني من حمل تقيل و مش مجبرة اني اقولك حاجة، حتي بعد ما اتولدت ورد، كانت حالتها وحشة... كان عندها مشاكل صحية كتير، وكانت مناعتها ضعيفة.... الدكتور قالي بالحرف: ممكن دور برد يموتها..... لكن سبحان الله، كأن القدر مصمم ان يبقي في حاجة تربطنا ببعض... اتعلقت بورد من اول ما شفتها.... دعيت ربنا كتير انه يخليهالي. و ربنا استجاب.
الحمدالله صحتها أتحسنت من شهر واحد بس، وبدأت تبقي زي الأطفال الطبيعيين... قولت انت لازم تعرف بوجودها وتعترف بيها... علشان هي من حقها يبقي ليها أب.
صاح أحمد بحدة: و انتي عايزاني اصدق الفيلم ده؟ انتي أكيد عرفتي اني هاتجوز و بتعملي حركة من حركاتك.
مريم: انا معرفش أنك خطبت أصلا، و لا اعرف عنك أي حاجة من يوم ما اتطلقنا.. عايز تصدقني صدقني ، مش عايز انت حر، بس البنت بنتك ومكتوبة باسمك.
هتق أحمد بسخرية: انتي كمان كتبتيها باسمي من ورايا؟
مريم: مكنتش محتاجة ارجعلك في حاجة....
زفر أحمد بضيق: مطلوب مني ايه دلوقتي؟ عاوزة فلوس؟
مريم: رغم ان ده حق بنتك عليك، بس انا مش عايزة منك فلوس، انا عاوزاك تبقي أب لبنتك، مش عايزة نرجع لبعض، بس عايزاك تكون في حياتها، مش عايزاها تدفع تمن غلطتنا... هي ملهاش ذنب تطلع في الدنيا متلاقيش ليها أب.
صمت أحمد وهو ينظر لملامح تلك الصغيرة التي تنظر إليه بابتسامة، تشبهه كثيرا، حتي في تلك الغمازة على جانب خدها الأيسر.
قامت مريم من مكانها ووضعت ورد الصغيرة بين ذراعي أحمد، تشبثت الصغيرة به وهي تبكي... ضمها إلي صدره وربت عليها حتى هدأت.
مريم: انا مش عايزة منك حاجة غير إنك تيجي تشوفها مرة كل أسبوع وتسأل عليها.
كان لايزال أحمد في نفس الحالة من التيه والذهول، همس بلا وعي: هابقي اشوف الموضوع ده.
أخذت مريم ورد من بين ذراعيه، واستعدت للرحيل.
مريم: انا لازم امشي دلوقتي، أي وقت تحب تيجي تشوفها ابقي كلمني بس قبلها.
استوقفها أحمد وقال بخبث: ممكن أعدي عليكي بكرة اخدها اوريها لندي؟
مريم: طبعا يا أحمد دي بنتك... ممكن تيجي تاخدها في أي وقت، بس هتعرف تتعامل معاها و تأكلها؟
أحمد: هحاول، ممكن اجي الصبح؟
مريم: مفيش مشكلة... همت ان تنصرف مريم لكنها عادت مرة أخري: انا بنتي مش خطيئة يا أحمد علشان تداريها... ورد بنتك وانت عارف وانا عارفة كويس.
انصرفت مريم وتركت أحمد غارقا في بحر من التساؤلات، كان لا يثق فيها بالقدر الذي يجعله يصدق كلماتها بلا شك، لكن جل ما كان يشغل تفكيره، كيف سيواجه هدي بهذا الخبر الذي قد يودي بعلاقتها، هل تتقبل وجود ورد في حياته؟ هل تصدق انه لم يكن يعرف بوجودها سوي من ساعات قليلة.
كانت الأفكار تعصف برأسه، حتى عاد إلي المنزل مهموما... تلقته ندي في قلق.
مجرد أن دخل من الباب، هتفت ندي بقلق: ايه يا أحمد مالك؟ مريم قالتلك ايه عمل فيك كده؟
ألقي أحمد بنفسه على إحدى المقاعد القريبة، وهتف في يأس: انا عندي بنت من مريم.
شهقت ندي من صدمتها: ازاي؟
قص عليها أحمد كل ما قالته مريم في لقائهما.
قالت ندي بحدة: بس مش شخصية مريم انها تتحمل مسؤولية زي دي لوحدها.
أحمد: انا كان رأيي كده برضه، بس مريم اتغيرت خالص، لما شفتها النهاردة بتتكلم بطريقة مختلفة، كأنها كبرت وعقلت.
صاحت ندي بحدة: انت هتعمل ايه؟ هترجع مريم؟
أحمد: لا طبعا...انا و مريم مننفعش نكون زوجين، دي غلطة انا مش هاقع فيها تاني.
هتفت ندي بارتباك: طيب و هدي؟ تفتكر هتتقبل الموضوع.
أحمد: ندي انا مش عايز حد يعرف حاجة عن الموضوع ده دلوقتي خالص، لحد اما اشوف انا هاعمل ايه، ولا حتي تقولي حاجة لأدم مفهوم؟
ندي: حاضر.
أحمد: انا قلت لمريم إني هاعدي عليها لصبح أخد ورد اجيبهالك تشوفيها، بس هاروح مشوار الأول وبعدين أجي.
ابتسمت ندي: الله هي اسمها ورد.. أسم حلو أوي.
همس أحمد: ولو شوفتيها هتخطف قلبك.
-------------------------------------
بعد أسبوع، اجتمع الأصدقاء كعادة كل خميس، كان أحمد يظهر على ملامحه الحزن والهم.
خالد: مالك يا أحمد في ايه؟ شكلك في حاجه مضايقاك.
قال أحمد بصوت مهموم: والله ما عارف أقول ايه، انا الأسبوع اللي فات ده حياتي كلها اتلخبطت فيه.
أدم: ايه حصل؟
هتف أحمد بنبرة محذرة: هاقولكوا، بس انا مش عاوز حد يعرف لحد اما اشوف هاظبط الدنيا ازاي، ها يا أدم مش عاوز هدي تعرف.... طبعا يا خالد ياريت يارا متعرفش لان طالما يارا عرفت تبقي هدي عرفت.
أدم: دي فزورة و لا ايه؟ ما تقول في ايه؟
قص عليهم أحمد ما دار في الأيام الماضية بينه وبين مريم.. وكيف دخلت حياته ورد الصغيرة.
رفع أدم حاجبه: بس اللي انت بتحكيه ده بيحصل في الأفلام بس؟ يعني ايه كانت حامل؟ هي مش كانت سايبة البيت قبل ما تطلقوا بفترة.
تنهد أحمد وقال بأسف: ايوه بس جاتلي البيت بعدها وكانت بتحاول اننا نرجع لبعض.
صاح أدم: وانت ازاي تعمل حاجة زي دي؟
أحمد: انت أهبل... كانت مراتي... حتي لو انا مش عايز بس ده حقها عليا.
علي: طيب تفتكر انها بتعمل كده عايزة فلوس يعني؟
أحمد: انا كنت فاكر زيك كده، بس هي رفضت أي فلوس عرضتها عليها.
خالد: سامحني، بس انت لازم تتأكد يعني ان ... ان البنت دي بنتك.
اخفض أحمد رأسه وقال بأسف: للأسف اتأكدت.
حرك أدم رأسه بعدم فهم: ازاي؟
تنهد أحمد، وزفر دخان سيجارته وقال: قولت لمريم اني عاوز أخد البنت اوريها ل ندي علشان مش هينفع تيجي معايا تشوفها في بيت مريم، و اخدتها و طلعت على معمل تحاليل و عملت التحاليل اللازمة، أصلا من قبل ما النتيجة تطلع اتأكدت انها بنتي، مستحملتش حتي اشوف الأبرة و هي بتدخل في دراعها، حسيت انها بتدخل في قلبي انا... إحساس غريب اول مرة أحسه... انا مرضيتش أقول لمريم اني عايز أعمل التحليل علشان كنت هابقي باتهمها في شرفها، والبنت كده كده باسمي، علشان تاريخ ميلادها بعد طلاقنا ب8 شهور .
هتف علي باهتمام: والنتيجة طلعت؟
قال أحمد بألم: بنتي.... صمت أحمد قليلا ثم أردف: عارف يا علي، لو شفتها مش هتشك لثانية انها بنتي، هي فعلا شبهي.... بس انا مش قادر اصدق ان في يوم وليلة كده بقيت أب.... وعندي بنت مسؤولة مني... مش عارف انا المفروض أحبها و احس ناحيتها بمشاعر أبوه... و هي حتي متعرفنيش.. مشفتهاش قبل كده.
خالد: طيب و هتعمل ايه مع هدي؟
أحمد: مش عارف... أكيد هاقولها بس مش دلوقتي... مش متخيل رد فعلها هيكون ايه
أدم: انت مش هينفع تخبي عليها حاجة كبيرة زي دي.
علي: أدم عنده حق لأول مرة، حاجة زي كده عمرها ما هتسامحك فيها.
أحمد: انا بس هاستني شهر ولا شهرين كده اظبط ظروفي مع مريم و اقولها، هي ممكن متصدقش اني مكنتش عارف، كمان هيبقي باب غيرة لو عرفت اني باروح اشوف البنت في بيت مريم.
خالد: ظبط ظروفك بس لازم تقولها في أقرب فرصة.
أحمد: بإذن الله.
ضحك أدم وقال بخفة: طيب دي بقي حاجة نباركلك عليها ولا ايه؟
ضحك أحمد: والله انا مش خايف غير منك انت تقع بلسانك قدامها.
حرك أدم رأسه وقال بسخرية: عيب عليك سرك في بير.
-----------------------------------------
في إحدى الأيام.. بعد ان انتهت هدي من عملها في مركز التجميل عادت إلى المنزل كانت الساعة تقترب من منتصف الليل.. لم تكن والدتها في المنزل فقد عادت إلى الإسكندرية لإحضار بعض الأشياء من منزلها... ومجرد ما دلفت هدي إلي المنزل.. فوجئت برجل ملثم في المنزل.. كان يحمل في يد سكينة وفي اليد الأخرى علبة الذهب والمجوهرات الخاصة بها... ارتبك الرجل ما ان شعر بوجودها.. باغتها وطعنها في بطنها بالسكين خوفا من ان تصرخ او تقاوم.. وفر هاربا... بينما ظلت هدي ملقاه على الأرض تنزف في صمت.. جاهدت ألمها وأمسكت بالهاتف واتصلت ب أحمد... لكنها لم تستطع ان تنطق بكلمة حين فتح أحمد الخط، كانت قواها قد خارت.... اما أحمد فظل يتصل بها مرارا وتكرارا وهي لا تجيب مما اثار القلق في قلبه.. قرر ان يتوجه الي منزلها ليطمئن عليها... وما ان انفتح باب المصعد ووجد باب المنزل مفتوح انتابه الخوف.. مشي بخطوات بطيئة ناحية الباب فوجدها ملقاة على الأرض تنزف.
زعر أحمد حين وقعت عينيه عليها.. هم بأن يحملها بين ذراعيه.. لكن عيناه وقعت على السكينة المرشوقة بجنبها ففضل ان يتصل بالإسعاف والشرطة ورقد هو بجانبها على الأرض يزرف الدمع في صمت ويدعو الله ان ينجيها.... افاقت هدي على صوت أحمد.
هتف أحمد بذعر: هدي حبيبتي خليكي معايا.. حاولي تصمدي لحد اما الإسعاف تيجي.
همست هدي في صوت متقتطع: أ..حمد.
أحمد: متخافيش يا حبيبتي انا جنبك ... مين اللي عمل فيكي كده؟
همست هدي وهي تلتقط انفساها بصعوبة: ح.. ح..حرامي.
وصلت سيارة الإسعاف وبدأ المسعفين في نقل هدي إلى المستشفى.
وفي المستشفى..
اقترب أحمد من الطبيب: طمني يا دكتور هدي عاملة ايه؟
الطبيب: الحمد لله السكينة مقطعتش أي حاجة من الأعضاء الداخلية.. بس الجرح كان غائر وهي فقدت دم كتير اوي.
أحمد: طيب يعني هتبقي كويسة؟
الطبيب: هنحتاج متبرع بالدم لانها هتحتاج كمية كبيرة.
أحمد: هي فصيلة دمها ايه؟
الطبيب:
A+
أحمد: انا كمان يا دكتور نفس الفصيلة هاتبرعلها بالدم.
الطبيب: بس هي هتحتاج كمية كبيرة مش هتقدر تتبرع بيها لوحدك.
أحمد: حضرتك خد الكمية اللي محتاجها وانا ان شاء الله هاقدر.
الطبيب: بس ده يبقي اسمه انتحار.. ضميري المهني ميسمحليش بيه.
ظهر أدم من خلف أحمد وهتف: أنا هاتبرع يا دكتور.
الطبيب: لو كده تمام مفيش مشكلة.
صاح أحمد: لا يا أدم انت لا ، جسمك مستردش قوته بعد العملية.
ربت أدم على كتف أحمد: متخافش انا كويس الحمد لله .. هدي اختي ومرات أخويا ان شاء الله مينفعش اسيبها.
قاطعه أحمد بحزم: أدم ده غلط على صحتك.
أدم: خليها علي الله.. والدكتور اهو موجود لو حس ان في حاجة خطر عليا مش هيعملها أكيد.
ربت أحمد على كتف صديقه في امتنان: شكرا يا أدم.
أدم: متقلقش كلنا معاك.. خالد و علي جايين في الطريق.. اعتقد علي كمان نفس فصيلة الدم لو احتاجنا دم تاني.
أحمد: ان شاء الله منحتاجش... هاتجنن يا أدم مش عارف مين اللي عمل فيها كده وليه؟
أدم: مش انت بلغت البوليس.
أحمد: اه والإسعاف بتتحرك كان البوليس وصل... وفي ظابط هنا مستنيها تفوق علشان ياخد اقوالها.
أدم: ان شاء الله يجيبوا اللي عمل فيها كده.
صاح أحمد بانفعال: انا لو اعرف مين هاكله بسناني.
أدم: ان شاء الله يعرفوا يوصلوله.
همس أحمد بنبرة ضعيفة: زي ما أكون كنت حاسس يا أدم..... كنت خايف عليها من القاعدة في بيت لوحدها.. ارتحت بس شوية لما مامتها جت تقعد معاها.
أدم: الحذر مش بيمنع القدر.... المهم دلوقتي نطمن عليها.
قطعت كلامهم الممرضة وهي تهتف: ممكن اللي هيتبرع بالدم ييجي معايا بنك الدم.
تبعها أدم وأحمد للتبرع بالدم ثم عادا مرة أخري امام غرفة هدي في انتظار الطبيب.
تنهد أحمد وزفر تنهيدة حارة: أدم..... انا عايزك تخلي بالك من ندي انا مش هاعرف اروح البيت واسيب هدي لوحدها... تابعها على التليفون و اطمن عليها انا مقصر معاها و مش عارف اركز.
أدم: متقلقش انا كلمتها قبل ما اجي و لسة من شوية كنت باكلمها هي كويسة متخافش.... اهو علي وخالد جم اهم.
اقترب علي وخالد وقال علي بلهفة: هو أيه اللي حصل بالظبط يا أحمد؟
أحمد: روحت بدري وكان في حرامي في البيت طعنها وهرب.
خالد: طيب هي عاملة ايه دلوقتي.
أدم: الحمد لله الدكتور طمنا
خالد: يارا منهارة من ساعة ما عرفت مقدرتش اجيبها معايا مبطلتش عياط.
خرج الطبيب المعالج من الغرفة... ذهب اليه أحمد في قلق و توتر باديين على ملامحه قبل صوته.
همس أحمد بقلق: طمني يا دكتور... هدي عاملة ايه دلوقتي.
الطبيب: فاقت الحمد لله ... مش هنحتاج ننقل دم تاني... بس هي حالتها النفسية وحشة جدا.. انا طلبت استشاري الامراض النفسية ييجي يبص عليها.. هي في حالة صدمة.
أحمد: ممكن اشوفها؟
الطبيب: مش هينفع العدد ده كله واحد بس ممكن يدخل يطمن عليها.
أحمد: تمام انا خطيبها هادخل اطمن عليها.
الطبيب: مش اكتر من 10 دقايق وحاول تحسن من نفسيتها.. مش عايزك تقلق بس هي منهارة.
أحمد: حاضر.
دخل أحمد إلي الغرفة وكانت هدي في حالة يرثي لها... مستلقاة علي فراش المستشفي الأبيض بوجها شاحب تبكي دون توقف...جلس أحمد في صمت إلي جوارها و امسك بيدها بين راحتيه.
همس أحمد بحنان: عاملة ايه يا حبيبتي.
هدي بصوت منتحب: كنت هاموت يا أحمد.. كنت هاموت واسيبك.
أحمد: بعد الشر عنك.
قالت هدي من بين دموعها: انا عيشت عمري كله خايفة الناس اللي بحبهم يبعدوا عندي... متخيلتش ابدا اني ممكن انا اللي اوجعهم و ابعد عنهم.
أحمد: بلاش الكلام ده دلوقتي... المهم انك كويسة و الدكتور طمني عليكي.
امسكت هدي بكفه بقوة: متسيبنيش يا أحمد خليك جنبي.
ربن أحمد على كفها بحنان: انا جنبك مش هامشي... بس الدكتور بيقول لازم ترتاحي.
همست هدي من بين دموعها: انا راحتي و انت جنبي.
أحمد: انا جنبك يا حبيبتي متقلقيش... بس ممكن كفاية عياط.
هدي: مش قادرة استوعب اللي حصل.
أحمد: اللي حصل حصل و عدي خلاص، و انتي ان شاء الله هتبقي كويسة.
دخلت الممرضة وفي يدها حقنة وبعض الاغراض الطبية.
الممرضة: بعد اذنك يا أستاذ محتاجة اديها حقنة وكمان دكتور مصطفي هييجي يتكلم معاها دلوقتي.
أحمد: هدي حبيبتي انا بره مش هامشي.
خرج أحمد للخارج، وما ان خرج حتي وجد أحد الضباط في انتظاره لأخذ أقواله.
الضابط: بشمهندس أحمد...... انت كنت اول الواصلين لموقع الجريمة؟
فزع أحمد من كلمة الضابط الأخيرة "موقع الجريمة" ... فهو لم يستوعب بعد ان حبيبته ضحية لجريمة شروع في قتل.
أومأ أحمد رأسه: ايوه فعلا.
الضابط: وحضرتك شفت ايه اول ما وصلت.
أحمد: باب الشقة كان مفتوح وهدي كانت واقعة قدام باب الشقة و بتنزف.
الضابط: لاحظت حاجة غريبة في الشقة مش في مكانها؟
أحمد: الحقيقة حتي لو في حاجة غريبة انا مش هاعرف ، دي شقة خطيبتي عايشة فيها لوحدها و الفترة الأخيرة والدتها كانت عايشة معاها.. أنا عمري ما روحتلها هناك دي كانت اول مرة ادخل الشقة.
الضابط: حركت أي حاجة من مكانها؟
أحمد: لأ انا كنت حريص اني مدخلش الشقة... حتي هدي انا خفت احركها من مكانها قبل ما الإسعاف تيجي علشان عارف ان أي حركة ممكن تضرها خصوصا ان السكينة كانت لسة في جنبها.
الضابط: تعرف حد عايز يأذيها؟
أحمد: هدي مش شخصية مؤذية وعمرها ما زعلت حد معتقدش ان حد ممكن يبقي عايز يعمل فيها كده.
الضابط: مين يعرف انها عايشة لوحدها؟
أحمد: هدي عايشة في القاهرة لوحدها من اكتر من 5 سنين... اكيد كل جيرانها عارفين.
الضابط: تعرف حد اسمه سعيد فكري؟
أحمد: لأ... هو اللي عمل فيها كده؟
الضابط: هو ساكن في نفس الشارع اللي هي ساكنة فيه وواضح انه مراقبها من فترة.. مراجعة الكاميرات أظهرت انه دخل العمارة قبل الوقت اللي هى اتواجدت فيه بنص ساعة و اتقبض عليه من ساعة بس معترفش... شكرا يا بشمهندس و لو احتاجنا حاجة هنبلغك.
أحمد: شكرا يا فندم.
انصرف أحمد و عاد مرة اخري حيث غرفة هدي، فتقابل مع الطبيب النفسي و هو خارج من غرفتها.
هتف أحمد بقلق: دكتور ممكن تطمني علي هدي؟
د مصطفي: حضرتك تقربلها؟
احمد: انا خطيبها.
د مصطفي: كويس انا هحتاج أتكلم معاك شوية في مكتبي اتفضل.
أحمد: خير يا دكتور في ايه؟
د مصطفي: انسة هدي عندها صدمة نفسية من الحادثة اللي اتعرضتلها... صحت عندها تروما قديمة ... دايما عندها خوف من الفقد بس الحادثة خلت عندها خوف جديد.. خوف على اللي حواليها انهم يفقدوها و يحسوا نفس إحساس الفقد اللي هي حست بيه قبل كده... الفترة دي هتكون صعبة عليها جدا و انت لازم تكون جنبها متسيبهاش.. هي ممكن تلاقيها بتاخد قرارات مفاجأة و كبيرة حاول تستوعبها.
أحمد: حاضر يا دكتور هانفذلها كل طلباتها.
د مصطفي: الأهم من تنفيذ رغباتها انك تكون جنبها و تحسسها بالأمان زي ما هي محتاجة مش زي ما انت شايف.
أحمد: حاضر يا دكتور.. انا هاعمل أي حاجة علشان هدي تبقي كويسة.
د مصطفي: دي اهم حاجة انك عندك استعداد تحتويها.. هي ممكن يجيلها نوبات غضب او نوبات بكاء و ده عادي في حالتها، انت بس احضنها و هي هتبقي كويسة... و ياريت لو تحاول تشغل تفكيرها في حاجة إيجابية بعيد عن الحادثة.
أحمد: ان شاء الله يا دكتور..... شكرا ليك.
انصرف أحمد من عند الطبيب و هو يفكر... كيف يخرجها من محنتها و يعوضها شعور الألم و الفقد....
بقلم:أميرة أحمد
•تابع الفصل التالي "رواية تقاطع طرق " اضغط على اسم الرواية