رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الرابع عشر 14 - بقلم اميرة احمد
نبضات لاتعرف المستحيل
الفصل الرابع عشر:
جلس مالك مع جميلة في إحدى الكافيهات بالمول، كان التوتر والتردد يظهر بوضوح علي مالك، لكنه حاول ان يخفيه، نظرت إليه جميلة وهي تضع السكر في كوب القهوة وقالت: في ايه يا مالك؟
لم ينظر إليها، ارتشف رشفة من قهوته وقال: نتيجة التحاليل طلعت النهاردة.
ظهر القلق والتوتر على جميلة، اتسعت حدقة عينيها، حدقت بمالك كثيرا قبل ان تهمس بصوت مكتوم: وايه؟
ابتسم مالك ابتسامة واسعة: الحمد لله ... خفيت يا جميلة.
ابتسمت جميلة بسعادة بدت واضحة علي كل ملامحها، نظرت لعيني مالك بكل حب: الحمد لله.
لم يختف التوتر من عيني مالك، ابتلع ريقه عدة مرات قبل ان يهمس بتوتر أصبح واضحا علي نبرة صوته: جميلة انا عاوز اقولك حاجة.
نظرت اليه باستغراب وهي تضع خصلة من شعرها خلف اذنها: ايه؟
تنفس مالك بعمق وهمس بنبرة واثقة مشحونة بالمشاعر: كل مرة كنتي هتقوليها، كنت بقراها في عينيك... كنت بفهم وبحس بيكي قبل ما تتكلمي لأني دايما فاهمك يا جميلة، فاهمك أكتر من نفسك، وكل مرة كنت بصدك فيها، كان علي أمل أني أقولها أنا الأول..... لأنك تستاهلي يا جميلة إني أنا اللي أقولها الأول... صمت قليلا، اخذ نفس عميق ثم همس: جميلة... أنا بحبك.
احمرت وجنتاها وتلألأت دمعة داخل مقلتيها، نظر لها بعيني تشعان بالحب فأردف مالك: بحبك من زمان... بس انا كنت خايف... كنت باهرب منك، كنت خايف أعلقك بيا واسيبك وأمشي.... مكنتش عاوز أوجعك.... بس من النهاردة مفيش خوف ولا هروب تاني.
ابتسمت بهدوء وهمست: بحبك يا مالك.
تنهد كما لو كانت ردت إليه روحه مرة أخري: بحس دلوقتي قد أيه انا كنت غلطان إني مقولتهاش من بدري.
ضحكت جميلة بخفة و هي تضع خصلة من شعرها خلف أذنها: بس انا كنت عارفة يا مالك... طول عمري بحس بيك من غير ما تقول..... ثم ضحكت بخبث: بس انت المفروض تعوضني عن كل الوقت اللي فات ده.
ابتسم مالك وهتف بمرح: استعدي.
ابتسمت جميلة بعينين لامعتين: مستعدة لكل حاجة جاية طالما هنبقي مع بعض.
دفع مالك حساب القهوة، ونظر إلي جميلة: تتمشي شوية؟
اومأت رأسها بالإيجاب... سارا جنبا إلي جنب في المول، فرد مالك كف يديه بجوار كف جميلة،ارتعشت انامله للحظة، لم يتحدث، لم ينظر لها، فقط انامله قريبة جدا من يدها لكنه لا يلمسها، لكن فجأة دفعت جميلة كفها بحضن كفه، ضغط علي كفها بقوة و كأنها كل ما يملك في هذا العالم.
وقفت جميلة فجأة، وأخرجت هاتفها ونظرت لمالك: أقف يا مالك خلينا ناخد صورة سوا، علشان نفتكر اللحظة دي دايما.
رفعت جميلة الهاتف، وقفت لتلتقط الصورة بينما مالك وقف خلفها وابتسم ابتسامة مليئة بمشاعر لم تراها جميلة من قبل... كانت لحظة تستحق ان يحتفظ كلاهما بها للأبد.
-----------------------
في المقهي الذي أعتاد الأصدقاء اللقاء فيه، جلست لارا ويوسف وليلي في انتظار مالك وجميلة... الذي تأخرا على غير العادة.
أخيرا دخل مالك يدا بيد مع جميلة، كفه يحتضن كفها بحنان... جلسا متجاورين لكن أقرب من المعتاد، لاحظ الأصدقاء ما يدور حولهما، نظرا إلى بعضهما البعض.. حتى قطعت الصمت ليلي وضيقت عينيها وصاحت وهي تشير لجميلة ومالك: و ده من امتي؟
ابتسمت جميلة بحياء ولم تعقب، فصاحت لارا بحماس: مش معقول أخيرا قالها؟
اومأت جميلة رأسها بالإيجاب مع ابتسامة ووجنتين حمر، صاحت ليلي مجددا: قوليلي علشان انا عارفاكي هو اللي قال الأول ولا انتي اللي قولتي؟.
ابتسم مالك وهو ينظر لجميلة: انا اللي قولت الأول طبعا.
تنهد يوسف بدراما مفتعلة: ااااه يا قلبي... أخيرا قولتها.
صاحت لارا بحماس: انا فرحانة جداا .
ضحكت ليلي: قولولي التفاصيل بالظبط.... قالها ازاي وأمتي، قالها عادي كده و لا بطريقة رومانسية.
رفعت جميلة كتفيها بابتسامة: قالها وخلاص.
ضحك يوسف: عندك حق المهم انه قالها.
امسكت ليلي بهاتفها ورفعته وهي تهتف: لازم اتصل بحنين... مش هينفع الخبر ده يفوتها.
لحظات واتاها صوت حنين وصورتها عبر الهاتف، ما ان رأتهم مجتمعين حتي صاحت: كلكوا متجمعين كده يبقي استر يارب.
ضحكت ليلي: استني بس امال لو عرفتي اللي حصل.
ضحكت حنين: عملتوا مصيبة ولا ايه؟
غيرت ليلي اتجاه الكاميرا فجعلتها علي مالك وجميلة وصاحت: شايفة في ايه متغير هنا؟
نظرت حنين قليلا بصمت ثم صاحت بحماس: مش معقووووول..... أخيرااا.
ضحك مالك بخفة: واضح يا جماعة ان كلكوا كنتوا مستنين الحدث ده من زمان..... خلاص يا جماعة قدامكوا كلكوا ... انا بحبها..... خلاص..... ممكن نتكلم في حاجة تانية.
صاح الجميع بسعادة، بينما ابتسمت جميلة بخجل وهي تداري وجهها في كتف مالك من الحياء.
ضحك يوسف: ده احنا مش هنتكلم غير على الموضوع ده النهاردة.
قالت جميلة بحزم: خلاص بقي يا جماعة.
بينما صاحت ليلي بمرح: لأ يا مالك... مش هنسيبك غير لما تقولها كلام رومانسي قدامنا.
نظر لها مالك بحزم: ولو قولت خلاص هنقفل الموضوع و تسكتوا؟
ضحك يوسف بمرح: أوعدك لو قولت مفيش حد هيفتح بقه تاني.
بهدوء قال مالك: علشان انتوا تافهين، مفكرين ان الحب كلام وبس، مع ان الحب إحساس... ثم نظر إلي جميلة وهمس بصوت واضح مسموع للجميع: أنتي أحلي حاجة حصلتلي في حياتي، ومش محتاج أقولها كل يوم علشان تبقي عارفة.
احمرت وجنتي جميلة من الخجل، بينما تنحنح يوسف وهو يكتم ضحكته وقال: خلاص يا جماعة مالك عمل اللي طلبناه كفاية غلاسة عليهم لحد كده، ها هتشرب ايه يا مالك؟.
صاحت ليلي بسخرية: ليمون.
نظر لها مالك بحدة مفتعلة، بينما ألقت عليها جميلة ورقة كانت موضوعة على الطاولة، وضحك الجميع.
-------------------------------------
اعتادت سارة ان تجلس كل يوم بعد الغداء في غرفتها مع عصام، وبعد رحيله حافظت علي تلك العادة، تجلس وحيدة تتناول الشاي في صمت و هي تتذكره.
سمعت طرقات خفيفة على الباب، فتحت لارا الباب وجلست إلى المقعد الفارغ بجوار والدتها، ابتسم سارة وربتت على رأس لارا بحنان وهمست: في ايه يا لارا... حساكي محتارة.
نظرت لارا إليها كثيرا ثم همست بصوت ضعيف: ماما... هو انا كنت فعلا بحب يوسف قبل الحادثة؟
نظرت لها سارة مطولا قبل أن تقول: الإجابة دي مش عندي، بس انتي ليه بتسألي؟ هو انتي مش بتحبيه دلوقتي؟
خرج صوت لارا ضعيف مرتبك: انا مستغربة ليه نسيته هو، لو كنت بحبه بالطريقة اللي بيقولها مكنتش هنساه، صح؟
نظرت سارة داخل عينيها وقالت بنبرة حنونة: اللي أعرفه قد ايه انتي كنتي بتتحايلي عليا علشان أوافق انكوا تتجوزوا، لحد قبل ما تسافري الغردقة كنتي بتطلبي مني أوافق، كان باين في عنيكي وقتها الحب..... يوسف انسان محترم وبيحبك بجد، فيه شبه كبير من زياد.
و علي فكرة انا وافقت تتجوزوا لما شوفت بعيني لهفته عليكي في المستشفى، كان مستعد يعمل أي حاجة بس تفوقي.
تنهدت لارا: و انا يا ماما؟ كنت بحبه زي ما هو بيحبني؟ انا معنديش شك ان يوسف بيحبني، بس....
قاطعتها سارة: انا مش هادخل جوه مشاعرك يا لارا علشان اعرفها، بس احساسي كأم كان بيقولي إنك بتحبيه زي ما بيحبك، لما كنتي بتخرجي مع أصحابك وترجعي كنت باعرف الخروجة اللي كان فيها يوسف من عنيكي لما بترجعي، وشك كان بيبقي منور وعنيكي فيها لمعة.
بدي التردد أكثر علي لارا، لكنها قامت من مكانها ووضعت قبلة حنونة علي جبين سارة و اتجهت إلي باب الغرفة و قالت: ماما انا هاقابل اصحابي و ارجع كمان ساعة مش هتأخر.
-----------------------------------------------------
جلست لارا امامه في إحدى المقاهي، تتطلع إليه بشرود، شعره الأسود المرتب بعناية، جبهته العريضة، حاجبيه الداكنان و عينيه السوداء التي تحمل غموض لم تراه من قبل، صدره المنتفخ بالعضلات، نظراته لها لم تكن مريحة، شعرت بقبضة في قلبها حين فتح فمه و قال بصوت عميق كالفحيح: برضه عملتي اللي في دماغك يا لارا و اتخطبتي ليوسف؟ هو ده اللي أنتي عايزاه؟
ارتبكت لارا، لكنها حاولت ان تخفي ارتباكها عنه، لكنه كان جليا في نبرة صوتها حين قالت: سامر... انا بحب يوسف، و علشان كده اتخطبتله.
بعينين جامدتين صاح: و انا يا لارا؟ نسيتي اننا كنا بنحب بعض.
ازداد ارتباكها: انا مش فاكراك أصلا و .....
قاطعها بحدة: و فاكرة يوسف؟
شعرت بضربات قلبها أقوي، طرقت بأناملها علي الطاولة: انا سألت كل أصحابي عنك، محدش فيهم يعرفك، محدش يعرف ان كان في بينا حاجة.
ضحك سامر بسخرية و هو يضع مرفقيه على الطاولة و يميل نحوها، نظر إلي عينيها بخبث: أحنا كنا بنتكلم في السر يا لارا، من ورا الناس كلها، من ورا يوسف، كنتي عاوزة تقولي لصحباتك ايه؟ إنك تعرفي راجلين في نفس الوقت؟
اتسعت عيني لارا في ذهول: انا استحالة أعمل كده.... أكيد ده محصلش.
ابتسم سامر: الحب يا حبيبتي يخليكي تعملي أكتر من كده.... انتي مش وحشة، بس أنتي كنتي هتسيبي يوسف فعلا، كنتي بس مستنية الوقت المناسب.
هزت لارا رأسها بنفي، قلبها ينبض بقوة، تجاهد ليخرج الصوت من حلقها: مستحيل.
أخرج سامر هاتفه ووضعه أمام لارا: عاوزة اثبات؟ قدامك أهو... صور و رسايل و مكالمات بينا بالساعات، بس أنتي نسيتيها يا لارا، الحادثة غيرتك أوي.
شردت لارا للحظات، تحدثها نفسها بأنها لا يجب أن تصدقه، عقلها مشوش تماما، بينما قلبها يخفق بتوتر، استجمعت كل قوتها وصاحت: و ليه بتقولي الكلام ده دلوقتي؟ كنت فين وانا في المستشفى؟ لو بنحب بعض زي ما بتقول مكنتش جنبي ليه وقتها؟
ابتسم سامر بعيني حادة كالصقر: و مين قالك أني مكنتش جنبك، كنت باجي اطمن عليكي كل يوم، بس كنت باحترم اللي كان بينا و مكنتش باقرب منك قدامهم.
صاحت لارا: أنت كذاب.
ابتسم سامر بخبث: ماشي انا كذاب.... خلينا نشوف يوسف لما يعرف الي بينا هيبقي أيه رد فعله، تفتكري لو عرف أنك كنتي بتخدعيه هيعمل ايه؟ لو عرف ان حبيبة القلب كانت بتيجي تترمي في حضني وتحلم باليوم اللي تسيبه فيه؟
شعرت لارا بقشعريرة تسري في جسدها، انقباضه قوية في قلبها جعلتها تدرك ان سامر يحاول التشويش علي عقلها، بل و يهددها...صاحت بنبرة حاولت ان تبدو قوية: يوسف بيحبني و بيثق فيا... و استحالة يصدقك.
بهدوء و نفس النبرة الساخرة قال سامر: ماشي مش هيصدقني، بس رسايل الحب اللي كنتي بتبعتيهالي و الصور و مكالمتنا كل يوم، تفتكري والدته اللي مكنتش موافقة عليكي من الأول لما تشوفهم هيبقي رأيها ايه؟
شعرت لارا ببرودة تجري في اوصالها، عقلها مشوش، سامر يبدو واثقا في تصرفاته، لكنها متأكده ان من يحكي عنها سامر من المستحيل ان تكون هي، شعرت بخوف حقيقي يتملكها قالت بصوت منكسر: وعايز ايه دلوقتي؟
ابتسم و قال بصوت منخفض كالفحيح: عاوز تقابليني وقت ما انا عايز، و اللي أقوله يتنفذ لحد اما تسيبي يوسف خالص و تبعدي عنه.
لم ينتظر منها رد، قام من مكانه تاركا بعض النقود علي الطاولة حسابا لقهوته، بينما دفنت لارا رأسها بين راحتيها و انغمرت في البكاء، عقلها لا يستوعب ما يحدث حولها. حتى اضاء الهاتف باسم يوسف.
نظرت إليه بتردد قبل أن تجيب، وضعت الهاتف علي أذنها لكن لم تقل شيئا، اتاها صوت يوسف بمرح: انتي نايمة؟ حتي لو نايمة تصحي علشان وحشني صوتك.
بنبرة هادئة اجابت: انا صاحية يا يوسف.
انساب القلق إلي نفس يوسف فقال: انتي كويسة؟ صوتك في حاجة.
لارا: انا بخير يا يوسف.
يوسف: طيب ايه رأيك أعدي عليكي و نتغدي سوا النهاردة؟
لارا: معلش يا يوسف ممكن نخليها يوم تاني؟
يوسف: ماشي بس ليه يوم تاني؟
لارا: حاسة اني تعبانة النهاردة شوية... محتاجة أرتاح.
يوسف: طيب خلاص، هاخلص شغل و أعدي عليكي في البيت اطمن عليكي.
لارا: لأ... بلاش النهاردة علشان انا هنام.
يوسف : طيب خلاص نامي وارتاحي يا حبيبتي ولما تصحي كلميني.
أنهي يوسف المكالمة مع لارا وتسرب القلق إلي نفسه، صوتها مرتبك ورفضها لملاقاته جعل قلبه يخفق بقوة، لكنه حاول ان يطرد الأفكار السلبية من عقله.
•تابع الفصل التالي "رواية نبضات لا تعرف المستحيل" اضغط على اسم الرواية