رواية تقاطع طرق الفصل الثالث عشر 13 - بقلم اميرة احمد

 رواية تقاطع طرق الفصل الثالث عشر 13 - بقلم اميرة احمد

الفصل الثالث عشر
مر أسبوعين....
وفي اللقاء الأسبوعي تجمع الأصدقاء ماعدا أحمد الذي رفض الحضور وتحجج بانه لديه بعض الانشغالات... لكنه في الواقع كان يتحاشي لقاء أدم.. فلا يزال غاضبا منه ولو وقعت عينيه عليه ربما انقض عليه كما ينقض الأسد علي فريسته..
نظر أدم ل علي الذي كان يجلس معهم شارد الذهن وقال: على فكرة يا علي انا شفت سارة في الشغل النهاردة.
رفع علي عينه عن هاتفه وقال بلهفة ممزوجة بالألم: بجد... هي كويسة؟
أدم: لأ مش كويسة.. انت عملت فيها ايه... البنت متدمرة خالص.
أخفض علي رأسه وقال بنبرة منكسرة: هي اتكلمت معاك؟
أدم: لا، لما سألتها مالك سابتني ومشيت... قالتلي أسأل صاحبك... على فكرة هي سابت الشغل كمان....النهاردة كان أخر يوم ليها.
همس علي بحزن: انا وسارة سبنا بعض.
اتسعت حدقتي خالد من الدهشة وصاح: انت مجنون يا ابني.. انت مش بتحبها.
علي: بحبها.
خالد: واللي بيحب حد بيسيبه.
كانت نبرة علي مزيح من الحزن والألم والكسرة وهو يتحدث عن سارة: باباها خيرني يا اما يبقي في حاجة رسمي يا ابعد عنها.
هتف أدم بتعجب: وانت بتحبها ومش عاوز تتجوزها؟!
علي: انا مش عاوز اتجوز أي حد... لا هي ولا غيرها... المشكلة فيا مش فيها.
أدم: متخليش مشاعر قديمة تتحكم فيك.
زفر علي تنهيدة حارة وقال: اللي حصل حصل خلاص والدنيا مبتقفش على حد.
خالد: بس انت شكلك حزين يا علي.
علي: أكيد مش سهل.. ربنا يقدرني.
خالد: ربنا معاك... هو أحمد مجاش ليه؟ .. انا مش مقتنع انه وراه حاجات من امتي أصلا مبيخرجش معانا.
مال أدم على أذن علي وهمس: هو مش عايز يشوفني؟
علي هامسا: معرفش بس ممكن.. هو انتوا متكلمتوش من ساعتها؟
هز أدم رأسه بنفي وصمت وهو يشعر بالأسي تجاه ما حدث مع صديقه وأخذ يفكر هل حقا خسر أحمد بعد هذا الموقف؟
-------------------------
وبينما اجتمعت يارا مع هدي.. حتى أخذت الأخيرة تلقي لها بما يجيش في قلبها... كانت هدي تتحدث وواضح عليها حالة من التوتر غير مسبوقة.. فهي شخصية مرحة بطبعها... حازمة لأمورها.. لكنها حازمة في كل أمورها إلا العاطفية منها كحال معظم الفتيات.
تنهدت هدي وقالت: انتى عارفة احمد طلب اننا نكتب الكتاب.... بس انا قولتله نأجل شوية.
يارا: ده على اسااس انكوا هتفضلوا مخطوبين العمر كله؟
فركت هدي كفيها وقالت بارتباك: انا خايفة اخسره
عقدت يارا حاجبيها وقالت مستفهمة: ليه؟
هدي: انا بقيت حاسة أنى فيا حاجة غلط.... قبل خطوبتي على عمر اتوفي الله يرحمه قبليها بيوم... وبعد خطوبتى مع أحمد مامت أحمد اتوفت.... انا حاسة أنى نحس.
اقتربت منها يارا وربتت على كتفها بحنان وهمست: استغفر الله العظيم... استغفري ربنا ومتقوليش كده تاني ده نصيب..." فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" ده عمرهم وربنا كاتب انهم يتوفوا في الوقت ده ملهاش علاقة بيكي خالص.
ترقرقت الدموع في عين هدي وهمست: استغفر الله... بس انا من حبي في أحمد خايفة عليه.
يارا: خايفة بعد الشر يجراله حاجة ولا خايفة تتجوزيه؟
هدي: هو انا لو اتجوزت أحمد هابقي بخون عمر؟
صاحت يارا: لأ طبعاا! اعتبري ان عمر سابك وهاجر بلد تانية.. فكري فيها دايما كده.. هو مشي وراح مكان تاني مبسوط فيه اكتر من هنا.
هدي: بس اهل عمر محسسني أنى بخونه... انتي عارفة اخته لما عرفت أنى اتخطبت اضايقت جداا و مكلمتنيش تاني.
يارا: معلش.... بس انتي مش بتخونيه.. ومن حقك تتجوزي وتفرحي مع أحمد... متضيعيش أحمد من ايديكي... حبيه وافرحي بحبك ليه وحبه ليكي... متظلميش أحمد هو ميستاهلش منك كده...
هدي: انا فاهمة هو عايز يكتب الكتاب دلوقتي علشان هو فجأة حس انه لوحده وحس أنى وجودي في البيت أني باروح أزور ندي بيضغط عليه هو دايما بيخاف من كلام الناس وهو عنده حق.. بس..
قاطعتها يارا: من غير بس... انتي عارفة انه عنده حق... يبقي تتصلي بيه دلوقتي و قوليله أنك موافقة.
أخذت هدي تفكر كثيرا في كلام يارا... مضت أيام وهي لا تفعل شيئا سوي انها تفكر... حتي عملها كانت لا تذهب اليه وتكتفي بمباشرة بعض التليفونات يوميا وبعد انقضاء عدة أيام اتصلت علي أحمد.
هدي: صباح الخير يا أحمد.
أحمد: حبيبتي صباح الخير.
هدي: نزلت الشغل و لا لسة.
أحمد: لا هاتحرك كمان ساعة.. انتي ايه مصحيكي بدري كده.
همست هدي بنبرة مرهقة: انا منمتش من امبارح
هتف أحمد بقلق: انتي كويسة؟ تعبانة او فيكي حاجة؟
قالت هدي بارتباك: أحمد انا فكرت وموافقة نكتب الكتاب زي ما انت عايز.. بس انا عندي شرط.
صاح أحمد بحدة: موافقة بشروط تبقي مش موافقة.
هدي: اسمعني بس الأول... انا موافقة نكتب الكتاب بس كمان 4 او 5 شهور مش الشهر الجاي.. وزي ما انت طلبت انا اتفقت مع ماما هتيجي تقعد معايا هنا من الأسبوع الجاي لحد ما نكتب الكتاب.
أحمد: موافق، وبعد كتب الكتاب هتيجي انتي تقعدي مع ندي هنا.. وانا هاقعد في شقتنا لحد ما نتجوز.
همست هدي باستسلام: حاضر
أحمد: بحبك.
هدي: وانا كمان بحبك
أنهي أحمد مكالمته مع هدي وشعر بارتياح شديد...فكان يخشى على هدي كثيرا... يعلم انها يمكنها التصرف في أي موقف... لكن شعوره بالمسؤولية تجاهها، جعله يريد حماياتها...يخشى عليها من تلك الصفة المسماة بالجدعنة.. في زمن لا يؤتمن فيه الناس حتى على شق تمره.
مضي على اليوم الذي اتفق فيه أحمد وهدي شهر... كانت هدي تنفذ ما طلبه أحمد في استكانة وخضوع فهي تسعي لإرضائه...
--------------------------------------------
في إحدى الأيام بعد ان عاد خالد من عمله وجد يارا تنتظره في المنزل على غير عادتها... فعادتا تعود الي المنزل بعد ان يعود هو بقرابة الساعة...
حين فتح خالد الباب ووجدها تجلس في انتظاره، اقترب منها بابتسامة لكنها كانت ممتزجة بالقلق: خير يا يويو ايه جابك البيت بدري.
يارا: خالد انا قريت خبر على الانترنت وبفكر فيه من الصبح.
عقد خالد حاجبيه ، وجلس إلي جوارها وقال وهو يخلع حذاءه: خير!!
يارا: تحب اننا نكفل طفل هنا في البيت؟؟
هتف خالد بنبرة مترددة: نتبنى طفل يعني؟
صاحت يارا في حماس: أه
صاح خالد بحدة: لا يا يارا..... لو عايزة ممكن نكفل طفل وهو في دار ايتام.. نتكفل بمصاريفه مفيش مشكلة... لكن هنا في البيت لا.
ظهرت علامات الحزن على محيا يارا وهمست: ليه؟ تبقي فرصة لينا انا وانت نبقي أب وأم وفرصة لطفل انه يلاقي بيت وأسرة وعيلة.
ابتسم خالد لبراءتها وقال: طيب ومفكرتيش الطفل ده لما يكبر و يعرف اننا مش ابوه وامه الحقيقين هيتصدم ازاي... نفسيته هتبقي عاملة ايه؟ مش هيسأل لما يلاقي كل أصحابه في المدرسة شايلين اسم ابوهم وهو لا ومش فاهم ليه... وساعتها هيكون صغير ومش هتعرفي تفهميه الحقيقة و مش هتفضلي تعيشي طفل في كدبة كبيرة هيصحي منها على صدمة عمره ما هيتخطاها.
فرت دمعة على خد يارا وهمست: بس هيكون ليه أسرة وعيلة وأب بيخاف عليه وأم تربيه.. مش هيلاقي كده في دار الايتام.
خالد: بالعكس.. في دور كتير بتعلم وتربي الأطفال دي كويس وبيكون في دكاترة متخصصة بتعرف تتعامل مع حالتهم النفسية وانهم يطلعوا اسوياء نفسيا.
هتفت يارا في استسلام: خلاص اللي تشوفوا.
ضمها خالد إلى صدره وهمس: انا في حاجة ف دماغي دلوقتي بفكر فيها و بأدرس كل جوانبها و لو ظبطت هتكون حل لمشاكلنا.
رفعت يارا رأسها عن صدره ونظرت إليه: ايه هي؟
خالد: مش عاوز اقولك دلوقتي علشان متتحمسيش وتزعلي لو مظبطيتش.. اديني وقتي اظبط الأمور واقولك.
صمتت يارا لكن الفضول كان يقتلها كالقطة.. لكنها اثرت الانتظار على ان تحزن كما أخبرها خالد.
------------------------------------------
وكعادة لقائتهم الأسبوعية... استطاع علي أن ينجح في أقناع أحمد أن يأتي ... لكن من كان غائبا منذ تلك المرة هو أدم... لم يستطع أن يواجه أحمد وجها لوجه... ففضل العزلة.
ما أن جلسا حتى هتف خالد: هو في ايه يا جماعة دي رابع مرة نتقابل وأدم ميجيش.
امتعضت ملامح أحمد دون ان يتفوه بكلمة، لكن الضيق كان جليا على محياه..
لاحظ خالد الوجوم على وجه أحمد فصاح: هو في ايه يا أحمد؟ هو أدم زعلك في حاجة؟
قال أحمد بحدة: هو مبيجيش علشان مش قادر يوريني وشه.
عقد خالد حاجبيه وقال: ليه هو ايه حصل؟
برغم الصمت والحزن الذي خيم على علي الا أنه حاول تدارك الأمر وقال: خلاص يا خالد مش وقته.
خالد: أخيرا نطقت يا علي.. ده انا قربت انسي صوتك، دايما قاعد ساكت و مبتتكلمش مش زي عوايدك.
علي: مليش نفس أتكلم.
نظر أحمد إلي الحزن المطل من عين علي وهتف: كلمها يا علي طالما انت تعبان من غيرها كده.
همس علي بكلمات يملؤها الألم: حاولت أكلمها كتير عاملالي بلوك في كل مكان ممكن اوصلها منه... حتى الشغل سابته... كلمتها من تليفون أدم مرديتش.. جبت رقم تليفون جديد وكلمتها منه برضه مبتردش مش عارف اوصلها... انا بقيت بامشي ادور عليها في وشوش الناس.. باروح كل مكان علي أمل إني اشوفها.
أحمد: وسيبتها ليه من الأساس لو انت بتحبها كل الحب ده.
علي: كنت فاكر أنى هاكون عادي.. زي أي واحدة عرفتها قبل كده شوية وزهقت منها وسيبتها.. كنت مفكر أنى هاتوجع يومين تلاته وبعدين خلاص بس كل ما الوقت بيعدي الوجع بيزيد مش بيقل... انا اه عرفت بنات كتير اوي.. بس محبتش غير سارة.
خالد: خلاص ملوش لازمة الكلام ده دلوقتي يا علي ركز في حياتك وشغلك ومستقبلك ولو ليكوا نصيب تكونوا لبعض اكيد هتكونوا لبعض.
حرك علي رأسه بألم: انا مش قادر اصدق إني انا اللي ضيعتها من ايدي..
ربت أحمد على كفه الموضوعة على الطاولة: هون على نفسك يا صاحبي كل شيء قسمة ونصيب.
رثا أحمد وخالد حال علي الذي تحول من شخص منطلق محبا للحياة إلي شخص حزين لا يتحدث كثيرا ويهمل نفسه ومستقبل.
انه الحب.... قادر ان يغيرك 180 درجة.. يجعلك منك انسان أخر... سواء كنا مع من نحب او افترقنا.. فالحب يؤثر علينا يغير فينا دون ان نعي ذلك.
وبالرغم من الألم الذي حمله علي بداخله لم يستطع ان يترك المسافة والبعد يزداد بين أدم وأحمد أكتر من ذلك فقرر ان يتدخل... امسك بهاتفه واتصل بأدم.
صاح علي في أدم بحدة ما ان أجاب على الهاتف: أدم انت مجيتش امبارح ليه؟ و متقوليش الحجج بتاعتك الفارغة دي.
قال أدم بخزي: انا عارف ان أحمد لسة مش متقبل وجودى.
علي: كلمه يا أدم واشرحله الموقف واقفل معاه الموضوع ده.
ابتلع أدم ريقة وقال بنبرة منخفضة: انا فكرت في الموضوع كتير... انا عاوز اتجوز ندي.
صاح علي: أدم انت اتجننت؟
قال أدم بنبرة هادئة: لا انا عقلت... فكرت بعقلي قبل قلبي و ده اللي كان لازم اعمله من زمان... هي انسب واحدة اتجوزها... هي بنت جميلة وانا معجب بيها وبشخصيتها.. وحاسس اننا شخصياتنا متوافقة مع بعض.. متربية كويس وانا عارف تربيتها وأهلها واخوها يبقي صاحبي يعني ملاقيش أحسن منها أأمنها على بيتي و تبقي أم اولادي.. ولو على المشاعر اعتقد ان الاعجاب متبادل... والحب اللي بييجي بالعشرة اقوي بكتييير.
علي: ده قرار كبير ومش سهل ممكن يخسرك أحمد للأبد.
أدم: انا هاتكلم معاه واشوف رد فعله.
همس علي بنبرة حائرة: طيب وليلي؟
أدم: انا الفترة اللي فاتت دي كلها انا قعدت مع نفسي وفكرت... انا محبتش ليلي بجد.. كان حب مراهقة... كل السنين دي انا عيشت نفسي في وهم ان لو لقيت ليلي هاتكون بينا قصة الحب اللي محدش عاشها ولا في الروايات..... وحتى بعد ما قابلتها تاني كنت عايش مع الصورة اللي في خيالي مش الحقيقة... لكن لما قعدت مع نفسي وفكرت... انا وهي طبعنا مختلفة تماما.. مش هاعرف أعيش معاها.... مكنتش هاقبل بتصرفاتها المتهورة... انا وهي مش شبه بعض وحتى عائلتنا مش شبه بعض.
هتف علي بارتباك: بس يعني... ندي أصغر منك بكتيير يا أدم.
كانت نبرة أدم هادئة وكأن قراره جاء بعد وقت طويل من التفكير: عادي في ناس بتتجوز وفرق السن بينهم 20 و 25 سنة كمان... بعدين هي مش طفلة يعني.
علي: طالما انت متأكد من قرارك اعمل اللي يريحك.
أنهي علي مكالمته مع أدم وهو داعيا له بأن يرزقه الله بما هو خير له.. لكنه في داخله كان متخوف من رد فعل أحمد.
وبعد أيام قليله أخذ أدم الخطوة و قرر الاتصال بأحمد .
أجاب أحمد بنبرة هادئة برغم الغضب الذي بداخله من ناحية أدم: ألو
أدم: انا كنت خايف متردش عليا.. ازيك يا احمد واحشني.
أحمد باقتضاب: الحمد لله.
أدم: انا كنت عاوز اقعد أتكلم معاك شوية.. عاوزك في موضوع مهم... ينفع اجيلك البيت.
صاح ٍأحمد: البيت لا.... قابلي على القهوة كمان ساعة.
أدم: هو الكلام اللي هاقولهولك مينفعش يتقال على قهوة... محتاجين مكان اهدي شوية... طيب نخليها في الكافية اللي كنا بنروحه؟
أحمد: ماشي ساعة و هاكون هناك.
أنهي أدم مكالمته مع أحمد واستعد للقاء وقلبه وجل من رد فعل أحمد على ما سيقوله.. كان قلبه يدق كقرع الطبول حين وصل إلي مكان اللقاء... استقر في قرارة نفسه انه سيتقبل أي فعل من أحمد.. لكنه لن يسأم من المحاولة.
ارتشف أدم من كوب الماء أمامه، ثم همس بنبرة هادئة برغم الخزي الواضح على محياه: أحمد انا عارف أنك زعلان مني.. وعارف ان بقالنا فترة متكلمناش و ده غلط.. كان المفروض أنى اكلمك و اشرحلك وافهمك ان اللي حصل يوم وفاة والدتك مكنش اكتر من تصرف أخوي و كان حض.... صمت أدم وتنهد، ثم أردف: انا يومها مكنش في نيتي أي حاجة وحشة و انا بس اتخضيت من الموقف و مأحسنتش التصرف لأني اتصرفت بعفوية.... انا أسف.
لمعت شرارة عنف في أحمد وقال بحدة: انا أمنتكوا على بيتي وأختي... مكنش ده المتوقع انه يحصل ومنك أنت.
اخفض أدم رأسه وقال: انا عارف..... وانت ليك كل الحق و اللي يراضيك هاعمله.
أحمد: انا كفاية عليا إنك جيت واعترفت بغلطك.... بس سامحني انت مش هاتشوف ندي تاني.
ابتلع أدم ريقه عدة مرات ثم قال وهو مخفض الرأس: ما دي الحاجة التانية اللي عايز اكلمك فيها.
أحمد في عدم فهم: أيه؟؟؟
حاول أدم ان يخرج الكلمات من فاه، لكنها خرجت بصعوبة بالغة و صوت متهدج: انا عايز اتجوز ندي.
صمت أحمد من صدمة ما سمع من أدم وبدأت علامات الغضب ترسم على وجهه فصاح و هو يضغط على اسنانه ويحاول ان يتمالك اعصابه: في ايه يا أدم بينك وبين أختي؟؟
حاول أدم أن يمتص غضب أحمد وقال بنبرة هادئة رزينة: والله العظيم مفيش حاجة و لا عمر كان في حاجة.. انا أكن لها كل الحب والاحترام.
صاح أحمد بعد أن فقد السيطرة على غضبه وقال بتهكم: انت بتستغفلني!!!! تقولي عفوية وأخوي... و عايز تتجوزها؟؟ ازاي يعني! انت جاي تصلح غلطتك؟ ولا فاكرني تلميذ
قال أدم بنبرة هادئة: اهدي بس يا أحمد... هو انا لو نيتي وحشة هاجي اطلبها منك؟ انا اول ما حسيت ان في مشاعر ناحيتها جيت و اتكلمت معاك و باطلبها منك رسمي اهو.. انا مش عايز اصاحبها انا عايز اتجوزها على سنة الله ورسوله.
اشاح أحمد بوجهه عنه وقال بحدة: وانا معنديش اخوات للجواز.
ثم حمل أحمد مفاتيحه وانصرف دون ان ينتظر ردا او كلمة أخري من أدم... فربما لو تفوه أدم بكلمة أخري او سمع اسم أخته من بين شفاهه للكمه في وجهه لكمة تنسيه أسمه...
--------------------------------------
مضي أسبوعين وحالة علي تزداد سوء أثر بعده عن سارة... هي الأخرى لم تكن في أحسن حالاتها.. فألم اشتياقها له وبعده عنها كانا كالنار التي تأكل في قلبها.. وهو الأخر بدأ الاكتئاب يسيطر عليه مما جعل اصدقاؤه يصممون ان يخرجونه من هذه الحالة ... واولهم كان أحمد... الذي ذهب إليه في منزله الذي لازمه طوال مدة الأسبوعين الماضيين.
جلس علي أمام أحمد بحاللة يرثي لها، شعر أشعث، ذقن نامية، وملابس غير مهندمة، هتف أحمد: انت مش هينفع اللي بتعمله في نفسك ده... انت بقالك أسبوعين منزلتش الشركة... متعرفش حاجة عن الشغل.
بالكاد استطاع علي أن يفتح فمه وتكلم: معلش يا أحمد مش قادر انزل.
أحمد: الشغل مفيهوش معلش... انت لازم تفوق لنفسك... ليه بيتك مبهدل كده... وايه دقنك دي قوم احلقها و خد دش وتعالي ننزل نشوف شغلنا... الناس بتسأل عليك وانا مش قادر على الشغل ده كله لوحدي.
همس علي بنبرة كسيرة: انا فعلا مش قادر.
أحمد: تعالي على نفسك وانزل و انا معاك.. في ميتنج مهم لازم تحضره واخر الشهر المفروض نسافر دبي علشان نقفل الديل.
علي: انا هانزل معاك حاضر بس اعفيني من السفر.
قال أحمد بحزم: مش هينفع اسافر من غيرك... الناس دي تعرفك انت و بيشتغلوا معانا علشانك و علشان واثقين فيك...اما اسافر انا لوحدي دي تعتبر اهانه ليهم.... وانت عارف الشركة دي مهمة بالنسبالنا قد ايه.... دي من أكبر الشركات اللي بنتعامل معاهم.
علي: طيب هاجي معاك دلوقتي ونشوف موضوع السفر بعدين.
أمسك أحمد بمعصمه وقال: انت مش بس صاحبي... انت عارف اننا اخوات ... انا يعز عليا اشوفك بالمنظر ده، ركز في مستقبلك يا علي.... لو كل واحد وقف حياته علشان بعد عن اللي بيحبها مكنش بقي حد فينا واقف على رجله.
همس علي بنبرة منكسرة والدموع تترقرق في مقلتيه: وحشتني اوي...نفسي اشوفها...انت مش متخيل صعب عليا قد ايه ابعد عنها... انا كنت غلطان.. مكنتش بفكر... صمت للحظات ثم أردف: مكنتش عارف أنى بحبها كده...هي اكيد بتكرهني دلوقتي..
أحمد: خلاص يا علي اللي حصل حصل... خلينا في النهاردة.
تنهد علي باستسلام وهمس: حاضر.
أحمد: يلا قوم خد دوش واجهز علشان ننزل.... ألبس أحسن حاجة عندك مش عايز الناس تشوفك في الحالة دي.
رضخ علي لطلبات أحمد واستعد واتجه معه نحو الشركة وبينما هم في سيارة أحمد.... كسر أحمد الصمت وقال
أحمد: أدم كلمني من فترة، قالك؟
علي: اه قالي.
أحمد: قالك انه طلب يتجوز ندي؟
نظر له علي بطرف عينه وقال: وانت رفضت ليه؟
أحمد: علشان أدم متسرع... هو بيحب ليلي.. هو ممكن يكون عايز يتجوز ندي علشان حاسس بالذنب انه ضايقني مثلا او انه عايز ينسي ليلي بيها.... وانا اللي يتجوز اختي لازم يبقي عايزها هي مش عايز ينسي بيها واحدة تانيه.
علي: بس انا اتكلمت معاه وفعلا ليلي مش على باله خالص.. هو قفل الموضوع ده من فترة.
تنهد أحمد وقال وهو يضغط على مقود السيارة: أنت عارف لو أدم كان طلب مني يتجوزها قبل ما يقابل ليلي كنت هوافق من غير تردد..... بس دي اختي الوحيدة وانا دلوقتي كل حاجة ليها في الدنيا.
علي: أدم مش عايز يعمل حاجة من وراك او تضايقك.. وانت ممكن توافق على خطوبة فترة كده لحد اما تتأكد انهم فعلا عايزين يكملوا.
أحمد: ولو الخطوبة فشلت؟ ابقي خسرت صحابي! ما هي هتبقي كده، يا انا اخسركوا يا هو يخسركوا علشان مش هينفع نتجمع تاني كلنا زي الأول... واحد فينا هيضطر يبعد.
علي: وانت بتفكر في ايه؟
أحمد: انا عايز اتأكد انه فعلا عايز ندي وان ليلي ملهاش وجود في قلبه خلاص.
علي: وتتأكد من ده ازاي؟
أحمد: معرفش... محتاج تفكير كتير.
وما هي الا دقائق حتى رن هاتف أحمد معلنا وجود رسالة نصية ... كانت من أدم
" انا مش هيأس لحد اما توافق، فكر تاني "
زفر أحمد في ضيق واعطي الهاتف لعلي الذي قرأ الرسالة وانفجر ضاحكا.
هتف علي من بين ضحكاته: حرام عليا الواد شكله عاوز يتجوزها بجد.
أحمد: ده مجنون.. دي تالت مرة يبعتلي و أرد عليه ب "لا" برضه.
علي: فكر تاني و خد رأي ندي... لو بيحبها بجد جوزهم يا أحمد وتبقي اطمنت على اختك.
أحمد: ربنا يسهل.
-------------------------------------
اما في منزل خالد.. كان خالد يشعر بالسعادة العارمة ويحمل مفاجأة غير متوقعة ليارا.
جلست يارا أمامه تري علامات السعادة مرتسمة على محياه، ثم قالت برجاء: قول بقي يا خالد ايه المفاجأة بقالك 3 أيام مش راضي تقولي.
هتف خالد مشاكسا اياها: استني شوية طيب
تدللت يارا عليه أكثر وهمست بدلال: وحياتي قووول بقي.
تنهد خالد باستسلام : بصي يا ستي.. انا الفترة اللي فاتت دي كلها منسيتش موضوع الأطفال... روحت وكشفت عند أكبر الدكاترة... و في دكتور منهم قالي ان في عملية ممكن تتعمل ليا وبعديها ممكن نعمل حقن مجهري و يبقي عندنا أطفال بإذن الله.. بس العملية بتاعتي دي مفيش حد في مصر شاطر فيها اوي.. فهو رشحلي دكتور كويس بس في ألمانيا.... وانا اتواصلت معاه و بعتله كل التقارير و الاشعة و وافق انه يعمل العميلة و الحقن المجهري وحجزت عنده بس هو عنده حالات كتير فا دورنا بعد 8 شهور.
كانت يارا تستمع لكلمات خالد والدمع ينسدل من عينيها من فرط فرحتها.
اقتربت منه يارا، ولمست ذراعه وهمست بحنان: خالد بس دي تكلفة عالية اوي هنجيب فلوس منين؟
خالد: انا هابيع الشاليه بتاع الساحل ولما ربنا يكرمنا ان شاء الله ممكن نبقي نشتري واحد تاني.
ضمته يارا في حنان: ان شاء الله يا حبيبي
خالد: بس جهزي نفسك اننا هنقعد في المانيا على الأقل 3-4 شهور .
هتفت يارا بقلق: حاضر.
خالد: انا شايف نظرة قلق في عينك...
يارا: انا بس قلقانة بعد كل ده ميحصلش اللي احنا عايزينه.
خالد: الدكتور الألماني طمني جداا وقالي ان نسبة نجاح العملية بيوصل ل 90% واهو ادينا بنسعي.
همست يارا بقلق : طيب والعملية دي خطيرة؟ لو فيها أي خطر عليك بلاش منها يا خالد.
ارتسمت ابتسامة على وجه خالد حاول ان يطمئن بها يارا ثم قال: الدكتور قالي مفيش منها خطر نهائي متخافيش.
يارا: ان شاء الله يا حبيبي ربنا يكتبلنا الخير
خالد: انا علشان قلقك ده مكنتش عايز اقولك.. بس الدكتور طالب أنك انتي كمان تعملي تحاليل واشعة و نبعتله نتيجتها.
ابتسمت يارا: انا مش قلقانه يا حبيبي طول ما احنا مع بعض.
ضمها خالد الي صدره وربت على ظهرها في حنان عسى يستطع ان يتغلب على قلقها.. لكنه كان قلقا هو الأخر.
----------------------------------------
مضي شهران والحال هو نفس الحال للأصدقاء الأربعة.
علي لايزال في حالة الاكتئاب.. يبحث عن سارة في كل مكان.... ولا يجدها
وأدم يحاول اقناع أحمد بكل الطرق ان يزوجه ندي.
خالد يجهز للسفر ويستعد للعملية.
أحمد، يستكمل تجهيزات شقته... ويهتم ب ندي وهدي .
طلب أدم ان يقابل علي قبل يأتي خالد وأحمد... ليطلب منه ان يتوسط له لدي الأخير ليتزوج من ندي...... جلس علي مع أدم في إحدى المطاعم التي اعتاد علي ان يلقي سارة فيها... كان يعلم انه مطعمها المفضوكانان يذهب إليه باستمرار لعله يصادفها هناك.
وبمجرد دخوله للمكان مسح بعينيه الموجودين بحثا عنها... حتى وقعت عينيه عليها تجلس في زاوية صغيرة مع صديقة لها... طلب من أدم ان ينتظره وذهب اليها.
اقترب من طاولتها وهمس بنبرة جريحة لكن يملأها الحنين: سارة ازيك؟
رفعت عينيها إليه ولم تجيب على سؤاله.
همس بانكسار: ممكن نتكلم من فضلك.
هتفت سارة بحدة: مفيش حاجة نتكلم فيها... امشي يا علي او هامشي أنا.
همس برجاء: اديني فرصة بس 5 دقايق مش أكتر.
شعرت صديقة سارة الجالسة بالحرج فاستأذنت على ان تعود بعد عدة دقائق.
اقترب علي منها وهمس بصوت يلمئه الشجن: انا اسف يا سارة... انا حاولت اكلمك كتير بس انتي عاملالي بلوك من كل مكان.. حتى تليفونات اصحابي كلهم كلمتك ومبترديش... حاولت اوصلك بكل الطرق معرفتش... كنت باروح كل مكان كنا بنتقابل فيه على أساس إني اقابلك.
نظرت إليه سارة بألم ثم اشاحت بوجهها عنه وقالت: وعايز تقابلني ليه؟ اعتقد انت اللي قلت أنك مش عايزني في حياتك مش انا.
همس علي بأسف: انا كنت غلطان... مكنتش فاهم... انا مش عارف أعيش من غيرك... انا حتى مش عارف ارجع زي ما كنت قبل ما اقابلك.. قولتلك قبل كده أنك غيرتيني... بس مكنتش اعرف انه لدرجة لما تبعدي عني حتى الهواء بيبقي احساسه مختلف.. من غيرك كنت حاسس أنى عايش من غير روح... انا يوم ما قابلتك كانت لحظة فارقة في حياتي.... في لحظات كده في حياتنا لما بتيجي عمرنا ما بنعرف نرجع لورا تاني.. و انا يوم ما شفتك حياتي اتغيرت... لما سيبتك حاولت ارجع تاني لحياتي قبلك بس معرفتش.. وجودك غير دنيتي كلها.
سقطت دمعة من عين سارة رغما عنها وهمست بحدة: انا بقي اللي اسفة يا علي .. انا مش لعبة في ايدك تحبني وقت ما انت عايز و تسيبني وقت ما انت عايز و تمشي وقت ما انت عايز و ترجع وقت ما انت عايز.. و اعتقد اني قولتلك قبل كده مش عايزة اشوفك حتي لو صدفة.
اقترب علي منها وامسك كفها بحنان: انا اسف بس انا مش هامشي... انا حاولت والله بس معرفتش... انا بحبك.
صاحت سارة بعصبية: انا مش لعبة في ايدك .. انا مش عايزة اعرفك تاني.... انا مبقيتش بحبك... انا في حياتي واحد تاني.
دفعته بعيدا عنها وهي تسحب يدها من كفه بعنف، فارتطم علي بالطاولة فانسكب العصير الذي امامها على قميصه ، ابتعد عنها بغضب بعد كلماتها الأخيرة التي نزلت كالخنجر في قلبه وانصرف مسرعا.
رأي أدم علي وهو ينصرف مسرعا.. فأسرع خلفه.... لحق به أدم وهو يهتف: استني بس يا علي انا هاجي معاك... متسوقش لوحدك وانت في الحالة دي.
كان علي يشعر وكأن قلبه كاد ان يخرج من بين ضلوعه من الألم... كان يعتصر قلبه الألم والحزن.... انطلق مسرعا بسيارته إلى غير هدي.... كان يقود السيارة بجنون... عسى ان يتخلل الهوا صدره فيقلل شعوره بالاختناق... كان يسرع بسيارته ولا يجول بخاطره سوي هل حقا سارة كرهته... هل لم تعد تحبه...أحقا قلبها ملك لرجل أخر.... فقدها إلى الأبد بخوفه و غباءه؟ ... كانت الأفكار تتسارع في ذهنه كما لو كانت في سباق.. جرحته سارة في مشاعره ورجولته.. إحساس الرفض قاتل لاسيما مما نحب... لكن.... اليس هو من بدأ ذلك الشعور حين اخبرها انه لا يريدها زوجة له.... لقد انتقمت منه أشد انتقام الا يكفيها شعوره القاتل ببعدها عنه تلك الشهور الماضية كانتقام.
كان علي شارد الذهن فلم يلحظ تلك السيارة القادمة امامه وهو يتجه نحوها بسرعة البرق و كلمات أدم المحذرة له من الخطر كانت كأنها أصوات تأتيه في خلفية رأسه لا معني لها، و ما هي الا ثوان معدودة و اصطدمت سيارة علي بتلك السيارة و حادت عن الطريق و دارت مرتين في الهواء قبل أن تستقر على الأرض منقلبة رأسا علي عقب

•تابع الفصل التالي "رواية تقاطع طرق " اضغط على اسم الرواية

تعليقات