Ads by Google X

رواية صرخات انثى الفصل المائة و السابع عشر 117 - بقلم ايه محمد رفعت

الصفحة الرئيسية

        رواية صرخات انثى الفصل المائة و السابع عشر 117 - بقلم ايه محمد رفعت

‏     ، شكرًا جزيلًا على دعمكم المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنكم..بحبكم في الله...قراءة ممتعة 💙)
لا يعلم متى وكيف أغلق الهاتف؟  ، كل ما يشعر به هو جحيم الألم الذي اعتصر قلبه بين قبضة من نار، جعلته يشعر بغليان يطغي عليه من الداخل، أنتكس كتفيه وتخلى عن شموخه، بينما يقبض بذراعيه على حواف الأريكة، يستمد كل قوته حتى لا يسقط أرضًا جوارها! 
ما له أخيه جل ما يفكر فيه هو أذية قلبه ومشاعره؟  لماذا يخضعه دومًا لمعادلة يزداد صعوبته كل مرةٍ عما سبقتها؟  ، ولكن تلك المرة ربما هو المستحيلة لحلها، وكيف سيجد حلًا لمشكلة مثلها، والطرف الأخر هو حق من حقوق الله عز وجل!  
رفع "علي" وجهه للأعلى، نازعًا نظارته بأصابع مرتشعة، يتطلع لسقف الجناح بخذلانٍ، بينما يعود ليحني رأسه معتصرًا دمعتين انسكبت من رماديتاه بمنتهى العجز. 
طالت جلسته لساعاتٍ، ومازال عقله شاردًا بمعركة الافكار التي تحاوطه، عقله ينتصر تارة، وقلبه تارة أخرى، ما عساه يفعل وبداخله عاطفة الأب تجاه صغيره، هل سيجلس هكذا وهو يعلم بأن فلذة كبده ستجلد بسواطٍ العادلة التي لن يتمكن من رشوتها؟!  
والأهم هل سيحتمل ألم الفراق!!  ،  وفجأة شعر بوجعٍ عاصف يحتل رأسه، وهو أعلم الناس بما يحدث له بتلك الحالة، من المؤكد بأن ضغط الدم قد إرتفع بسبب حالته، ومع ذلك نهض وهو يهتف بعزمٍ: 
_ديننا دين يسر مش عسر!! 
نهض يحمل الصغيرة الغافلة على أريكته المريحة، حملها وإتجه بها لجناحه الخاص، وضعها "علي" على الفراش، وأسرع لخزانته يلتقف أول سروال وقميصًا يقابلاه وعاد يحملها بين ذراعيه، قاصدًا قاعة القصر السفلية، حيث وجد زوجته تجلس مع زوجة أخيه، ومن أمامهما طاولة ضخمة تحوي حاسوب كلاهما، وعدد من الملفاتٍ بعدما شرعن بالعمل معًا، والمذهل أن كلتاهما أبهرت سكرتير "عُمران" الخاص، في إدارة الاجتماعات وحل بعض المعضلات التي لم يكن لها حلًا الا بوجوده، تعاونهما تساوى بوجوده. 
انتبهت كلتاهما لصوت حذاء متناغم، يقترب منهما، فإذا بعلي يقف قبالتهما، وعينيه تتوزعان عليهما بثباتٍ، وغموض أثارت ريبتهما، فإذا به يرنو منهما ببطءٍ قاتل، وإنحنى يضع الرضيعة بين يدي "فاطمة" التي تساءلت باستغرابٍ وهي تتفحص ساعة يدها: 
_رايح فين يا علي؟ 
تجاهل سؤالها وإتجه ليقف بنفس محله السابق، أمام كلتاهما، يطول صمته ونظراته تكشف غموض لغزًا طرأ بأعين كلاهما، فإذا بمايا تزدرد ريقها بتوترٍ: 
_هو إحنا متهمين في بلوة ولا أيه؟  نظراتك مريبة يا علي! 
تشكلت ابتسامة خبيثة على وجهه، بينما يتحرر لسانه بثباتٍ وتهدج موزون: 
_نظراتي كلها فخر بمواهبتكم، وبفكر جديًا أقدملكم في معهد التمثيل، لأنكم بجد أقنعتوني أن مفيش حاجة بالرغم من أني قاري توتر كل واحدة فيكم من على بعد مترين،  فبجد براڤو. 
جحظت عيني فاطمة صدمة، بينما لعقت مايا شفتيها، وهتفت ومازالت تدعي القوة: 
_قصدك أيه بكلامك ده؟ 
ردد برزانةٍ ونظراته تحتلها عاصفة نجح بكبتها، فلم تتغير حتى نبرته عن هدوئها: 
_أنا هتغاضى عن اللي حصل هنا النهاردة ده، لإن زي ما في حتة واكلها النار جوايا، في حتة تانية بتديكم مبرر للي عملتوه. 
وأضاف ومازال يطالعهما بثقةٍ: 
_بالنهاية انتِ مراته وهي تبقى أخته، وله حقوق عليكم زي ما ليكم عليه حقوق، فأنا في لحظة هدوئي الحالي بحترم الحقوق دي. 
وإنحنى صوبهما وبصوتٍ ثاقب، عميق قال: 
_زي ما أنا ليا حقوق بردو، المعادلة دلوقتي متساوية ما بين مراتي وأختي، ولا إنتِ عندك رأي تاني غير ده يا مايا؟ 
رمشت بعدم استيعاب لفهم تلك الشخصية المخيفة التي تلبست "علي"، علي الهادئ الشبيه بالملاك ذو الجناحين، يكسر قاعدتها الاساسية ويلقيها عرض الحائط، لقد أجزمت أن الشيطان سيخرج الإن ليصفق له، فلقد تفهمت مضمون حديثه الذي يبدو غير مفهومًا للوهلة الأولى، ترجمته هي وإختارت كفته التي وجدتها الرابحة، فاستمدت نفسًا ثقيلًا وردت بحزنٍ: 
_إنت كمان أخويا يا علي، فواجبك عليا لما تأمنلي في سر أحفظه زي ما فاطمة حفظت سر عُمران، فاطمن مش هقوله حاجة. 
هز رأسه بخفوتٍ، وانتصب بوقفته بشموخٍ غريب، وبينما يمضي خطوتين للخارج، عاد يقف كلتاهما ومازالت تتطلعان له بريبةٍ وخوف من هدوئه وحديثه الغير مبشر بالمرة، فعاد يرسم بسمة لم تصل لعينيه المظلمة، بينما يخبرهما باستمتاعٍ: 
_أنا كنت أقدر أكمل طريقي من غير ما أعرفكم بيه، بس مش حابب أكون خبيث زيكم وأخبي عنكم حاجة. 
تلاشت ابتسامته وغادر كالعاصفة، التي حددت للتو وجهتها، بينما تهدهد فاطمة الصغيرة ومازالت تتابع طريق رحيله بارتباكٍ، بينما تشير مايا باصبعها صوب باب الخروج وهي تهتف بصدمةٍ، جعلت حروفها مهتزة: 
_قصد يقولنا عشان يردها لعمران مش عشان  ميكنش خبيث زي ما بيقول. 
وأضافت وهي تصفق كفها بالاخر: 
_ده أبو الخبث والخبائث!  
استدارت صوب فاطمة فوجدتها تطالعها بصمتٍ، فهدرت متعصبة: 
_ميــن ده؟؟!
ضحكت وهي تجيبها ساخرة: 
_بابا علي!  
                            *********
انتهى من تهذيب لحيته، ونثر البرفيوم على ملابسه، التي أنتقائها "عُمران" له بعناية، بنطال جينز على قميصًا أبيض، يعلوه سترة بنية اللون وحذاء من نفس اللون. 
وقف "موسى" يتطلع لنفسه بانبهارٍ، وكأنه تحول بلمساتٍ بسيطة لشخص تعود أصوله للطبقة الآرستقراطية! 
استدار تجاه رفيق طفولته، يسأله ببسمة واسعة: 
_أيه رأيك يا صابر؟ 
تلألأ الدمع بعينيه وهو يجيبه، بتعابيره البسيطة: 
_برنس وعمهم ومعلم عليهم بالجامد كمان. 
قهقه "موسى" ضاحكًا، وطرق على كتف "عُمران" يشيد به: 
_البركة في مقص الخواجة، ده طلع فنان في مسكة المكنة والمقص. 
منحه عُمران ابتسامة هادئة، وقال يمازحه وهو ينحني يغلق سحاب حقيبته: 
_وأيش يفيد المقص لو الخلقة شبه مزلقان العتبة، ولا عشرين مقص هيأثروا، الرك على الأصل يا أسطى وإنت برنس من غير حاجة. 
برق جمال في ذهولٍ من نبرة عُمران الغريبة، بينما يصافحه موسى كفًا بالأخر، ويشاركه بالضحك، وقال مستنكرًا ما يرتديه: 
_بحاول أفهمك إني مش عامل حنة، دي قعدة صغيرة في شقة الأبلة للحريم، بردو مش مقتنع ومصمم تسنجفني. 
ردد جمال بصوتٍ مسموع: 
_تسنجفني!! 
ضحك صابر ورفع يده يحيه:
_لمواخذة يا بشمهندس، الاسطى ملافظه بعافية حبتين، بس أنا موجود أترجم، هو يقصد إنه موضبه زيادة عن اللزوم، الحكاية نهايتها قعدة نصاية مع الحتة الطرية، وبعد كده هيطلع من الجاكتة الحلوة دي للوسادة الخالية. 
تماسك لأقصى درجة وهو يرسم ابتسامة صغيرة، بينما انتهى عُمران من حزم أغراضه بعد أن قام بتنظيفها وتعقيمها، استأذن موسى للهبوط لشقة "صباح" حتى يطمئن أن تجهيزات الحفل البسيط قد تم بأدق التفاصيل، ولحق به صابر، ليبدل ثيابه بعد أن عدل له عُمران خصلات شعره وشاربه. 
سيطر بصعوبة على انفعالات وجهه، وهو يتخذ نظرات سريعة لجمال، الذي ملأت الغيرة مُقلتيه بطريقة يراها لمرته الأولى، ومع ذلك تصنع انشغاله التام بحزم باقي أغراضه، وترك نيرانه تشتعل حتى أضرمها أول فتيل قذفه تجاهه، حينما صاح: 
_مش حاسس إنك مزودها مع اللي إسمه موسى ده حبتين تلاته!  
ارتسمت ابتسامة على وجهه الغير واضح لجمال، وببراعة تنحنح متسائلًا باستغراب مستفز: 
_مزودها إزاي؟
كز على أسنانه وأخذ ينظم أنفاسه المنفعلة، فحظى بتجربة فاشلة، أطلقها بصراخه المتعصب: 
_عُمران متستهبلش! 
ترك ما يفعله، واستدار متلهفًا إليه، يتساءل بخوفٍ وبرود: 
_مالك يا حبيبي، حاسس بأي تعب؟  عندك حرارة طيب؟  تحب أخدك على أقرب مستوصف هنا ولا أحجزلك على أول طيارة نازلة القاهرة. 
وبجدية مضحكة استطرد وهو يربت على ظهره، كالذي يهدهد طفلًا صغيرًا: 
_أنا ميهمنيش غير راحتك يا حبيب قلبي، هو أنا يعني عندي كام عبحليم؟  ده الحيلة! 
دفع يده عن جسده، وتمرد بعدائية: 
_هو إنت بتكلم ابن أختك، أنا مش عيل! 
ثبتت رماديتاه تتأملانه في نظرةٍ تهكمية، لحق بقوله: 
_متقلقش الحجم ده عمره ما يتقلص لحجم طفل، عقل أمك اللي مضى على تذكرة رحيل من رأسك الغشيم. 
دمدم ساخرًا بسخطٍ وتحدٍ: 
_رحل على فين بقى إن شاء الله؟ 
يحاول استفزازه وله ذلك، فاذا به يبتسم وهو يجيبه: 
_إسأل أمك يا جيمي، معاك رقمها ولا أكلمهالك! 
ورفع الهاتف الباهظ، يقلب في محتوياته وهو يهمس بتفكيرٍ: 
_أنا هوفر عليك لفتك وهتصلك بشوشو تعقلك، مع أني أشك إنك صالح للعلاج، إنت محتاج صيانة وترابيس يا جيمي! 
سحب الهاتف يغلقه، وألقاه على الفراش الصغير بينما يخبره بشراسةٍ: 
_عُمران إنت مش شايف نفسك عامل إزاي مع اللي إسمه موسى ده، أنا جيت معاك المشوار ده، عشان حسيت إن أنا كمان في رقبتي دين له بعد اللي عمله معاك، بس حقيقي مش قابل بقربه منك بالشكل ده، واللي مضايقني أنه الوحيد اللي حسيته شبهك وأنت وقح ولسانك متبري منك! 
تنهد بضجرٍ، وأخذ يطقطق رقبته يسارًا ويمينًا، معيقًا وحشه الضاري عنه، تنفس بعمقٍ، بينما يحاول الاسترخاء عن تلك المسرحية المهزلية، وفجأة رسم ابتسامة زائفة، وفرق إحدى ذراعيه يناديه:
_تعالى يا جمال، تعالى الله يهديك يا حبيبي. 
بالرغم من عدم تقبله لطريقته، الا أنه دنى يقف مقابله، رافضًا الخضوع ليده، فكز عُمران على أسنانه غيظًا، وأخذ يجاهد لحل الأمر بهدوء، فهتف: 
_جمال أنا مش سبق وقولتلك إنك في مكانة صعب حد يوصلها، مهما صاحبت ومهما أتعرفت على أشخاص، أنا أصلًا مستغرب حالتك الغريبة دي، أنت عمرك ما كنن بالعقلاية دي أبدًا. 
وبجدية تامة سأله: 
_مالك يا جمال؟! إحكيلي في أيه مخليك مش طبيعي كده؟ 
برزت الدموع فجأة بعينيه، وذُبح صوته الذي خرج مبحوحًا: 
_مش متقبل أنك مندمج معاهم هنا بالمكان، خايف ترجع تفارقني من تاني، لإني أكتر حد عارفك وعارف إنك لم بتحب لمكان وبتحنله صعب تبعد عنه. 
واستطرد والدمع قد تحرر من مُقلتيه: 
_وأنا شبعت وجع في بعدك وفراقك، فمش مستعد أعيش نفس التجربة دي تاني يا عُمران! 
قطع عُمران مسافته الفاصلة، يضمه بقوة جسده القوي، بينما تدمعان رماديته بألمٍ، وكأنه يشعر بأنه سيفارقه لفترةٍ، فإختار هذا الوقت ليحررها!! مما جعل الاخير في حالة من الذهول والعجز عن حتى  تأكيد عدم رحيله، وبقائه بجواره. 
أستمد ثباته المهدور، وجعله منعكس بنظرة عينيه الواثقة، فأخذ يمازحه مبتسمًا: 
_وأنا يعني هسيبك وهروح فين يا جمال، أنت معايا أهو وجنبي، وحاجزين تذاكر الرجوع على بكره بليل، يعني ده يأكدلك إني معنديش نية أني أفضل هنا، والسؤال الأهم أيه اللي هيخليني أقعد هنا أصلًا! 
وأضاف بنفس وتيرته الواثقة: 
_جمال أنا عمري ما خلفت كلام اتنطق وخرج عني، قولتلك قبل كده أنك مش بس صاحبي أنت أخويا وعشرة عمري، فبلاش تنزل من علاقتنا بمقارنتك لأي علاقة صداقة بيني وبين حد تاني. 
زارته ابتسامة أرغمت عُمران على الضحك، مرددًا بمزحٍ: 
_مش سيفو سرنجة اللي مجنون بس،  الشلة كلها طلعت معاتيه! 
واستطرد وهو يلكزه مقهقهًا: 
_ده أنا مراتي نفسها معملتش عمايلك السودة دي! 
عاد وجهه الحزين يستقبل سعادة، وسرور، واطمئنان نجح الطاووس بزرعه داخله، فلم يبقى بداخله أي توتر وإرتباك لعلاقتهما. 
حمل حقيبته الصغيرة، يستخرج منها ملابسه، وشرع بتديلها، راقبه عُمران بحزنٍ شديد، وضيقًا من اضطراره للكذب، لا يعلم كيف سيقضي هذا العام دونه ودون زوجته وأخيه وعائلته بأكملها، المؤلم بالأمر أنه سيضطر لاخفاء محله مؤقتًا، لأنه يعلم بأنه بمجرد الكشف عن مكانه سيسافر له الشباب بأكملهم، هو أحق العلم بذلك.
شرد وشروده تعجب منه جمال الذي عاد يناديه بصوتٍ أعلى: 
_عُمران روحت فين، بقولك القميص ده حلو على البنطلون  ولا ألبس غيره؟ 
استدار إليه يتفحصه، وقال مبتسمًا: 
_عشت وشوفتك بتتطور وبقى عندك ذوق في اختيار اللبس زي البني آدمين! 
ضحك وسخر من حديثه: 
_ليه كنت بلف بشكير حولين وسطي!
رد مازحته بوقاحة:
_ لا كنت لابس سروال جدك المرحوم يا حليمو! 
احتقن وجهه غيظًا بينما يقهقه عُمران ضحكًا، حتى توقف يسأله باستغراب: 
_هو يوسف مختفي فين؟  من ساعة ما نزل يجيب اللاب والشنطة مشفتوش. 
أجابه وهو يغلق أزرار قميصه: 
_معرفش، هو اتصل بيا أنزل أخد منه اللاب وشنطتك، وقالي إنه هيرجع الكرڤان يريح شوية وهيغير هدومه ويجيلنا على بليل. 
سحب عُمران بنطاله الجينز يرتديه، بينما يخبره: 
_طيب اتصل عليه وشوفه. 
أومأ برأسه، وإلتقط هاتفه، يستخرج رقمه بينما يستكمل عُمران إرتداء ملابسه. 
                             ******
اضطر "يوسف" للصعود إليهم، بعد مكالمة "جمال"، جلس بينهم مهمومًا، وعينيه لا تفارق هاتفه، يراقبه من الحينٍ للاخر، بينما يتصنع بسمة مصطنعة لم تصل لمُقلتيه، وهو يراقب الشباب يتميلون أمامه على أنغام الموسيقى الشعبية، فقد خصص" صابر" و"حمص"وبعض شباب الحي، حفلًا بسيطًا لموسى فوق سطح منزله. 
كانوا يتمايلون رقصًا بالآت الحادة الصغيرة، وقد شاركهم عُمران الرقص بحرفيةٍ، وقد وقف "جمال" يصوره على هاتفه وسعادته قد وصلت لذورتها لسعادة عُمران البادية عليه، وهو يراقص "موسى" و"صابر"، وإتجه بكاميرا هاتفه ليلقط "يوسف"، فوجد التوتر والضيق يتشكلان على ملامحه. 
فصل مقطع الفيديو وجلس جواره، يسأله بقلق: 
_مالك يا يوسف؟  إنت بجد هدوئك ده مش طبيعي! 
أتجه بصره إلى عُمران، وقال بثباتٍ: 
_مفيش يا جمال، مش حاسس بس إني متأقلم على الاجواء هنا. 
واستطرد بهدوئه الرزين: 
_عمومًا كلها كام ساعة وهنمشي.. هانت. 
لم ينجح بإقناعه بحجته الواهية، مما دفعه لسؤاله من جديدٍ: 
_مش حاسس إن ده السبب، يوسف أنت مبتعرفش تكدب! 
ضم شفتيه معًا بقوةٍ كادت بأن تمزقهما، ثم دفع زفرة قوية، وصمته يطول حتى وجد ما قد يقنعه به،وسيجعله يكف عن أسئلته مرة أخرى: 
_مشكلة صغيرة بيني أنا وليلى بس اطمن هحلها لما أرجع إن شاء الله. 
إلى هنا ووضعت كافة الخطوط الحمراء من أمامه، فسلم رأيته وقال وهو يشد على فخذه: 
_هتتحل بأمر الله، ربنا يهدي سركم يارب. 
جامله بابتسامة لم تزور قلعة توتره وقلقه الكارثي، بينما عاد ببصره يتابع عُمران بحزنٍ وعتاب يحبسه داخله قدر ما تمكن! 
                                ********
بمنزل الشيخ مهران، وخاصة بالشقة الخاصة بآيوب. 
حملت" سدن" صينية المشروبات، وعاونتها شمس بحمل الحلوى وقالب الكعك، ورافقتها لغرفة الضيافة، حيث كان يجلس الشيخ "مهران" برفقة "مصطفى" و"آدهم"و"آيوب" الذي أصر أن يقضوا السهرة بأكملها برفقتهم. 
وما أن ولجت الفتيات، نهض كلاهما يحملان منهما الصواني، ووضعوها أعلى الطاولة، وجلست كلتاهما على أريكة متطرفة للشرفة. 
استغل "آدهم" انشغال أبيه بالحديث مع الشيخ مهران، ومال تجاه آيوب يسأله باهتمامٍ: 
_مالك يا آيوب، كل شوية بتسرح مع نفسك، ونظراتك لبابا غريبة، إنت فيك أيه؟ 
استدار إليه وقد خطف نظرة تجاه زوجته وأبيه، وحينما اتطمئن لانشغال الجميع بالحديث، قال: 
_حلمت حلم وحش أوي يا آدهم، مخلي قلبي وجعني ومش عارف هفاتح بابا مصطفى فيه ازاي؟ 
جمع جاكيت بذلته يغلقه، ونهض يشير له أن يتبعه للشرفة الخارجية، ففعل "آيوب" ولحق بأخيه، وقف قبالته وكلاهما يتكأن على سور الشرفة، وسؤال آدهم يطرح بفضولٍ: 
_لو وحش متحكيش عنه حاجة، بس قولي حلمت بمين؟ 
شرخ الألم فيروزته بوضوحٍ، انتقل لبحة صوته: 
_شوفت ست غريبة، متكفنة ومش باين منها غير وشها، ملامحها مش واضحة أوي، بس أنا حسيت أني لو قربت هعرف أشوفها كويس، كانت بتمد إيدها نحيتي وبتقولي إنها زعلانه مني لإني مبسألش عليها! 
عقد حاجبيه بذهولٍ: 
_وإنت تعرف مين دي؟ 
ببسمة وجع قال: 
_لما فسرت الحلم لنفسي خمنت إنها تكون أمي الحقيقية، أنا فعلًا مفكرتش ولا مرة أسأل عنها ولا عن مكان قبرها. 
وأضاف وقد استدار يتطلع للاريكة المقابلة إليهما، عينيه تنتقل بين والديه بحزن تام: 
_الشيخ مهران لما عرف الحقيقة مبطلش يزور قبر ابنه الحقيقي، وأنا مفكرتش في مرة أني أحاول أعرف حاجه عنها! 
ترك آدهم كوب العصير من يده، وقال بعقلانيةٍ: 
_اللي حصل معاك مكنش سهل يا آيوب، فأكيد مكنتش هتجمع كل الخيوط بالبساطة دي، وبعدين إحمد ربنا إنك قدرت تتخطى الحالة اللي أتحطيت فيها، ولو على والدتك فببساطة تقدر تعرف من بابا مكان قبرها. 
وأشار له وهو يهم أن يتخطاه: 
_أنا هتكلم معاه وهعرفلك منه مكانها، وهاخدك بنفسي لهناك. 
تشبث به آيوب، هاتفًا: 
_مش قدام الشيخ مهران، أنا هبقى أعدي عليه بكره بالبيت أحسن. 
ربت آدهم على كتفه وهو يضمه إليه بحنان: 
_بيتك وتنوره في أي وقت يا حبيبي. 
ومازحه مبتسمًا: 
_وبعدين روق كده وعيشلك يومين، ده إنت لسه عريس يا عريس! 
سحب كوبه يتجرعه بينما يهدر، ساخطًا: 
_عريس!!  طول ما أنت مش مجرب قلبة الضمائر عمرك ما هتحس بأخوك. 
كاد أن يشاكسه، ولكن قد سرى مفعول حسد آيوب أسرع، حينما اقتربت منهما سدن بطبقي من الحلوى، تمد إحداهما لادهم قائلة بلطف: 
_إنت مش كلتي جاتو ليه آدهم؟! 
منح آيوب نظرة جعلته يرتعد محله، فحمل الطبقين ودفعها بكتفه برفقٍ للداخل كأنه يحميها من أصعدة نيران التنين قبل أن يبصقها تجاهها، قائلًا بخوف: 
_روحي قدمي للشيخ مهران وبابا مصطفى، بدل ما نأكله في القبر على روحك أن شاء الله! 
رفضت الانصياع إليه ورددت بصدمة: 
_قبر!  إنتي عاوز سدن تموتي آيوب! 
اندهش مما تخبره به في وقتٍ كذلك، وصاح مستنكرًا: 
_ده اللي لقطته من الجملة؟ 
ربعت يديها أمام صدره بغضبٍ، وصاحت فيه: 
_إنتي عاوز سدن تموت وهي لسه عروسة، إنتي عاوز تتجوز على سدن صح!! 
وقبل أن ينطق بكلمة، أشارت لآدهم تحتمي به قائلة: 
_آدهم Your brother wants to betray me
(أخوك عاوز يغدر بيا)  ، خديني للمسجد أنا عاوز يعمل انفصال، هتساعديني؟ 
انطلقت ضحكات شمس تجلجل من خلفهما، وبصعوبة نطقت لزوجها: 
_ما ترد يا سيادة المقدم، هتساعديها ولا هتتخلي عنها؟ 
همس آيوب لها بتوسلٍ: 
_هدي النار متشعلهاش يا شمس، هي عندها مشكلة بسيطة وحلها بسيط بإذن واحد أحد. 
زوت سدن حاجبيها مستنكرة جملته، وهتفت: 
_أنا بقى مشكلة بالنسبالك آيوب!!  أنتي شكلك عندك أجنبية تاني وعاوز يتجوز على سدن وهو عروس، بس ده مش يحصل أبدًا أبدًا على جثتي، سامعة آيوب! 
وقبل أن يستوعب ثلاثتهم ما تقول، استطردت بكل شجاعه: 
_بصي أنا أحترم كل الدين الاسلامي، بس مش أحب إنك تتجوزي واحد وواحد وواحد يعني تلاتة، صدقني آيوب لو عملتيها سدن مش هتحتاج تجيب حد وتديها money عشان تقتلك، سدن هيقتلك آيوب وكل واحد تتجوزيه هتأخد قصاده قتلة، يعني سدن هتموتك تلات مرات قصاد تلات واحدات تتجوزيه. 
سقط آدهم ضاحكًا ولجواره تميل شمس فوق ذراعه من شدة الضحك، بينما يبرق آيوب إليها منصدمًا، وقد جعلته الصدمة لا يعرف كيف يبتسم، بل مال على ذراع أخيه الآخر ووقال بخوف: 
_خدني معاك يا آدهم، أخوك هيتجذل تلات جذل!! 
صرخت سدن بجنون ورددت بطريقة شعبية أسقطت الثلاثة ضحكًا: 
_يعني إنتي ناوية يتجوز فعلًا، يا خيب بختك سدن، أنا عرف ليه الحاج ركيا تقول ليكي كده،  إنتي عبيطة آيوب!!! 
                              *****
توقفت سيارته أخيرًا، وبالرغم من هدوء سرعتها حد التوقف إلى أن سرعة نبضات قلبه كانت بصراعٍ أقوى من حركة سيارته، أرخى جسده لمقعده يهدأ من ذاته بتمارينه النفسية، عساه يستمد ثباته لتنفيذ تلك الخطوة. 
البرودة تكتسح جسده، بالرغم من الحرارة المحتبسة داخله، القرار الحسمي يقع على بعد خطوات منه، سحب "علي" نفسًا عميقًا تغلغل داخله فأنعشه قليلًا، وبكل شجاعة قتل توتره وارتباكه، وهبط عاقدًا عزمه على الدخول للمبنى المحاط أمامه، الحامل لافتة ضخمة، زخرفت ببهاء وعظمة «دار الإفتــــاء المصـــريـة!» 
                        *******
الليل إزداد بسواده المخيف، وقد سكنه هدوءًا تامًا، وغفوة الأغلب بينما ظل هو مستيقظ أعلى فراشه، يتطلع لجمال الذي يغفو جواره على الفراش الصغير، فسحب الغطاء يداثره به وابتسامته تتمرد لاصراره على البقاء رفقته، ورفضه النوم برفقة يوسف، غيرته التي يراها لأول مرة أضحكته بشدةٍ. 
نهض عن الفراش بعدما تفحص الوقت بهاتفه، وإتجه لحقيبته، يسحب سجادته ومصحفه الشريف، ويخرج لبقعته بسطح "موسى"، التي كان يخصصها سابقًا لقيام الليل، أثناء تواجده هنا، افترش سجادته ووقف يؤدي صلاته بخشوعٍ تام، حتى مر عليه ساعة كاملة، أدى بها ستة ركعات، وجلس يستريح قليلًا قبل أن يستأنف. 
قرأ ما تيسر من القرآن، وحينما انتهى سحب هاتفه وبحنينٍ غريب فتح محادثته الخاصة بينه وبين أخيه، كتب رسالة نصها
 «صباح الخير يا علي، غريب إنك مكلمتنيش امبارح خالص، إنت كويس؟  » 
انتظر أن يجيبه، ولكنه لم يرى أي إشعارًا يؤكد له بأنه نشط، ففتح محادثة زوجته، وجد حسابها نشط، فراسلها
«حبيب قلبي خالف شراكته مع النوم وبقى بيسهر زي زمان، ده تجديد نشاط بعد رجوعك للشغل، ولا مفتقداني ومش قادرة على بعدي يا بيبي!» 
كانت تتحدث مع" فاطمة"،  حينما استقبل هاتفها رسالته،  حيث كانت تخبرها بعدم عودة "علي" إلى الإن، حتى أنه لا يجيبها على مكالماتها. 
أزاحت "مايا" دموعها المنهمرة، ودونت له تمازحه حتى لا يشعر بشيءٍ، فلن يتركها الا حين يعلم ما بها، وحينها ستُنكث وعدها الذي منحته إلى علي
«أكيد مفتقداك طبعًا وكل حاجة، بس للاسف مديري وسكرتيرته ناس مفترية، سرقوا النوم والسكينة والراحة مني، بس اللي مطمني إن اللي بيجي عليا عمره ما بيربح ولا بيكسب يا بشمهندس!» 
ضحك من قلبه على جملتها، وهو يتخيلها تردده قبالتها بوجهها المحمر غضبًا، فرفع الهاتف وسجل مقطع صوتيًا لها
«حبيبي الشرس، الواثق من نفسه يا نـــاس، أنت من أمته بيهمك مدير ولا غيره، دي شكليات بالنسبالك ، وده طبعًا راجع لسبب واحد إنك تربية إيد البشمهندس "عُمران سالم الغرباوي"، وكل ما تحسي إنك أُحبطتي، وتعبتي إفتكري إنتِ مرات مين؟ 
 طاقتك، وبطاريتك هتتشحن فوري يا بيبي!» 
أرسله لها، وانتظر أن تراسله بمقطع صوتي لها، ولكنه وجدها تدون كتابيًا
«إنت المفروض يسحبوا كلمة الغرور من شمائل المعاني ويقدموها ليك يا عُمران!» 
كتب لها ضاحكًا
«وإنتِ عندك شك إنها تليق لغيري يا حبيب قلبه!» 
اتبع بسمتها سيلًا من الدموع، مسحتها ودونت له
«عشرة في المية من الغرور ده وهقضي على غرور فريدة هانم، وهفقع مرارات ناس كتيرة أولهم إنت يا بشمهندس!» 
سجل مقطعًا صوتيًا لها 
«على إساس إنك ملكة التواضع في العالم، إنتِ بتتشقي بالكلام على مين يا بيبي؟   مش قولتلك من شوية إنك تربية إيديا!!   أممم يمكن مش فاهمة الحتة دي، وعشان أنا حنين وقلبي من دهب هبسطهالك، ريحتك فايحة ليا في كل مكان يا بيبي، فمش محتاجة تتخابثي، عشان مفيش حد عاقل بيتخابث على جوزه!!!» 
 اتسعت ابتسامتها ويدها تزيح دموعها النازفة، استغرقت وقتًا لتكتب له
«اللي تشوفه يا حبيبي!» 
ابتسم ودون لها
«حبيبة حبيبك، وعمره ودنيته كلها»
وأضاف مدونًا
«هـــا إحكيلي عملتي أيه النهاردة، وقدرتي تخلصي أي ملف من اللي فاطيما ادتهولك» 
توقع أن تسجل له ريكورد تقص فيه عن يومها، لما يحمل من تفاصيلٍ كبيرة، ولكنه وجدها تدون له لقرابة العشرة دقائق، وهي التي تسئم من الكتابة على الهاتف طويلًا، تجاهل رسالتها المدونة التي تقص فيه عن عملها برفقة فاطمة، وكتب لها بشكلٍ وترها
«مالك يا مايا؟  من أول المكالمة بتكتبي ومسجلتيش ولا مرة، سمعيني صوتك حالًا» 
ارتعبت حينما وجدته يهاتفها مكالمة فيديو، حتى من شدة إرتباكها سقط الهاتف من يدها، ورددت بصدمة ورعب: 
_هعمل أيه دلوقتي، لو شاف وشي أو سمع صوتي هيتأكد إن في حاجه، هعمل أيه؟ 
جابت الجناح ذهابًا وإيابًا، بينما يعود الهاتف للرنين مجددًا، وإتبعه رسالة صوتية، فتحتها بأصابع مرتشعة، فوجدته يأمرها بضيقٍ وقلق
«مايا إفتحي أم الزفت ده حالًا، متجننيش إفتحي!» 
ابتلعت ريقها بصعوبة، فسحبت حجابها وهرولت خارج الجناح بينما تكتب له
«أيه كل ده، أنا قاعدة مع فاطمة تحت، مكسوفة أسجلك قدامها!» 
كتب لها بعدم اقتناع
«مع فاطمة في التوقيت ده!» 
كتبت له وقد تمكنت من طرق باب جناح فاطمة 
«مش قولتلك من أول المكالمة إن ربنا كرمني بمدير وسكرتيرة قلبهم جاحدين!» 
كتب لها
«عايز أطمن عليكي، سجلي أي كلمة معنديش مشكلة من وجود فاطمة» 
تعجبت فاطمة من رؤيتها لمايا قبالتها، كانت تحدثها منذ قليل، ولم تخبرها بقدومها لجناحها، فسألتها بخوف: 
_عرفتي حاجة يا مايا؟ 
قالت بتلعثم وخوف؛ 
_عُمران شاكك فيا، قولتله إني قاعدة معاكي، هحكيلك بالتفصيل كل حاجة بس المهم اتكلمي في الشغل وانا هسجله كلمتين وخلاص يمكن يقتنع، عُمران مش سهل! 
هزت رأسها بتفهمٍ، فتنحنحت واستعدت للحديث بنبرتها الهادئة، قائلة
«أنا كويسة وقاعدة مع فطوم بتفكرني إزاي أراجع تكاليف المشروع بناء على مبلغ التمويل، أنا ذاكرتي بلعتها مع البيبي.. 
ضحكت فاطمة وقالت 
على فكره يا عُمران  مايا بتشيل العين عنها، دي ما شاء الله خلصت أول تلات ملفات وداخلة على الرابع، ومش راضية تنام ولا تسبني أريح شوية، يا ريتك فكرت بالفكرة دي من زمان، كنا هنستفاد منها وهي بتشتغل من البيت أكتر من وجودها بالشركة» 
اطمئن قلبه بعد سماع صوتها وصوت زوجة أخيه، التي أكدت صدق حديثها، فتنهد في راحةٍ، ومرر يسجل لكلتاهما 
«حبيب قلبه شطور وبيسد في أي خانة، الا خانة فريدة هانم، فياريت يا فاطمة تعقليها وتقوليلها تبطل تدخل معاها في معارك أنا مش حاضرها، عشان من غيري هتضيع!» 
سجلت له وهي تدعي حنقها الشديد من حديثه
«مين دي اللي تضيع يا بشمهندس، لا بقولك أيه أنت متدنيش الثقة في نفسي وتمرع فيا بكلامك المتزوق وتيجي تسحبه فجأة وتقولي هتضيعي، أمال أيه تربية إيدي، وافتكري انتي مرات مين هتكتسبي ثقة زايدة في نفسك، كان كلام تثبيت ده ولا أيه؟!! 
ضحكت فاطمة بشدة وقالت 
مايا إنتي مش هترجعي الا لما فريدة هانم تحطك في دماغها، وساعتها أنا أول واحدة هبيعك في المزاد» 
رد عليهما عُمران مشجعًا لحديث زوجة أخيه 
«وهيبقى معاكي كل الحق يا فاطمة، هي مش قادرة تقتنع إنها مش قد فريدة هانم، لا هي ولا أي حد من ذوات القلوب البيضة اللي عندك، فمن فضلك خليكي جنبها لحد ما تولد الباشا، وبعد كده سبيها تشن الحروب والغزوات لوحدها.» 
سحبت الهاتف وابتعدت تكتب له بحنقٍ
«بعتني عشان ابنك يا عُمران!!» 
ابتسم ودون لها
«ده أنا أبيع عمري كله عشانك يا حبيب قلبه وروحه إنتِ!» 
ثم أضاف برسالة أخيرة 
«هسيبك تكملي قعدتك مع فاطمة، بس متطوليش الوقت إتاخر، وعلي بينام وبيقوم بدري، أكيد انزعج من خروج فاطمة بالوقت ده، وإنتِ كمان محتاجة ترتاحي، هستنى مكالمة منك لما تصحي بإذن الله، تصبحي على ألف خير يا حبيبي» 
أغلقت الهاتف وقد خرت قوتها بأكملها، فجلست على حافة الاريكة الضخمة، تكبت شهقاتها بكف يدها، ومع ذلك لم تستطيع كتمان صوتها الذي وصل لفاطمة، فأسرعت إليها تضمها بكل قوتها، وتشاركها البكاء هي الاخرى، هاتفة في محاولةٍ لتهدئتها: 
_ الاتنين روحهم في بعض ومستحيل يختلفوا أبدًا، صدقيني علي عاقل وهيعرف يحتوي الموقف، أنا معرفش هو ناوي على أيه بس واثقة فيه. 
تمسكت بها ومالت عليها تتكئ بتعبٍ، وإرهاق دُفن بصوتها المحتقن: 
_ربنا يستر يا فاطمة! 
                              *******
نهض عُمران يستعد باستكمال باقي صلاته حتى يتمكن من أن يحظى بساعة نوم قبل صلاة الفجر، فإذا بهاتفه يصيح برنينٍ مميزًا، انحنى يرفعه بابتسامةٍ، معرفته للمتصل من الرنة التي خصيصها مخصوصًا بصوته لها، بحفل زفافها، وها هي تقطع بدايات المكالمة المتعارفة بمعسولها، وتهدر بنزقٍ: 
_لاقيتك إنشغلت وبطلت تسأل عني فقولت أكلمك أنا، يمكن ڤيروزة هانم أخده عقلك بعيد عني، وبعد تشريف علي باشا الصغير شكلي هتعود أنا اللي أرنلك على طول! 
قابلها بصوت ضحكاته، وخبثه الدائم: 
_طيب عشان أعرف أجاريكي على أي وضع، فهميني الحريقة دي بدايتها كانت أيه؟  لو عود ثقاب أشعله سيادة المقدم فمتضايقيش نفسك يا روح قلب أخوكي وإيديله الموبايل، هطلعلك عين أمه وحالًا، ولا يفرق معايا الدبور والنجمة اللي على كتفه، أخرتها أيه يعني حبس؟  الحبس للرجالة وأخوكي راجل ويسد في أي خانة! 
نجح بامتصاص ضيقها، بل تبدل حالها لضحكات أطربت أذنيه وأذن من يجاورها على الاريكة، بالرغم من صدمته مما ترنح لمسمعه، حتى أشفقت عليه شمس، فقررت الدفاع عنه قائلة: 
_بالعكس ده مدلعني خالص، تصور بيرجع بليل يعمل مكرونة وايت صوص بنفسه!!  وحقيقي أكله جميل أوي أوي يا عُمران، أنا حابة أعزمك وأعزم نفسي عنده في يوم تحدده إنت قبل ولادة مايا بليز! 
تلاشت ابتسامته، احتله حزنًا ومرارة جعلت ريقه كالعلقم، فبدل حديثه بصوتٍ محتقن: 
_أن شاء الله يا حبيبتي، كده كده هنخليه يطبخلنا إجباري، أنتِ تؤمري وكلنا علينا تنفيذ أوامر شمس هانم والصغنن القمر اللي شايلاه شمس هانم. 
مررت يدها على بطنها الذي لم يبدأ بالظهور بعد، وابتسامتها الحالمة تطفو وجهها، بينما تهمس بتمني: 
_يا رب يبقى ولد عشان أخليك تطقمله على ذوقك. 
You know you're the most handsome man in the whole world
(أنت عارف إنك أوسم راجل في العالم كله!) 
منحها آدهم نظرة غاضبة، بينما تتعالى ضحكات عُمران، هاتفًا بشماتة، كأنه يرى تقاسيم وجه آدهم: 
_قوليلي حاجة معرفهاش عن نفسي، ولا أقولك سمعي الباشا اللي عامل كمين على المكالمة من أولها، صوت تكسير أسنانه واصلني من مكاني هنا، هاتيله عضاضة يا شمس ليأذي أسنانه! 
سحب آدهم الهاتف من زوجته، وقال يجاريه ببرودٍ مازح: 
_متقلقش عليا يا وقح، أنا من خلال عشرتي ليك عرفت إن اللي بيتحط في دماغك، بيكون له معزة عالية، فأنا أيه اللي هيعصبني وأنت ميت في دباديبي!! 
جابهه بسخرية مازحة: 
_ولا تزعل يا حضرة الظابط هبعتلك المعزة وفوقها خروف من عندي! 
ضحك آدهم، وكذلك شمس التي مالت على كتفه تتلصص لسماع ما يقول، فضمها آدهم وقال: 
_شوف أنا مستحملك على أي وضع عشان خاطر عيون شمس هانم بس، فمش فارقلي محل الجزارة اللي فتحته ده، بس ده ميمنعش أني أحذرك أن قعدتك عندك خطر عليك، من بداية اليوم دبحت عجل، ودلوقتي عايز تهاديني معزة وخروف الله أعلم هتعمل أيه بعد كده؟؟ 
جحظت عيني شمس بصدمة، وهمست بتقزز: 
_يعع!!  
عُمران إنت عملت كده؟؟ 
ضحك عُمران وأجابه بعدما فطن دائرة التسريب لانتقال الخبر إليه من يوسف إلى سيف،ومن سيف إلى آيوب، ومن آيوب إليه:
_ده أنا خط سيري واصلك بقى،  بس مش متفاجئ لإني شخصية مهمة وعنوان رئيسي في أي جريدة أتحط فيها، بذمتك هتلاقوا مين غيري في أم الشلة دي تتكلموا عنها!! 
رد عليه آدهم بسخرية: 
_قصدك مصايب أيه اللي هنتكلم عليها غير مصايبك يا حبيبي!  كان الله في عون علي ويوسف وجمال منك. 
 تلاشت ضحكاته بابتسامةٍ هادئة،  ورده أتى لمسمع آدهم غريبًا: 
_وده بيخليني أدخل بصدري في أي مطب، لإني عارف ومتأكد أنهم كلهم ورايا، وأولهم أنت يا حضرة الظابط، وزي ما قولت أنت ليك معزة ومعزة كبيرة كمان، كفايا السعادة اللي لامسها من صوت شمس، وأنك برغم من تعبك في شغلك اللي مفهوش هزار بترجع تراضيها باللي مش مجبور أنك تعمله، إنت راجل وابن أصول يا آدهم، ربنا يسعدك ويفرحكم بالبيبي المنتظر. 
وأضاف مازحًا قبل أن ينكشف أمره، أمام ذكاء آدهم وسرعة استيعابه: 
_بس أوعى تنسى أن الولد اللي جاي ده "عُمران الغرباوي" يبقى خاله، يعني تفكر أنت أو السيد الوالد أو أي حد مهما كان في عيلتك يبصله بصة مش تمام، هطلع بروح أمه وأسلكله تذكرة على القبر طولي.
عبث بدهشة من سرعة تحوله،  فاذا به يستطرد: 
_مهو سوري يا آدهم يعني أنت معزتك في القلب وكل حاجة، بس هنقل أدبنا هنا هقولك معزتك موجودة وفوقها خروف هدية، ميرضنيش معزتك تموت وهي عانس! 
تهاوت شمس بنوبة من الضحك، فشاركها آدهم حينما رأها تكاد تختنق من كثرة الضحك، فأخبره بصعوبة: 
_أنا شكلي هلفقلك قضية أمن دولة أحبسك فيها عشرة خمستاشر سنة، لحد ما أضمن أن الولد تربيته هتكون صالحه، إنت مش بس خطر عليه وعلى بنت فريدة هانم، أنت خطر على ابنك وعلى  نفسك يا وقح! 
قاطعهما صوت آذان الفجر لطول المكالمة، فاستأذن عُمران منه بتهذبٍ لم يكن يتحلى به منذ قليلٍ: 
_الفجر أذن، يدوب أتوضى وأنزل المسجد، هبقى أكلمك في وقت تاني يا آدهم، مش هقولك خلي بالك من شمس، لأنك مش مقصر بصراحة، ربنا يسعدكم ويفرحكم يا حبيبي، في رعاية الله. 
أغلق الهاتف على الفور، وبقى آدهم يتطلع للهاتف بغرابةٍ، سيطر ليتغلب عليها على الفور، حتى لا يجذب انتباه شمس، التي تتطلع له باستفهامٍ، فقال مبتسمًا، بابتسامة لم تصل لمُقلتيه: 
_نزل عشان صلاة الفجر، وأنا كمان هقوم اتوضى عشان متأخرش على المسجد. 
قالها وانحنى يقبل رأسها، ثم نهض يغادر الجناح وهو يجذب هاتفه، باحثًا عن رقم علي، هاتفه مرتين متتاليتين، ولكنه لم يجد أي رد، فانطلق لصلاة الفجر وبعد أن انتهى منها صعد لسيارته ليعود للمنزل، فوجد هاتفه يدق برقم علي، رفع الهاتف يتحدث إليه بلهفة: 
_علي آآ... 
انقطع عنه الحديث، حينما استمع لصوته الهادئ،  يهاتفه بهدوءٍ مريب: 
_هبعتلك لوكيشين، حاول تجيلي فيه قبل بليل يا آدهم. 
فطن أن هناك أمرًا ما، فقال وهو يحرك مفتاح سيارته: 
_هكون عندك حالًا! 
                            ********
مرت ساعات النهار، واجتمع الشباب بعد طعام الغداء أعلى سطح منزل "موسى"، حيث يقوم" صابر" بسكب الشاي الساخن بالأكواب، ووزعها على "جمال"، و" يوسف"، وانتهى بمنح عُمران الكوب، فجذبه منه وقال بمكرٍ: 
_تسلم إيدك يا جو. 
زوى "صابر" حاجبيه بدهشةٍ: 
_جو!! 
أشار له بأن ينحني صوبه، حتى لا يستمع له أحد، ففعل ما قال وإنحنى إليه، فهمس له: 
_بدلعك يا جاسوس الوطنية، ولا متخيلتش أنك وشك أتكشف لدرجة إن حمص نفسه عارف إنك تبعهم!! 
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغه، حتى كاد أن تتحشرج أنفاسه، والشباب يراقبون ما يحدث باستغراب، وكان "موسى" أول من تحدث: 
_مالك  يالا اتخشبت مكانك كده! 
ربت عُمران على كتفه وعاونه بالاستقامة: 
_تلاقي ضهره قافش عليه، وتقريبًا بقى كويس، مش كده ولا أيه يا جو! 
حرك رأسه بخفة وأتجه للاريكة الاخرى، يجلس بالمنتصف ما بين يوسف وجمال، الذي همس له ضاحكًا: 
_سيادة المقدم آدهم يبقى جوز أخته، فأكيد سربله عملك البطولي! 
استغل إنشغال "عُمران" بالحديث برفقة موسى، وقال: 
_عارف بالعلاقة اللي ما بينه وبين الباشا، بس طريقته تخوف. 
سحب جمال رشفة من الكوب، وقال بتسلية: 
_هو عُمران كده، وعمره ما هيتغير أبدًا. 
تمتم صابر بقلق: 
_ربنا يسترها وميفضحنيش في الحي، ساعتها هيعملوا مني دواسة، أصل المكان متلغم بمصايب، فلو عرفوا اني مرشد مش هيباتوا الا ورقبتي بتتشقط بينهم. 
واستقام بوقفته، يرفع من صوته ليتمكن رفيقه من سماعه: 
_أنا هنزل أتمم على الرجالة يا موسى، هشوفهم خلصوا الفراشة ولا أيه، الوقت بيجري والليل قرب يليل. 
أوقفه عُمران حينما أشار له برفقٍ: 
_إستنى يا صابر، إقعد أنا عايزك إنت وموسى قبل ما الفرح يبدأ وينشغل عننا. 
لوى موسى شفتيه بتهكمٍ: 
_ما انا قولتلك اقعد معانا كام يوم، بس إنت مصر تمشي أخر السهرة! 
رد عليه ومازال يشير لصابر بالجلوس على الاريكة جوار موسى: 
_صدقني لو ينفع كنت قعدت، بس زي ما إنت شايف، يوسف وأخد أجازة بالعافية، وأنا كمان خالع اليومين دول بصعوبة، بس وعد هزورك تاني وتالت وعاشر، وده لإن هيكون في بينا اللي هيخليني رايح جاي عليك أنت وصابر غصب عني. 
زوى حاجبيه بعدم فهم لحديثه، حتى صابر فشل بفهم مقصده، فشارك جمال بالحديث حينما قال: 
_أنا وعُمران لما كنا في لندن كان عندنا حلم، نفتح مصنع قطع غيار للسيارات، بس الحلم ده إتأجل بنزوله لمصر، وكمان لأننا مكناش عندنا خبرة في النوع ده من البيزنس، لحد ما عُمران لقى الشخص المناسب اللي ممكن نعتمد عليه. 
وأضاف مبتسمًا: 
_وبعد اللي شوفته بمجرد وصلنا لهنا، ادركت إن اختياره صح  ومثالي جدًا، مهو أكيد مفيش شخص هينزل لورشته يوم فرحه، الا لو غاوي وعاشق لمهنته بشكل جنوني. 
سحب "موسى" بصره تجاه "عُمران" يخبره بتعجب: 
_أنا مش فاهم صاحبك ابن الذوات ده يقصد أيه يا خواجه؟ 
رد بمحبة ورأفة به:
_قصده أنك هتكون المدير المسؤول عن المصنع اللي هنفتحه هنا، واختيارنا إنه يتم إنشائه هنا عشان حاجتين، الاولى إني عارف إنك مستحيل هتقبل تمشي من هنا وتنزل على القاهرة، والتانية أني حابب إن العمال اللي هيشتغلوا في المصنع يكونوا من هنا وده هتكون مهمتك يا موسى، هتختار الأحق بالشغلانه دي. 
كاد "موسى" أن يثور إعتراضًا على تلك المسؤولية الضخمه، التي يتحدث عنها بسلاسة، وكأنه يدعوه لتناول الغداء برفقته بأحد المطاعم، ولكن قاطعه يوسف الذي تحدث بثبات: 
_وبالنسبة ليك يا صابر، فدكتور علي قرر يفتح في الحي هنا مستشفى صغيرة، أو وحدة صحية زي ما بتسموها، هتكون مجانًا، وتابعه للمركز لينا، يعني كل الامدادات من أجهزة لأدوية لكل اللي تحتاجه هيكون عندك في لمح البصر، وطبعًا لا علي ولا أنا هنعرف نسيب المركز ونيجي هنا عشان ندير الوحدة، فأنت أنسب حد يكون المسؤول عنه، وهتكون حلقة الوصل بينا وبين الوحدة لحد ما تكمل كلها وميكنش ناقصها أي حاجة خالص، ومرتبك ومرتبات الدكاترة وفريق التمريض كله راجع للمركز بشكل كامل.
اتسعت مُقلتيه بذهولٍ، ولم يتمكن حتى من البوح بحرفٍ واحد، ولكن موسى تخطى الأمر، وبوجومٍ هدر رغم هدوء نبرته: 
_لو فاكر إن دين المعروف اللي اتعمل معاك متسدش تبقى غلطان يا خواجة، أنت سديته قبل ما تمشي بدفعك لمصاريف عملية والدة الجماعة كاملة، وأخوك الدكتور دفعه بردو بالشيك اللي سابهولي أنا وصابر، إنت مش مضطر تعمل كل ده صدقني. 
حل الحرج على جمال، وبات بتطلع ليوسف بتوتر، ولكنه شدد على معصمه، وكأنه يخبره أن عُمران سيحل الأمر، وبالفعل بدأ حينما ردد بضيقٍ من نبرته: 
_مش قولتلك بغل ومسحوب من على طوالة برسيم!!  ده أنا ظالم البغل بتشبيهك له والله.
وأضاف مستهزأً: 
_وبعدين دين أيه اللي بتتكلم عنه، إنت لو هتمشيها بالديون فأنا مكنش ينفع أجي هنا من الاول، وشكلي فعلًا غلطت لما جيت، وهقوم حالًا أمشي من خلقة أهلك عشان أنا لما بشوفك خلقي بيضيق تلقائيًا. 
قالها وانتصب بوقفته، كتهديد بأنه سيغادر بالفعل، ولكن أسرع إليه موسى، يتعلق به بخوفٍ: 
_إنت رايح فين يا خواجة، ميبقاش خلقك ضيق كده. 
قال بعنفوان وتحد: 
_خلقي أضيق من خرم الأبرة نفسه، هتحترم لسانك وألفاظك هقعد، مش هتلم نفسك هأخد قمر وصابر والأبلة صباح والتكيف، وهسيبك هنا مرمي مع ورشتك وشحمك، وإنت عارف إني أقدر اعملها، ها هتجاريني ولا أحط عليك ووقتي؟ 
ضحك بصوت مسموع وقال: 
_آلاه ده أحنا قلبناها على سيد سكه بلطجي النزلة، خلاص متشدش اعصابك كده هجاريك في المصلحة دي، أهو يطلعلي منها سبوبة أظبط بيها حواري دام الابلة. 
منع ضحكته من الظهور، ولزم ثباته وهي يتجه ببصره تجاه صابر الذي بتابعهما بصمت وذهول، وما أن رأه يتطلع صوبه، حتى قال بخوف من نظرته: 
_أنا معاك يا خواجة، أنا معاك يا دكتور يوسف!!! 
جلس عُمران بابتسامة مشرقة، وقال في راحة: 
_كده نبتدي نحضر العريس للفرح بمزاج! 
                                 ****** 
بقصر "الغرباوي" 
ولج "علي" لمكتبه القابع بالطابق السفلي من القصر قرابة العشاء، لقد إختفى منذ الامس إلى الإن، وجهه مهمومًا وكأنه أصبح كهلًا عجوزًا، لم يضع الطعام في فمه منذ الأمس. 
سقط على مقعده، وهو يمسح على وجهه بتعبٍ، فاذا بهاتفه يستقبل رسالة، رفع الهاتف فوجده "يوسف"، يباشر بالمضي بالخطة التي أحكمها" علي"، فكان يطمئنه بأن الامور على ما يرام. 
كاد أن يغلق إضاءة الشاشة المزعجة لعينيه التي لم تحظى بالنوم منذ أمس، ولكنه إنتبه لعدد الرسائل الضخم المرسلة من أخيه، أعتصر الهاتف بقبضته وألقاه جواره وهو يضم وجهه بتعبٍ نهشه كالوحش المفترس. 
ولج العم "سعد" للداخل، حاملًا كوب القهوة، يخطو ببطء وبحرصٍ، وهو يشير له بيده تجاه فمه: 
_اطمن يا دكتور، محدش حس بوجودك زي ما قولت، ركنت عربيتك بالچراچ الخلفي للقصر، وعملتلك القهوة بره عندي، مع إني زعلان. البن بتاعي مش من مقامك، بس أنت اللي مصر. 
سحب الكوب منه، يتجرع منه بابتسامة جاهد كليًا لرسمها في تلك الحالة التي يعيشها، وبصوتٍ واجم رغم ابتسامته قال:
_ريحتها تجنن، تسلم إيدك يا عم سعد. 
قالها وسحب رشفة طويلة منها، وبتعابيره الهادئة قال مشيدًا بها: 
_عشان كده مكنتش عايز تعملي، خوفت أطمع في كيس البن بتاعك،  بس متقلقش أنا مش طماع هطلب منك فنجان كل يوم بس. 
ابتهجت تعابير العجوز، وراح يشكره بامتنان: 
_ربنا يراضي

  •تابع الفصل التالي "رواية صرخات انثى" اضغط على اسم الرواية 

الروايات كاملة عبر التلجرام

ملحوظة

يرجى التنبية: حقوق الملكية محفوظة لدى المؤلفون ولم تسمح مدونة دليل الروايات pdf نسب الأعمال الروائية لها أو لشخص غير للكاتب الأصلي للرواية، وإذا نشرت رواية مخالفة لحقوق الملكية يرجى أبلغنا عبر صفحة الفيسبوك
google-playkhamsatmostaqltradent