رواية اقدار لا ترحم الفصل العاشر 10 - بقلم سيليا البحيري

 رواية اقدار لا ترحم الفصل العاشر 10 - بقلم سيليا البحيري

فصل 10
فيلا عائلة البحيري – الطابق الثاني – غرفة سيف – 
سيف خرج للتو من الحمام، يلف منشفة حول خصره، شعره مبتلّ، وأجواء الغرفة هادئة… يفتح خزانة ملابسه، يمدّ يده ليرتدي قميصه… فجأة تُفتح الباب دون استئذان.
هايدي تدخل بخطوات ناعمة ومتعمدة، ترتدي فستاناً حريرياً أسود ضيّقاً، مكياجها صارخ، وعيناها مليئة بالتصميم.
هايدي (بصوت ناعم):
– تأخرت عليك، صح؟ بس... قلتلك زمان إن بابك مفتوح لي دايمًا.
سيف يتوقف، يلتفت إليها ببرود قاتل، ينظر إليها من الرأس حتى القدم.
سيف (بجفاء):
– واضح إنك نسيتي نفسك… أو يمكن نسيتي اسمك.
هايدي (تتقدّم نحوه):
– مش ناسية حاجة يا سيف…
– بس تعبت من التمثيل… سنين وأنا بحبك، وبتمنى نظرة منك…
– ليه ما تعطيني فرصة؟ مازن… مازن ده ولا حاجة جنبك!
سيف يرفع حاجبه، ثم يضحك ضحكة قصيرة ومريرة، يرمي المنشفة جانبًا ويرتدي قميصه بهدوء وكأنها غير موجودة.
سيف (ساخراً):
– مازن هو راجلك… جوزك… أخويا!
– وأنتي… أنتِ مجرد ظِل… ظل طمّاع، بيتحرك في البيت ده من غير كرامة.
هايدي تتقدّم أكثر، تحاول لمس ذراعه، لكنّه يصفع يدها دون عنف، فقط ازدراء.
هايدي (بغضب):
– ليه؟ عشان سيلين؟
– عارف كل حاجة… كنت في المطعم… شفتكم!
– كنت فاكرة إنك مستحيل تحب… بس طلع عندك قلب، بس مش ليا.
سيف يلتفت نحوها، يقترب منها حتى بات على بُعد أنفاس.
سيف (بهدوء مريب):
– آه… أنتِ كنتِ بتراقبيني؟
– ماشي… أنا كنت شايفك… من أول لحظة.
– لكن خليني أقولك حاجة يا هايدي…
ينظر لعينيها مباشرة، يهمس بنبرة قاطعة كالسيف:
سيف:
– سيلين… فوقك بمليون درجة.
– على الأقل هي بنت حقيقية… مش قشرة مزيفة زيك.
– وما تحاوليش تقارني نفسك بيها… لأنك هتخسري كل مرة.
هايدي تبتعد خطوة، تشهق بصدمة وذل… عيناها تدمعان ليس من الألم، بل من الغضب والحقد.
هايدي (بصوت متهدج):
– هتشوف يا سيف…
– سيلين دي… مش هتفضل في حياتك كتير!
– وأنا… عمري ما بخسر.
سيف يفتح باب غرفته بحدة.
سيف (بصوت صارم):
– اخرجي… قبل ما أفقد أعصابي.
– وما ترجعليش هنا تاني… عشان أخويا، أنا ساكت.
– بس لو فاض بيّا… مش هرحمك.
هايدي تغادر ببطء، نظرة شر تحرق وجهها… الباب يُغلق بقوة خلفها، وسيف يقف مكانه يتنفس بعمق، ثم يتمتم في نفسه:
سيف:
– اللي جاي هيكون نار… نار ليكي يا هايدي… ونوال… وحسام.
– بس أنتي… أول واحدة هتتحرقي.
سيف، يفتح النافذة، يطلّ على ظلام الليل، ثم يعود ليغلقها بهدوء… لكن عينيه بقيتا مشتعلة
********************
بعد لحظات 
تفتح هايدي الباب بعنف وتدخله بقوة، تنزع أقراطها بعصبية وترمي هاتفها على الأرض. وجهها مشوّه بالغضب، وشفتاها ترتجفان من القهر.
مازن، الذي كان جالسًا على السرير يقرأ ملفًا طبياً، ينتبه لعودتها، يضع الملف جانبًا بسرعة ويقف.
مازن (بقلق وطيبة):
– هايدي؟ مالك يا حبيبتي؟ شكلك متضايقة… حصل حاجة؟
– حد زعلك؟ قوليلي مين وأنا أروحله فوراً.
هايدي لا ترد، بل تبدأ في فك عقدة شعرها بعنف، تدور حول الغرفة كأنها عاصفة.
مازن (يقترب منها):
– هايدي… أنا قلقان عليكي… كلميّني، بالله عليكي!
هايدي تستدير فجأة، تنظر إليه بنظرة باردة مليئة بالاحتقار.
هايدي (بصوت حاد):
– سيبني فحالي يا مازن!
– إنت آخر واحد ممكن يفهمني… دايمًا في واد، والدنيا كلها في واد تاني.
مازن (بهدوء وانكسار):
– أنا آسف… بس كنت فاكر إني جوزك… من حقي أقلق عليكي…
هايدي تضحك ضحكة مريرة، ثم تقترب منه خطوة بخبث.
هايدي:
– جوز… جوز إيه يا مازن؟
– إنت مجرد محطة… فاهم يعني إيه محطة؟
– أنت أضعف راجل شفته في حياتي… لا طموح، لا شخصية… حتى مرضك مخليك تمشي ورا الكل زي العيل الصغير.
يتجمد مازن في مكانه، عيناه تمتلئان بالدموع، لكنه يكبتها بصعوبة، ويحاول أن يتمالك نفسه.
مازن (بصوت مكسور):
– هايدي… إنتي بتقولي كده ليه؟
– أنا بحبك… وعمري ما خذلتك… حتى لما الناس كلها كانت ضدي، كنتي أنتي أولويتي…
هايدي تدور وجهها عنه ببرود، ثم ترتمي على الفراش بملل.
هايدي (بصوت ساخر):
– حبك ده ما بيشبعنيش…
– الحب اللي ما يخلينيش ملكة… ما يسواش عندي قرش.
– وصدقني يا مازن… عمري ما كنت ليا قلب أصلاً.
مازن يشعر أن قلبه يُسحق أمامه… يتراجع خطوة، يضع يده على صدره فجأة، وكأن الألم بدأ يظهر… يتنفس ببطء…
مازن (بهمس):
– ربنا يسامحك يا هايدي…
– بس في يوم… هتعرفي قيمتي… بس يمكن يكون فات الأوان.
هايدي لا ترد… تغلق عينيها وكأنها تطرده بصمت.
مازن يخرج من الغرفة ببطء، يمر بجوار مرآة، ينظر إلى وجهه فيعجز عن التعرف عليه… يهمس في داخله:
مازن (بداخله):
– إزاي قلبي اختارك… وإزاي مفيش حد شاف حقيقتك قبلي…
  وجه مازن مُتعب ومجروح، يسير في الممر المظلم نحو الشرفة… وحده… مريض… ومخدوع
*******************
في الحديقة الخلفية 
ضوء القمر ينساب فوق أوراق الشجر، نسمة ليل خفيفة تهبّ على الحديقة، والهدوء يعمّ المكان…
يخرج مازن من باب الفيلا الخلفي، متثاقلاً، حزيناً، عيونه زائغة، وجهه شاحب، يتوجه إلى الأرجوحة الحديدية ويجلس عليها بصمت، يدفن وجهه بين يديه…
لحظات… ثم يظهر في المشهد السيدة هدى، والدته، ترتدي عباءة بيت ناعمة ومعطف خفيف، كانت قد خرجت لشرب الماء لكنها رأت نور الحديقة مضاءً من بعيد، فقلقت.
تقترب بخطى بطيئة… تقف خلفه للحظة، ثم تتحدث بصوت ناعم يشبه النسيم.
هدى (بهدوء وقلق):
– مازن… حبيبي…
– إنت كويس؟ لقيت النور منور قلت أشوف مين صاحي لهالساعة…
يرفع مازن رأسه ببطء، يمسح وجهه بسرعة كأنه لا يريد أن تُلاحظ دموعه.
مازن (متصنعًا الابتسامة):
– ماما؟ إنتي لسه صاحيه؟
– أنا تمام… بس كنت بفكر شوية… ضغط شغل بس.
هدى تقترب، تجلس بجواره، تنظر إليه بنظرات أم تقرأ روح ابنها بلا حاجة للكلمات.
هدى (بصوت حنون وعين دامعة):
– الشغل؟
– إنت فاكرني مش شايفا التعب في عيونك؟
– يا مازن أنا أمك… وأنا اللي شلتك بإيدي قبل ما تمشي…
– قلبك مش بخير، وأنا حاسة بيه.
مازن يحاول التماسك، يبتسم مجددًا لكنه يفشل، ينظر للأرض.
مازن (بصوت مكسور):
– مفيش حاجة يا ماما… صدقيني…
هدى تمسك يده، تضمّها إلى صدرها، وتهمس:
هدى:
– أنا عارفة مين اللي مضايقاك…
– يمكن إنت مش عايز تقولي… بس قلب الأم عمره ما بيكذب.
يصمت مازن، ثم يهمس:
مازن:
– أنا بحبها يا ماما… صدقيني…
– يمكن أوقات ما بفهمهاش… بس بحبها… ومش قادر أصدق إنها ممكن تكون سبب ألمي.
هدى تبلع غصتها، تحاول أن لا تفقد صبرها، لكنها تُشفق عليه كثيرًا.
هدى (بحزم ناعم):
– يا مازن، مش كل حب لازم يكون متبادل…
– ومش كل الناس بتستحق القلب اللي بنهديه.
مازن ينهض من مكانه ببطء، ينظر لها نظرة ممتنة، يحاول أن يبتسم مجددًا.
مازن:
– ما تقلقيش عليا يا ماما… أنا قوي…
– وهقوم من أي حاجة.
هدى تنهض وتضع يدها على كتفه:
هدى:
– وأنا وراك دايمًا يا ضناي…
– بس أوعدني… لو وجعك زاد، تيجي تحكيلي… مش تفضل تنزف لوحدك.
مازن يهز رأسه بالإيجاب، ثم يبتسم أخيرًا ابتسامة صغيرة صادقة.
هدى تنظر له بحنان، ثم تستدير لتعود للمنزل، وقبل أن تختفي تهمس لنفسها:
هدى (بغضب مكتوم):
– يا هايدي… والله لتندمي على كل دمعة نزلتها من عين ابني.
المشهد يُغلق على مازن وهو يرفع رأسه للسماء، يغمض عينيه بضع لحظات… ثم يهمس:
مازن:
– يا رب… افتحلي بصيرتي قبل ما أخسر كل شيء
********************
بعد كام يوم 
أشعة الشمس تنساب من النوافذ الواسعة، وتداعب ستائر غرفة الطعام الفاخرة، على الطاولة تجلس سيلين بملابس صباحية أنيقة، وإلى جانبها تجلس تاليا الصغيرة ترتدي زي الحضانة الجديد بلون وردي فاتح، شعرها مربوط بذيل حصانين، ووجهها يشرق بالسعادة.
أمامهما طبق فطائر صغيرة، وعصير برتقال، وكوب حليب ساخن. في الخلفية، تتحرك الدادة أمينة بهدوء وهي تراقب المشهد بعينين دامعتين دون أن تتحدث.
تاليا (بفرح طفولي):
– مامااا، شوفي شو حلوة شنطتي! فيها قلوب!
– ودا كمان القلم البنفسجي، هو المفضل عندي! 😍
سيلين تبتسم بحنان، وتقبل رأسها:
سيلين:
– وإنتِ أحلى من أي شنطة يا قلبي…
– عارفة؟ أول يوم في الحضانة ده بداية حكايتك الجديدة، ومش هخلي حد يأذيك تاني… وعد مني.
تاليا تضحك ضحكة صغيرة وتميل على والدتها:
تاليا:
– أنا بحبك ماما… كتير كتير ❤️
سيلين تغصّ بلقمتها، وتحاول كتم دموعها، لكنها تنظر لأمينة، التي ما زالت واقفة بصمت بجوار الطاولة.
سيلين (بصوت منخفض إلى أمينة):
– تخيلي… بنتي… بنتي اللي أنا جبتها للدنيا ما خرجتش من باب شقة خمس سنين!
– ولا حتى شمّت ريحة شمس…!
أمينة تمسح دمعتها سريعًا وتجلس بجانب تاليا، تمسح على شعرها:
أمينة:
– ربنا ياخد حقك يا سيلين… ويجعل أيامكم كلها فرح من النهاردة…
– دي ملاك صغير، ربنا ما يكتبلكم غير السعادة.
تاليا تنظر إلى أمينة ببراءة:
تاليا:
– أنتي تيتا؟
أمينة (تضحك بحنان):
– أنا أي حاجة تحبيها يا روحي… جدة؟ خالة؟ أمينة؟ اختاري 😄
سيلين تنظر إليهما وتضحك للمرة الأولى من قلبها.
سيلين:
– جدتها الروحية… وشاهدة على كل لحظة من حياتي… يا رب تكوني شاهدة على فرحتي كمان، مش بس أوجاعي.
تنهض سيلين وتربت على رأس تاليا بلطف.
سيلين:
– يللا يا نجمة حياتي… هنوصلك النهاردة بنفسنا، ومش هسيبك لحظة…
– والحضانة دي؟ هتبقي مملكتك الجديدة!
تاليا تقفز من على الكرسي بسعادة.
تاليا:
– ماما… هنعمل شعرنا ضفاير؟ زي الأميرات؟
سيلين (تضحك):
– ضفاير وقلوب وفراشات كمان… إنتِ تستاهلي كل حاجة حلوة يا تاليا
*********************
في شركة البحيري
سيف (بيبص على الورقة اللي سيلين حطتها قدامه):
– قضية حضانة؟… كنت متوقع إنهم يتحركوا، بس مش بالسرعة دي.
سيلين (بهدوء مخيف):
– السرعة دي سلاح الجبناء يا سيف… اللي بيخافوا يواجهوا.
– تتخيّل؟ بعد كل اللي عملوه… عايزيني أطلع أم مش صالحة؟
– وهما يعني؟ ملائكة؟!
سيف (بيبصلها بإعجاب وقلق في نفس الوقت):
– لو القاضي شاف سيلين اللي أنا شايفها… مش هيتردد لحظة.
الباب بيتفتح فجأة، ويدخل إيهاب مبتسم ومتحمس.
إيهاب (بحماس وضحكة عريضة):
– آسف على المقاطعة… بس جتلي فكرة مجنونة!
سيلين (رافعه حاجبها):
– فكرة مجنونة؟ يعني شبه أفكار نوال؟
إيهاب (بيضحك):
– لأ، دي العكس تمامًا.
– الفكرة ممكن تولّعهم قبل حتى ما يدخلوا المحكمة.
– لو عايزة تكسبى الحضانة… بطريقة نضيفة…
– تتجوزي سيف.
لحظة صمت تقيلة تملأ القُوضة.
سيف (مندهش وعدّل قعدته):
– إيهاب؟!
سيلين (بحدة):
– أنا؟ أتجوز؟
– بعد اللي حصل ده كله؟!
إيهاب (قرب منها وقعد قدامها بثقة):
– اسمعيني للآخر…
– قاضي الأسرة دايمًا بيبص على استقرار الطفل…
– أب، أم، بيت آمن، دخل ثابت، سمعة كويسة…
– وسيف؟ كل ده وأكتر كمان.
– وإنتِ؟ أم عظيمة، بس الماضي اللي لفّقوه ليكي ممكن يهزّ المحكمة.
سيف (بيبصلها المرة دي بجدية):
– أنا مش هضغط عليكي… بس لو ده الحل اللي هيحمي تاليا… أنا موافق.
سيلين (ضحكت بمرارة):
– يعني بعد ما انسجنت ظلم… أتحول لزوجة علشان ورق محكمة؟
– لأ يا سيف…
– أنا هكسبها بطريقتي… من غير جواز.
إيهاب (بهدوء):
– أنا معاكِ، بس فكري فيها…
– مش دايمًا الطريق الصعب هو الحل، خصوصًا لما في طفلة محتاجة حماية.
سيلين تبص من الشباك… ثم تبص على صورة صغيرة لتاليا على موبايلها… حاجة جواها بتتهز.
سيلين (بهمس):
– أنا مش هسيبهم ياخدوها…
– حتى لو اضطرّيت أفتح أبواب… عمري ما كنت ناوية ألمسها.
سيف (يهمس):
– وأنا معاكي… للآخر
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*

•تابع الفصل التالي "رواية اقدار لا ترحم " اضغط على اسم الرواية

تعليقات