رواية مديري مستر فرعون الفصل الثامن 8 - بقلم رحاب ابراهيم

 رواية مديري مستر فرعون الفصل الثامن 8 - بقلم رحاب ابراهيم

# الفصل_الثامن تسمرت ليلة في مكانها وتسحبت نظرتها بدهشةً نحو هاكان الذي اصبحت عيناه كالجمر الملتهب من الغضب وهو ينظر لشقيقه رشاد !. شعر “رشاد” بأن هناك شيء غير مفهوم خلف نظرات شقيقه الغاضبة، خاصةً وأن ليس هناك ما يزعج بالحديث لتلك الدرجة التي جعلت من عيناه جمرتان متقدتان من الغضب .. فحمحم “رشاد” بتوتر .. بينما لم تتركه لورا يتنعم بأنتصاره السخيف بالحديث، فذكّرته بوصفه للفتاة: _ آه افتكرت .. ده أنت حتى كنت نفسك هاكي يشغلها في الشركة عشان تتبسط، أصل النظارة بتاعتها كانت عجباك أوي. أصبح مجرى الحديث سخيفًا بين لورا ورشـاد الذي اقسم في نفسه أن لا يتدخل مرةً أخرى في استمرار علاقتها بشقيقه، فهتف “هاكان” فيهما بعصبيـة وضجر : _ كفاية سخافة بقا واسكتوا ..! حملقت “لورا” بهاكان وهي تختنق من كتمان صراخها بوجهه ورمقته بنظرة نارية متقدة: _ أنا ما سخفتش يا هاك .. أنت مش شـ… قاطعها “هاكان” بوقفته المفاجئة والحادة وهو يأخذ هاتفه ومفاتيح سيارته من على الطاولة وطالعها بنظرة عنيفة جعلتها تقطع جملتها : _ اللي حصل ده أول وأخر مرة يحصل .. واتفضلي معايا عشان اوصلك لحد بيتك. كانت تصرفاته تخبرها وكأنه يطردها من هذه السهرة عنوةً، ولكن بلباقة ومراعاة أنها فتاة، فنهضت واخذت حقيبتها وقد تجهم وجهها وتجاهلت النظرات المُسلطة عليـها، ثم سارت معه بخطوات سريعة وكأن وحشا يطاردها !!. تأملت “لوتس” بوجه ليلة وتفاجئت من عينيها الشاردة للبعيد وكأنها بعالما آخر، بينما تحدث رشـاد ليصحح تلك الفكرة المقيتة التي اتخذت عنه : _ ما تصدقوهاش دي بنت مستفزة وبتقول كده عشان تغيظني .. سألته لوتس وجاهدت لتظهر بثبات رغم الانفعال المشحون بداخلها: _ تغيظك ؟!!. أكدّ رشـاد وكأنه وجد مخرج لذلك الموقف المُحرج: _ أيوة .. أصلها تبقى زوجة هاكان المستقبلية .. وفي آخر فترة حست أني مش مقتنع بيها تبقى مرات أخويا وبعاملها بتريقة .. هاكان ده فيلسوف وغامض صحيح .. بس رغم كل عيوبه يستحق أحلى حاجة .. وأكيد لورا مش أحلى حاجة!. لم تقتنع لوتس بما قاله رشاد تمامًا، ولكنه أظهرت عدم الاكتراث للأمر مؤقتًا حتى تنفرد بصديقتها، ونهضت وهي تربت بخفة على ذراع ليلة لكي تنتبه وتخرج من هذا الشرود : _ طب لازم نمشي بقا عشان منتأخرش. اعترض رشـاد وظهر أنه يضع أهتمامًا خاصا بلوتس، رغم أنه ببادئ الأمر أتى لصديقتها ليلة العيد: _ أحنا لسه ما أتعشيناش سوا ولا قعدنا .. أنتوا مش كنتوا هتتعشوا برضه ؟ أجابت لوتس بابتسامة حاولت أن تبدو طبيعية ولا تعشره أنها استاءت مما حدث: _ كنا .. بس دلوقتي اتأخرنا. فهم رشاد أن وجوده كان سبب الاضطراب لتلك الأمسية، فنظر للوتس باهتمام وقال بنظرة لامعة بالأعجاب : _ طب ممكن رقم فونك عشان اتصل اطمن عليكي لما ترجعي البيت ؟ تحوّلت ابتسامة لوتس المجاملة لحدة وعصبية: _ أنت عارف أنت بتكلم مين ..؟! وشعرت ليلة العيد أن لوتس ستعرف عن نفسها دون ادراك للموقف، فنهضت وقاطعت حديثها وقالت لرشاد بصوت حاد : _ ما بنديش أرقام تليفوناتنا لحد .. بعد أذنك !. استاء رشاد من تعكر الموقف وصحح بارتباك: _ ما أقصدش حاجة والله .. طب على الأقل أوصلكم ماينفعش ترجعوا لوحدكم بليل كده ؟!. كان يتحدث ببعض المبالغة، فتنفست لوتس بضيق وهتفت : _ يلا يا ليلة عشان اتخنقت. وغادرن مبتعدتان عنه في أنفعال واضح، بينما وقف رشاد بمكانه متعجبًا من التغيّر الجذري لتلك الفتاة المجهولة والجذابة بدرجة مُهلكة التي ترافق صديقتها صاحبة النظارات السميكة : _ أول مرة معرفش أخرج حتى بالاسم الأول .. بس ماشي يا قمر أنتي .. حتة بت ملامحها مرسومة رسم ، يخربيت حلاوتها.

وتحت نسمات الليل سارت ليلة العيد بالطريق شاردة تمامًا، ويبدو على ملامحها الصمت المطبق، فهمست لها لوتس بلطف : _ حاسة بيكي وعارفة بتفكري في إيه. التفتت لها ليلة بتفاجئ وتعجبت: _ عارفة ..؟! .. إذا كان أنا نفسي تايهة ومش عارفة !. تبسمت “لوتس” برقة، ثم قالت بنظرة يملأها الحيطة والحذر: _ خلي بالك من قلبك يا ليلة .. هو قلبه لسه فاضي . توقفت ليلة العيد بمكانها بتسمر، ثم تاهت نظرتها بوخزة الم وهي تنظر للوتس، فأردفت لوتس وهي تقف أماما بنظرة داعمة : _ لما كنا في المطعم عرفت أدخل عقله وأفكاره، بس محاولتش أسيطر على ردوده زي كل مرة، المرادي بس كنت عايزة أعرف هو بيفكر في إيه وأزاي .. لأني قرأت أفكارك أنتي كمان وعرفت أنك بدأتي تعجبي بيه . امتقع وجه ليلة وهي تنظر للوتس بمزيج من الحيرة والضيق لأقتحام خصوصية أفكارها دون علمها، فتابعت لوتس بجدية: _ هاكان ده شخص عملي مابيهموش المظاهر فعلًا، قلبه فاضي مافيهوش واحدة ولا حتى معجب بحد .. كل مشكلته معاكي أنه مش فاهم قبلك أزاي في شركته ، وأنك كمان ما بتحاوليش تلفتي نظره زي أغلب البنات حواليه .. رغم أنك في نظره عادية اكتر منهم .. يعني من الآخر ده ما بتبذليش مجهود عشان تعجبيه .. وده رغم أنه كان بينرفزه في كل بنت بتشوفه ، الا أنه أضايق انك معملتيش زيهم !… ما توهميش نفسك أنه مهتم .. لأنه مش مهتم بحد … وعلى فكرة هو مش شرير. اوجعتها تلك الكلمات، فربتت لوتس على جانب وجهها وقالت بحنان: _ أنا عارفة أن يمكن كلامي قاسي شوية، بس هيفوقك وهينقذك من حفرة كنتي هتوقعي نفسك فيها بعدين. اضطرب صوت ليلة وهي ترد بنفس وأنكار: _ أنتي .. أنتي فهمتي غلط يا لوتس ، أعجابي بيه مش عشان شكله ومركزه …أعجابي بيه لأنه ناجح وطموح وله شخصيته في شغله زي ما سمعت .. أعجاب عن أعجاب يفرق. لم ترغب لوتس أن تجرحها اكثر من ذلك رغم درايتها بالحقيقة : _ ممكن جدًا أكون فهمت غلط، بس لو أنتي وخداه قدوة ليكي فهو في الحتة ده فعلًا قدوة .. شاب لسه صغير ورجل أعمال وله اسمه بالشكل ده فأكيد لازم يبقى قدوة .. سألتها ليلة العيد بارتباك : _ بس أنتي قولتيلي أنه مش بيحب حد .. أومال اللي المفروض خطيبته دي إيه ..؟! أجابتها لوتس بتوضيح وتمنت أن لا يتجدد أملها بهذا الرجل الذي قلبه وكأنه من جرانيت : _ شايفها أكتر بنت مناسبة لمستواه هو وعيلته بعيدًا عن تصرفاتها المستفزة .. زي ما قولتلك هو شخص عملي جدًا .. مساحة العاطفة في قراراته شبه منعدمة!…. راجل زي ده لازم واحدة تبهر عقله عشان تعرف تدخل قلبه. وابتسمت لوتس متذكرة شقيقها : _ بيفكرني بأخويا سركن .. من وهو طفل بيحب المعارك وبيعشق الق.تال والض.رب بالسيوف، المرأة عمرها ما كانت جزء من حياته حتى ولو جزء بسيط .. رغم أنه أتحب من الأميرة والجارية .. لكن هو عمره ما لفت نظره أي بنت!… ولا حتى مهتم يتجوز !. ولم تنتبه ليلة لما قالته لوتس عن شقيقها، فهي كانت تائهة بذلك الرجل الذي غزا فكرها بالأيام القليلة الماضية .. فقالت وهي تتظاهر بالمزاح: _ طب يلا نركب تاكسي عشان كده هنتأخر فعلًا .. بس هروح بالفستان ده ؟! نظرت لوتس لمظهرها وتذكرت عائلتها الحمقى فطمأنتها : _ هدخلك من غير ما يشوفوكي . وبعد منتصف الليل … كان ” رفاعي” يتناول جرعاته المخدرة في أحدى “الخرابات” الذي لا يزورها سوى قطاع الطرق والمجرمين ليلًا .. وقال بضحكة ثملة وهو يتحدث مع رجلًا آخر يتكأ على وسادة متسخة بالأتربة والغبار الأسود: _ الحتة اللي مدكن عليها دي تسوى ملايين ياض يا دسوقي ، حتة أثار أنما ايه هتعيشنا ملوك زمانا .. حتة تقيلة تقيلة يعني. رد عليه دسوقي بنظرات ماكرة وهو يضمر الغدر : _ طب ومطبق عليها فين دي يابن اللذينة؟ .. ده انت مطلعتش سهل ابدًا .. فخّم فيه دسوقي لينال غرضه، فضحك رفاعي بزهو ساذج: _ أومال فاكرني قاعد طول المدة دي كده على الفاضي!، أنا بس مستني لما الحكومة تبعد عنيها عننا شوية وبعدين أحطها على الميزان واللي يقدر تقلها يدفعلها … ضيّق دسوقي عيناه بمكر وسأله بلهفة : _ طب وأنا .. ماليش شوية رمل في الشيلة دي؟ ضحك رفاعي بقوة وقال : _ ده أنت المقاول يا دسوقي عيب عليك .. هات انت بس المشتري وهتاخد شوال رمل بحاله يا صاحبي .. بقولك الحتة تقيلة ، يعني هتصيف في المالديف وتبقى نضيف ياض يا نتن. وضحكا الأثنان بأعلى صوتهما .. حتى اجتر دسوقي الحديث معه قائلًا بعد ذلك ليعرف مكانها السري: _ طب والحتة دي مدفونة فين ياض ؟! .. قولي عشان اروح ادعيلها . رد رفاعي قائلًا : _ مش هقولك دلوقتي .. كام يوم هاخدك ونروح نزورها ، هات انت بس المشترى واحنا نطلعها ونتحاسب. ردد دسوقي بصوتً خافت: _ هحاسبك فعلًا يا رفاعي .. وكله بالشرف ، إلا الشرف .. وبين كومةً من القش كان يختبأ ذو العيون الزرقاء التي اسودت كالجمر من الغضب .. وتلك من ضمن مهامه السرية للمجيء للمستقبل عبر آلة الزمن .. وامتلأت نظرته بالشراسة والأنتقام من الذين يسرقون أثارًا لأعظم الحضارات على الأرض، و لا تقدر بثمن لبيعونها بالبخس وتخرج من أرض مصر العظيمة لبلادًا يتباهون بمجرد أمتلاكها ويعرضونها بمتاحفهم كأنها صنع أيديهم !!. واستطاع “سركن”الأختباء حتى خرج من تلك الخرابة التي تبعد خطواتٍ عن الحي الشعبي الذي أتى إليـه لهدفًا خطير وهـام … ثم عاد بالطريق المُظلم وتوجه نحو منزل قديم مهجور أقام فيه ليلته السابقة، وذلك المنزل هو المقابل تمامًا للمبنى القديم التي تُقيم فيه ”
شقاوة”. وبفيلا فخمة بأرقى أحيـاء القاهرة .. دخلت “لورا” وعلى ملامحها الأنفعـال، توجهت لغرفتها بالطابق الثاني مباشرةً ولم تُعير لوالدتها “تهاني” التي ترتشف من كوب مشروبها الدافئ أي اهتمام .. راقبت “تهاني” أبنتها وهي ترتقي درجات السلم بعصبية واضحة، ثم تنهدت بضيق: _ أكيد عريس الغفلة هو السبب في عصبيتها دي !. وانتظرت لبعض الوقت حتى قررت الصعود لأبنتها وتطمئن عليها. وبغرفة “لورا” .. نقرت تهاني على الباب بخفوت ثم فتحته ونظرت لأبنتها التي تجلس على فراشها منكمشة وتبك بحرقة!. وقفت تهاني لدقيقة تطالعها بعصبية ثم اغلقت الباب بلطف واقتربت منها : _ أنا قولتلك وحذرتك قبل ما تمشي .. مكنش ينفع تروحيله يا لوري وهو أساسا النقابلات دي من ضمن شغله!. صاحت لورا ببكاء وأنه.يار وهي تض.رب بيديها الفراش : _ أنتي ماشوفتيش معاملته ليا كانت عاملة أزاي، ده أنا كنت حاسة أني خدامة عنده وبيعاملني بمنتهى القرف! .. أنا عملتله إيه عشان يعاملني كده ؟!. ردت تهاني قائلة بغيظ : _ بتجري وراه ومحسساه أنه شهريار زمانه !.. يابنتي الرجالة مابتتعاملش كده !. تحدثت لورا بألم وبكاء: _ بحبه يا ماما .. بحبه ومش متخيلة أني ممكن أتجوز حد غيره، حاولت كتير أوي أقربله واقطع المسافة البعيدة دي اللي ما بينا لكن هو قافل أوي على نفسه .. حاولت أشاركه أهتماماته مانفعش وما أهتمش! .. أنا مش قادرة أفهمه ولا عارفة أخليه يحبني أزاي !. قالت تهاني برفضه وانفعال لكل ما تقوله أبنتها : _ الجوازة دي من البداية وأنا مش مقتنعة بيها، بصي يابنتي أنا عندي شعار في حياتي .. خدي اللي بيحبك هتعيشي مرتاحة ، عندك أنا مثلًا .. يوم ما لقيت نفسي هتهان بسبب قلبي وافقت على أبوكي بمجرد ما أتقدملي .. أبوكي كان بيتمنى نظرة بس مني .. وأهو بقالي سنين عايشة مرتاحة ومحاولش مرة يزعلني .. لكن أنتي بتفكيرك ده هتتعذبي كل لحظة وهتسكتي غصب عنك عشان بس يسمحلك تفضلي جانبه ! … الراجل ما بيحبش غير الست اللي تدوخه وراها ومايبقاش عارف يطولها. استرسلت دموع لورا بغزارة ورغم انها لم تقتنع بما قالته أمها ولكنها قالت بعذاب: _ قلوبنا مش بإيدينا يا ماما .. أنا بحبه من سنين ، يوم ما اتقرت فاتحتنا ما نمتش من كتر الفرحة، كنت حاسة اني مش عايزة أي شيء تاني من الدنيا .. لكن هو دايمًا بعيد … بعيد أوي كأنه مش شايفني، والغريب بقا أني متأكدة أن مافيش واحدة في حياته أصلًا .. أنا بس بتمنى يديني فرصة اقربله ويجرب .. يمكن يحبني. هتفت تهاني بها بسخط: _ يمكن يحبك ؟! .. تصدقي أنا بقيت بتجنب أتكلم معاكي عليه عشان كلامك المتخلف ده !… أنتي ناسية أنتي مين وتبقي بنت مين ؟ .. بصي بقا عشان جبت أخري منك ومن الولد ده .. لو في الخطوبة ما اتعدلش وعرف قيمتك الجوازة دي مش هتتم، وهجوزك سيد سيده، وده آخر كلام عندي .. قالت “تهاني” ذلك ونهضت غير مكترثة لدموع أبنتها والخوف الذي ملأ عينيها، رمتها بنظرة محذرة أخيرة ثم خرجت من الغرفة .. فأرتمت لورا على فراشها مجددًا ودخلت بنوبة بكاء شديدة. وبفيلا عائلة هاكان …. _ اسمع بس يا هاك .. قبل ما تمد ايدك عليا أسمعني لوجه الله. كان “هاكان” ينظر لشقيقه رشاد بشراسة وعروق رقبته تظهر مدى غضبه .. وظل رشاد يتراجع خطوات للخلف وهو يشير لهاكان بأن ينتظر ويستمع إليـه، بينما كان هاكان فقد رباط الجأش منه .. ولم ينتبه رشاد في عودته للخلف أنه خرج من البلب المؤدي للمسبح بالجنينة .. وبلحظة سقط فيه وهو يصرخ مستغيثاً …. فوقف هاكان على أطراف المسبح الرخامية بمزيج من الغيظ والسخرية وخلع قميصه الأسود الستان ليظهر صدره العريض وضيق خصره، ثم قال بتوعد قبل أن يقفز بالمياه : _ محدش هينجدك مني النهاردة. سبح رشاد مبتعدًا بمسافة لا بأس بها عن شقيقه ، ثم رفع رأسه بضحكة قائلًا ورأسه يتساقط منه الماء: _ وهو أنا قولت حاجة غلط ، هو مش ده اللي حصل يسطا ؟!. دفع “هاكان” بقبضته قطرات المياء بوجه شقيقه بغيظ، فأستقبل رشاد دفعة المياه بضحكة عاليةً ثم أضاف بأستفزاز : _ ده أنا مرضتش أقول الباقي احسن آنسة كحك العيد تفتكر أنك معجب بيها ولا حاجة!. ورغم غيظ هاكان من رشاد ألا أنه ابتسم بعد ذلك رغمًا على ما لقبّها به رشاد، فقال هاكان وهو يكتم ضحكته : _ بطل استظراف .. فعلًا كان عندها حق لما قالت عليك شبه طبق البامية .. وصف دقيق. ابتسم رشاد ابتسامة مستفزة وعلّق وهو يسبح بالمياه بتلذذ : _ برضه مش هتستفزني .. وبعدين تقول اللي تقوله مش زعلان ، ده كفاية البت اللي معاها يا جدع .. البت شعرها ورسمة عيونها من عالم تاني! … معرفتش أخد رقمها بس وغلاوة لورا عندك لأخده .. سبح” هاكان” برشاقة حتى مكان شقيقه، بينما هرب رشاد وسبح بعيدًا عنه ، وظل يلاحقان بعضهما لبعض الوقت، حتى أخرج رشاد رأسه وضحكا عاليًا من جديد، ثم خرج من المسبح هاتفًا بضحكات وهو يتوجه للداخل حيث غرفته بأحد الطوابق : _ هغيّر هدومي وراجعلك. سبح هاكان لبعض الوقت وأفكاره متجهة بغيظ من تلك الفتاة التي تصر لتؤكد له أنه لم يؤثر بها على الأطلاق كرجل !. وبعد دقائق كثيرة استند هاكان على أطراف المسبح لينهي تلك الجولة .. فتفاجأ برشاد الذي بدل ملابسه بملابس رياضية ويقف ناظرًا بابتسامة ماكرة له : _ بس قولي ولا تخبيش يا هاك .. أنت جيت قعدت معانا ليه وسيبت لورا والفوج السياحي .. لأ وكنت بتبصلنا بغيظ أول مرة أشوفه في عنيك ليا .. تقولش عدوك !. أخذ “هاكان” قميصه الأسود وهو يبعد خصلات شعره من على عيناه السوداء ، وطالع شقيقه بنظرة حادة متحدية وأجاب : _ خليك فاكر أنك أخويا وكل تصرفاتك محسوبة عليك وعليا كمان .. يعني تصرف غبي زي اللي عملته النهاردة لما روحت وقعدت معاهم بدون استئذان مش هيتفهم غير بحاجة واحدة وبس .. ولأني برضه عارف طريقة كلامك مع أي كائن أنثوي كان لازم أنقذ الموقف قبل ما سيرتك تبقى على كل لسان .. وأظن لولا أني قعدت كنت هتعك كتير أوي في الكلام. اومأ رشاد رأسه بموافقة ساخرة : _ هعمل نفسي مقتنع يا كينج .. بس اقولك الصراحة ، البت دي رغم أنها مش قد كده .. بس كاريزما، وبما أني بفهم في الكائنات الأنثوية ومعايا ليسانس فأحب أقولك سر … البنت الكاريزما أجمد من البنت الأمورة .. مش عارف .. بس حاسس أن ده ذوقك في النسوان؟!. ضيّق “هاكان” عيناه بدهشة وسألـه ليتأكد من ظنه : _ أنت تقصد ميـن بالكاريزما ؟! اتسعت ابتسامة رشاد بمرح: _ آنسة كحك العيد .. فر رشاد هاربًا بضحكة عالية عندما اندفع نحوه هاكان بغيظ، وبعدها وقف هاكان يسخر بإزدراء من تلك الفكرة .. لا يمكن أن يكون ذوقه بالفتيات متواضعاً لتلك الدرجة الحقيرة !. هكذا ردد في نفسه بتأكيد !. وبغرفـة “ليلة العيد” بمنزلـها … نظرت “لوتس” لتلك البلورة المضيئة وهي تضحك بقوة عندما رأت مشهد هاكان وشقيقه كاملًا .. حتى دخلت ليلة وهي تحمل بعضا من ملابسها ووضعتها بقفص الغسيل … ثم سحبت المنشفة من على شعرها المُبتل وقالت بتنهيدة ارتياح : _ خدت دش وهعرف أنام كويس .. أنتي كنتي بتعملي ايه ؟ تنفست لوتس بعمق ونظرت لها بابتسامة واسعة بعدما استطاعت أخفاء تلك البلورة قبل أن تعود ليلة : _ كنت بفكر في سركن أخويا .. أصله أصر أني ابقى بعيدة عنه الفترة دي لحد الميعاد المنتظر ونرجع . مشطت ليلة شعرها أمام المرآة واقترحت : _ يمكن عشان يحميكي .. اقتربت لوتس من ليلة وأخذت منها المشط وبدأت هي بتمشيط شعرها برقة : _ سركن محدش يقدر يقف قصاده زي ما أنتي متخيلة .. سركن أخويا بيتدرب تدريبات مميتة وخطيرة جدًا ودايمًا بينجح فيها بمنتهى السهولة .. من ناحية الأعداء فهو يقدر يحميني ، أنا حاسة أن في شيء تاني .. شيء مصمم يخبيه حتى عني أنا !!. نظرت لها ليلة بقلق والم : _ أنتي زهقتي من القاعدة معايا يا لوتس ؟ دهشت لوتس من ظنها، فجعلتها تلتفت اليها قائلة وهي تربت على خد ليلة بحنان : _ لا يا ليلة ماتقوليش كده .. أنا بس مستغربة، لكن أنتي خلاص بقيتي بنتي وحتة مني .. ومستعدة اعمل أي شيء عشان خاطر سعادتك… هو في أم بتزهق من بنتها ؟!. ضمتها ليلة بمحبة حقيقية، وكافحت حتى تخبأ دموعها فقالت بمزاح : _ طب ما تقوليلي بقا ايه التدريبات الخطيرة والمميتة دي ؟! عادت لوتس لتمشيط شعر ليلة ثم أجابتها : _ دي من أسرار المملكة وأسراره الشخصية كمان ، لكن اللي أقدر أقوله أنه يقدر يدخل أي معركة حتى وهو مخبي عنيه .. عبقري في فنون القتال بكل أنواعها اللي التاريخ ذكرها واللي مذكرهاش كمان .. سركن أتولد عشان يبقى دايمًا قائد. قالت ليلة بفخر : _ تاريخ مصر القديم والحديث كمان مليان بالشخصيات الاسطورية دي .. حضارة ٧ الاف سنة!. ضحكت لوتس بقوة وقالت بعدم تصديق : _ ٧ الاف سنة …! ، تاريخ مصر أعرق وأقدم من كده بكتير أوي .. عشان كده مصر هتفضل اللؤلؤة النادرة اللي هتفضل حلم للجميع .. الأسطورة اللي مالهاش زي. دهشت ليلة من حديثها، ولكن ما عكر مزاجها هو صوت خالتها سميرة وهي تصيح وتهتف بالشتائم الصريحة لليلة ، وذلك بسبب أنها تركت صنبور المياه تتساقط منه القطرات القليلة .. فقالت ليلة بغيظ: _ ربنا يرحمني منكم وتبعدوا عني بقا .. قالت لوتس بضيق : _ عارفة يا ليلة أنا كان ممكن أسيطر على عقلهم واخليهم يمشوا من هنا ويرجعولك حقك .. بس خوفت عليكي ، بمجرد ما أمشي وتأثيري عليهم يختفي مش هيسكتوا أبدًا وهيبهدلوكي على ما يرجعوا تاني .. ومتوقع منهم أي شيء … تألمت عينان ليلة وقالت : _ مافيش داعي لوجع القلب .. أصل بمجرد ما تمشي هترجع ريما لعادتها القديمة وأسوأ كمان .. يبقى خلينا زي ما أحنا وبلاها بهدلة. تسللت أشعة الشمس عبر النافذة التي غفلت “شقاوة” عن أغلاقها ليلة أمس من فرط سعادتها وأنشغال فكرها بذاك الغريب. تنهدت بكسل وهي تفتح عيناها بعد ساعات نوم طويلة .. كأنها لم تنم منذ عقود !!.. تثاءبت ومطت ذراعيها ثم اعتدلت بالفراش واعتلت ابتسامة على ثغرها .. وابتسمت بدفء عندما هجم على فكرها ما حدث ليلة أمس … شعرت بمزيج من البرودة والدفء ! .. وبحركة لا أرادية ارجعت خصلاتها الطويلة للخلف وظهر رداء نومها الخفيف الذي ظهر مساحة رقبتها كاملةً .. ولكنها كانت تظن أنها بمفردها تمامًا … بينما كان هو قبالتها على السطوح المقابل، متسمرًا من رؤيتها بتلك النعومة الخاسفة لمقاومته .. كان قد صعد بسط ذلك المبنى المهجور ليشم هواءً نقيًا .. وربما كان يرغب برؤيتها ، ولكنه لم يظن أبدًا أنه سيراها من خلال النافذة المفتوحة … وتنهدت شقاوة بابتسامة ثم نظرت للنافذة بتعجب، ولكنها تجمدت عندما وجدت عيناه الزرقاء تطلع اليها بها من السطح النقابل بذلك العمق .. سحبت شقاوة سريعا الغطاء على جسدها بتوتر وخجل وسترت ما يظهر من ذراعيها ورقبتها .. بينما استطاع سركن ابعاد عيناه عنها بقوة وظهر عليه الضيق من نفسه … وتحركت شقاوة وهي ملفوفة بالغطاء لزاوية بعيدة عنه وارتدت رداءً ساترا أكثر من ذلك .. وتنفست الصعداء ثم عادت للنافذة ونظرت له بارتباك وحياء .. فقال بإعتذار حقيقي : _ أقسم لم أقصد شيئًا بصعودي لهنا سوى أن اتطمئن عليكِ … لذلك كنت … ظهر التردد والحرج الشديد بصوته وهو يوضح : _ لذلك كنت أنظر من النافذة واحاول أن أراكِ بخير. أشرقت ابتسامتها وقالت بارتباك : _ أنا بخير يا سي غريب .. بخير ياخويا اتطمن .. وهو بعد اللي عملته في صبري امبارح هيفكر يعتب الحارة تاني ؟! .. الا صحيح أنت فطرت ؟!. رد قائلًا : _ ليس بعد .. ابتسمت وقالت : _ خلاص .. هبعتلك الولا بودة بعيش وطعمية وطبق فول من اللي قلبك يحبه .. قال “سركن” بصدق : _ ولكن قلبي لا يحب الفول والطعمية ؟! …. ومن هذا المدعو “بودة” ؟!. ضحكت شقاوة وظهرت غمازتيها : _ يا أخويا مش قولتلك تتكلم بالبلدي كده ، بس خلاص طالما بتحب النحوي احبه انا كمان واكلمك بيه … أومال ده أنا شقاوة البقلاوة!… فكرت شقاوة لبعض الوقت وكأنه تحاول تكوين جملة : _ المدعوق بودة هذا يكون أبن الولية جمالات بتاعة الخضراوات … ولا تنسى البقدونس والكرات يا سيدي. صاحت سماح فجأة من خلف شقاوة التي لا تعرف كيف تسللت للغرفة: _ انتي خدتي كورس نحوي يابت؟! صرخت شقاوة من الفزع ثم بصقت بغضب وهي تنظر لسماح مما جعل سركن يضحك بضحكة عالية اقتحمته فجأة .. فتغير مزاج شقاوة من ضحكته وقالت بتنهيدة وابتسامة حالمة وهي تستند بمرفقيها على حد النافذة الخشبية: _ تدوم الضحكة يا سي غريب. لوت سماح شفتيها وقالت بسخرية : _ مُحن مجرور بالكسرة !… نظرت لها شقاوة بعصبية وهي تخفي توترها : _ ما تصطبحي على الصبح ياختي .. قالت سماح بضحكة وحماس : _ مصطبحة ياختي وزي الفل .. أسكتي مش الولا سردينة عاد معتذرا ؟!. سخرت شقاوة وهي ترى السعادة بعينان سماح بارزةً: _ وأنتي عملتي ايه يا نفرتيتي ؟! ابتسمت سماح بحياء، ثم ضحكت ضحكة رقيعة عالية وأجابت بحياء مرةً أخرى : _ من فرحتي يابت عزمته على فسيخ .. هو أنا هقفله على الواحدة يعني .. ما يخوني عادي هو أنا الملكة ليزابسة ؟ ولا اكونش الملكة ليزابسة ؟….. وربنا لو كنت مكانه ما كنت هعبرني !. وتابعت سماح بسعادة وهي تصف : _ هو عاد معتذرًا من هنا ومالحقش يكمل كلمة قومت حدفاله كلمة بحبك في وشه كده قبل ما يعود غائبًا .. آآه مافيش وقت، لكن للأسف .. جري خائفًا !….. اكيد من الفرحة ؟ كتمت شقاوة ضحكتها ، حتى نظرت لها سماح بعمق وهي تفكر !! وبفيلا عائلة “هاكان”…. كان هاكان لا زال نائمًا عندما دقت الساعة الثامنة صباحاً، وهذا يخالف تمامًا مواقيت نومه وأستيقاظه الدقيقة. بينما نفخت بأذنه ” لوتس” وهي في هيئة القطة حتى يتثاقل رأسه ويظل نائمًا لأطول فترة ممكنة وتستطع تنفيذ ما فكرت به .. وهمست لنفسها بتفكير : _ دماغه ناشفة أوي بس هتلين
يمكن لما يشوف نفسه أمير وليلة العيد سندريلا يرق بقا يخربيته .. ونفذت لوتس فكرتها الكوميدية وهي تضحك وتلاعبت بالفعل بأحلامها ورسمت مشهدا ساحرًا وشاعريًا مثلما تقول الاسطورة .. وظهر على ملامح هاكان بعض الأنزعاج وهكذا بدأت بالفعل الخطة .. وكانت كالتاليـ….. _ يا آنسة .. نظرت “ليلة العيد” برداء الأميرات الفاتن، واقترب لها هاكان بابتسامة وقال : _ ممكن أعرف انتي مين ؟! اجابت ليلة العيد وهي على شفير البكاء : _ لما الاقي نضارتي الأول .. طالما مش شايفة يبقى مش هفتكر حاجة .. تنستر يارب لو دورتلي عليها .. تعجب هاكان منها ولكنه نظر حوله وهو وسط حشد غفير من المدعووين للقصر الملكي الذين ينتظرون العروس المختارة للأمير الشاب … وفجأة انتبه “هاكان” لشيء داكن مخيف بجانب احدى الطاولات، فاقترب لفحصه وتبيّن انه تلك النظارة البشعة .. فعاد لتلك الفتاة التي تغمض عيناها بضيق ووضع النظارة على عينيها قائلًا : _ كده تمام ..؟ فتحت ليلة العيد عيناها، ثم صاحت بسعادة: _ اللهي تنستر وما تتحط في ضيقة أبدًا .. ربنا يخليك ويعلي مراتبك مرتبة مرتبة .. ابتسم هاكان لها ولبساطتها ثم قال : _ طب ممكن تشاركيني الرقصة دي ونتعرف براحتنا ؟ جعدت ليلة العيد عيناها بذهول وصرخت بوجهه في غضب : _ أشاركك ايه يا عنيا ؟! … الرقصة ؟ .. ما تحترم نفسك يا راجل أنت ؟ .. أنت أمير أنت ؟! قال شاركيني الرقصة ونتعرف قال! .. أتت “نورمان “والدته وهمست بتساؤل وقلق بمزيج من التركية والمصرية : _ فيه إيه حبيبي ؟ نظرت لها ليلة بتعجب ثم قالت بأنفعال : _ ما تحوشي أبنك يا سلطانة هويام ؟! ما تربي أبنك ياختي ؟ … ده عايزني أرقص معاه ؟ .. أنا جاية أكل مش أرقص!. أشار لها هاكان بتحذير : _ وطي صوتك .. أو أقولك أطلعي برا .. (صرخت لوتس وقالت وهي تشاهد ما يحدث : _ سندريلا اللي مشيت وهو جري وراها مش طردها .. هتجيبولي جلطة ، حتى في الحلم بتتخانقوا !! .. ) نظرت له ليلة العيد بغضب وقالت : _ يعني هتطردني من الجنة ! .. وهنا قرر هاكان أن يأمر الحرس بأعتقالها بسبب الفوضى التي أحدثتها تلك الفأرة بين الحضور .. فهربت ليلة العيد وركضت للخارج ، وركض هاكان وحراسه خلفها ، وعندما سقط ” فردة حذائها” أخذها هاكان قائلًا للحرس : _ اقلبوا عليها البلاد .. لازم تلاقوها وتسجنوها .. بصقت لوتس في أذن هاكان بغيظ وقالت : _ يا مراري .. الامير كان بيدور عليها عشان يتجوزها وده بيدور عشان يسجنها !! .. ده أنتوا اللي يفكر أنه يقربكم لبعض يبقى متخلف!. واستيقظ “هاكان” وفتح عيناه فجأة كأنه مر بكابوسا بشع، اعتدل من الفراش وتنهد بعمق .. ثم نظر للساعة واتسعت عيناه بصدمة … فأسرع للحمام ليأخذ دشا سريع قبل أن يستعد للذهاب … ودقائق وكان يخرج وهو يجفف رأسه المبتل بالمنشفة .. بينما تسللت ابتسامة سريعا ما تحولت لضحكة عندما تذكر ذلك الحلم

•تابع الفصل التالي "رواية مديري مستر فرعون" اضغط على اسم الرواية

تعليقات