رواية مديري مستر فرعون الفصل السابع 7 - بقلم رحاب ابراهيم
وفجاة اندفعت يد صبري المصوّبةً بوجه شقاوة بقوة شرسة جعلته يصرخ من الألم، وسقط سلاحه في بئر دون غطاء، وجر "سركن" شقاوة خلف ظهره التي تشبثت بالفعل بمعطفه الجلدي وهي ترتجف ..
حدج " صبري" بالرجل العملاق الضخم هذا بدهشة ، لأول مرة يرى رجلًا بهذا الطول وعرض منكبيه رغم خصره المشدود برشاقة متناهية .. فقال وهو يبتلع ريقه بقلق ويحرك ذراعه المتألم بقوة:
_ وأنت مين بقا يا فتوة..؟!
لم يجيب "سركن" ولكنه عزم على تلقينه درسا لن ينساه بحياته، وعندما شعر صبري بالخطر القادم هتـف برجاله ليأتون إليه .. ولكنه تفاجأ أن رجاله أصبحوا أثنان من بين خمسة رجال أشداء .. ويبدو أنهم هربوا منذ قليل ..
أتى الرجلان ووقفا خلف صبري وظهر على وجيهما بعض القلق، بينما أندفع "سركن" وجرّ صبري من بينهما ولكمه لكمةً جعلته يصرخ من الألم وسقط أرضا بعدها .. وحاول أحد الرجلان الدفاع ، بينما تلقى ضربة مميتة على بطنه جعلته يسقط على ظهره صارخأ ..
ووقف الثالث ينظر لـ "سركن" محاولًا أن يجد ثغرة ليهزم هذا المخلوق العملاق .. فأخرج "مطواه" من جيبه ووجهها بوجه "سركن" .... وظل يحرك يداه بتلك المطواه كثيرًا ...
حتى وجد نفسه يجرّ من معصمه الذي التوى بعنف ويندفع بقوة شرسة نحو الحائط محدثا جرحا كبيرًا برأسه من قوة الاصطدام ...
وركضت "شقاوة" لـ سركن تتحامى خلف ظهره مجددًا وهي تنظر له بابتسامة وفخر ، حتى استدار هو وأخذها من معصم يدها حتى غرفتها على سطوح المنـزل ...
________________________________
وتحت قمر الليل ونسمات الهواء التي جعلت خصلاتها السوداء الغجرية تلتصق بجانبي وجهها .. ابتسمت شقاوة وقالت بنظرة شديدة العاطفة :
_ تسلم إيدك ... تسلم ويسلم شبابك .
نظر لها "سركن " بنظرة غامضة ، كأنه يعاتب نفسه على شيء ، كأنه يقاوم بكل قوته تلك المشاعر العنيفة الجامحة التي اقتحمت قلبه رغمًا وسريعا وبذلك العنف!!.. وهو قائد أقوى جيوش الأرض .. هزمته عينيها الكحيلة ! ..
كيـف وهو لطالمـا أعتبر الحب لا يصلح للرجال وغير مرحب به بعالمـه، يصبح الآن أسيرًا متنعمًا بأسره مبتسمًا ويطلب المزيد من قيودها ..؟!!
طال أنتظارها في رده فقالت بعتاب :
_ مش بترد عليا ليه ...؟
تحكّم "سركن" في نفسه ودقات قلبه العنيفة وأجاب بتقطيبة :
_ ماذا أقول ..؟!
أغتاظت للحظة من تمسّكه بطريقة حديثه تلك ، ولكنها قالت برقة وعاطفة بعد ذلك :
_ هقولك أنا .. تعرف أني لأول مرة في حياتي أحس أن ليا حد يقدر يحميني من بيومي وصبري واللي معاه .. وأنت بتضربه كنت عايزة اضحك بأعلى صوتي .. وأعيط برضه، وأقولهم أخيرًا ما بقتش خايفة منكم ..
نزلت دموع عينيها رغم أبتسامتها الصادقة، فـ رق قلب "سركن" لها بقوة، وأراد بوحشية أن يأخذها لذراعيه ويحميها من العالم بأسره ، ولكن هذا سيكون ضربًا من الجنون .. فتنهد بعمق وقال بشراسة :
_ قبل أي شيء لا تجعلي من جسدك عرضه لأنظار الرجال .. اليوم كنت على بُعد خطوات قليلة من ارتكاب مجزرة جماعية!.
اتسعت ابتسامتها رغم دموعها وقالت بإعتذار :
_ أنا غلطانة ووالله مش هتتكرر تاني وعزة جلالة الله ، هي بس البت أشجان العروسة كانت صاحبتي من زمان ، ووعدتها أني هحيي ليلتها .. مرضتش ازعلها لما جت وعزمتني .. بس والله ما هتحصل تاني لو الدنيا كلها زعلت مني .. أصل أنت عندك حق أوي يعني... وأنا ما يرضنيش زعلك.
نظر "سركن" لعيناها الذي لا يعرف كيف سرقت قلبه المغلف بأسوار فولاذية بتلك البساطة! .. ووجده نفسه سابخا بحبات عينيها السوداء ويقول :
_ تاهـت عيوني في بحور عيونـها، واختـار قلبي أن يغوصَ فيغرقَ، آواهُ من رمشٍ أحاط بعينـها .. سهمًا توغّـل في الوريد فمزقَ ..
قـال تلك الكلمات التي تعود لأحد الشعراء المعاصرين وهو يبتسم لعيناها بدفء شديد .. فقالت شقاوة بضربات قلب سريعة :
_ الكلام حلو أوي رغم أني مش فهماه يا سي غريب .. هسميك غريب ، طالما مش عايز تقولي اسمك.
اشتدت ابتسامة "سركن" وابتعد عنها وقرر أن يذهب ، فهتفت شقاوة بضيق :
_ طب أبقى كلمني بالبلدي كده عشان أفهمك ..
توقف سركن وهو ما زال مبتسمًا، ثم استدار لهـا وقال بنظرة اجتاحت قلبها :
_ يا رموش قتالة وجارحة يا بويا وعيون نعسانة وسارحة يا عين ..اديكي عمري بحاله يا بويا وأديني أنتي الفرحة يا عين ...
واتسعت ابتسامته الجذابة بشراسة عندما قال :
_ بعرف أتكلم بالبلدي وبأي لغة ولهجة ... أعرف كل حاجة عن كل العصور وكل الأزمنة .. بس بتعامل بس باللي بميل ليـه وبيعجبني .. ومش هفكرك تاني .. لبسك ده كله ، ما يتلبسش تاني ... ونامي وأنتي مطمنة .. محدش هيقدر يقربلك وأنا موجود.
غادر وعلى وجهه تلك الابتسامة الساحرة ، بينما تجمدت شقاوة بمكانها وفمها مفتوح بدهشة .. ثم قالت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بعدما غادر :
_ والمصحف بحبـه ... وعزة جلالة الله بحبـه .. وعهد الله بحبه .. ده بيغنيلي أغاني عبحليم .. يالهوي يا لهوي يالهوي.
وظلت تقفز شقاوة من السعادة مثل الصغار ..
_______________________________
وبالمحـل الفخم لبيع فساتين السهرة والزفـاف.
وقفت ليلة العيد أمـام مرآة كبيرة في غرفة البروڤا وتتمعن ببهجة انعاكسها بالمرآة .. فقد اصبح الرداء مناسبًا تمامًا ويظهرها كأنها تنتمي للطبقة المخملية في المجتمع .. بينما وقفت "لوتس" بجانبها تتفحص مظهرها بابتسامة واثقة بذلك الرداء الفاتن التي أختارته ليلة لها .. وقالت بثقة :
_ ياريت زوجي الوزير الأول "حات حوت" كان معايا دلوقتي ، عمري ما لبست أي شيء جديد غير وكان هو أول واحد يشوفه عليـا ويقولي رأيـه ..
ابتسمت لها ليلة وقالت برقة :
_ زمانكوا ما يختلفش كتير عن زمنا .. الست هتفضل ست في كل زمان.
ردت لوتس وقالت بحنين :
_ وحشني أوي ونفسي أرجع عشان أشوفه ، وفي نفس الوقت هيصعب عليا فراقك ؟ .. أنا خلاص بقيت معتبراكي بنتي وصاحبتي.
نظرت لها ليلة العيد بألم ، ثم ارتمت بين ذراعيها بدموع وقالت :
_ أنا اتحرمت من أمي بدري أوي .. وكمان مكنش ليا صحاب غير جارتي بثينة وللاسف عزلت من سنتين .. ودلوقتي ماليش بعد ربنا غيرك أنتي .. أرجوكي يا لوتس فكري في حل نفضل بيه مع بعض ..
ربتت لوتس على كتفي ليلة وقالت بحنان :
_ أنا جانبك .. حتى لو للفترة الباقية من وجودي هنـا .. لكن لو قررت أفضل معاكي هنا ده يعتبر في حد ذاته جريمة هتعاقب عليها بالطرد للأبد من زماني .. وأظن أنتي مش هتقدري تيجي معايا ؟
تألمت ليلة وقالت بأسى :
_ مش هينفع يا لوتس ارجع للزمن البعيد أوي ده .. يمكن أنا مبهورة بزمانكوا وبالحضارة والأمبراطورية المصرية العظيمة وقتـها .. بس أنا أتولدت في العصر ده ومش هعرف أعيش في غيره .. زي ما أنتي برضه مش هتعرفي تتأقلمي بسهولة هنا ..
ربتت لوتس على خدها برقة وحنان وقالت :
_ احنا الأتنين عايشين على نفس الأرض حتى لو كان الزمن مختلف .. بس كل ما توحشيني هطلب أشوفك .. مش هيكون في وداع أبدي ما بينـا أطمني ..
مسحت ليلة دموع عينيها وحاولت أن تتجاهل ذلك الخوف بقلبها من فراق لوتس وعادت تنظر لنفسها عبر المرآة .. فنظرت لوتس لحجاب ليلة ووجهها الباهت ، ثم رفعت عينيها لساعة الحائط وتمتمت :
_ فاضل ساعة ..
لم تفهم ليلة العيد الأمر وسألتها :
_ فاضل ساعـة على إيه ؟!
ابتسمت لوتس بمراوغة وأجابت:
_ على ميعاد نومي .. يلا بينا نخرج نتفسح شوية وتعزميني في المكان اللي أختاره ..
سألتها ليلة بضحكة :
_ أنتي لحقتي كمان تعرفي عناوين المحلات والمطاعم ! ..
غمزت لها لوتس بثقة :
_ لأني لوتس در مون .. زوجة الوزير الأول ، وشقيقة قائد جيوش البلاد "سركن در مون " .. يعني مش ست عادية !.
انتبهت ليلة لاسم شقيق لوتس الذي ولأول مرة تسمعه منها وقالت :
_ قائد الجيوش سركن در مون !! .. أول مرة اسمع اسمه.
اجابت لوتس بأسف :
_ في شخصيات تاريخية عظيمة جدًا وأبطال اتمسحوا من التاريخ بفعل فاعل .. اتمسحوا بإيد أعدائهم اللي كتبوا تاريخهم الخاص المزيف وألفوا بطولات وهمية لشعوبهم المهاجرة من كل حتة و المغيبة .. استوطنوا أراضي عمرها ما كانت ليهم وزعموا أنها أرضهم الأصلية .. وهما ولا ليهم تاريخ ولا أرض ولا شرف ولا عهد .. وللأسف كنت ضحية ساذجة لساحرة منهم وعرفت تشككني في جوزي وتسحرني .. ولكن لي لقاء آخر مع تلك الساحرة الملعونة.
فهمـت ليلة العيد حديث لوتس ، بينما قالت لوتس بغيظ :
_ مش عايزة أفتكر اللي حصل .. المهم دلوقتي نخلينا في نفسنا ...
نظرت ليلة للمرآة مجددًا بابتسامة ثم قالت وهي تنظر لوجهها وحجابها الغير متناسق مع الرداء الراقي :
_ همشي بالمنظر ده كده أزاي ؟ .. الفستان لا شبه الطرحة ولا الجزمة ...
تبسمت لوتس بوجهها وقالت :
_ الشارع اللي احنا فيه ده كله محلات .. يلا بينا نختار اللي أحنا عايزينه ..
وأخذتها لوتس للخارج .. وبعد مرور أكثر من نصف ساعة كانت ليلة ولوتس يخرجان من صالون تجميل ببعض اللمسات البسيطة بوجههن .. ولكنها لمسات أضاءت وبرزت جمالهن بنعومة ..
وأوقفت لوتس سيارة أجرة وأخبرته العنوان ، وحينما جلست ليلة داخل السيارة نظرت لها بتعجب وقالت :
_ أنتي عارفة المطعم ده منين ؟
قالت لوتس بنظرة ماكرة وبمراوغة:
_ سمعـت عنـه ..
تقبلّت ليلة العيد تلك الإجابة المختصرة ولم تشك أبدًا بالأمر ، بينما نظرت لوتس لتلك النظارة السميكة الملتصقة بوجه ليلة وقالت بعبوس :
_ ينفع تشيلي النظارة دي النهاردة ؟
لمست ليلة نظارتها بحركة لا إرادية وقالت :
_ لا ما ينفعش للأسف ، لأني مش هشوف لو قلعتها .. همشي أخبط في كل اللي حواليا ..
ربتت لوتس على يدها وقالت :
_ متخافيش أنا جانبك .
وابتسمت لها ليلة وخيّم الصمت بعد ذلك حتى توقفت السيارة الأجرة أمام مطعم فخم جدًا يبدو أن رواده من الأثرياء فقط ، فلا سبيل حتى للطبقة المتوسطة بزيارته .. وعندما خرجتا ليلة ولوتس من السيارة وقفن أمام المطعم المتلألأ اسمه على لوحة معدنية ضخمة مُعلّقةً..
وهنا سحبت لوتس نظارة ليلة العيد من وجهها وقالت :
_ شكلها مش مناسب أبدًا على الشياكة والجمال ده كله ..
اغتاظت ليلة من ذلك الأمر وهتفت بقوة :
_ لا لا .. هاتي النضارة بتاعتي ، صدقيني مش شايفة حاجة خالـص وهقع !.
اشفقت عليها لوتس لوهلةً، ولكن ذلك الأمر سيخدمها بشيئا ما ، فقالت :
_ أنا جانبك ومش هخليكي تقعي ، تعالي بس معايا من غير كلام.
وسحبتها لوتس للداخل قبل أن تعترض ليلة، بينما الرؤية أمامها كانت ضبابية بالفعل وكأن يطبق على عينيها لوح زجاجي مغبر بالأتربة الملتصقة منذ سنوات .. فما باتت ترى أي شيء غير أشباح وظلال تتحرك هنا وهناك.
وعندما دخلت لوتس وبيدها ليلة لداخل المطعم ، تجوّلت عينيها بكل الزوايا ، حتى رأت مرادها .. فكان "هاكان" جالسا مع وفد سياحي من خمسة أشخاص ومعه شقيقه رشاد جالسا بجانبه وعيناه المتلاعبة ترمق الشقراوات بمكر ..
تنفست لوتس بعمق ثم ابتسمت وهي تسحب ليلة وتأخذها لطاولة مقابلة تمامًا لطاولة هاكان !.
فانزعجت ليلة وقالت وهي تشعر بالضيق الشديد :
_ هاتي النظارة بتاعتي بقا يا لوتس والله ما شايفة أي حاجة خالص وحاسة بالخنقة ..
أجلستها لوتس على أحد مقاعد الطاولة ، وقد أختارت المقعد المناسب التي يجعلها مقابلة تمامًا لهاكان ويسهل عليه رؤيتها ، بينما هي تقريبًا تواليه جانبها الأيمن فلن تلتفت له بسهولة .. وبعدما جلست لوتس قبالتها وضعت بخفة تلك النظارة البشعة على عظمة أنفها .. فتنهدت ليلة وقالت وهي تتحسس نظارتها وتتنفس الصعداء :
_ آه كده تمام أوي ..
فابتسمت لها لوتس بعدما نالت مأربها وقالت :
_ رغم أنها مش ماشية خالص مع فستانك التحفة ده ، لكن سماح المرادي ..
_______________________________________
لاحظ رشاد بأن أحدى الشقراوات بالفوج السياحي ترمق هاكان بإعجاب وانجذاب شديد .. فهمس رشاد لهاكان قائلًا :
_ شكل القاعدة مطولة وغالبًا هتلاقي لورا طابة علينا دلوقتي .
انعقد حاجبي "هاكان" بدهشة وسأله بحنق :
_ لورا ؟! .. وايه يخليها تيجي هنا دلوقتي اصلًا !
حمحم رشاد بتوتر ثم اعترف :
_ أصل بصراحة هي اتصلت بيك كتير أوي ومكنتش بترد ،فبعتتلي رسالة على الواتساب تسألني عليك وكنا لسه في الشركة .. فقولتلها أننا في عشاء عمل وكده .. سألتني على العنوان وقولتلها عشان ما أنرفزهاش اكتر .. وبعدين قفلت ، بس متوقع انها على وصول .
رد هاكان بسخرية وعصبية وعيناه على التي تتجه نحوهما بنظرات غاضبة :
_ متوقع ؟! .. لا اتأكد ، لأنها جاية علينا
نظر رشاد للورا بدهشة، ثم همس لشقيقه :
_ طب الحمد لله أني جيت معاك والّا كانت حصلت مشكلة ..
رد هاكان بعصبية :
_ لو ضايقت أي حد من الناس اللي معايا هفض الجوازة دي وأخلص.
سخر رشاد وقال :
_ أنت أصلًا بتتلكك عشان تفركش !.
أتت لورا ووقف أمام الطاولة بنظراتها الغاضبة التي حاولت أن تخفيها بتلك الأبتسامة الملتوية وقالت :
_ مش كنت تقولي كنت جيت معاك !.
نظر هاكان لها بنظرة حادة منفعلة ومهددة كي تنتبه لتصرفاتها أمام الفوج السياحي والا تحدث أي شيء أرعن من أفعالها ، ورحب بها رشاد قائلًا :
_ طب اتفضلي أقعدي الأول وشاركينا السهرة ..
جلست لورا بحركة استفزت هاكان وجعلته يستشيط غضبًا، وكان رده أنه تجاهلها تمامًا وعاد لحديثه مع السياح بمزيج من الأنجليزية والفرنسية المتقنة .. ولكنه توقف فجأة بذهول عندما وقعت عيناه بالصدفة على الفأرة البائسة صاحبة أبشع نظارات طبية قد رآها في حياته .. ولكنها اليوم تختلف كثيرًا عن كل مرة رآها فيها ..
كانت تبتسم وتتحدث مع صديقةً لها تشاركها نفس الطاولة بعفوية وضحكة، ويبدو أنها لم تنتبه لوجوده من الأساس .. وهمس رشاد له قائلًا بتعجب وهو يشير لطاولة ليلة :
_ هي مش دي البنت أم اربع عيون اللي اسمها ليلة العيد ولا أنا غلطان ؟!
أجاب هاكان بهمس وعيناه المصدومة لا زالت واقفة على ليلة :
_ هي ..
قال رشاد باستغراب :
_ وايه اللي جابها هنا دي ؟! .. وبعدين هي ليه بتحلو عن كل مرة بشوفها فيها ؟!
تلقى رشاد ضربة خفيفة على جانبة الأيسر من ذراع هاكان الذي نظر له بحدة وقال :
_ بطل رغي وخلينا في الشغل ..
رد رشاد بتأفف وهو ينهض :
_ لا معلش فركش ... خليك أنت وأنا هستأذن.
وبالفعل استأذن رشاد للأنصراف ولم يعترض هاكان لذلك وعاد متحدثا مع الأجانب باندماج حقيقي ، حتى أن تجاهل لورا التي ترمقه بغيظ وعصبية .. بينما تفاجأ هاكان عندما رأى شقيقه يتوجه نحو تلك الفأرة وصديقتها المجهولة ..
___________________________
_مساء الخيـر ..
وقبل أن ترد أي من الفتاتان كان رشاد يجرّ مقعد ليجلس عليه وينضم للوتس وليلة على طاولتهما دون أي مقدمات.. فنظرت له ليلة بذهول للحظات من وجوده هنا، ثم قالت بدهشة :
_ أنت هنا ؟!
اتسعت ابتسامة رشاد وقال وهو يتفحص النظارة السميكة التي تشوه ذلك الرداء الفاتن التي ترتديه وتلك الطلّة الجذابة :
_ آه عادي يعني .. أنا وهاك أخويا دايمًا بنستقبل العملا هنا وفي كذا مكان تاني .. وحظك بقا أننا هنا النهاردة.
رددت ليلة العيد الكلمة بريقها الذي جف من الاضطراب والتوتر :
_ أنتم ؟! .... هو ..
قاطعها رشاد بابتسامة ساخرة :
_ آه .. النمر بتاع عيلتنا قاعد في الترابيزة اللي وراكي بشوية على جانبك اليمين ..اوعي تبصيله بقا ليبلعك.
كتمت لوتس ضحكتها، بينما ضحك رشاد ضحكة عالية جعلت هاكان يلتفت لهم بنظرات شرسة .. واستدارت ليلة ونظرت له بروع كأنه حقا سيبتلعها!، وهنا تأكد هاكان أنها بالفعل لم تعرف بوجوده .. ونظر لبعضهما للحظات .. كانت نظراته غاضبة منفعلة وغامضة، بينما نظراتها مرتبكة وخائفة وكأنها تفعل شيء ستعاقب عليه !! ..
فقالت لها لوتس بغيظ :
_ أنتي خايفة كده ليه ؟ .. هو انتي بتعملي حاجة غلط ؟!
تدخل رشاد وقال :
_ أيوة فعلا خايفة كده ليه ؟ .. أنتي قاعدة في مطعم مش في كباريه !!
ابتلعت ليلة ريقها بصعوبة وحاولت أن تتظاهر بالثبات رغم نظراتها المرتبكة بشدة .. وبعد قليل طلب رشاد عدة أطباق شهية لهم وقال بعد ذلك :
_ أنا عازمكم النهاردة بعد أذنكم طبعا ، وهأكلكم بقا نوع سمك هتدمنوه زيي ..
اعترضت ليلة :
_ أنا أسفة لكن ما ينفعش ..
تجاهل رشاد شعوره الأكيد بعدم ترحيبها به وظل جالسا رغم ذلك كعادته مع الفتيات، وقال بابتسامة يعتقد أنها جذابة :
_ اللي ما ينفعش اني أمشي وأنا جعان ، واكيد مش مقبول أنك تدفعيلي ! .. أنا الراجل هنا ، يبقى أنا اللي أدفع ..
حاولت ليلة أن تعترض ولكن لوتس غمزتها لتصمت ، كانت لوتس تراقب من بعيد هاكان الذي اصبحت عيناه أكثر شراسة كلما رمق شقيقه يتحدث ويمزح ويطيل الحديث بإرياحية ..
فهمست لوتس لنفسها بخفوت :
_ أنا هعرفك الفارة دي ممكن تعمل فيك ايه يا المغرور .. اهي قاعدة هانم اهيه ومش معبراك وأنت عينك هتطق شرار عليها .. عشان تبقى تحترم نفسك وتعرف بتتعامل مع مين ..
ظل رشاد يتحدث ويضحك على نكاته السخيفة حتى يأتي الطعام ، بينما أنهي هاكان مقابلته مع السياح إجبارًا ونهض من مكانه وتوجه نحو طاولة ليلة بخطوات رشيقة .. وترك لورا كأنها هواءً غير مرئي !.
وكان قلب ليلة العيد سيقف عندما تخلل أنفاسها عطره الخاص والمميز وادركت أنه تقريبًا خلفها ... ولكن الذي أذهل الجميع هو عندما جرّ "هاكان"مقعد وجلس بجانب مقعد ليلة العيد !! ....
نظرت له لوتس بتعجب رغم خطتها المحكمة، وكانت ستحاول السيطرة على عقله ولكن تراجعت ، هي تريد أن ترى ماذا يريد أن يفعل وما يخبأه بداخله حقا ...
وتعجب رشاد لبعض الوقت وهو ينظر لشقيقه ، حتى قال هاكان بابتسامة يظهر من خلفها الغضب وأشار للورا أن تأت وتنضم إليهم :
_ تعالي ..
أقتربت لورا بخطوات بطيئة وودت لو تركض من هنا وتنهي تلك المهزلة ، ولكنها جلست بجانب لوتس بالمقعد الوحيد الخالِ .. فأطلق رشاد نكتة لينقي الأجواء من ذلك التوتر ، ولكن لم يبتسم أحد !!. .. فعبس وقال لليلة :
_ أنا مبسوطة بجد أني شوفتك هنا النهاردة أنتي وقريبتك .. بس أنتوا بتيجوا هنا على طول ولا دي أول مرة ؟
كان يعرف أن سؤاله يبدو سخيفًا، ولكن لم يجد أمورا يضيّع الوقت فيها ، فأجابت لوتس بثقة :
_ تاني مرة نيجي هنا ، لولو مكنش عاجبها المكان خالص بس أنا اللي صممت نيجي هنا ..
ضيق هاكان عيناه بسخرية .. بينما ازدردت ليلة العيد ريقها بقوة والتزمت الصمت وهي تعي انه يسخر منهن في تفسه .. وعندما التهب الغضب بقلب لورا من نظرات هاكان لتلك الفتاة ذي النظارات البشعة قالت بسخرية :
_ هي مش دي يا رشاد ليلة العيد اللي كنت بتحكيلنا عليها ؟! .. وصفك ليها فعلا صحيح .
وضحكت لورا بسخرية واتضح أن ليلة كانت سخرية لهاكان وأسرته وتلك الفتاة التي لا تعرف للآن من هي !.
امتقع وجه رشاد واغتاظ من لورا ، بينما تحدث هاكان موجها الحديث للورا بصوتً حاد :
_ لورا ...!!!
فقال رشاد جملته ليرد الصاع للورا :
_ آه هي .. هي نفس البنت اللي هاكان أخويا قال عليها شاطرة وممتازة ومناسبة جدا للشركة .. ولا مش فاكرة لما قال أنه هيساعدها لحد ما تكمل دراستها وبعدين يوظفها في المكان اللي تستحقه !. .. نسيتي ده كله ولا ايه ؟!.
تسمرت ليلة في مكانها وتسحبت نظرتها بدهشة نحو هاكان، الذي اصبحت عيناه كالجمر الملتهب من الغضب وهو ينظر لشقيقه رشاد !.
____________________________
•تابع الفصل التالي "رواية مديري مستر فرعون" اضغط على اسم الرواية