رواية من انا الفصل الثاني والثلاثون 32 - بقلم حليمة عدادي
من انا
البارت 32
كان لقاؤنا أشبه بالحلم... صعبًا لكنه لم يكن مستحيلاً. كثيرًا ما خشيت الفقد، خشيت أن تمرّ الأيام دون أن أراك.
كنت أرفع يدي إلى السماء داعيًا الله، كنت دعائي في سجودي، ورجائي في كل لحظة.
كنت الحلم الذي يزورني كل ليلة، وكنت النور حين خيّل إلي أن الظلمة تبتلعني.
كنتِ الربيع حين صار خريفي قاسيًا، وكنتِ الحياة حين ظننت أنني انتهيت. حرمت عيني من النوم، وجاهدت وقتي وتعبت جسدي، كل ذلك من أجل لحظة حلال تجمعني بك.
واليوم... قد جاء ذلك اليوم، اليوم الذي بكيت من أجله، ودعوت الله ليلًا ونهارًا كي يجمعنا في طاعته.
اليوم هو يوم لقائنا في الحلال، يوم نُعلن فيه للعالم أن الدعاء قد استُجيب، أن الأمل لم يُخذل. اليوم أنظر إلى عينيكِ، أرى فيهما ربيعًا لا يزول. اليوم نُتمم وعدنا، وتبدأ رحلتنا.
كان الجو مليئًا بالبهجة والفرحة، الجميع يتحرّك بسعادة. من يركض، ومن ينشغل بترتيب المكان ليكون بأبهى صورة. كانوا جميعًا في قلب المزرعة، حيث اختار العروسان أن يكون زفافهما وسط الطبيعة الخلابة، بين الأشجار والزهور.
الأطفال يركضون ويضحكون، وأصوات الأهل تعلو بالمباركات. الموائد تُمَد، والكراسي تُصف، وروائح الطعام تتصاعد من داخل البيت الريفي.
اليوم ليس يومًا عاديًا... إنه زفاف جوهرة العائلة "مريم"، ورفيق دربها "مؤمن".
اجتمع الأحباب من كل مكان ليشهدوا هذا اليوم، حيث الفرح يملأ القلوب.
فجأة، خرجت "تقى" تركض من داخل البيت، تبحث بعينيها عن "يونس"!
كانت “تقى” خطواتها سريعة، وعيناها تتلفتان في المكان.
وفجأة، شعرت بيدٍ تمسك بها من خلف إحدى الأشجار!
كادت تصرخ، لكن يدًا أُخرى وضعت برفق على شفتيها. رفعت رأسها بسرعة، فاصطدمت عيناها بعينيه... كان "يونس" يبتسم، يحاول كتم ضحكته وهو يرى ملامح الغضب في عينيها.أبعد يده وقال وهو بيضحك:
-بلاش تتعصبي كده، اهدي... أنا عملت كده علشان كنت بدوّر عليكِ.
نظرت له بغضب وقالت:
–”يونس”؟ كنت هصرخ والله، فكرتك حد غريب!
ضحك أكتر وقال:
–طب خلاص... حقك عليَّ. بس إنتي فين؟ بدوّر عليكِ من بدري.
ارتخت ملامحها، وتلاشى الغضب من عينيها، ثم أخذت تتأمل المكان بشرود، وابتسامة دافئة ترتسم على شفتيها، وهي تنظر في كل ركنٍ من أركان المنزل. وما إن وقع بصرها على المدخل حتى قالت بصوتٍ يحمل الحنين:
-فاكر يا “يونس” أول يوم اتقابلنا هنا؟ فاكر لما خبطت على بابك وقلبي كان بيترعش من الخوف؟
ضمّها “يونس” بذراعيه برقة، وابتسامة مشرقة على وجهه، وقال:
-كان أحلى لقاء في عمري، و أجمل ليلة... كنت تايه وحزين، ومكنتش أعرف إن "توتيه" هتدخل حياتي وتملّاها حب.
ابتسمت وهي ترفع رأسها إليه، تنظر في عينيه نظرةً ملؤها السعادة والبريق والحب، وقالت بصوتٍ خافت:
-يومها قلبي اطمن ليك يا “يونس”... مكنتش أعرفك، بس قلبي حس بيك... حسيت معاك بالأمان.
طبع قبلة على جبينها، وهمس وهو يضمّها إليه أكثر:
-وأنا من يومها ماعرفتش طعم الراحة غير في حضنك... حبك علّمني إن الأمان مش مكان... الأمان هو إنتِ.
نظرت إليه، وعيناها تنطقان بما يعجز اللسان عن قوله. كان كلما التقت نظراته بنظراتها، شعر وكأنه يغوص في متاهة لا سبيل للخروج منها، وكأن الزمن قد توقف عند تلك اللحظة.
لكن سحر اللحظة انكسر فجأة بصوت “شهيرة”، تصرخ من خلف الشجرة تنادي على “تقى” وهي تفتش عنها بين الأغصان.
انتفضت “تقى” من وقع الصوت المفاجئ، واتسعت عيناها بدهشة، وضعت يدها على خدها، وبالأخرى ضربت “يونس” بخفة على صدره وهي تقول بلهجة تحمل عتاباً ممزوجاً بخجل:
-آه منك يا “يونس”، بعتوني علشان أسألك العريس و”حسام” هيوصلوا امتى، نسيت نفسي معاك!
ضحك “يونس” ضحكة خفيفة، وتقدّم خطوة إلى الأمام كي تراه “شهيرة” بوضوح، ثم رفع صوته قائلاً:
-”شهيرة”، تعالي، “تقى” هنا!
أنهى كلماته، ثم وقف إلى جانب زوجته، يسند ظهره إلى جذع الشجرة، والضحكة لا تزال ترتسم على ملامحه وهو يراقب ملامحها الطريفة وفمها المفتوح بدهشة لا إرادية.
أقبلت الأخرى مسرعة، وما إن
وصلت حتى أمسكت بذراع “تقى” وهزّتها برفق، تتصنع الغضب:
-”تقى”! كل ده علشان تسأليه بتهرجي والله؟ ساعة واحنا واقفين مستنيين، وانتي قاعدة هنا!
دارت “تقى” بعينيها نحو “يونس”، وحدّقت فيه بغضب صامت، ثم تمتمت بغيظ وهي تشير إليه بشفتيها:
-مليش دعوة، هو إللي أخرني يا شوشو، يالا نروح!
حاول “يونس” أن يخفي ضحكته، ثم قال موضحًا:
– هما قرّبوا يوصلوا، جهزوا نفسكم بس.
وما إن سمعت “شهيرة” تلك الكلمات، حتى انطلقت مسرعة، فيما نظرت “تقى” إلى فستانها بذهول، ثم عادت بنظراتها إليه وقالت بتوتر:
-شفت أنا لسه ما جهزتش نفسي! كله بسببك يا نونوس، حتى الفستان ماغيرتوش لغاية دلوقتي!
ضحك يونس وهو يقول:
-هو أنا عملت إيه يا توتة؟ مش إنتي شريكة في التأخير! يالا بسرعة، أنا هشوف الضيوف
ركضت “تقى” إلى الداخل، حيث كانت الفتيات ملتفّات حول العروس، يضعن آخر لمسات الجمال على هيئتها.
كانت تتلألأ كنجمة في سماء صافية، تدور حول نفسها بابتسامة تزين ثغرها، وعيناها تراقبان انعكاسها في المرآة كأنها لا تصدق أن هذه هي.
صوت الغناء والتصفيق ملأ الغرفة، والفرحة تنساب بين ضحكاتهم.
أمسكت “مريم” طرف فستانها، محاولة الانتهاء من زينتها، بينما “شهيرة” نظرت إليها وضحكت قائلة:
-إللي يشوفك وانتي فرحانه كدة مايشفش يوم صويتك أول ما شفتيه؟
انفجر الجميع ضاحكين، بينما “مريم”
نظرت لهم بعبوس مصطنع وقالت:
-كفاية ضحك بقى! بس والله كان لقاء مميز... أنا كنت فكراه عفريت!
انهالت الضحكات حتى دمعت أعينهن، فلم يكن أحد يتوقع أن ذلك اللقاء العفوي سيكون بداية لقصة حب كبيرة تُتوَّج الليلة.
مرّ الوقت سريعًا وسط الغناء والمزاح والذكريات، حتى دوّى من الخارج صوت الزغاريد، يليه تصفيق حار، معلنين وصول العريس والمأذون.
ارتفعت أصوات الفرح كأنها معزوفة موسيقية خفية.
صعد “أحمد”، والد العروس، بخطى ثابتة وابتسامة فخر، واقترب منها، قبّل جبينها ثم أمسك بذراعها برفق، وبدأ معها أولى خطواتها نحو فصلٍ جديد من الحكاية.
في الخارج، كان “مؤمن” واقفًا في هدوء أنيق، يرتدي بدلته السوداء التي أضفت عليه هيبة وجاذبية، شعره مصفف بعناية، وعيونه لا تفارق باب المنزل المطل على الحديقة، ينتظرها بنفاد صبر، كأن طلتها وحدها تعيد له الحياة.
»والله كنت ميت من غيرها، وبحيا لما بشوفها«، – تمتم لنفسه.
ما إن ظهرت، حتى بدت كفراشة بيضاء ترفرف بهدوء، تمسك بذراع والدها، وكل العيون تلاحقها بإعجاب.
“مؤمن” تمنى لو يستطيع أن يخفيها عن أنظار الجميع، أن يضع بينها وبين العالم ستارًا، فهي له وحده.
يا للعجب! من كان يتسلل إلى غرفتها خلسةً بالأمس، ها هو اليوم واقف منتظرًا اللقاء على سنة الله ورسوله.
لم يرفع عينيه عنها حتى وقفت أمامه. دنا منها بسرعة، كأنه يركض، مدّ يده ليمسك كفها... لكن “حسام” كان أسرع، وقف بينهما!
والدهشة علت وجوه الحاضرين.
ارتفعت همهمات الاستغراب، حتى قال “حسام” بجدية مرحة:
-لأ يا جماعة، مش هينفع يلمس إيدها غير لما نكتب الكتاب! المأذون موجود، يلا نبدأ.
تنفّس “مؤمن” براحة بعدما توتر للحظة، وظن أن شيئًا قد حدث.
ثم توجه الجميع إلى أماكنهم، وبدأت مراسم عقد القران وسط جو مليء بالفرح، والعيون تلمع بالدموع والضحكات.
نُطق الإيجاب والقبول، ووقّع “مؤمن” بخطٍ ثابت، ثم نظرت إليه هي بابتسامة خجولة... لقد أصبحت له.
أمسك بكفها أخيرًا، دون حائل أو حرج، وسط زغاريد الفرح وتصفيق المحبين.
وقبل أن يتعانق الجمع بالتهنئة، صدح صوت المأذون بصوتٍ مهيب:
"بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير."
كأنّ البركة نزلت على القاعة كلها، فعمّ الهدوء لوهلة، ثم انفجرت الأصوات من جديد بفرح صادق، معلنين بداية حياة جديدة كُتبت بالحلال، وبالحب.
انهالت عليهم التهاني من جميع الحضور، وكانت الفرحة سيدة المكان. نظر “مؤمن” إلى “مريم”، ولأول مرة تأمل ملامحها دون خوف أو قلق، ولأول مرة نظر إلى عينيها، وسقط أسيرًا لنظراتها.
لم يعد يشعر بالعالم من حوله، وكأن المكان أصبح ساكنًا في حضورها. حتى لسانه انعقد، وحشرت الكلمات في حلقه، وكأن حديثها ألقي عليه سحره. طال يتأملها، وهي تكاد تنصهر خجلًا. أصبحت يده ترتعش، وعيونها تكاد تدمع من شدة توترها.
انتبه “مؤمن” لحالتها، فرفع يده، ممسكًا رأسها بين يديه،
ثم طبع قبلة على جبينها، ابتعد عنها قليلاً، ثم قال بصوت يحمل في طياته حبًا لا يعرف كيف يعبر عنه:
-أنتِ عوض تعب سنين، أنتِ دواء بعد داء. مش عارف أعبّر عن اللي في قلبي، لكن اللي عايز أقوله إنك كنتِ دعوة كل ليلة، والله استجاب.
أحنت رأسها خجلًا من كلماتِه، ثم حركت شفتيها ببطء، كأن الكلمات هربت من فمها، ثم قالت بصوت رقيق:
-وأنتَ كنت دعوة مستجابة، يا “مؤمن”.
ابتسم مؤمن من كلماتها التي لامست قلبه. لم يكن يعرف معنى الحب من قبل، لكنه الآن يعيشه بكل معانيه مع عائلته الجديدة، مع زوجته، جوهرته كما أطلق عليها. أمسك كفها بحنو، ثم قال:
-أنا محظوظ إني أسعد إنسان في الدنيا، علشان ربنا رزقني عيله وزوجة صالحة. حاسس إن عوض ربنا جميل جدًا، وأي حاجة مهما كانت صعبة، دايمًا بتتيسر.
ثم تابع مازحًا، محاولًا إخراجها من خجلها وتوترها، قائلاً:
-بس مش هنسى لحظة لما كنتِ فاكرة إني عفريت، لما كنتِ تقعدي تشوفي أفلام رعب وأنا قاعد في الركن أتفرج معاك.
كتمت ضحكتها واتسعت عيناها بدهشة، ثم قالت بصوت متسائل:
-أنت كنت قاعد تشوف معايا أفلام الرعب؟ يا نهار أسود!
ضحك “مؤمن” بخفة، ثم استمر في الحديث معها حتى نسيت خجلها وتوترها.
بينما كانت السعادة تملأ المكان، قدمت أشهى الأطباق للحضور، وأصوات الأناشيد الدينية أضفت على المكان بهجة وسكينة.
على الجانب الآخر، جلست “تقى” بجوار “يونس”، تغمرها سعادة غامرة بعد معاناة طويلة.
بعد فقدان والدها، شعرت باليُتم والوحدة، لكن حين التقت “بيونس”، شعرت وكأن القدر قد أرسل لها سندًا وأمانًا جديدًا، جاء ليملأ حياتها طمأنينة وسكينة.
لم تكن تعرف حينها من تكون، وكان سؤال "من أنا؟" ينهش عقلها دون توقف، لكنها حين نظرت إليه، شعرت أنها وُجدت. لم تتذكر الكثير، لكنه كان أول ذكرى، وأجملها.
نظر “يونس” إليها فوجدها تبتسم ابتسامة صافية نابعة من القلب، يشعّ من عينيها بريق فرح لم يره من قبل.
تنهد في صمت، يشكر الله على هذه النعمة. من دونها، كان تائهًا، يبحث عن نفسه وسط الوجود، يسأل "من أنا؟" ولما وجدها، عرف ذاته، ووجد هويته.
عوّضته عن الكثير، واحتملت لأجله ما لم يحتمله غيرها. أحبته وقت أن نفر منه الجميع، وساندته حين ظن أنه بلا سند.
ابتسم وهو يتذكر تفاصيلهما سويًا، ثم أخذ كفّها بين يديه وطبع عليه قبلة، فالتفتت إليه والبسمة لا تزال مرسومة على شفتيها، ثم قالت:
-عارف يا “يونس”، النهاردة فعلاً صدقت إن ربنا بيعوّض، وإن بعد كل وجع لازم ييجي فرَج.
بادلها الابتسامة، ونظر في عينيها بعمق، ثم قال:
–أيوه، عندك حق. ربنا دايمًا بيبعت العوض اللي يداوي قلوبنا. أنا كنت فاكر هعيش العمر كله لوحدي وحزين عشان شكلي! ومؤمن كان فاكر عمره هيضيع في الشارع، و “حسام” كان فاكر إن “شهيرة” خلاص راحت ومش هترجع له أبدا .. يوم حلو... بس سبحان الله، كان جوا كل واحد فينا نقطة أمل، وربنا عمره ما بينسى حد.
نظرت له “تقى”، ثم ضمّت ذراعها بذراعيها وأسندت رأسها عليه، وقالت بصوت خافت:
–”يونس”، ممكن في يوم تبص لواحدة غيري... لو أنا مبقتش حلوة؟ أو... تبعد عني؟
رفع وجهها براحة كفّيه، ونظر في عينيها وهو يهمس بثبات:
-عيوني عميانة عن الكل... ومابتشوفش غير توته. ولو فكرت تبص على حد تاني، هشيلهم من مكانهم وأبقى أعمى. وقلبي ده، سكنتي فيه من زمان، ولو يوم حب غيرك، هأسكته. أنا حبيت حنية “تقى”، طيبتها، شجاعتها، ونُبل قلبها... وجمال القلب عمره ما بيروح. خليه مطمن، لأنه هو اللي ملكني.
ابتسمت “تقى” بحب، وهمست وهي تشد ذراعه ناحيتها:
– وقلبي مطمّن طول ما أنت جنبه... يا نونوسي:
إلى جانب إحدى الشجيرات، جلست “شهيرة” ممسكةً بيد “حسام” وهو عابس الوجه، ثم قالت:
-حوسو، أنا نفسي أرقص بجد، مش ده فرح مريومة؟ لازم نفرح بيها.
تنفس “حسام” بصوت عميق، ثم نظر إليها بجدية وقال:
-”شهيرة”، إنتِ مش شايفة الرجالة اللي هنا؟ معقول عايزه تترقصي والناس تبص عليك!، وبعدين ده فرح ديني مش فرح أغاني للرقص. اقعدي في مكانك قبل ما أكسر دماغك.
انفجرت ضاحكة بخفة وهي تتأمل ملامح وجهه الغاضب، وعيناها تدمع. ثم أمسكَت كفه برفق وقالت:
-بهزر معاك يا حوس، إنت عارفني كويس. بس حبيت أشوف هتقول إيه، أو لسه بتغيير زي زمان؟
ابتسم بحب، وتدفق في قلبه شعور بالحنين لتلك الذكريات الجميلة. تذكر عندما كانوا صغارًا وكان يغار عليها من أي شيء، حتى من والدها أو شقيقه.
كان حبهم ليس كأي حب، بل كان جزءًا من قلبه منذ الطفولة، حافظ عليها كثيرًا حتى من نفسه، كان يريد أن يتجمعا في الحلال، ولكن شاءت الأقدار أن يتفرقا ثم يجتمعا في الحلال.
نظرت إليه بعينين مليئتين بالعشق، وكأنها تراه من جديد في كل لحظة. كان حبها له قد تخطى حدود الحب العادي وأصبح عشقًا مكتوبًا في القلب. كان هو سندها منذ طفولتها، ومنبع قوتها.
تنفست براحة وقالت وكأنها تقرأ ما في ذهنه:
-كانت أجمل أيام، يا “حسام” اتعذبنا واتفرقنا لكن ربنا كتب لينا لقاء جديد.
استدار إليها ثم قال:
-كان عندي أمل كبير في الله. كنت بزعل وأقول ليه ده بيحصل معايا؟ لكن لما عرفت إن الخير في ما اختاره الله، عرفت إن يمكن لقائنا في اليوم ده كان خير لينا.
-صح يا “حسام”، بس أنا كنت خايفة أوي لما رجعت ولقيتك مش عايز تكلمني، لحد ما بصيت لي يومها وطمنتني، وفي يوم جوازنا، اطمأن قلبي.
استدار بكامل جسده إليها، ثم أمسك بيدها بين راحتيه ونظر في عيونها وقال:
-روحي، تطمئن في وجودك. حتى قلبي كان مات لغاية ما رجعتي، وعاش من جديد. بلاكي كانت الحياة ضلمة، إنتِ بصيص نور رجع لي الحياة.
دمعت عيونها وهي تستمع إلى كلماته، ثم قالت بصوت تغلغلت فيه السعادة:
-أتمنى نفضل طول العمر مع بعض، جنب بعض، نطمن بعض ونساند بعض في الدنيا دي.
ابتسم ثم قال:
-استني، هقولك كلام حلو على اسمك.
ضحكت “شهيرة” وهي تنتظر كلماته. تنفس “حسام” بعمق ثم قال:
-اسمك يحمل في كل حروفه معاني قد أوقعتني أسيرًا. كل حرف فيه، لوحده، كان رسالة حب.
-في حرف "ش"، أنتِ الشمعة اللي أنارت حياتي. كنتِ النور في أيام الظلام، كلما شعرت بالضياع، كانت نظرتكِ هي التي ترشدني، مثل الشمس التي تشرق في الصباح وتضيء كل مكان حولها.
ثم أضاف:
-في حرف "هـ"، عيونك هاوية ساحرة، أوقعتني فيها من أول لحظة. لما بشوفك، بحس إني أغرق في بحر عيونك، بس مع كل غرق، كنتِ دائمًا الطوق الذي أنقذني، مكان الأمان اللي ما لقيته في أي مكان تاني.
ثم تابع بحب:
-أما في "ي"، فأنتِ "يأوي" إليّك قلبي كلما ضاقت بي الدنيا. لما كانت الحياة صعبة، كنتِ ملجأي وملاذي، أنتِ الأمل في كل يوم. قلبك هو ملاذي الوحيد، هو الأمان اللي ما لقيته في أي مكان تاني.
ثم ابتسم وقال:
-في "ر"، رهنتُ على قلبك من أول لحظة، وكل يوم كنتِ تملكين فيه جزءًا جديدًا من روحي. ولا يوم حسيت إني خسران، لأنك إنتِ المكسب الحقيقي في حياتي.
أخذ نفسًا عميقًا ثم أكمل بحب:
-وفي "ة"، خاتمة حبك هي أسطورتنا اللي هتفضل مخلدة في قلبي للأبد. إنتِ بداية ونهاية، إنتِ كل شيء في حياتي. "ة" هي النهاية الوحيدة اللي بحبها، خاتمة ما فيش لها مثيل، خاتمة حبنا اللي مفيش بعد كده.
نظر إليها بحب عميق وقال:
-كل حرف في اسمك، يا حبيبتي، هو جزء مني، من قلبي، من روحي.
في تلك اللحظة، كانت “شهيرة” تنظر إلى “حسام” بعينيها المليئة بالحب، والدموع تلمع في عينيها. كان صوت “مريم” يملأ الأرجاء، حيث اجتمع الجميع لالتقاط صورة تذكارية تعكس حب العائلة ودفئها.
كانت تلك الصورة تجمع بين الابتسامات والنظرات اللامعة، وكل الوجوه تحمل ملامح الفرح، وكل القلوب مليئة بالسكينة والاطمئنان.
كان كل فرد في تلك اللحظة يشعر بالسعادة الحقيقية، كما لو أن الزمن توقف ليحمل في طياته لحظة نادرة.
تجمعوا جميعًا حول “مريم”، وكانت هي في وسط الصورة، ممسكةً بيد “مؤمن” الذي كان يقف إلى جانبها، وعينيها تحكي قصصًا من الفرح، بينما كانت ابتسامتها تضيء المكان، وكأن ضوءها يكتب أسطورة جديدة من السعادة.
على الجانب الآخر، كانت “تقى” تقف إلى جانب “يونس”، حيث كان يحتضنها بذراعه، وعينيه تراقبها بحبٍ عميق، لا يلتفتان نحو الكاميرا.
أما “شهيرة” فكانت تقف بجانب “حسام”، ممسكةً بيده، وبسمة مشرقة تملأ وجهها، وعينيه تشع بنور الطمأنينة وكأن قلبه وجد راحته بجانبها.
أما باقي أفراد العائلة، فقد وقفوا معًا، يشاركون في تلك اللحظة الجميلة، وكأنهم قطعة واحدة.
ثم التقطت الكاميرا تلك الصورة، التي لم تكن مجرد صورة عادية، بل كانت ذكرى تحمل في طياتها روحًا من الحب والصفاء. كانت لحظة تجسد الوفاق العائلي والسعادة البسيطة التي لا تقدر بثمن.
كان “يونس” يقف هناك، وسط العائلة، يتأمل اللحظة بكل تفاصيلها. تذكر كل تلك اللحظات التي مر بها، وهو يسأل نفسه مرارًا:
*"من أنا؟"* كانت الأسئلة تتراكم في قلبه وعقله، يبحث عن إجابة في زوايا الحياة، في تجاربه، في الوجوه التي مر بها، وفي الأماكن التي زارها. لكنه لم يجد جوابًا يُرضي قلبه؛ كان يشعر دائمًا بنقص، وكأن هناك شيئًا ناقصًا في روحه.
ثم جاء اليوم الذي وقفت فيه “تقى” بجانبه، فشعر بشيء مختلف. كان ذلك الشعور الذي لا يمكن تفسيره بالكلمات، وكأن شيئًا في قلبه بدأ يكتمل. وعندما اجتمع الجميع حول مريم، وكانت العيون تلمع من الفرح، بدأ يونس يتساءل مجددًا:
*"من أنا؟"* لكنه هذه المرة لم يكن يبحث عن إجابة بعيدة أو غامضة، بل وجد نفسه هنا، في وسط عائلته، في لحظة حب لا توصف.
في تلك اللحظة، بينما كانت الابتسامات تملأ الوجوه، والقلوب تفيض بالسلام، أدرك “يونس” أنه كان دائمًا يبحث عن نفسه في الأماكن البعيدة، في كل مكان إلا حيث يجب أن يكون.
*"لقد كنت أبحث عن نفسي في عالمٍ شاسع، بينما كنتُ أجدها هنا، مع تقى، ومع هذه العائلة التي تشع حبًا ودفئًا."*
أغمض عينيه للحظة، وشكر الله في قلبه على تلك النعمة التي وهبها له، على هذا الحب الصادق الذي أراه في عيون من حوله.
كان يشعر بسلام داخلي لم يشعر به من قبل، وكأن الله قد أرشده إلى المكان الصحيح، إلى الأشخاص الذين سيكملون مسيرته.
قال لنفسه: *"لقد وجدت نفسي، وجدت من أكون. ليس في المال، ولا في الشهرة، ولا في أي شيء من هذا القبيل. بل في حب هؤلاء الذين هم أقرب الناس إليّ. في تقى، في مريم، في شهيرة، حسام، احمد، زينب، في كل واحد منهم."*
وابتسم “يونس”، وهو ينظر إلى الجميع حوله، وهو يشعر بعطاء ربنا الجميل، الذي رزقه هذه العائلة، وهذه اللحظة التي تعكس كل ما يحتاجه الإنسان ليشعر بالاكتمال. *"نعم، الآن فهمت... أنا هنا، أحاط بحبهم، في دفء عائلتي، وهكذا أجد نفسي.
تمت بحمد الله
يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل "رواية من انا دليل الروايات" لكي تظهر لك كاملة
•تابع الفصل التالي "رواية من انا" اضغط على اسم الرواية