رواية من انا الفصل الحادي والثلاثون 31 - بقلم حليمة عدادي

 رواية من انا الفصل الحادي والثلاثون 31 - بقلم حليمة عدادي 

من انا 

الفصل 31


ازدرد “يونس” لعابه بصعوبة، وعلقت الكلمات في حلقه؛ كأنها ألسنة اللهب تحيط به، ولا يجد منها مهربًا. 

لقد حان ما كان يخشاه دومًا ويرتعِد من التفكير فيه.

كيف يمكن لزوجته أن تقدم قطرات من دمها؟ كيف يمكن أن تتألم ولو بجرح صغير وهو لا يحتمل رؤيتها تتأذى؟ لن يقبل بذلك، لا يريد أن يكون السبب في دمعة واحدة تنزل من عينيها، أو ألم يهز رأسها.


هز رأسه سريعًا كأنه يطرد تلك الأفكار بعيدًا. كان قلبه ينبض بجنون، كأنه محرك آلي فقد السيطرة. نظر إليها، وأمسك بيدها، وهمّ بالكلام، ليوقف ما يحدث. لكن “تقى” كانت أسرع، وكأنها قرأت ما يدور في ذهنه، فبادرت بالكلام:


-قولي إزاي نجيب الدم؟ إحنا مش عارفين نعملها إزاي؟.


وزعت الساحرة نظراتها بينهم، ثم رفعت يدها وأخرجت سكينًا كبيرًا من تحت الفراش الذي كانت تجلس عليه. بصقت عليه بقطرات من لعابها، ثم أخرجت قطعة قماش ولفّتها حول مقبض السكين. كان كل ذلك تحت أنظار “يونس” القلقة، بينما ابتلعت “تقى” ريقها بقلق واضح.


أما “يونس”، فقد نفد صبره، واتسعت عيناه بفزع، وبدأت الوساوس تتزاحم في رأسه، فانتفض واقفًا من مكانه.

لكن “تقى” أمسكت بيده قبل أن يستقيم، وأعادته إلى جلسته، وهمست له:


-”يونس”، مش باقي كتير... اتحمل، علشان نخلص. أنا معاك.


قالت كلمتها الأخيرة بحنان، ثم نظرت إلى الساحرة، تنتظر ما ستفعله. مدت الساحرة يدها، وأخرجت كأسًا فيه ماء، ووضعته أمامهما، ثم قالت:


-تعالي إنتي قربي علشان آخد منك الدم وإنت تعالى جنبها.


تقدّمت “تقى” برفقة “يونس” نحوها، فرفعت الساحرة يدها وأمسكت بيد “تقى”، ثم وضعت الكأس تحتها، وقالت:


-غمّضي عينيكِ وما تفتحيهمش لغاية ما تحسي بالألم.


اجتاح قلب “تقى” مزيج غريب من الخوف والرهبة.

لم تكن تعرف ما هو بالضبط... هل هو خوف؟ أم شيء آخر؟ لقد تعرضت للتعذيب مرارًا على يد “وليد”، ولم تعد تخشى الألم، لكنها الآن تشعر بشيء يصعب تفسيره.


أدركت أنه لا مفر من هذا الإحساس، إلا إذا نظرت في عينيه. 

حينها فقط، قد تهدأ وتطمئن. رفعت بصرها نحوه، والتقت أعينهما. ويا ليتها لم تفعل! ففي عينيه بريق ألم، ودموع اعتذار عمّا تمر به. 

الحزن كسا ملامح وجهه، والاختناق ظاهر في تعابيره.

شعرت أنها إن أطالت النظر إليه، ستنهار.

أبعدت نظرها، وأغلقت عينيها. شعرت به يمسك كفها الآخر، يحتضنه بيده المرتجفة، وهمس لها بكلمات أرادت أن تطمئنها:


-أنا معاكِ يا قلبي، اتحملي..حقك عليّا.


أمسكت الساحرة يد "تقى" بقوة، ثم وضعت السكين على كفها، وهمهمت بكلمات غامضة غير مفهومة، قبل أن تغرس السكين فجأة في يدها. 

تناثرت الدماء، وتزامنت مع صرخة حادة خرجت من "تقى"، مليئة بالألم، تتخللها شهقات متلاحقة ودموع غزيرة انهمرت من عينيها وهي تنظر إلى يدها التي تنزف، بينما الساحرة تضغط على الجرح حتى يسيل الدم داخل الكأس المملوء بالماء.


في تلك اللحظة، فرت دمعة من عين "يونس" وهو يراها تتألم وتبكي، وقد اعتصر قلبه شعورٌ ثقيل، كأنّه سينفجر من مكانه.


تركت الساحرة يد "تقى"، و سحبتها بسرعة، والعبارات تتقطّع من بين شفتيها، وشهقاتها لا تزال مكتومة في صدرها. حاولت التماسك، لكن الألم كان قاسيًا.


خلع "يونس" سترته بسرعة، ثم التقط المقص الموضوع أمام الساحرة، ومزق السترة إلى قطع. أمسك بيد "تقى" ولفّ حولها القماش ليوقف النزيف، ثم أخذ يدها بين كفيه، وقبّلها وهمس بصوت يملؤه الحزن والعجز:


-حقك عليَّ …حقك عليَّ يا “تقى”، وجعتك كتير،أنا إللي كنت المفروض أحميكِ من الوجع، أنا إللي جبته لك.


مسحت دموعها بيدها، وكتمت أنين ألمها، ثم وضعت يدها السليمة على كفه، وقالت بصوت مبحوح بالبكاء:


-أنا معاك،في الوجع، وفي كل حاجة، بلاش تحسس نفسك بالذنب.


قطع حديثهم صوت الساحرة، غاضبة:


-هات إيدك إنت كمان ، بسرعة، لوعايزها تخلص.


مد "يونس" يده، وما زال ممسكًا بيد "تقى"، وعيناه لا تفارق عينيها. لم يغمض عينيه حتى حين شعر بحد السكين يخترق جلده، وينغرس بقوة حتى سالت الدماء الساخنة من كفه. 


استدار نحو الساحرة، فرآها تمسح بيده على ثيابهم، ثم تركت يده. لفّ عليها قطعة من ثوبه، وجلسا في صمت، لا يُسمع سوى أنينهما المختنق.

نظرت إليهما الساحرة ببرود، ثم قالت:


-ارجعوا مكانكم… يلا، بعيد.


أمسك بيدها وساعدها على النهوض، ثم جلس إلى جوار والده الذي كان يتابع كل ما يحدث بعينين يملأهما الحزن. لقد تحملوا الكثير، وصمدوا أكثر مما ينبغي، وربّت الوالد على كتف ابنه في محاولة إلى طمأنته  .


اقتربت الساحرة وهي تحمل كأسًا يحتوي على ماء ممزوج بدماء “تُقى”، ثم قدمته إلى “يونس”!


لم يفهم ما المقصود، لكنه مد يده وأخذ الكأس منها، وبينما كان ينظر بحيرة بين “تُقى” ووالده، سمع الساحرة تقول:


-اشربه مرة واحدة، من غير ما تاخد نفس بسرعة.


ظل “يونس” في حيرة، تتقاذفه نظراته بين وجه “تُقى” ووجه والده. 

كيف يمكن له أن يشرب دماء زوجته؟ أليس ما تحمّله من ألم كافٍ؟ أليس سماعه لأنينها كفيلًا بأن يكسره؟

لكن كعادتها، تدخلت “تُقى”، وقالت بصوت حاسم:


-اشرب يا “يونس”، بسرعة، مش وقت تفكير.


وكأن كلماتها سحرت قلبه، فلم يقدر على مقاومتها. أمسك بالكأس، وارشفه دفعة واحدة دون أن يتذوق طعمه، وهو يشعر بضيق شديد يجتاح صدره!


ما إن أنهى الشرب، حتى اجتاحت جسده حرارة رهيبة، وكأنه أُلقي وسط بركة من النار. اشتد جلده، وخدر جسده بالكامل، ورفع عينيه نحو الساحرة، فرأى أنها بدأت تحرق ثيابهم معًا.


وكلما التهمت النار الثياب أكثر، اشتد عليه الاحتراق داخليًا، حتى سقط على ظهره، يتلوى من شدة الألم، واضعًا يديه على وجهه، يصرخ بألم لم يختبره من قبل.


كان جسده ينتفض بقوة، كأنه صُعق بسلك كهربائي، بينما “تُقى” تمسك بيده وهي تبكي، لا تدري ما عليها فعله، تتألم لرؤيته يتعذب أمامها.


استمرت الانتفاضات، وبدأت معالم الحروق والتشوهات على وجهه تختفي تدريجيًا، وظهر وجهه الطبيعي شيئًا فشيئًا.


تغير لون عينيه إلى الأسود، وظلت تُقى” تحدّق فيه مذهولة، وقد اتسعت” عيناها من الصدمة، تراه يتحول أمامها.


ظهر جمال ملامحه كما لم تره من قبل، وجه خالٍ من أي تشوه، مفعم بالحياة. ثم سكن جسده أخيرًا، وأغمض عينيه.


ارتعد قلب “تقى” من الخوف، وجسد “يونس” الملقى على الأرض بدا كصخرة لا تتحرك!


وقفت مصدومة، ثم التفتت نحو الساحرة. قبل أن تنطق بأي كلمة، أشارت الساحرة إلى رجالها خلفها، فتقدموا نحو “يونس”، رفعوه عن الأرض و وضعوه أمامها.


مدّت يدها إلى صدره، وبدأت تهمس بكلمات غريبة، ارتفعت معها حرارة المكان!


ظل صدر “يونس” يهتز، ثم فتح عينيه وتحرّكت بؤبؤيه في كل اتجاه. 


جلس نصف جَلسة، ثم رفع يده إلى وجهه، ناظرًا إلى كفيه بدهشة، قبل أن ترتسم ابتسامة على شفتيه بينما يفحص جسده المتغير، وكأنه لا يريد أن يصحو من هذا الحلم.

حينها، سمع صوت “تقى”، الواقفة بجانبه، تقول:


- خلاص يا “يونس”، خلاص.كل حاجة خلصت، وبقيت أحسن.


انتفض واقفًا، تغمره السعادة، واحتضنها بقوة غير آبه بألم جرحه. ابتعد عنها قليلًا، ونظر إليها كأنه يخبرها بأنها سبب سعادته، وأنها جوهرته.

لكن صوت الساحرة قاطع تأملهما، قائلة:


- فين المقابل لفك اللعنة؟ ما تنساش أنا طلبته قبل ما نبدأ، دلوقتي انت بين إيديا، ولو فكرت تهرب، هعمل الأسوأ في مراتك.


تحرك “يونس” نحو حقيبته، وأخرج منها المال الذي تركته له والدته من أملاك والده. كان مبلغًا كبيرًا، وقدّمه لها قائلًا:


- جبتلك كل الفلوس اللي معايا... وده مبلغ كبير، ومش هتلاقي مقابل أحسن من كده.


أخذت الساحرة المال، تقلبه بين يديها، ثم قالت:


- هقبل الفلوس، بس علشان إنت  ضحية لأفعال أمك. بس لو فكرت تعمل حاجة أو تقول لمخلوق عن مكاني، مش هرحمك.


ثم أشارت إلى رجالها ليُخرجوهما


لف “يونس” ذراعه حول “تقى”، وتقدّما نحو الخارج من الممر نفسه، حتى وصلا إلى الحديقة.


تسللا بين الأشجار، حتى خرجا منها. وقف “يونس”، تنفّس الصعداء، واستنشق الهواء كأنه خرج تواً من الغرق.


التفت إلى “تقى”، يشكر الله على نعمة الزوجة الصالحة. 

فرحت “تقى” بسعادته حتى اغرورقت عيناها بالدموع وهي تراه يبتسم، وقد ازداد وسامة وجمالًا.


ثم عانق “يونس” والده بفرحة، يشكره على دعمه، قبل أن يعود إلى تقى”، يحتضنها، ويطبع قبلة على جبهتها، هامسًا:


- آسف... حقك عليَّ، رعبتك يا نور عيني.


أنتِ الأمان... إذا أرعبني كل الكون- أمسك بيدها وسارا معا نحو السيارة، والسعادة تعكس في عيونهم رغم كل ما مروا به.

صعدوا إلى مقاعدهم؛ “أحمد” في الأمام يقود السيارة، بينما”يونس” و”تقى” في الخلف.


أسندت “تقى” رأسها على كتفه وتنفست بعمق، متخلصة من كل المخاوف التي كانت تستهلكها.

تلك الأفكار السيئة التي كانت تتلاطم في ذهنها كأمواج البحر بدأت تهدأ.


أغمضت عينيها وهي تشعر بسكون لم تختبره من قبل، رغم الألم الذي كان يمزق كفها. شعرت “بيونس” يمسك يدها ويزيل عنها القماشة التي كانت تغطي الجرح. فتحت عينيها بتأوه، ثم قالت بألم:


-بتعمل إيه يا “يونس”؟ سيبها لحد ما نوصل.


أخرج علبة إسعافات أولية من السيارة وقال وهو منشغل:


-هُنظف الجرح وأحط لك دواء، وألفه ليك  لغاية ما نوصل. اتحملي شوية.


هزت رأسها موافقة، ثم أرجعت رأسها على كتفه، تكتم ألمها حتى انتهى “يونس” من تضميد جرحها.


لف الجرح بضمادة، ثم فعل الشيء نفسه مع جرح يده. بعد أن انتهى، نظر إليها فوجدها قد غفت على كتفه.


الألم كان واضحًا في ملامح وجهها. تنهد بحزن، معاتبًا نفسه. هو السبب في كل هذا الألم الذي تعيشه، وكل ما تحمله معه من هموم وآلام.


***********                      

اشتد ألم رأسه، وأصبح يشعر بالدوار، لكن لم يتوقف. حاول أن يتماسك رغم التعب الشديد الذي يعانيه.

كان ينام ساعات قليلة فقط، ثم يستيقظ في الصباح الباكر. بعد يوم طويل في عمله، لا يحصل على راحة. كان كل شيء له هدف واحد: أن يعوض ما فاته من حياته.

كان يحلم بفتح منزله، وتكوين أسرة، أن يكون له مكان دافئ وسط أبنائه. الآن، من أجل هذا الحلم، يقاتل بكل ما لديه من قوة.


بينما كان يطهو آخر طعام في يده، شعر وكأن جسده على وشك السقوط. لكن يد “حسام” كانت أسرع عندما لاحظ عدم توازنه، وأسرع ممسكًا بيده قائلاً:


-”مؤمن”، مالك؟ أنت كويس؟ إذا تعبان، اقعد ارتاح.


وضع “مؤمن” ما بيده ومسح عرقه بمعصمه، ثم قال بتعب واضح في صوته:


-شوية تعب، معلش. أنا كويس يا “حسام”. لازم أخلص ده علشان أروح للشغل التاني.


اتجه نحو إحدى الموائد ليجمع الأواني، لكن يد “حسام” أمسكت بذراعه برفق وقال:


-”مؤمن”، أنت مريض.! بلاش عناد. مفيش شغل انهارده هنا أو في شغلك التاني. ارتاح لحد ما أخلص شغلي ونروح البيت.


حاول “مؤمن” الاعتراض، لكنه لم يتمكن من الحركة أو فعل أي شيء بفضل إصرار “حسام”.


مر أسبوعٌ كامل، مرّت فيه الأيام بحلوها ومرّها، تخللته لحظات من التحديات والفرح، ومع كل صعوبة كانت تأتي لحظات من الدعم والأمل. بفضل الله، وبفضل الحب الذي كان يربطهم ببعض، وبفضل الدعم المتبادل بينهم، استطاعوا أن يتجاوزوا كل الصعاب.


قد تكون الأيام قاسية، وقد نرسب أحيانًا في بعض اختباراتها، لكن كما هو الحال دومًا، ومع كل سقوط ننهض من جديد، نستمد قوتنا من الله، ونجد أن الحياة تصبح أجمل عندما نعيشها بسند من العائلة، وأن العوض الحقيقي يأتي حينما يكون هذا السند في شكل عائلة متماسكة، أو شخص نحبهم ويحبوننا.


في صباح اليوم التالي، وفي بداية يوم جديد كان يشع بالأمل، اجتمع الجميع على مائدة الإفطار، وكان “مؤمن” بينهم.


كانت الوجوه مشرقة، ولكنها كانت مليئة بالكثير من التفكير حول ما قد يحدث في هذا الاجتماع. جلسوا معًا، يتناولون طعامهم في هدوء، وعندما انتهوا من الإفطار، وقف “أحمد” فجأة أمام الجميع. نظر إليهم للحظات، وكأن كل كلمة ستخرج من فمه هي قرار مصيري، ثم قال:


-اسمعوا لي كويس. اليوم عايز أتكلّم معاكم في حاجة.


شعر البعض بالتوتر، بينما وقف آخرون بفضول، وتراوحت مشاعرهم بين القلق والدهشة، خصوصًا عندما شعروا أن هذا الاجتماع قد يحمل في طياته قرارًا مهمًا.

لم يكن أحدهم يعلم بالضبط ما الذي سيقوله “أحمد”. لكن كلماته قطعت حبل أفكارهم عندما استأنف حديثه:


-بصوا، “مؤمن” بقى واحد مننا، بقى ابني زيكم، وهو طلب مني أغلى جوهرة عندي.


نظر الجميع إلى بعضهم البعض، وتزايدت همساتهم، غير قادرين على استيعاب ما سمعوه، إلا أن “مريم” كانت أول من خجلت.


كان وجهها يغطيه خجل شديد، وعينيها تكاد تختبئ وراء حاجبها، بينما كانت وجنتاها تحملان لونًا أحمر كالورد. 


أما “مؤمن”، فقد شعر بقلبه يخفق بشدة وكأنّه يكاد يخرج من صدره، فهو لم يكن يعرف هل هذا شعور فرحٍ أم توترٍ، أم هو قلقٌ من التغيير الذي يواجهه.

كان يعيش لحظة من الاضطراب الداخلي، وعينيه على “مريم”، يحاول أن يقرأ في عينيها شيئًا مما يدور في داخلها.

في تلك اللحظة، قطعت كلمات “أحمد” أفكار الجميع عندما قال:


-”مؤمن” طلب إيد “مريم”، وأنا ماليش غيرها، وطبعًا مش هلاقي لها أحسن من “مؤمن”، مهما كان ماضيه، هو تغيّر وبدأ حياة جديدة. لكن القرار الأخير يرجع “لمريم”.


حل صمتٌ طويل في المكان، وكأن الجميع احتاج لحظة للتفكير. بعضهم كان في حالة من الصدمة، والبعض الآخر كان سعيدًا بهذا القرار، رغم أن ماضي “مؤمن” ليس خاليًا من التحديات. 


لكن ما كان واضحًا للجميع هو أن “مؤمن” قد أدرك أخطاءه، واختار أن يبدأ حياة جديدة، حياة أفضل.


كان الجميع يعرفون أنه بذل جهدًا مضنيًا في تغيير نفسه، وفي سعيه الجاد لتأسيس حياة جديدة. الصمت كان يعكس الحيرة والانتظار، وفي النهاية، جاء صوت “يونس”، الذي كان يجلس بهدوء، ليكسر هذا الصمت، قائلاً:


-بابا، أنا قضيت مع مؤمن فترة طويلة، وإحنا كلنا عرفنا أخلاقه، وعرفنا عنه كل حاجة، وأنا شايفه قد إيه بيشتغل ليل ونهار، علشان يفتح بيته. مش هقول غير ربنا يتمم له على خير إذا “مريم” وافقت.


اتفق الجميع على رأي “أحمد”، وأصبح من الواضح للجميع أن “مؤمن” قد أصبح فردًا منهم، ليس فقط من خلال التغيير الذي مرّ به، بل أيضًا من خلال جهوده الدائمة وعمله المستمر لبناء مستقبله ومستقبل عائلته.


جميعهم قد أحبوا “مؤمن”، وكانوا يشهدون تطوره وجهوده المستمرة ليكون الشخص الأفضل.

“مريم”، رغم أنها كانت تخفي مشاعرها لفترة طويلة، كان والدها يعلم تمامًا أنها موافقة على هذا الزواج، فهي لم تكن تستطيع إخفاء حبها “لمؤمن”، فقد كانت تشعر أن هذا هو الوقت المناسب لتبدأ حياتها معه في الحلال.


أما “مؤمن”، فقد كان يغمره شعور من السعادة الغامرة، لكنه في نفس الوقت كان يعيش لحظة من القلق، فهو يعلم أن هذه خطوة كبيرة في حياته، وأنه مقبل على مرحلة جديدة، مليئة بالتحديات والمسؤوليات.


في تلك اللحظات، شعرت العائلة بأكملها أنها على وشك الدخول في فصل جديد من حياتهم، فصل مليء بالأمل والطموح.


في عيونهم كان هناك حب كبير واعتراف بالتغيير، في أيديهم كان هناك دعمٌ متبادل، وكأنهم جميعًا قد قرروا أن يكونوا سندًا لبعضهم البعض في أي خطوة قادمة. تلك اللحظة، كانت لحظة فارقة، حيث التقى الحب بالثقة، والقرار بالنضج، والعائلة بالوحدة.


 •تابع الفصل التالي "رواية من انا"  اضغط على اسم الرواية

تعليقات