رواية مديري مستر فرعون الفصل الثاني 2 - بقلم رحاب ابراهيم
لا أحلل أو اسمح بنقل أو نسخ الرواية لأي مكان آخر دون أذني المباشر.
امتلأت عينان ليلة بالمرارة والدموع، وكان قرارها أن تعود وتتجنب مزيدًا من الألم النفسي عندما يتم رفضها .. ولكن أتى لمنة اتصال هاتفي من رقم خالها، فأجابت سريعا :
_ أيوة يا خالي معاك.
حدثته قليلًا ثم نظرت لليلة التائهة بعالمها الكئيب وقالت بعدما انتهت المكالمة :
_ خالي بيقولك كملي وقدمي .. عشان ما تحسيش بالندم بعد كده .. يمكن يحصل حاجة.
ردت ليلة بيأس :
_ هيحصل إيه يعني ..
واتسعت عينان ليلة العيد بذهول عندما رأت فجأة آخر شيء كانت تتوقع أن تراه ...؟!
فقد فغرت فاها من الدهشة عندما لمحت قطتها السوداء "شفيقة" وهي تركض نحوها مباشرةً وتتشبث بفستانها الفضفاض لتتسلق على ساقيها بسرعة عالية، خرجت ليلة من دهشتها ورفعتها اليها قائلة بذدهول :
_ أنتي إيه اللي جابك هنا يا شفيقة وجيتي هنا أزاي أصلًا ؟!.
اصدرت القطة موءًا للحظات كأنها تشكو لها من شيء أو تريد أخبارها أمرًا هامًا، فضمتها ليلة وهي تحاول الخروج من صدمتها بوجود القطة هنا ومن المفترض أن المسافة من هنا حتى منزلها كبيرةً جدًا !.
تعجبت " منه" لمَ تراه وقالت :
_ هي القطة دي بتحبك لدرجة أنها تعرف تيجي وراكي هنا ؟! ... شكلك ساكنة قريب من هنا.
ردت عليها "ليلة العيد " وأخبرتها بعنوان سكنها، فشهقت منه وقالت :
_ لا مستحيل تعرف تيجي وراكي المسافة دي كلها ؟!!
فتدخلت فتاة من الفتيات الجالسن بالحديث وقالت بضحكة ساخرة :
_ تلاقي القطة السوداء دي لابسها جن .
وضحك الفتيات وبدأت سلسلة من السخرية على تلك القطة المسكينة، ولكن تلك القطة لم تكن مسكينة مثل ما يعتقد البعض .. فرمتها ليلة بنظرة مغتاظة وهي تربت على فرو قطتها بحنان كأنها تعتذر عن سخافة بعض البشر .. بينما كانت القطة تنظر لها بعينان ضيقة مخيفة ..
وبتلك اللحظة خرجت فتاة من المتقدمات للوظيفة بمكتب المدير بعصبية وهي تتمتم بالشتائم، ووقفت تلك الفتاة التي كانت تسخر منذ قليل وهي تعدل هندامها وتسير بتغنج مفتعل، وبيدها ملف أوراقها التي وقفت قليلًا لتتأكد من ترتيبه ... فسخرت "منة" بضحكة وهمست لليلة قائلة :
_ اللي قبلها كانت كده واتطردت ..
تذكرت ليلة العيد أمر أبنة عمها الحمقاء " شاهندة" وطردها من تلك الوظيفة وفهمت الآن السبب الأساسي لطردها الذي لم تفصح عنه شاهندة .. فقالت باستغراب :
_ هو في مدير ما بيحبش النوعية دي ؟!
قالت منه بتأكيد :
_ المدير بتاعنا .. هاكان كمال الريان أو H k.
تعجبت ليلة من الاسم ورددت :
_ هاكان ؟!!
تبسمّت "منة" وقالت بمزاح :
_ ما هو أنا برضه استغربت كده أول ما سمعته، بس لما عرفت أن والدته تركية فهمت ليه اسمه كده، بس غالبًا بينادوله HK خصوصا الأجانب.
ونبهتها "منة" موضحة:
_ خلي بالك لأنه مابيحبش المرقعة بتاعة البنات والدلع في الشغل وآه تعبانة وآه مصدعة، جد بشكل مبالغ فيه .. أنا شغالة من أسبوعين وعمري ما شوفته بيضحك إلا نادرًا جدًا وبيمشي آخر واحد في الكام يوم اللي بيحضر فيهم .. مع أنه جامد جمودة.
ضحكت "ليلة" العيد ببلاهة على كلمات "منة" الأخيرة ، ثم قالت بثقة :
_ لا من ناحية المرقعة بتاعة البنات ما تلاقيش.
وفجأة انبهتا الفتاتان لصوت ارتطام بالأرض، وحينما التفتا لمصدر الصوت وجدتا تلك الفتاة التي كادت أن تدخل مكتب المدير تعثر حذائها بشكل غامض ووقعت على وجهها بطريقة مضحكة جعلت الجميع يضحك بفكاهة دون مراعاة لموقفها المحرج .. عدا ليلة العيد التي اتسعت عيناها بدهشة وركضت مسرعة تحاول مساعدة الفتاة التي افترشت الأرض وتحاول النهوض وهي تتألم ..
_ حصلك حاجة ..؟!
قالت ذلك "ليلة" باهتمام صادق ومدت يدها للمساندة، ولكن تلك الفتاة كانت على درجة من الغرور جعلتها تدفع يد ليلة وتنهض وهي تنفخ بغيظ وعصبية ولملمت أوراقها ... ولكن اكتشفت أن كعب حذائها قد أصبح قطعتين منفصلتين بطريقة صادمة !!!
فغرت الفتاة فاها بصدمة، ثم قالت بضيق شديد :
_ الكعب أتكسر أزاي ؟! ... هدخل للمقابلة أزاي دلوقتي ؟!!
أصدرت القطة شفيقة موءًا متكرر كأنها تهتف، فذلك جعل ليلة تنظر لها بتعجب وذهب ظنها أن القطة تشعر بالجوع .. فذهبت اليها وهمست :
_ حاضر يا حبيبتي هجيبلك أكل بس لما نروح .. مش هينفع أمشي دلوقتي خالص.
رمقتها القطة بنظرة هادئة ومسحت رأسها بخد ليلة برقة، فابتسمت ليلة العيد وقبلتها بمحبة .. ثم اندفعت القطة من يدها للأرض وظلت تسير أمام الفتيات وتصدر أصواتا غريبة حتى اختفت تمامًا بعد ذلك ... وبحثت ليلة عنها ولم تعثر عليها مطلقاً!!.
وقررت صاحبة الحذاء الممزق الانسحاب من تلك المقابلة والمغادرة .. ودخلت بعدها فتاة من الجالسن بثقة، ولكن بعد عدة دقائق أرتفع صوت رجولي رخيم للغاية، ويبدو من صاحبه أنه ذو شخصية قيادية صعبة جدًا ولا ينال رضاه شيء ...
ابتلعت "ليلة" ريقها بقلق وخفقات قلبها تزداد بجنون ... وفتح باب المكتب وخرجت الفتاة التي دخلت منذ دقائق وهي تتلفظ الشتائم .. ثم ارتفع صوته مجددًا وهو يقول لأحدهم بالداخل :
_ مافيش موظف أو موظفة هيشتغلوا هنا معايا غير وهما يستاهلوا وعلى درجة عالية من الكفاءة .. أنا مش هشغل ناس هتكون مع سياح أجانب وهما بيتهتهوا في اللغة ومايعرفوش حاجة عن تاريخ بلدهم ولا عارفين يكلموا السياح عنه ! .. يبقا لازمتهم ايه ؟
رد عليه شقيقه "رشاد" وقال :
_ ما في منهم كان الاكسنت بتاعه ممتاز يا هاك وأنت اللي رفضت ورقه !!.
استدار إليه "هاكان" بجسده المفتول العضلات بقميص لأسود لامع وبنطال بنفس اللون يبرزون برونزية بشرته وملامح وجهه المنحوتة بدقة بوسامة قاتلة .. وتطلع به "هاكان" بعيناه شديدة السواد و رد بعصبية :
_ الشغل مع السياح مش مجرد اكسنت يا رشاد ، المرشد السياحي ده وجهة لشركتنا ولبقته بتتكلم عن مستوانا .. مافيش حد متوفرة لحد دلوقتي فيه كل المواصفات اللي أنا محتاجها ..
سخر رشاد وهو يضع ساقا على ساق :
_ أنت اللي طلباتك في الموظفين مش منطقية وعايزهم فوق كل المستويات، وده مش هتلاقيه بسهولة أبدًا .. ده إذا لقيته أصلًا .. والله دخلك شوية بنات مزز وأنت جبل ما بتتهزش .. يا قلبك الجاحد!!.
ذهب "هاكان " للنافذة وفتحها ليجدد الهواء لرئتيه وتنفس بعمق، ثم قال وهو ينظر بعيناه السوداء للطريق المكتظ بالسيارات:
_ اللي أنا مقتنع بيه وهفضل مقتنع بيه طول عمري .. أن الشخص المناسب في المكان المناسب بيساوي أفضل نتيجة .. لكن شغل الوسايط والمعارف ده كله فشل في فشل ما بحبهوش ولا هقبله في شغلي يا رشاد .. شغلي عندي رقم واحد.
وقطع الصمت الذي ران بعد ذلك أتصال هاتفي من والدتهما، فأجاب هاكان وتحدث مع أمه بمزيج من العربية والتركية ..
________________________________
بينما بالخارج انسحبت فتاة بعد الأخرى وغادرن .. ولاحظت "ليلة العيد " ذلك بقلق وجبين متعرق من التوتر .. وعادت رغبة الذهاب من هنا إليها مجددًا، ولاحظت" منه" شرودها وتوترها فأتت اليها هامسة :
_ مش فاضل غيرك أنتي وبنت كمان قبلك، لو مشيت البنت دي وما اتقبلتش يبقى الدور عليكي بقا تحاولي تبيني شطارتك ... النهاردة آخر يوم ومش هيعمل مقابلات شغل لوظايف تاني ..
تنفست ليلة بتردد وخوف من شيء مجهول .. وانتظرت بقلق مفرط نتيجة مقابلة الفتاة الأخرى، حتى خرجت الفتاة كمثيلاتها وهي تهتف وتقول لطاقم السكرتارية :
_ ده أنسان مش طبيعي، عايز موظفين روبوت مش بني آدمين !! ..
وغادرت مثل السابقات .. فأسرعت " منة" إلى ليلة وقالت بدعم :
_ الدور عليكي .. ياريتني كنت أقدر أحضر الانترفيو ده ، بس ده طبعا مستحيل !.
ظهرت القطة السوداء فجأة ولكن لم تنتبه لها ليلة، بينما ضيقت القطة عينيها واستمعت للحديث جيدًا ، وتسحبت حتى دخلت مكتب "هاكان " ..
______________________________
ارتشف هاكان قهوته وانتبه لوقوف قطة سوداء أمام مكتبه ظهرت فجأة وتنظر له بهدوء وثبات مريب، فأنزعج رشاد وقال بتشاؤم وهو ينهض ليطردها خارج المكتب :
_ ما بحبش القطط السودا ..
ولكن القطة سلطت عيناها على "هاكان " بثبات شديد ثم ذهبت اليه وتسلقت ساقيه وجلست أعلى ركبته بهدوء ، بينما تفاجأ "هاكان" من تصرف تلك القطة المريب وعينيها المحدقتان فيه، والأعجب أنه لم يستطع أن يبعدها عنه رغم أرادته بذلك وكأن شيء يقيده !!.
دخلت " ليلة العيد" المكتب بخطوات بطيئة ووجه شاحب من القلق ، ابتلعت ريقها وهي تعدل نظارتها أعلى عظمة أنفها وتحمحم لتنقي صوتها المتحشرج ..
غاصت قدميها في السجاد العجمي وهي تقف أمام مكتبه وتجمدت عندما رأت قطتها جالسةً على ساق رجل يجلس بفخامة خلف مكتبه وكأنه يمتلك نصف ثروة العالم .. !!
نظر لها "رشاد" بدهشة واحتقار ، بينما قطب "هاكان " حاجبيه وهو ينظر لها من رأسها لأخمص قدميها بدهشة، لا يعقل أن تلك الفأرة ذي النظارات السميكة آتية لطلب الوظيفة التي بالاساس تطلب درجة عالية من حسن المظهر!!
ووجد نفسه يسألها بحدة لا تبشر بالخير:
_ مين أنتي ؟!
جف حلقها وهي تطالعه وتدحضت فكرتها المتفائلة عنه وهو ينظر لها بتلك النظرة المحتقرة !! .. فقالت بارتباك شديد :
_ أنا جاية عشان الأنترفيو .. لأ .. أقصد عشان الوظيفة!
ضيق "هاكان " عيناه بذهول وسألها :
_ وظيفة إيه ؟!!
غضبت من رده وقالت بعصبية رغم جسدها المرتجف :
_ يا عم ما تركز معايا كده ..
ابتلعت ريقها ووبخت نفسها على تلك الهفوة وقالت بتصحيح :
_ لا أقصد .. الوظيفة اللي اعلنتوا عنها والنهاردة آخر يوم للمقابلة ... بالأمارة يعني.
نظر "هاكان" لشقيقه رشاد بدهشة واستخفاف ، بينما كتم رشاد ضحكته وهمس له :
_ خلينا نستلى شوية .. استنى ..
وتوجه لها رشاد بالأسئلة لمزيدًا من التسلية:
_ أنتي اسمك ايه ؟
كتمت ليلة سيل من الردود وقالت بحدة وهي واثقة أنها ستنهال عليها الكلمات الساخرة بعد قليل :
_ ليلة العيد سعيد رمضان .
أطلق رشاد ضحكة عالية وهو ينظر لشقيقه الأكبر هاكان، الذي أخذ قهوته وتوجه للنافذة مجددًا وهو يخفي ابتسامته على ذلك الاسم الغريب المضحك ... فعاد رشاد قائلًا :
_ يعني ند*بح ولا نتسحر .
وضحك ضحكات عالية متتابعة ولم يستطع التوقف، بينما اتسعت ابتسامة "هاكان " وهو يواليها ظهره ويقف أمام النافذة ، فقالت ليلة بغيظ وتمتمة:
_ أبو غتاتك .. طبق بامية بيسألني ، أومال لو مكنتش أقرع !!
ضحك "هاكان " عندما انتبه لهمسها ، واختفى المرح من وجه رشاد ليهتف بغيظ :
_ لسه الباب مفتوح .. المقابلة انتهت .
تجمدت ليلة العيد بمكانها بعدما تعرضت للطرد الصريح هذا ، وقررت المغادرة على الفور ونسيان هذا الأمر برمته، وعندما استدارت بدموع تملأ عيناها وتحركت بخطوات تجر أذيال الخيبة للخارج وجدت صوت "هاكان " يقول فجأة :
_ أستني .
تسارعت دقات قلبها مع بعض الدهشة، وعندما عادت تنظر" لهاكان" وجدته ينظر بعينان القطة بعمق ويبدو عليه بعض التشوش والتيه، والحقيقة أن هناك وكأن صوت صارخ برأس هاكان يأمره ببعض الأشياء ... وذلك بنفس الوقت التي كانت تحرك فيه القطة فمها بصوت خافت جدًا غير مسموع، وأغمض "هاكان" عيناه وهو يستمع لصوت غامض داخل رأسه يقول له :
_ أطرد الكلب أخوك ده من المكتب .. أطـــــــــــرده !!
صاح "هاكان " بشقيقه قائلًا بعصبية :
_ أطلع برا دلوقتي يا رشاد !!
دهش "رشاد" من جملة شقيقه ، ولكنه نهض عندما نظر له هاكان بغضب لينفذ الأمر ... هدأ الصوت داخل رأس هاكان ليسمع تمتمة هادئة وصوت قبلة!!
وعاد هادئا مرةً أخرى ونظر لـ "ليلة العيد " وهو يريد طردها وأنهاء تلك المقابلة المزعجة .. ولكن صرخ الصوت داخل رأسه مجددًا وأمره :
_ هات البت منة منون السكرتيرة معاك في المقابلة... أبعتلهـــا !!
ضغط "هاكان" على جرس الأرسال لمكتب السكرتارية، لتأت بعد لحظات تلك الفتاة الرقيقة "منة" وقال لها وهو مشوش تمامًا وليس مدرك ما يفعله :
_ تعالي يا آنسة منة ..
لم تفهم ليلة العيد ما يحدث ، ولكن عندما أتت منة قال لها "هاكان" بدهشة مما يفعله :
_ أقعدي واسألي الآنسة ..
فغر الفتاتات ثغرهما بدهشة ... ولكن ابتسمت منة وقالت والغبته تملأ نفسها :
_ تمام يا فندم ..
هتف صوت برأس هاكان مرةً أخرى :
_ شوفها بقلبك مش بعينك يا هاكونا..
التوى فم "هاكان" بسخرية من منحنى أفكاره!!، وتنفس الصعداء وأبعد عيناه عنهما ولكنه استمع تماما لردود ليلة بالمقابلة.. ناقشتها منة في عدة أسئلة واختبرت مهارتها في اللغة الأنجليزية التي كانت ليلة العيد ماهرة بإتقانها ... نظر "هاكان " لها بتعجب بعدما انتبه لنطقها الصحيح تمامًا للكلمات ... ولكن أتى السؤال الأهم والأخير وهو أوراق شهاداتها العلمية ، فقالت ليلة بصدق بعدما اجتازت جميع الاسئلة بمهارة :
_ مش معايا غير شهادة الثانوية العامة .
اتسعت عينان "هاكان" على آخرهما بشراسة، واضطربت منه من رؤيته هكذا وابتلعت ريقها بقلق ... فقال هاكان بذهول :
_ بتقولي إيه ؟! ... ثانوية عامة ! ... أنتي واعية للي بتقوليه ولا أنتي شاربة حاجة؟!.
تلقى "هاكان" صفعة وكأنها بداخل رأسه وسمع نفس الصوت يقول له :
_ ما أنا قولتلك شوفها بقلبك ولا هو لازم استخدم ايدي يعني ! .. رجالة مش بتيجي غير بالعين الحمرا ، هو أنا طفشت من زماني من شوية !
تألم هاكان وهو يمسك رأسه بكلتا يداه وقال بعصبية :
_ مش فاهم في ايه بيحصلي؟!
تدخلت منه وقالت له شيء طرأ بفكرها فجأة :
_ لو سمحتلي يا فندم اتكلم وهقترح اقتراح.. بصراحة البنت ممتازة ، نفس المواصفات اللي طلبتها بالضبط ، أنا مدركة طبعا أن ماينفعش تشتغل من غير شهادة ، بس فيها ايه لو تشتغل أي شغلانة هنا بسيطة لحد ما تكمل دراستها وبعدين تثبت نفسها ..
تفاجئت ليلة بأقتراح منة، فغمزتها منه لتصمت وترحب بالاقتراح، وكان من المستحيلات أن يوافق "هاكان" على هذا الأمر ، ولكن ذلك الصوت اللعين داخل رأسه سيقود للجنون وهو يهتف :
_ وافق، وافق ، وافق ، وافق ، وافق ، وافق ،وافق ، وافق ..
صاح "هاكان " بعصبية شديدة وهو ينظر لهما ويمسك رأسه بألم :
_ خـــــــلاص بقا ... موافق .
ونهض متنهدًا بعمق عندما أختفى الصوت وعاد لطبيعته ، وخرج من المكتب بعدما القى نظرة غاضبة يإزدراء على ليلة العيد ...
صاحت منة بضحكة عقب خروجه من المكتب وذهبت لتبارك لليلة قائلة :
_ اتمسكي بالفرصة دي ، كملي دراستك في المجال اللي بتحبيه وأوعي تتخلي عن حلمك ، أنا فرحانة ليكي أوي ، مش عارفة الفكرة دي جاتلي منين ، بس كأن حد همسلي بيها !!
لم تعرف ليلة أن كان عليها أن تفرح أو تقلق ، لأنها لا زالت لا تعرف ما سيكون عملها حتى تنهي دراستها التي لم تبدأ في استئنافها من الأساس !! .. فسألتها :
_ طب وهشتغل ايه هنا مؤقتا ؟!
قالت منة بتصميم :
_ أي حاجة يابنتي ، حتى لو هتشتغلي على البوابة برا وافقي ، صدقيني دي فرصة مش هتتكرر تاني ، أنا لحد دلوقتي مش مصدقة أن مستر هاكان وافق على اقتراحي !! .. ده بالنسبالي معجزة !! تعالي بكرا وهنشوف هو هيقرر يشغلك ايه.. ومهما كان اوعي ترفضي.. ده حلمك وما تستغنيش عنه.
___________________________
استند "هاكان" بظهره على مقعد السيارة في حالة من الذهول لما حدث، كيف وافق على تلك الفأرة الحقيرة أن تعمل بشركته وهو من طرد الأفضل منها!!
حتما سيكون سخرية الجميع، ولكنها بالتأكيد ستأت غدًا لبدء عملها المؤقت.. وحينئذ سينهي الأمر بالتأكيد.
كان سيترجل من سيارته حتى رآها وهي تخرج من مبنى الشركة وتحمل تلك القطة السوداء المخيفة وتضحك وتمازحها .. نظر بامتعاض لمظهرها البائس الرتيب ولم يصدق أنه استطاع الموافقة بتلك البساطة على تلك الفأرة البائسة!
____________________________
وعادت" ليلة العيد " للمنزل وقد غمرتها الفرحة لأولى خطوات تحقيق حلمها..
وحينها وجدت خالتها سميرة جالسة أمام التلفاز تشاهد في ضحكات عالية..
وأبنتها شاهندة ممددة على الكنبة وترمي رأسها بحجر أمها وتشاركها مشاهدة المسلسل .. ولكن حينما لمحا ليلة قالت" شاهندة" بعصبية:
_ يعني برضه القطة المقرفة دي رجعت تاني ومافيش فايدة .. المرادي مش هرميها في الشارع ده أنا هرميها من البلكونة.
ونهضت وهي تندفع نحو ليلة بغضب جارف.. ولكن القطة قفزت على شاهندة وغرزت أظافرها بوجهها، مما جعل الأخرى تسقط أرضا صارخة بألم شديد بعدما امتلأت الخدوش وجهها النازف بالدماء... صرخت سميرة وهي تقول لأبنتها:
_ تعالي معايا على المستشفى حالا تاخدي مصل.. ولما ارجع ليا تصرف تاني.
نظرت سميرة لليلة بتوعد مخيف، بينما ابتلعت ليلة ريقها وركضت لغرفتها وهي تحتضن القطة، وحينما دخلت اغلقت الباب خلفها قائلة بأسى:
_ عملتي كده ليه يا شفيقة، أهم هيرموكي في الشارع ومش هقدر أنطق بعد اللي حصل.
وتنهدت ليلة وهي تغمض عينيها بألم وقلة حيلة، حتى أتى صوت أمرأة وكأنه من عالم آخر:
_ محدش يقدر يقربلي متخافيش.
فتحت ليلة عينيها بفزع ونظرت حولها بخوف وهي تردد:
_ بسم الله الرحمن الرحيم، الصوت ده جاي منين؟!
لم يصدر الصوت مرةً أخرى، بينما ماءت القطة لطلب الطعام كعادتها، فهدأت ليلة وظنت أن الأمر من نسج خيالها وقالت:
_ لما يخرجوا هطلع اجيبلك تاكلي
•تابع الفصل التالي "رواية مديري مستر فرعون" اضغط على اسم الرواية