رواية أحفاد المعز الفصل العشرون 20 - بقلم زينب محروس

   

رواية أحفاد المعز الفصل العشرون 20 - بقلم زينب محروس

الفصل العشرون
          
                
- شوفت فيديوهات كتير و مش فاهمة.



- طب ما تكلمي مستر فارس، أكيد هيساعدك. 



- مش هيرد عليا يا ماما، آخر مرة قالي إنه مبقاش المستر بتاعي و مبقاش ينفع نتكلم و لا نتقابل، هو ليه مينفعش يا ماما؟ أنا زعلت منه عشان مش عايز يبقى المستر بتاعي و مش هشوفه تاني. 



هنا أدركت أميرة السبب الأساسي خلف تلك النوبة من البكاء، فتنهدت باسمة و قالت: 
- طيب متعيطيش، هو فعلاً معاه حق عشان أنتي مبقتش تروحي السنتر، و كمان مينفعش تتقابلوا من غير سبب ضروري لأنه أجنبي عنك يا دينا. 



حاولت دينا أن تهدأ، و قالت: 
- أنا عارفة يا ماما، بس كمان مخنوقة و مضايقة عشان مبقتش أشوفه، أنا مش حابة كدا و عايز اكون على تواصل معاه. 



أردفت أميرة بتردد و نظرة مترقبة: 
- الحل الوحيد عشان يكون موجود في حياتك غير إنه يكون مدرسك، هو الجواز أنا مش شايفة علاقة غير كدا تكفي تعلقك بيه! 



- بس هو قالي إنه مش عايز يتجوز دلوقت. 



سكتت أميرة لتفكر، هل تخبرها بما قاله الجد أم لا، و لكنها حسمت أمرها و قررت تأجيل الأمر وقالت و هي تمسح دموعها: 
- اتصلي بس عليه و اطلبي منه يساعدك في المسألة، و بعد كدا الامتحانات نتكلم في الموضوع ده.



قالت دينا بيأس: 
- مش هيرد. 



- ملكيش دعوة ابعتيله حتى على الواتس و صدقيني أول ما يشوف الرسالة هيرد، و أهم حاجة بطلي عياط.



*********



ما إن وطأت قدميها أرض الوطن، توجهت مباشرة إلى العقار الذي يملكه «رمزي»، دلفت إلى الشقة بمفتاحها الخاص، لتستقبلها عمتها عندما ركضت إليها لتعانقها بترحاب و شوق، ثم سألتها بلهفة واضحة: 
- حمدالله على سلامتك يا حبيبتي، طمنيني عنك يا حبيبة عمتك؟ 



منحتها أروى ابتسامة باهتة و ردت قائلة: 
- بخير يا عمتي متقلقيش. 



تركتها و تقدمت إلى رمزي الذي يحاول التواصل مع باسل، فقاطعته أروى و هي تسأله بنبرة يشوبها ظلال القلق: 
- إيه اللي حصل يا خالي؟ سميرة اخدت الأملاك إزاي؟ و العيلة عايشين فين دلوقت؟؟



وضع رمزي هاتفه جانبًا و أجابها قائلًا: 
- ساكنين في الطابق اللي فوق، متقلقيش عليهم. 



اومأت برأسها قبل أن تعقد حاجبيه و تسأله بترقب: 
- إزاي سميرة أخدت ورث حسام و فارس؟ أنا مش طلبت منك تسلمهم كل واحد ورثه؟ المصيبة دي حصلت ازاي؟؟ 



زفر رمزي بحرارة و قال: 
- دا مش وقت استجواب، أنا عايز باسل ضروري و مش قادر اوصله، لازم يكون موجود معانا بكرا ضروري، هو فان مش كان معاكي؟؟ 



تلوت شفتيها ببسمة مستهزئة، و قالت بلهجة فاترة: 
- أنا معرفش حد بالاسم ده، متسألنيش عنه تاني. 




        
          
                
ضيق ما بين حاجبيه و سألها باستغراب: 
- آمال هسأل مين؟ انتم مش اتصالحتم؟ 



رمقته أروى بنظرة غامضة، و توجهت صوب الباب وهي تقول: 
- هروح مشوار و اجي. 



صرخ رمزي قائلًا: 
- هو أنا مش بكلمك؟ اقفي هنا و ردي عليا.



ردت عليه أروى ببرود: 
- لما ارجع نتكلم، إنما الأول هصحح نتيجة ثقتي في الناس.



بمرور الوقت، كانت تعدو بخطوات سريعة إلى قصر المُعز، حاول الحارس منعها لكنها لم تهتم لصراخه، و دلفت سريعًا لتطلب من ولاء التي استقبلتها أن تنادي سميرة للقائها، و لم يستغرق الأمر سوى لحظات قليلة و كأنها كانت بانتظارها. 



تحركت إليها و هو تنطق بصوت ساخر يشوبه ظلال الانتصار: 
- أهلا بمرات أبني، أهلا بالغالية اللي هتبقى مطلقة كمان كام يوم. 



ضحكت أروى بسخرية مماثلة، و ردت عليها قائلة: 
- تصدقي يا سوسو، إني بطلاقي من باسل هتبقى خدمتيني خدمة العمر. 



حدقت بها سميرة بنظرات تنم عن عدم الفهم، فأكملت أروى و هو تضغط على مخارج الأحرف: 
- أصل أنا بردو مينفعش أكمل حياتي و أنا على زمة واحد ابن أمه، لاء و كمان تاجر هيروين محبوس ورا القضبان في الكويت. 



كانت أروى تتابع قسمان وجهها التي تغيرت إلى ما يخالف تلك العنجهة و الغرور و شعورها بالانتصار، حيث اتسعت حدقتي سميرة، و تساقطت بقايا ابتسامتها الماكرو أرضًا، و انطفأ ذلك الكبرياء في عينيها، و كأن ما قالته أروى صفعها بقوة على وجهها، فغمغت بصدمة: 
- قولتي ايه علي باسل؟؟ 



ضحكت أروى مجددًا و أجابت باستخفاف:
- واضح إن فهمك على قدك عشان كدا هوضحلك أكتر، أنا لما عرفت إن بيسو طليقي باعتبار ما سيكون يعني، بيساعد ماما و ضحك على أولاد عمه و كمان عايز يخفي الأدلة اللي تثبت براءة بابي، قررت اني اتغدى قبل ما إيه..........؟؟؟؟ 



كانت جملة أروى الأخيرة و كأنها تسأل سميرة عن تكملة المثل، و لكن ما حدث هو أن هدرت سميرة في وجهها بغضبٍ قائلة: 
- اخلصي عملتي ايه في ابني؟؟ 



حاولت أروى إثارة غضبها أكثر، فتحركت لتجلس أمامها واضعة قدم فوق الأخرى، و استرسلت: 
- واضح إنك مش عارفة المثل، مع إنه مشهور جدًا، بس يلا أنا هكمله، بصي يا حماتي انا قررت اتغدى بيه قبل ما يتعشي بيا، فعملت ايه بقى جبت كمية حلوة كدا من الهيروين و حطيتها في شنطة السفر اللي كانت معاه، و بلغت عنه.



حركت سميرة رأسها مرات متتالية، لا تريد أن تستوعب ما قالته أروى، فهتفت برفض: 
- انتي كذابة، لأن ابني لما سافر الكويت مكنش معاه شنطة هدوم، جالك بطوله. 



ردت عليها أروى بازدراء: 
- صباح الخير يا حجة، إبنك معايا في الكويت بقاله اكتر من اسبوعين، يعني لو جالي من غير هدوم عشان يثبت الدور و إنه كان قلقان عليّ و كدا، فأحب أقولك إنه اشترى لبس منك هناك، ما هو مش هيبقى تاجر هيروين و مش لاقي هدوم يلبسها، و لا أنتي ايه رأيك؟؟؟ 




        
          
                
لن تتمكن من رؤية ابنها يعاني و تقف هكذا مكتوفة الأيدي، فسرعان ما استدارت لتغادر، و لكنها توقفت و التفتت مرة أخرى إلى أروى و نطقت بتوعد، زادت خطورته تلك الشرارات الغاضبة التي تتطاير من عينيها: 
- أنا هخرج ابني، بس اعرفي إنك فتحتي على نفسك أبواب جهنم.



استوت أروى على قدميها و قالت ساخرة: 
- قبل ما تتحمأي كدا اسمعي الكلام اللي هقوله، و اهو ممكن تعملي خير يحميكي انتي من جهنم اللي في الأخرة، بس أنا واثقة إنك حاجزة صف أول في جهنم. 



- اتمادي أكتر و تجاوزي حدودك يا أروى، عشان لما الكرة تبقى ملعبي هخليكي تخسري خسارة عقلك الصغير ده مش هيستوعبها. 



أردفت أروى دون اهتمام لما سمعته من سميرة: 
- بلاش هبد شوية لأنك بقيتي كحكوحة و من اول ثانية في الماتش هتطبي ساكته، المهم مش موضوعنا، لو مفكرة إنك لما تسافري الكويت هتخرجي ابن أمه من السجن تبقى غلطانة لأنك هتحصليه، أصل أنا عاملة حسابك في مفاجأة صغننة كدا. 



أشارت أروى بإصبعي السبابة و الإبهام و كأنها تريها حجم المفاجأة، و أكملت: 
- أنا فتحت قضية العلاج الفاسد، و قدمت ضدك شكوى هناك و وكلت محامي و معاه نسخة من الأدلة، يعني بمجرد ما حضرتك تسافري هيتقبض عليكي انتي كمان، كل الأدلة بقت معايا و هقدر أرجع حق بابا و سمعته اللي دمرتيها. 



بصعوبة قد استوعبت تلك الكارثة، و لم يعد بمقدورها أن تستوعب صدمة أخرى، تجمدت الكلمات في أذنيها، و غاص بصرها في الفراغ، و كأنها تشاهد ما فعلته في تلك السنوات ينهار أمامها الآن قطعة بعد قطعة، و كلما زاد الصمت كانت تشعر بتلك الكارثة تتمدد بداخلها، و تضغط على صدرها، حتى صار التنفس مهمة شاقة عليها، و أصبحت كمن انقطع الأكسجين عن عقله، فلم تعد لديها القدرة على التفكير. 



اقتربت منها أروى و ربتت على كتفها، ثم همست يظهر تلذذها بسقوط عدوتها: 
- غمة و تزول يا حماتي، غمة و تزول يا عدوتي اللدودة. 



و أخيرًا بدأت أروى تجني ثمار انتقامها، فقد استوطن الفرح قلبها عندما رأت سميرة تبكي للمرة الأولى منذ أن عرفتها، فقالت أروى سريعًا: 
- لاء بلاش عياط حاولي تكتمي في نفسك يمكن تموتي بساكته قلبية و لا حاجة. 



نطقت سميرة من بين بكائها: 
- باسل ملهوش ذنب. 



- دا كونك أمه بس دا ذنب كبير، المهم لو عايزة باسل يخرج فعلاً يبقى ترجعي الأملاك اللي سرقتيه، معاكي لحد بكرا غير كدا مقدرش اساعد باسل، و انتي لا هتقدري تساعديه و لا تساعدي نفسك عشان هقدم ضدك قضية في مصر كمان.......استأذن بقى عشان تعيطي براحتك. 



***********



على صعيدٍ آخر.



كان فارس يتحدث إلى حسام في غرفتها المشتركة، لينقطع حديثهما عندما جاءت إليهما فداء و قالت: 
- مكالمة عشانك يا فارس.




        
          
                
قال قال مستغربًا: 
- مكالمة عشاني من فونك أنتي!! 



و ضعت الهاتف في يده وقالت: 
- اتكلم بس و أنت هتعرف. 



وضع الهاتف على أذنه و ما كاد يسأل عن هوية المتحدث، سمع صوتها المحبب إلى قلبه، في هذه اللحظة اندفع قلبه خافقًا بتتابع متزايد، و كأنه يرحب بها, أو كأنه يتراقص طربًا لسماعه صوت حبيبته، جاءه صوتها مجددًا عندما قالت: 
- أنا دينا يا فارس، سامعني؟؟ 



رد عليها فارس بارتباك واضح: 
- سامعك يا دينا، سامعك.



لاحت ابتسامة مشاكسة على شفتي حسام الذي أردف قائلًا: 
- ايوه يا عم حبيبة القلب، الله يسهلو.



أبعد فارس الهاتف سريعًا، و تحدث بصوت خافت: 
- جرا ايه يا ابني أنت ما تحترم نفسك! 



أكمل حسام ممازحًا: 
- هو أنا كذبت؟ مش دي الحقيقة! 



قال فارس بحذر: 
- دي الحقيقة بس هي متعرفش، اتكتم بقى أو اقولك أخرج من الأوضة خالص. 



- أنت بتطردني؟ 



- ايوه بطردك. 



قال حسام ساخرًا: 
- يعني هي جت عليك ما انا دايمًا مطرود.



كان في صوته شيء من الحزن، و حينما انتهي من جملته غادر الغرفة، فنظر فارس إلى شقيقته قائلًا: 
- شكله زعل هو أنا اتكلمت بأسلوب مش كويس؟؟ 



حركت فداء كتفيه، لعدم المعرفة، و قالت: 
- رد أنت بس على دينا و أنا هخرج أشوف حسام ماله. 



عاد فارس ليتحدث إلى دينا مرة أخرى، لكنه وجدها قد أنهت الاتصال، فوضع هاتف شقيقته جانبًا و استعان بهاتفه ليعاود الاتصال بها، و في هذه اللحظة عندما أجابت عليه كانت نبرتها باردة: 
- نعم يا فارس؟ بتتصل عليا ليه؟



ابتسم فارس بسخرية و قال: 
- و الله؟ دا على أساس إن اللي اتصل على اختى من شوية كان خيالك؟ 



- لاء كنت أنا اللي اتصلت. 



تحولت تلك الابتسامة الساخرة إلى أخرى حانية بينما يقول:
- طيب عايزة ايه يا دينا؟؟ 



اندفعت دينا قائلة: 
- عايزة اشوفك، فاضي امتى؟؟ 



سألها فارس باستغراب: 
- عايزة تشوفيني ليه؟ 



- في مسائل واقفة قصادي مش عارفة احلها.



- تمام الموضوع سهل، صوريهم و ابعتيهم على الواتس و أنا هشرح لك ريكوردات أو هعمل فيديو و ابعته. 



تحطم ذلك الأمل الأخير لديها، فقالت بيأس: 
- ماشي يا فارس. 



أما على الجانب الآخر فعندما خرجت فداء لتتحدث إلى حسام، وجدته جاور «وفاء» و «داليا» جالسًا بينهما، ثم نطق قائلًا: 
- أنا جعان يا حلوين، عندكم ايه يتاكل؟ 



ردت عليه داليا قائلة: 
- جرا ايه يا حبيبي من لما جينا هنا و أنت اسم الله عليك مش مبطل أكل، هي المصيبة اللي حصلت دي مش على بالك؟ 




        
          
                
رد عليها حسام بنبرة لا تحمل شيء من الاهتمام: 
- يعني أموت الجوع يعني عام يبقى موت و خراب ديار؟ 



تدخلت وفاء في الحوار قائلة: 
- بعد الشر عليك من الموت يا حبيبي، ادخلي يا فداء جهزي الأكل عشان حسام. 



دون أن تعترض فداء، تحركت إلى المطبخ لتسمع صوت حسام يمنعها قائلًا: 
- لاء خلاص مش عايز أكل.



استدارت إليه فداء و قالت: 
- دا أنا هجهزلك في ثواني. 



رد عليها حسام بنبرة جافة: 
- قولتلك لاء، يبقى خلاص. 



استغربت فداء تلك النبرة التى تشعرها و كأنه يعود إلى سابق عهده، في حين زجرته داليا قائلة: 
- ما ترد عليها كويس، الحق عليها عايزاك تاكل. 



قبل ينطق بحرف آخر، صدح هاتفه معلنًا عن اتصال من باسل، فسرعان ما استقبله قائلًا: 
- ايوه يا باسل أنت..............



قاطع باسل حديثه عندما قال: 
- أنا في مصيبة يا حسام، اتقبض عليا في المطار بهيروين، حاول تتواصل مع أروى لأنها في الكويت لوحدها و أنا خايف عليها. 



اتسعت حدقتي حسام، و هب واقفًا كمن لدغته حية: 
- هيروين ايه اللي اتمسكت بيه؟ دا مصيبة سودا، و كمان بتكلمني من رقمك الكويتي؟ يعني انت مقبوض عليك هناك؟ 



رد عليه باسل بنبرة قلقة:
- اسمعني بس أنا استأذنت الظابط اللي هنا عشان اكلمك، و هحاول استأذنه عشان اتكلم مع محامي هنا، بس أهم حاجة دلوقت تخلي بالكم من أروى اتصل عليها تنزل مصر.......يلا أنا هقفل دلوقت. 



نقل حسام نظره بين الواقفات حوله، و تحدث بنوعٍ من الذهول: 
- باسل اتقبض عليه بتهمة تجارة هيروين!! 



الصدمة قد الجمت فمهن، و مرت عليهم لحظات من الصمت، قطعتها وفاء عندما وضعت يدها على رأسها قائلة: 
- المصايب بتيجي ورا بعدها، يارب سلم، ربنا يسترها. 



توجه حسام مباشرة إلى رمزي، و من خلفه الجميع حتى فارس التي وافته فداء بما حدث، كانت طرقاتهم على الباب تنم عن حجم الكارثة التى حلت عليهم، انقطع تتابع ضربات الباب عندما فتح لهم رمزي. 



فبادر حسام قائلًا بهلع: 
- مصيبة و كارثة نزلت على دماغنا. 



سأله رمزي بنبرة يشوبها ظلال القلق: 
- حصل ايه تاني؟؟؟ 



أجاب فارس بدلًا عن ابن عمه:
- باسل اتقبض عليه بهيروين في المطار. 



هتف رمزي بصدمة: 
- بتقولوا ايه؟ ازاي؟



تدخلت فداء و قالت باستنتاج: 
- اكيد طبعًا حد حطله الزفت ده، لأن باسل مستحيل يعمل كدا.



أردف رمزي بصوت حائر: 
الوحيد اللي ممكن يعمل كدا هو ماجد الصواف بس دا اتقبض عليه، ازاي دا حصل؟ مين اللي ممكن يعمل كدا؟ و ليه أصلًا؟؟ 




        
          
                
- أنا اللي عملت كدا، و عملت كدا عشان بكرهه. 



نطقت أروى بهذه الكلمات من خلفهم، فالتفتوا إليها جميعًا، و قسمات وجههم تخبرها بتلقيهم لصدمة جديدة، فابتسمت بانكسارٍ و قالت: 
- زوجي العزيز اتفق مع أمه ضدي و مش بس كدا، دا كمان سلمها ورثكم، فقررت إني مش هسكت أكتر من كدا، يعن



هدوء تام قد خيم علي الأرجاء، حتى خطا إليها رمزي، و دون أن ينبت ببنت شفة، رفع يده صافعًا إياها، لعلها بهذا الكف تسترجع رشدها، وضعت أروى يدها خدها و تجمعت العبرات في عينيها، و صرخت بصوت يخنقه البكاء: 
- مش المفروض اتوقع منك حاجة غير كدا، ما أنت كمان خدعتني و خدعت راشد المُعز و اتفقت مع باسل على أولاد عمه! بس أنا مش غلطانة أنا لعبت مع باسل بنفس طريقته. 



حرك رمزي رأسه بيأسٍ، و غمغم بنفور: 
- اتغيرتي يا أروى، الانتقام عمى عيونك. 



اقترب منها حسام هو الآخر قائلًا: 
- عملتي ايه؟؟ لعبت معاه بنفس الطريقة؟؟ لو لعبتي بنفس طريقته مكنش زمانه في السجن دلوقت! 



صرخ حسام في وجهها عندما نطق بجملته الأخيرة، فسحبه فارس من ذراعه قائلًا: 
- اهدي يا حسام، الزعيق مش هيحل حاجة. 



نفض حسام ذراعه بعيدًا و أكمل معاتبًا: 
- لازم ازعق عشان الهانم تعرف إنها ارتكبت أكبر خطأ في حياتها، اللي انتي سجنتيه ده كان بيحاول ينتقم من أمه عشانك، كل اللي حصل في الفترة الأخيرة بداية من اتفاق باسل مع سميرة نهاية ب طردنا من القصر، كله خطة عشان نوقع سميرة، و تيجي تقولي جوزك متفق ضدك؟؟؟ 



فرت دمعة هاربة على وجنتها، فمسحتها أروى سريعًا و تشدقت قائلة برفض لصحة حديثهما: 
- بتكذبوا عليّ، أنتم عايزين تثبتوا إني غلطانة، بس لاء أنا مش غلطانة، أنتم بتكذبوا. 



شاركت وفاء في الحوار قائلة بعتاب: 
- للدرجة دي يا «أروى» مش واثقة في حد؟ أنا و داليا و فداء منعرفش حاجة عن خطة الأملاك دي، بس بالرغم من كدا كنا متأكدين إن سميرة كلامها غلط و إن باسل عمره ما يغدر بنا، تيجي أنتي بقى متصدقيش جوزك و تخونيه و أنتي اكتر واحدة عارفة إنه اتظلم زيك؟ 



أجهشت أروى بالبكاء، و انهمرت دموعها كالسيل الجارف، و صرخت بنغمة أخرجت بها كل ما تشعر به من خذلان، و ألم يعتمر بصدرها و يتمدد يومًا بعد يومًا، فكانت كلماتها تقطع نياط القلوب حينما قالت: 
- متقوليش إنه اتظلم! محدش اتظلم زي! محدش عاش اللي أنا عشته! محدش عاش وجعي و حرماني من أهلي! محدش فيكم اتهجر في يوم فرحه، الليلة اللي بيتقال عليها ليلة العمر كانت بداية السواد في حياتي! محدش فيكم جرب يبقى لعبة في إيد الشخص اللي حبه! محدش فيكم جرب وجعي، محدش فيكم اتخذل من كل اللي حواليه! محدش فيكم اتظلم زي، حتي باسل! باسل اللي اتجوزني بطلب من أمه، و سابني و سافر بطلب من أمه من غير ما يكلف نفسه و يفكر في البنت اللي إسمها اتربط باسمه، مفكرش مصيري ايه في غيابه، مكلفش نفسه حتى يرفع سماعة تليفون و يسأل عليا عشان أقوله إن أمه بتتغذي على ذلي! حتى لما فكرت اعطي جوازي فرصة تانية راح باسل و اتفق مع سميرة ضدي تاني عشان يضيع حق أهلى، و فكان لازم بعد دا كله انتقم منه.



ارتفع صوت حسام ليوبخها قائلًا: 
- يا غبية أنتي انتقمتي من الشخص اللي كان بيحاول ينتقم لك، افهمي بقى قولتلك كانت خطة هو مش مصدق سميرة و لا مسامحها على اللي عملته، انتي لو مكنتيش سافرتي الكويت كنتي عرفتي إنه اختارك أنتي مش هي، متعرفيش إن باسل اتصل علينا من شوية عشان نخلي بالنا منك، انتي مدركة إنه بدل ما يطلب نساعده هو طلب نهتم بيكي عشان متتعرضيش لأذى! 



تعلقت عينيها برمزي و هي تسأله بصوت خافت من بين شهقاتها: 
- حسام بيكدب صح يا خالي؟؟؟ 



أجابها رمزي بازدراء: 
- بتسأليني ليه مش انا خدعتك؟ مش أنتي مبقتيش تثقي فيا؟ نسيتي إن اللي ماتت و حياتها اتدمرت قبلك دي تبقى أختي، مكلفتيش نفسك تسأليني أنا سلمت سميرة الأملاك ليه! أصدرت حكمك علينا من غير ما تعرفي الحقيقة، بعد اللي عملتيه مع باسل ده بقيتي تفرقي ايه عن سميرة!!!! مع الأسف يا أروى انتي غلطانة المرة دي و غلطك كبير. 



زادت وتيرة بكائها، فاقتربت منها فداء التي احتضنتها و هي تربت على ظهرها بحنان لتواسيها، في حين خرج فارس عن صمته قائلًا: 
- اعتقد دا مش وقت العتاب يا جماعة، لازم فينا يسافر و نهتم بقضية باسل. 



زفر رمزي زفرة حارة، و تحدث بعدما رمقها بنظرة تحمل الكثير من الخيبة في طياتها: 
- خد حسام و سافروا، و أنا هحل موضوع سميرة و هحصلكم. 



************



دلفت أروى إلى غرفتها بخطوات متثاقلة، كحال أنفاسها التي طُوقت بذنبها كحجر يشدها إلى أعماق البحر، توقفت أمام المرآة و تجمدت عينيها على انعكاسها، فكانت ترى نسختها الأسوأ، و ذلك الذنب اللي ارتكبته عرضًا مباشرًا أمام حدقتيها، لم تكن تعرف أن سيرها في طريق الانتقام سينهش برائتها نهشًا، لم تعرف أن الانتقام لن يعيد إليها سعادتها بل سيطفأ من تبقى لديها، انتقلت من دور الضحية إلى الجاني، أصبحت جائرة و بصفتها الجديدة لم تُلحق الأذى سوى بزوجها، و حبيبها باسل، ذلك العاشق الباحث عن آمانها، حقها، و سعادته فكانت مكافئته أن يُزج به في السجن بتدبيرٍ منها. 



كان كل نفس تستنشقه بمثابة شظايا زجاج تخترق قلبها، و من بين تلك اللحظات المريرة أراد عقلها أن يتضاعف شعورها بالذنب، فتوقف الزمن عند تلك اللحظة ليتردد فيها صوت باسل في أذنيها و هو يخبرها أنه يراها الحقيقة الوحيدة في حياته، في هذه الأثناء تسارعت ضربات قلبها احتجاجًا و كأنه يرغب في الخروج، و بذلك يخبرها أنها لا تمتلك ما يكفى من المشاعر لتستحق هذا القلب. 



تتابع تلك الجملة جعلها تنفعل بشدة، و كأن بركانًا بداخلها ظل يغلى حتى جاءت لحظة الانفجار، فحركت أروى ذراعيها بغضب شديد و هى تدفع تلك الأشياء بعيدًا عن منضدة الزينة، ثم انحت و أخذت إحدى زجاجات العطر، و رمتها صوب المرآة التي تهشمت تزامنًا مع صراخ أروى التي بدت و كأنها تخرج ما يعتمر في صدرها من ضجيج الضمير. 



ألقت بنفسها أرضًا لتنتحب بشدة، غير عابئة بطرقات الباب، و ندائهم القلق عليها........



يتبع..............



بقلم زينب محروس 




        

تعليقات