رواية أحفاد المعز الفصل التاسع عشر 19 - بقلم زينب محروس

   

رواية أحفاد المعز الفصل التاسع عشر 19 - بقلم زينب محروس

الفصل التاسع عشر
                                        
                                              
لم تتوقع يومًا أن يخرج هذا الكلام من فمه، هو نفس الذي تخلى عنها في ليلة زفاههم، هو بذاته الذي صرخ في وجهها مرات لا تحصى، أمنيتها تتحقق الآن و فارس أحلامها قد جاء إليها على حصانه الأبيض، و لكنها لم تعلم أن القدر لم يمنحها موافقته بعد.



في تلك اللحظة رن هاتفها برقم مصري، استقبلت الاتصال، لتتحدث ولاء بتحذير شديد: 
- اوعى تعطي باسل الأمان يا أروى، باسل متفق مع سميرة. 



نقلت نظرها بين باسل و بين الفراغ، ثم ابتعدت عنه لتصطدم أصابع أقدامها بحائط الشرفة، فكانت تتمنى لو أنه حلم و يقظها الألم، التفتت ناظرة إلى باسل الذي يتابعها في صمت، ثم نظرت إلى الفراغ مرة أخرى دون أن تنطق و كأنها قد فقدت النطق، ف تحدثت ولاء مجددًا و قالت: 
- سمعاني يا أروى؟ مش بتردي عليا ليه؟ 



ردت عليها بصعوبة قد ظهرت على صوتها الذي خرج مهزوزًا و هي تقول: 
- كملي أنا معاكي. 



أضافت ولاء بنبرة حائرة: 
- أنا من كام يوم كدا سمعت باسل بيتفق مع سميرة عليكي، و ساعتها كانوا بيخططوا ازاي يبعدوا عنك الأدلة اللي مع المحامي. 



أدمعت عينيها، و هي تسألها بصوت مختنق: 
- انتي متأكدة؟ 



- أنا متأكدة من اللي سمعته، بس نية باسل ايه أنا معرفش، بس قولت اعرفك تاخي حذرك و خلاص. 



ابتلعت تلك الغصة التي قد التصقت بحلقها و قالت: 
- حاضر يا ولاء، متقلقيش عليا أنا كويسة و هرجع قريب. 



أغمضت عينيها بشدة و كأنها ترجع تلك العبرات إلى منبعها الأصلي، ثم زفرت بحرارة و التفتت إلى باسل ببسمة باهتة: 
- ولاء عايزاني أرجع عشان العيلة قلقانة عليّ. 



منحها بسمة لطيفة و اقترب منها ليخفي تلك الخصلة التي تمردت من أسفل الحجاب، و همس بصوت عاشق: 
- و مالو هننزل، بس لما جرحك يخف، و نقضي شوية وقت لوحدنا. 



اتسعت ابتسامتها قليلًا و ردت عليه: 
- أنا هدخل أخد شاور و اجيلك تغير لي على الجرح قبل ما نخرج. 



وقفت أمام المرآة و هي ترتب شعرها الذي لم يصل إليه الماء، شردت في هذا الوضع و هذا الغدر الذي لا ينتهي، كلما رأت أنها تقترب إلى بر الأمان، كانت سفينتها تتغلغل بها أكثر و أكثر إلى ما هو أشد من الهلاك، نظرت إلى انعكاسها بنظرات جامدة و همست: 
- من حقي انبسط يومين على الأقل قبل ما أخسر كل حاجة. 



اصطنعت ابتسامة زائفة تسيطر بها على تلك العاصفة الثائرة بداخلها، ثم تحركت إلى باسل بشخصية حقيقية تمنت لو عاشت بدلًا عن نسختها البائسة. 



- ممكن يا زوجي العزيز تغير لي على الجرح عشان نلحق ننزل! 



ابتسم بحنان و قال: 
- من عيوني يا عيوني. 



انتهى من عمله طابعًا قبلة حانية على خصلات شعرها الداكنة، و قال: 
- خلصت يا زوجتي العزيزة، البسي طرحتك عشان ننطلق. 




                                      

                 
ذهبا سويًا لتناول الطعام، و من بعده إلى إحدى مراكز التسوق الكبيرة، هتفت أروى بحماس: 
- خلينا نطلع من السلم الكهربائي. 



سارا جنبًا إلى جنب متشابكي الأيادي، لكنها توقفت أمام السلم مباشرة و لم تتقدم تلك الخطوة التي تجعلها على درجات السلم، و إنما نظرت إلى باسل بتوجس و قالت: 
- بخاف منه خلينا نرجع.



- الله مش انتي اللي قولتي نطلع بيه! 



- نفسي استخدمه، بس انا اول ما بوصل هنا بحس إن رجلي اتجمدت و مبقدرش اطلع عليه، مع إني نفسي اجربه. 



ابتسم باسل بدوره: 
- مفيش مشكلة، يبقى رجلك التانية تشيلك و تطلع بيكي. 



أنهي حديثه عندما انحني ليحملها بين ذراعيه و تقدم بها صوب الدرج، في حين أنها قد تعلقت برقبته و منحته بسمة هادئة، ثم تابعت الدرج المتحرك في سعادة تعلنها قسمات الوجه. 



- نزلني بقي يا بيسو، زمانك تعبت. 



رمقها بسهام عاشقة و قال: 
- لو عشت عمري كله بالوضع ده عمري ما اتعب، بالعكس هكون مبسوط و مرتاح عشان حبيبتي جنبي و في حضني. 



اخفت وجهها أسفل كفيها كتعبير عن الخجل، مما جعل باسل يميل برأسه قليلًا، و طبع قبلة رقيقة على يديها، ليبتعد قائلًا: 
- شيلي إيدك الحلوين عشان انزلك. 



لكنها لم تصغى إليه، فكرر فعلته مرة أخرى، و هذه المرة أبعدت يديها سريعًا و نطقت بوجهٍ مشتعل: 
- نزلني بسرعة قبل ما الناس تاخد بالها من قلة أدبك.



اتسعت حدقتيه قائلًا: 
- قلة أدب! دا أنتي مراتي يعني حقي! 



- حقك ايوه بس فين الحياء؟ نزلني بقي.



- طب أهو. 



نطق بتلك الجملة محاولًا أن يسرق منها قبلة أخرى، لكنها أبعدت وجهه بيدها و قالت  بفزع: 
- و الله هعيط يا بيسو، نزلني عشان خاطري. 



حرك رأسه نفيًا، فقالت بجدية: 
- عشان خاطري يا باسل، أنا بجد بتحرج و مش بحب ألفت انتباه الناس و خصوصًا لو الوضع محرج كدا. 



امتثل لطلبها و أنزلها أرضاً، ثم أمسك يدها قائلًا: 
- خلاص أنا آسف، حقك عليا. 



تسوقا سويًا في وسط من البهجة و السعادة، و كأنهما قد نسيا تلك اللعنة التي تسمى سميرة، و للمرة الأولى منذ زمن طويل خرجت ضحكاتها إثر تلك الدعابات التي يقولها باسل، كانت سعيدة برفقة زوجها حتى و إن كان لفترة مؤقتة، فهي ستسرق من الزمن بضع من اللحظات، لعلها بذلك تمتلك سلاحًا يحميها من الحزن القادم. 



أعادها باسل إلى المنزل و توجه بمفرده قاصدًا المكتب الخاص بمحامي والدته، و بعد محاولات كثيرة من المساعدة في منعه، لم يعبأ بها باسل و إنما دفع الباب بقوة و دلف إلى ذلك الرجل الذي قد مال شعره للون الأبيض، و تجعدت بشرته، فبذلك قد أمتلك ما يلزم من العمر ليصبح في نهاية عقده الرابع.




        
          
                
هذا الرجل هو ماجد الصواف الذي ساهم في تدمير عائلة أروى، عندما أخفى الأدلة التى تثبت براءة والدها، أشار إلى مساعدته التى خرجت، و التفت إلى باسل قائلًا: 
- اتفضل يا باسل بيه.



تقدم باسل ليجلس واضعًا قدم فوق الآخر، و أعاد لثام البرود مرة أخرى، فنطق بصرامة و قال: 
- ٣٠مليون دولار في مقابل الأوراق اللي معاك. 



رفع ماجد حاجبيه بذهول و قال: 
- متأكد هتدفع المبلغ ده؟ دا والدتك نفسها دفعت مليون بالعافية. 



زفر باسل قائلًا: 
- أنا مش جاي اتناقش معاك، أنا جاي عشان أخلص، و حالًا. 



- و لو رفضت عرضك؟ 



- و الله براحتك، أنت عارف كويس أنت بتتعامل مع مين، يعني مش صعب عليا آخد منك العقود دي بطريقة إجبارية، فشوف أنت تحب ايه و أنا معاك. 



- أنا بحب الفلوس. 



لاحت على شفتيه ابتسامة ساخرة، قبل أن ينطق قائلًا: 
- يبقى هات العقود و انزل معايا استلم فلوسك.



وصلا إلى المرآب، فاقترب باسل ليخرج من سيارته حقيبة مليئة بالنقود، و مد يده إلى ماجد قائلًا: 
- هات العقود الاول أتأكد منها و بعدين تاخد فلوسك. 



أعطاه ماجد العقود و هو يطالع تلك الحقيبة بجشعٍ يتطاير من عينيه، لم يعرف إن تلك الأموال سوف تشعل حريقًا تنتهي به حياته المهنية و حريته. 



دلف باسل إلى شقته و هو ينادى أروى، مرت لحظات قليلة قبل أن تخرج إليه تلك الحورية، بشرتها الناعمة التى قد تزينت بمساحيق التجميل، فبرزت ملامحها صارخة الجمال، أنفها الحاد المرتفع بشموخ يليق بها، و تلك الأعين التي تحددت بكحلٍ أسود، نزولًا إلى تلك الشفاه الصغيرة التي كُسيت بلون أحمر قاتم تميز بلمعة خفيفة.



مشيت إليه بخفة و كأن الأرض لا تقدر على حمل خطاها، كانت ابتسامتها تمنح الهواء دفئًا لم يألفه من قبل، نظر إليها بنظرات تحمل الكثير من المشاعر و لكن ما فاق تلك المشاعر هو اندهاشه من طلتها الخاطفة للأنفاس، أمعن النظر بهيئتها بداية من شعرها المنسدل في تموجات لطيفة، مرورًا بذلك الثوب الذي يُظهر ترقوتيها، و بالكاد فهو يستر مسافة لابأس بها من فخذيها، و صولًا إلى قدميها ذي الكعب المرتفع، و الذي أضاف لمسة جمالية إلى قدميها بعدما طُليت أظافرها بلون الزبيب الأحمر تشابهًا بثوبها الذي أبرز لون بشرتها البيضاء. 



تجمدت قدميه، و تخشبت الكلمات على شفتيه، وقفت «أروى» أمامه  مباشرة و سألته بصوتها الناعم: 
- ايه رأيك يا بيسو؟ 



تحشرج صوته عندما أجابها: 
- جميلة. 



- و الفستان دا حلو؟ 



- أوي. 



ضيقت ما بين حاجبيها و قالت: 
- مش باين إن المفاجأة عجبتك، أنا هدخل أغير. 



كادت أن تتحرك من أمامه، و لكنه أخيرًا قد عاد إلى وعيه، فباغتها بحركة سريعة عندما سحبها صوبه، فاصطدمت بصدره العريض، في حين أنه دقق النظر في عينيها قائلًا: 
- لابسة كدا ليه؟ عاملة لي مفاجأة ليه يا مدام، بتجُري رجلي لإيه. 




        
          
                
حركت كتفيها ببراءة و قالت: 
- و لا حاجة، أجُر رجلك لإيه يعني، أنا مش محتاجة أعمل حاجة عشان أجر رجلك، أنت بتيجي لوحدك. 



ابتسم قائلًا بهيام واضح: 
- دي حقيقة أنا واقع في حبك بطريقة لا توصف، عاشق متيم، و دايب في أروى مراتي حبيبتي، و جمالها الطبيعي و أقل حاجة منها بتبهرني و بتشد ليها اكتر و أكتر، فما بالك بقى بالمنظر الفتاك اللي انتي فيه ده! 



تعلقت برقبته و قالت بغرور مصطنع: 
- أقل حاجة عندي. 



حاوط باسل خصرها و مال برقبته قليلاً، لكنها تراجعت سريعًا عندما سحبت ذراعيها و رجعت بجسدها للوراء و قالت بنبرة لا تعرف شيئًا عن دلال الفتيات: 
- متخليش دماغك تروح بعيد يا بيسو، أنا بحاول أحتفل معاك بعيد ميلادك، فاحترم نفسك. 



ضحك باسل ليشاكسها قائلًا: 
- حاضر هحترم نفسي، بس بالله عليكي اتكلمي بالصوت الرقيق اللي كان من شوية بلاش احس نفسي متجوز واحد صاحبي. 



اومأت برأسها و قالت: 
- حاضر يا بيسو، يلا تعالى معايا. 



سحبته من يديه و دلفت به إلى حجرة الجلوس، و قالت بحماس: 
- جهزت بلايستيشن عشان نلعب سوا عارفة إنك بتحب اللعبة دي، و كمان عملتلك كيكة القهوة اللي بتحبها، و على فكرة بقى أنا تعبت فيها و لازم تقولي طعمها حلو حتى لو وحشة لاني اصلا فاشلة في المطبخ و دي الحاجة الوحيدة اللي اتعلمتها عشانك.



تأثر باسل لما فعلته لأجله، حتى أدمعت عينيه، فأردف قائلًا: 
- تعرفي إني محتفلتش بعيد ميلادي من لما بابا مات؟ و عمر ما حد كان بيقولي كل سنة و انت طيب غير جدي. 



فرت دمعة من عينيه، ازالتها أروى بعيدًا و قالت بحنان: 
- من النهاردة مش هيعدي عيد ميلادك غير لما نحتفل بيه سوا و احنا مع بعض، و هنحتفل كل مرة بطريقة والدك الله يرحمه. 



سألها بنبرة فضولية: 
- عرفتي عني الحاجات دي ازاي؟ 



تنهدت أروى و قالت: 
- كدا هتخليني اعترف بحاجة مش عايزة اعترف بها.



ضيق باسل ما بين حاجبيها، و سألها: 
- تعترفي بإيه؟ 



اقتربت منه و أطالت النظر إلى عينيه، و عندما حثها قلبها على الحديث، نطقت قائلة: 
- أنا عرفت باسل المُعز من حوالي أربع سنين او يمكن أكتر، أنا عمري ما أُعجبت ب شاب، و كنت بستغرب يعني ايه واحدة ممكن تحب شاب و توافق تتجوزه و تكون ضامنة إنها بعد كدا مش هتحب غيره!!!! كنت حذرة جدًا لما يتعلق الموضوع بالجواز عشان كنت عايزة اتجوز حد أكون مقتنعة و أنا معاه اني مش هبقى عايزة غيره، عايزة واحد و أنا معاه محسش إني ضيعت من إيدي جوازة أحسن..........لحد ما جيت لبابا الشركة في يوم و ساعتها كنت مستنياه عشان نرجع البيت سوا.......و ساعتها شوفتك من أول نظرة ليك اتخطفت، اتبدلت و بقيت واحدة تانية، عمري ما دققت في ملامح ولاد إلا أنت الكاريزما الصارخة اللي عندك شدتني فضلت اتأملك و أنت بتتكلم في الفون و تباعتك بعيني لحد ما دخلت الشركة، كنت حاسة بقلبي عايز يخرج من مكانه، و من ساعتها بقيت دايمًا أفكر فيك، عارف........ أنا كنت لما ببقى زعلانة و افتكرك أحس إن الدنيا بتضحكلي، و يوم ورا التاني كنت بتعلق بيك اكتر و عايزة اعرف عنك حاجات أكتر، عايزة أعرف أنت مين و بدأت اتلكك عشان أروح لبابا الشركة عشان أشوفك، بس شوفتك مرة واحدة  عرفت فيها أسمك من الدكتور المساعد اللي كان شغال مع بابا، بقيت متيمة بواحد اسمه باسل المُعز، كنت حاطة شروط في العريس اللي هوافق عليه، و كنت رافضة بعض العيوب لكني كنت عايزاك من غير اي شرط حتى لو فيك العيوب اللي مش عايزاها.........يوم ما عرفت إنك عايز تتجوزني أنا حرفيًا فضلت أسبوع مش عارفة أنام من كتر الفرحة و التخيلات اللي رسمتها عن مستقبلي معاك، لدرجة إني اخترت المكان اللي نروح فيه شهر العسل. 




        
          
                
قاطعها باسل سائلًا: 
- كنتي عايزة نروح فين؟ 



- فونتانا دي مونتريڤي نافورة العشاق فى إيطاليا. 



هز رأسه بخفة طالبًا منها أن تكمل: 
- بس يا سيدي و انت عارف ايه اللي حصل بقى بعد ما اتجوزنا، بس أغلبية المعلومات اللي عرفتها عنك كانت من جدك قبل ما يتوفى. 



حاوطها باسل بذراعيه قائلًا بترقب: 
- فين بقى الاعتراف اللي في الموضوع؟! في حاجة ناقصة!!! 



عقدت أروى حاجبيها و قالت: 
- ناقص ايه؟؟ 



- اعتقد إن كلامك دا كان اعتراف حب، لكن عشان يكمل في جملة من كلمتين لازم تتقال، صح و لا أنا غلطان!! 



استعانت أروى بأنامل يدها الناعمة، و ضربت على وجهه بخفة و قالت: 
- يلا يا بابا تعال نلعب مش وقت، فلسفة.



بمرور الوقت أردف باسل ساخرًا: 
- يا شيخة عن أبو الرومانسية اللي تخليكي بالجمال اللي انتي فيه ده عشان تلعبي معايا بلايستيشن، هو أنتي ابويا  عشان تحتفلي كدا بعيد ميلادي!!!!



ربتت على كتفه بسخرية مماثلة و قالت: 
- ألعب يا بيسو، العب و أنت ساكت مش كفاية خسران خمسة. 



- بزمتك دا أسلوب! محتاجة تتعلمي كتير عن الرومانسية. 



- حاضر هاخد كورس، العب بقى و أنت ساكت.



- بما أنك عاملة دور الأب بقى أنا رايح أنام، أصل ابويا كنا بعد ما نحتفل يقولي قوم نام عشان متتأخرش على المدرسة. 



علقت أروى تلك المباراة و قالت ببرود:
- حيث كدا بقى تصبح على خير يا بيسو. 



تنهد باسل بقلة حيلة، و خطا صوب غرفته، لكنه تجمد في موضعه عندما تناهي إلى سمعه صوتها الأنثوي الناعم: 



- على فكرة أنا حبيتك من أول مرة شوفتك فيها، و مازلت بحبك، و هفضل أحبك طول ما أنا بتنفس. 



يُقسم أنه في هذا الوقت كادت أن تسمع صوت قلبه الهادر بحبها كشلالٍ لا يتوقف، عاد إليها مجددًا و سعادته المفرطة تسبقه إليها وقف أمامها، مرددًا: 
- تاني كدا؟ 



ضحكت بدلال لا يليق بسواها، و كررت: 
- أنا بحبك يا بيسو، مغرمة بيك يا ابن المُعز. 



تراقص قلبه طربًا، و تمددت ابتسامته إلى عينيه، ثم غمز بعينه و كأنه يخفي سرًا لا يعرفه سواهما: 
- حيث كدا بقى، مينفعش الجمال دا كله يروح هدر.



                                  ********



اجتمعوا كعادتهم على مائدة الطعام، و لكل منهم عقل شارد في حياته الخاصة، لتأتي إليهم سميرة بصاعقة جديدة، حيث دلفت إليهم و تحدثت بعنجهة و غرور: 



- اعملوا حسابكم بعد ما تخلصوا فطاركم، و تاكلوا لما تشبعوا ابقوا لموا هدومكم و كل متعلقاتكم و شوفوا مكان تاني تعيشوا فيه غير بيتي. 




        
          
                
خرج حسام عن صمته ساخرًا: 
- بيت مين معلش! انتي كبرتي و خرفتي و لا ايه! حلي عن دماغنا عشان إحنا مش ناقصين وجع دماغ عندنا اللي مكفينا.



تلوت شفتيها ببسمة ساخرة و قالت: 
- و الله أنا قولت اللي عندي، و جدعنة مني مش هاخد منكم العربيات خلوها، مين عارف ممكن متلقوش مكان يلمكم. 



سألتها داليا بتعجب: 
- قصدك ايه يا سميرة! 



- قصدي إن كل أملاك المُعز بقت بإسمي، كله بفضل باسل ابني حبيبي. 



صعقوا من ما قالت، فقال فارس بشك: 
- الست دي أكيد كدابة، باسل عمره ما يعمل كدا.



حركت سميرة كتفيها دون اهتمام و قالت: 
- و الله أنا قولت اللي عندي، لو مش مصدقين اسألوا «رمزي». 



استمعت ولاء إلى الحوار بأكمله، فأسرعت إلى الهاتف لتخبر أروى بما قد آلت إليه الأمور بفضل زوجها المصون. 



تململت أروى في نومها عندما صدح هاتفها بإشعار الرسائل، حملت الهاتف بتأفف، لكن ما إن قرأت محتوى الرسالة، احتلها نشاط غريب دفعها إلى تنفيذ خطتها على الفور كي تنتقم من باسل و سميرة. 



رمقته بنظرة غاضبة، ثم خرجت إلى غرفة أخرى، و اتصلت على مريم التى ما إن استقبلت الاتصال، جاءها صوت أروى تقول: 
- اتصرفي يا مريم و جبيلي هيرو"ين  النهاردة. 



- اجيبلك منين يا مدام أروى، أنا مليش في الكلام ده.



- دوري يا مريم، اكيد حواليكي حد بيشرب، أو مدمن الكلام ده، اتصرفي أنا مش عارفة حد هنا عشان اطلب منه. 



- طيب هشوف، بس انتي عايزاه ليه؟ 



تحدثت أروى بقلب بارد: 
- هحطه لزوجي في شنطته عشان يتقبض عليه في المطار. 



اتسعت حدقتي مريم و قالت بصدمة: 
- أنتي متأكدة! أنا عارفة إن بينكم مشاكل بس صدقيني دا باين عليه بيحبك، دا سايب كل حاجة و جالك عشان يطمن عليكي و بقاله اسبوعين بيهتم بيكي. 



لن تنخدع مجددًا بتلك المشاعر الزائفة التي يظهرها أمام الجميع من أجلها، فأردفت بحزم لا يقبل الجدال: 
- النهاردة يا مريم تجيلي و معاكي اللي طلبته منك، عشان أنا هنزل مصر بكرا إن شاء الله. 



اقتربت أروى من باسل الذي يتصفح هاتفه باهتمام، ثم جلست بجانبه و قالت بجدية: 
- باسل خلينا ننزل مصر بكرا. 



ترك ما يفعله و انتبه إليها قائلًا: 
- ما تخلينا شوية.



- لاء بقالنا كتير، العيلة وحشتني و كمان عايزة أشوف هنعمل ايه في الأيام الجاية.



داعب خدها بحنان شديد و ابتسم قائلًا: 
- كل حاجة هتبقى بخير متقلقيش، انا معاكي و مش هتخلى عنك. 



أردفت أروى بغموض: 
- طيب و لو أنا اتخليت عنك؟ 



رد عليها بنبرة واثقة: 
- مستحيل تعمليها، دا انتي الحقيقة الوحيدة في حياتي. 



منحته بسمة هادئة، و اقتربت لتأخذه بين ذراعيها للمرة الأخيرة، و كأنها تمنحه عناق الوداع. ابتعدت عنه عندما رن جرس الباب، فنهضت قائلة: 
- طلبت من مريم شوية حاجات، هروح افتح لها. 



حملت عنها تلك الأكياس التي دُست بأحدهما ما طلبته منها أروى، و بادرت مريم بصوت خافت: 
- فكري مرة تانية، عشان اللي هتعمليه هيضيع مدة كبيرة من عمر باسل، و هتبقى اخدتيه بذنب أمه، و صدقيني هتندمي بعدين. 



لن يتغير القرار، الانتقام يعني الانتقام، فقالت أروى: 
- لو حابة ترجعي مصر مع والدتك، متحمليش هم السكن، انتي بس عرفيني.



- لاء مش هنرجع، ماما عايشة على ذكريات بابا و رافضة ترجع مصر، و إحنا مبسوطين مع عيلة بابا هنا. 



- تمام، بس عايزة منك طلب اخير، اتصلي عليّ بكرا الساعة عشرة و نص الصبح، ضروري يا مريم.



تحركا معًا إلى المطار، و لكن ما إن ترجلا من سيارة الأجرة، صدح هاتفها باتصال من مريم كما اوصتها أروى، ابتعدت أروى لبضع دقائق ثم عادت إلى باسل بوجهٍ مذعور، و قالت: 
- مش هينفع انزل مصر معاك، اسبقني و أنا هحصلك.



سألها باسل باستغراب واضح:
- ليه؟ حصل ايه؟ 



- مريم مامتها تعبانة و أنا لازم أكون معاها، لأن ماما قبل ما تموت وصتني عليهم. 



قال باسل بهدوء: 
- خلاص هفضل معاكي. 



- لاء مينفعش.



- ليه.



هدرت أروى بحزن: 
- عشان مامتك أخدت الأملاك و طردت العيلة من القصر، و أنت لازم ترجع عشان تقف جنبهم و تشوف حل المشكلة دي.



أصابه الذهول مما سمعه، فقالت بحزن زائف يناقض مع بداخلها من غضبٍ و نفور: 
- لازم ترجع يا باسل، العيلة ملهاش غيرك.



زفر باسل زفرة حارة، لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، فهو الآن بين نارين، لا يرغب في تركها وحيدة فهو يخشى عليها من ماجد و سميرة، و من الناحية الأخرى عائلته التى لم تكتفي سميرة من إذلالهم، رفعت أروى عنه الحيرة عندما قالت: 
- أنا هبقى بخير، و كلها كام يوم اطمن بس على والدة مريم و ارجع مصر، لكن العيلة منعرفش وضعهم ايه، فأنت لازم ترجع. 



منحها باسل عناقًا دافئًا و هو يمسح على ظهرها، و يطلب منها أن تعتني بنفسها جيدًا، لم يعرف بأنها تُجهز الأمور لتتخلص منه، و هو الذي ينفطر قلبه قلقًا عليها. 



تابعته أروى بعينيها حتى اختفى عن نظرها، فارتسمت بسمة جانبية على شفتيها  هامسة لنفسها: 
- مع السلامه يا بيسو.



أخرجت من حقيبتها تلك العقود التى استحوذت عليها سابقًا دون علمه، في هذه اللحظة أدمعت عينيها، لكنها أخذت نفسًا طويلًا و غمغمت من بين شفتيها: 
- أنت تستاهل اللي هيحصلك يا باسل، أنا مش غلطانة، أنا مش غلطانة. 



يتبع..............



بقلم زينب محروس 
                           







        

تعليقات