رواية أحفاد المعز الفصل الثامن عشر 18 - بقلم زينب محروس

   

رواية أحفاد المعز الفصل الثامن عشر 18 - بقلم زينب محروس

الفصل الثامن عشر
                                        
                                              
نهض جالسًا مثلها، ثم اقترب منها، لدرجة تجعل أنفاسه تلفح رقبتها، ثم همس بلطف متعمد، و نبرة ناعمة: 
- طيب ما تعتبريني حفيدك، مش أنا «بيسو» برضو؟ 



كان قربًا هالكًا جعلها تفقد كيفية النطق، فكانت فقط تائهة في عينيه، فاقترب منها أكثر من ذي قبل و همس بصوت عاشق امتزج به دلال طفولي ماكر: 
- هتنامي في حضني مش كدا؟؟ 



أبتعد عنها لينظر إلى عينيها بينما يكمل: 
- أفضل و لا أخرج؟؟ 



نطقت بنبرة خافتة، و بعقلٍ مُغيب: 
- خليك............



افتر ثغره عن بسمة عاشقة، فكانت نظراته تلتهم ملامحها، و كأنه يراها للمرة الأولى، و يرغب في نسخ صورتها كي لا ينساها، نظرات دافئة تشبه العناق، كأنه تائه و قد حصل على ضالته، اقترب منها مرة أخرى، ماحيًا تلك المسافة التي تفصل بينهما، و هنا للمرة الأولى فقد أغمض عينيه مستمتعًا بعبيرها الذي يتسلل إلى رئتيه رغمًا عنه. 



هي أيضًا قد أغلقت عينيها، و كأنها تحتفظ بذلك الوضع بين جفنيها، كأنها تأمر الزمن بالتوقف عند هذه اللحظة، لا ترغب في رؤية شيء آخر، فقط هو حبيبها و زوجها، كلاهما معًا في لحظة حقيقة و مشاعر صادقة قد فرضت سلطتها عليهما للمرة الأولى. 



لحظات اجترت غيرها، و دقيقة تلو الأخرى، ثم اتسعت ابتسامته حتى وصلت إلى عينيه، و من هنا طبع قبلة حانية على خدها، قبل أن يبتعد عنها فى حركة سريعة و هو يقول بنبرة مشاكسة: 
- تصبحي على خير يا تيتا. 



أخرجها صوته من حالتها تلك، حيث انفرجت جفونها عن عيون مذهولة، نظرت إليه و هي تستوعب ما حدث معهما توًا و كيف سمحت له بالبقاء، ف ضحكت بنغمة جعلت قلبه يتراقص طربًا.
كفت عن الضحك لتجده يرمقها بنظرات يتطاير منهما قلوب عاشقة، فمنحته بسمة لطيفة قبل أن تتحدث بعناد قائلة: 
- أخرج برا يا بيسو؟ 



توجهت نظراته إلى شفتيها و هو يسألها بنبرة ناعمة: 
- قولتي ايه؟ 



- بيسو.....مش أنت حفيدي يبقى...........



منعها من أكمل جملتها عندما اقترب منها مجددًا و لكن هذه المرة استلمت شفتيه زمام الأمور، و بمرور لحظات كان قد ابتعد عنها، لمنحها فرصة تلطقت أنفاسها، و تحدث قائلًا: 
- كان نفسي أعمل كدا من أول مرة نطقتي فيها بيسو في القصر. 



تعلم أنه زوجها و له كامل الحق في ذلك، و لكن لم يكن ذلك سبب كافيًا ليمنع شعور الخجل بداخلها، هذا الشعور الذي تسبب في حمرة قد جعلت من وجنتيها جمر مشتعل، ضحك باسل قائلاً: 
- كل الكسوف دا من مجرد........



أوقفت حديثه عندما صرخت في وجهه قائلة: 
- اطلع برا، و الله ما أنت نايم هنا. 



اتسعت عينيه باندهاش و هو يقول: 
- أنتي بتحلفي عليا؟ مش طالع بقى. 



- لاء هتطلع، أو هطلع أنا، أنا حلفت. 



لم يجادلها هذه المرة، و إنما استوى على قدميه و هو يقول: 
- مقدرش اكسر حلفانك......بس لا أنا و لا انتي هنبات في الأوضة دي. 




 
                
نطق بجملته الأخيرة تزامنًا مع انحنائه ليحملها بين يديه، و خرج بها قاصدًا غرفة أخرى، غير عابئ بتلك التي تعترض و تلح عليه بتركها. 



وضعها على الفراش و تمدد بجانبها، فكانت على وشك النهوض، لكنه سحبها إليها محتجزًا إيايها بين ذراعيه، و همس قائلًا: 
- نامي يا أروى، نامي و بلاش عناد. 



لم تعترض على جملته الأخيرة، بل ابتسمت ابتسامة تنم عن الرضا و أغلقت عينيها لتذهب في سبات عميق. 



                            **********



ما يزيد عن نصف ساعة و مازال واقفًا أمام المرآة، و يتحدث إلى انعكاسه محاولًا إيجاد طريقة يمنع بها فداء من الزواج بغيره، نفخ بضيقٍ و هو يحمل هاتفه، و عندما تحرك للخروج تفاجأ بفداء تهم بالدخول إليه.



ابتسمت و قالت: 
- جايلك عرض جديد من محل الأدوات الكهربائية.



ضيق ما بين حاجبيها كمحاولة للتذكر، ثم رفع حاجبيه و قال مندهشًا: 
- جايبة لي عروسة تاني؟



أومأت فداء برأسها و قالت: 
- ايوه هي نفس العروسة، و البنت مصممة تخرج معاك في ديت ممكن تعجبك، طبعًا دا مش صح بس قولت اوصلك الرسالة و خلاص،  رأيك ايه و خصوصًا إنها بتأكد علي عرض الغسالة؟



- دي صاحبتك عبيطة بقى! اقولك قولي لها احنا مش بنغسل هدومنا. 



اعترضت فداء على جملته الأخيرة و قالت: 
- ميصحش كدا، دي تفكرنا بنتكلم جد.



رد عليها حسام بلامبالة: 
- يا ستي احنا منتنين مش مشكلة، و أصلا أشك لو صاحبتك دي كانت بتفكر. 



ضحكت فداء و قالت: 
- خلاص تمام هتصرف معاها أنا. 



أغلق حسام باب غرفته و خطا للأمام، فسألته فداء مجددًا: 
- هو أنت قولت لحد على موضوع العريس ده؟ 



اجتاحه التوتر، فهو رغم تذكره للأمر إلا أنه لم يرغب في منح ذلك الغريب فرصة للفوز بها، فنظر إلى ساعته قائلًا: 
- لاء، نسيت. 



تنهدت فداء براحة و قالت:
- طب كويس الحمدلله، بلاش تعرف حد اعتبر الموضوع محصلش و أنا هقول لصاحبتي إني رافضة. 



تلاشى توتره، و كأن إحدى الجبال قد انزاحت عند صدره بعيدًا، لكنه سألها مستغربًا: 
- هترفضيه ليه؟ 



أجابته فداء بتلقائية: 
- أصل بصراحة بفكر أوافق على عماد، شخص كويس و احنا نعرفه و نعرف أهله، و غير كدا قريب جدًا من ربنا و دي حاجة مهمة بالنسبة لي. 



تجمدت ملامحه كتمثالٍ، لا يتحرك، لا يتنفس، و كأن الزمن قد توقف عند هذه اللحظة، حتى قلبه كاد أن يتوقف لشدة الصدمة التي حلت به،  مما جعل فداء تستغرب سكوته، فسألته بترقب: 
- أنت كويس يا حسام؟.....حسام! حسام! 



انتبه لها، فقال: 
- أنا، أنا بس سرحت شوية معلش.....كنتي بتقولي ايه؟؟ 



ابتسمت فداء و قالت: 
- خلينا بقى ننزل نفطر الأول عشان مستنينا تحت، و بعدين هقولك. 




        
          
                
                               ********



غادر فارس و حسام القصر قاصدين مقر شركة المُعز، و لكن قبل وصولهما أعلن هاتف فارس عن مكالمة هاتفية جعلت قلبه ينبض بعنف، فلم يكن المتصل سوى دينا، التى كان ينتظر ردها على أحر من الجمر لهفة لمعرفة جوابها. 



و لكنه ما إن استقبل الاتصال، أخبرته أن يذهب بعد ساعة ليلتقي بها في المقهي الذي يجاور مركز الدروس، و كان حقًا أنه لم ينتظر أن تنقضى الساعة في عمله و إنما ذهب باكرًا لينتظر مجيئها. 



كانت في طريقها إليه بعدما قد انتقت هدية خاصة لأجله، و لكن قبل أن تدخل إلى ذلك المقهى أوقفها ذلك الصوت الذي لم يكن غريبًا عليها، التفتت لترى ذلك الشاب الذي قد انفصل عنها مُسبقًا.
تأففت بضيق و كادت أن تكمل طريقها، و لكنها منعها عندما عجل خطواتها إليها، لينتهي به الأمر واقفًا أمامها، ثم تحدث قائلًا: 



- ممكن نتكلم شوية. 



ردت عليه باقتضاب: 
- لاء، مفيش بينا كلام، و أنا أصلا مستعجلة. 



- و الله مش هاخد من وقتك كتير، أنا بس عايز اعتذر منك عن اللي عملته معاكي قبل كدا، أنا عارف إني غلطان. 



- أنت كنت غلطان، و بتغلط تاني دلوقت و أنت بتحاول تقتحم حياتي تاني. 



- أنا المرة دي قصدي خير و الله، اسمعيني بس و مش هتندمي و الله. 



- أنا مش عايزة اسمعك، من فضلك لما تقابلني تاني اعمل نفسك متعرفنيش، أنا مبحبش اشوفك، و أصلا وقفتنا دي غلط لو حد شافنا كدا هنتفهم غلط، ف بعد إذنك.



- دا على أساس إنك هنا عشان تحضري ماجستير! انتي مش جاية هنا عشان تقابلي فارس المُعز. 



- و أنت مالك! دي حاجة متخصكش.



- إذا كنتي مش عايزاني أقف معاكي عشان محدش يفهمنا غلط، طيب و بالنسبة ل فارس ايه الوضع؟ ما هو بردو شاب و غريب عنك و محدش يعرف إنه مدرس عشان يقول إنك جاية تقابليه كطالبة، و حتى لو طالبة معتقدش إن في مدرس بيقابل الطالب بتاعه في كافيهات عشان يتكلموا و يشربوا عصير سوا! و لا أنتي ايه رأيك؟ 



- تقصد ايه؟ 



- أقصد اللي فهمتيه، تقدري جاية تقابلي فارس ليه؟ في ايه مهم عشان كل مرة تقفي تتكلمي معاه و تتقابلوا في كافيهات؟ 



أوضحت دينا الأمر قائلة: 
- مستر فارس يبقى المدرس بتاعي و له فضل كبير عليا بعد ربنا، و لولاه كان زماني شخصية مش كويسة و تافهة، ليا الحق إني أقابله طبعًا، دا المدرس بتاعي و مفيش حوار بينا غير للضرورة. 



- يعني مش بتحبيه؟ مش مرتبطين؟؟ 



- لاء طبعًا، هو بالنسبة لي مش أكتر من مدرس ليه كل الاحترام و التقدير اللي يجعله في مقام أخ كبير ليا، و بعدين الربط دا بتاع الحيوانات مش احنا، يعد إذنك بقى عشان وقتك خلص. 




        
          
                
فور ما التفت دينا، سقطت عينيها على فارس الذي قد استمع إلى ما أنهت به حديثها، فهو قد خرج إليها عندما رأى ذلك الشاب قد اعترض طريقها، لكنه لم يتوقع أن فى خروجه إليهما سيتعرض إلى الرفض. 



كانت قسمات وجهه غامضة، حيث سألها قائلًا: 
- في حاجة يا دينا؟؟ 



منحته بسمة لطيفةو أجابت:
- لاء يا مستر، خلينا ندخل. 



ساهمًا لا ينظر إليها، جاء إليها ذلك للنادي بقطعة الحلوى التي طلبتها، تذوقت منها قضمة صغيرة ثم قالت: 
- بموت فيها، تجربها يا مستر؟؟ 



انتبه إليها عندما لوحت بيدها أمام وجه، فسألها قائلًا: 
- بتقولي حاجة؟ 



ابتسمت له و قالت: 
- شكلك سرحان و مش معايا يا مستر، بتفكر في ايه؟؟ 



تغاضى عن سؤالها قائلًا: 
- ممكن تبطلي تقولي يا مستر؟



عقدت ما بين حاجبيها و قالت: 
- آمال هقولك ايه! ما أنت الأستاذ بتاعي و لازم احترمك و أنا بكلمك! 



- كنت الأستاذ بتاعك، لكن دلوقت لاء. 



وضعت تلك الملعقة من يدها، و تعلقت عينيها بحدقتيه و تكلمت: 
- ما أنت لو مش المستر بتاعي يبقى مش هنتقابل تاني. 



نطق فارس بهدوء يغاير تلك الثورة العارمة بداخله: 
- ليه؟ 



أجابته بنبرة مماثلة: 
- عشان ببساطة مش هيبقى في سبب نتقابل عشانه، دلوقت أنا طالبة و أنت المدرس بتاعي لكن لو الصلة دي تلاشت هنتقابل ليه؟ 



كانت كلماتها ك يد تمتد لتعتصر قلبه المتيم بين قبضتها، زفرة فارس زفرة حارة و قال: 
- يبقى مش هنتقابل تاني، لأني خلاص مبقتش المدرس بتاعك. 



شيء ما بداخلها قد اهتز احتجاجًا على جملته الأخيرة، كان صمتها قناعًا لعقلها الباحث عن سبب يجعل علاقتهما تستمر، بحث عقلها جاهدًا عن أساس للقاء، لكن لم يُكلل البحث بالنجاح، فنطقت و قالت بصوت مهزوز: 
- يبقى مش هنتقابل تاني. 



شعرت بضيق يخنقها، أدمعت عينيها، و لا تعرف السبب، حاولت أن تأكل من تلك الحلوى لتنشغل عن ما يدور في عقلها، و لكن تلك القطعة الصغيرة قد تجمدت في حلقها كغصة مريرة تأبى الانزلاق و كأن كيانها يرفض انقطاع تواصلهما. 



ارتشفت من كأس الماء أمامها، و تصنعت البرود لتسأله بتذكر: 
- مقولتليش كنت عايز ايه لما جيت عند جدي؟؟ 



هو الذي لم يكن يومًا لينظر إلى فتاة غريبة عنه، ها هو اليوم يستثمر تلك اللحظات، ينظر إلى وجهها بتمعنٍ شديد و كأنه يخشى نسيانها بمرور الوقت، افتر ثغره عن بسمة حزينة و رد عليها: 
- مش حاجة مهمة، اعتبريني مجيتش عندما. 



- آمال كنت مستني ردي على ايه؟ 



- برضو متشغليش بالك. 



تضايقت من بروده، و إخفاءه ذلك الأمر الذي جعله يذهب إلي بيت جدها، فهتفت بحنق: 
- فارس! 




        
          
                
خفق قلبه بشدة، و ارتسمت على شفتيه بسمة خفية، فسألها بترقب: 
- قولتي ايه؟؟ 



ترددت في إجابتها عندما قالت: 
مش أنت قولت لي مقولش مستر، فأكيد هقول اسمك! 



اتسعت ابتسامته عندما أومأ برأسه قائلًا: 
- صح، أنا فارس. 



- أيوه أنت فارس، قول بقى كنت جاي ليه عشان جدي مش راضي يقول حاجة، و أنا أكيد مجيتش الطريق دا كله عشان حضرتك تقولي متشغليش بالك!!! 



- موضوع مش ضروري! 



غمغمت دينا بعصبية خفيفة: 
- و لما هو مش ضروري ايه اللي جابك؟ و كنت مستني ردي ليه؟؟! 



كسا البرود وجهه مجددًا، فقال: 
- ياريتني ماجيت! 



اتسعت حدقتيها وقالت بتعجبٍ لأمره: 
- و الله! 



هز رأسه تأكيد و أردف: 
- كان تضيع وقت. 



أغاظتها تلك الجملة، فهبت واقفة و قالت: 
- يبقى متضيعش وقتك أكتر. 



أنهت حديثها حينما وضعت ورقة مالية على الطاولة، 



هتف فارس بنبرة حازمة: 
- شيلي فلوسك، بلاش عبط. 



لقد نسي أنها تلك المشاغبة العنيدة، ذات كبرياء لا يُكسر، لم تهتم دينا لاعتراضه، فرمقته نظرة أخيرة، و قالت: 
- مبحبش حد غريب يدفع بدلا عني. 



تركته و التفتت لتخطو صوب الخروج، ها هي تغادر مجددًا و هذ المرة دون عودة، لن يراها  بعد الآن، قلبه الثائر يدفعه ليذهب خلفها، لديه رغبة جامحة ليعترف بحبه لها الآن و أمام الجميع، هو فارس المُعز الذي أخبر والدته مرارًا و تكرارًا أنه لن يتزوج، ها هو اليوم عاشق متيم، تملكته فتاة لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها، أصبح ذلك الفارس كآلة موسيقية تتحكم بها دينا، فإن أرادت تمنحه إيقاع مرح يملأ القلب بهجة، و إن أرادت فيمكنها أن تعزف لحن يقطر منه الأسى و الانكسار، كهذا اللحن الذي تتركه لقلبه و تغادر. 



                                ******



على صعيد آخر.



كان حسام في طريقه إلى بستان القصر الخلفي ليرافق زوجة عمه و ابنتها، و والدته «داليا»، التى سألت فداء و قالت: 
- قوليلي يا فوفو، عايزة جوزك يبقى زي مين من شبابنا؟ 



تنهدت فداء قبل أن تتحدث بتفكير: 
- بصى يا طنط، بالنسبة ل باسل هو ايوه طيب و محترم، بس شخص عصبي و أنا بصراحة شخصية بزعل من أتفه حاجة ف شخصية زي باسل مش هختارها أبدًا. 



- طب و فارس؟ 



- أخويا فارس طيب و محترم جدًا جدًا و متدين و عارف ربنا، بس عنده مشكلة، قلبه اسود شوية. 



قهقهت وفاء التى خرجت عن صمتها و قالت بحدة مصطنعة: 
- احترمي اخوكي....عيب كدا.



بررت فداء ما قالته عندما قالت: 
- أنا مقصدش حاجة، أنا بحلل شخصيته و شايفة إن فارس أخويا بالرغم من طيبته المفرطة إلا إنه مبينساش و بيحوش جواه، و لما تتخانقي معاه تلاقيه زعلان منك بسبب القديم و الجديد ، يعني لو في مشاكل من سنين هتلاقيه كل مرة يعاتبك عليها و يقطم فيكي......عشان كدا شخصية اخويا كمان لاء. 




        
          
                
سألتها داليا بترقب:
- طب حسام؟ 



ضيقت فداء عينيها و قالت:
- حسام طيب، و محترم و بيخاف على أهل بيته، و فرفوش و دمه خفيف عكس حسام و باسل، بس عنده نقطة مش كويسة. 



ترقب حسام حديثها باهتمام شديد، لتكمل فداء التى لم تعلم بوجوده: 
- النقطة دي بقى ممكن تهد صفاته الحلوة كلها، و أنا مستحيل أقبل إن شريك حياتي يكون بيشرب محرمات أو بيروح أماكن مش كويسة و يسهر و يخرج مع بنات، مبحبش الكلام ده. 



قالت وفاء دفاعًا عن حسام: 
- بس حسام دلوقت مبقاش بيعمل كدا و بقى منضبط. 



أردفت فداء: 
- دي حاجة كويسة، بس أنا أعتقد أنه من شب على شيء شاب عليه و زي ما بيقولوا الطبع مع طلوع الروح. 



قالت وفاء: 
- لاء طبعًا، في ناس ربنا بيهديهم فعلاً و بيكونوا أحسن من ناس كتير يبانوا متدينين و هما ميعرفوش حاجة عن دينهم أصلا. 



قبل أن تنطق فداء مجددًا منعتها داليا عندما قالت بصدمة عفوية: 
- دا أنتي طلعتي شبابنا شقارة و نجارة، اكنك لو جالك شاب فيه صفات واحد منهما هترفضيه! 



ضحكت فداء بينما قهقهت وفاء قائلة: 
- بنتي عايزة واحد على الفرازة سيبك منها، دا إحنا أولادنا ألف مين يتمناهم، التلاتة اللهم بارك شباب يشرفوا. 



انسحب حسام من خلفهن دون أن يشعرن به، عاد إلى غرفته آخذا معه خيبته و خذلانه، فتشابهت كلماتها برياح باردة هزت روحه و قلبه الذي تساقط قطعة تلو الآخر، لتتناثر كل قطعة في مكان يبعد عن غيرها، و كأن قلبه بذلك يعلن استحالة التعافى هذه المرة، لقد رُفض مرات عدة من ابنت خاله و لكن لم ينجرح يوماً بتلك الطريقة، فهناك شيء أكبر من المشاعر قد تحطم بداخله، قد تكون ثقته بذاته، أو حقيقة أنه شاب لا يستحق الحب! 



وقف أمام تلك المرآة ليتردد بداخله سؤال واحد، لماذا أحببت شخصًا لا يراني؟ لماذا التقيت بذلك الحب من البداية؟ هل ارتكبت خطأ لا أتذكره، و يأتيني الحب بفراقه و آلامه كعاقبٍ لي!  لقد اكتفى قلبي رفضًا و انكسارًا، ليت قلبي يفقد قدرته و يمتنع عن الحب إلى الأبد. 



                                *****
- كانت تجلس على تلك الأرجوحة الخاصة بشرفة شقته، تراسل تلك المساعدة لتتأكد إن كانت قد وصلت إلى رمزي أم لا، و بغتة و جدت باسل يجاورها في الجلوس، و سألها باهتمام واضح: 
- بتتكلمي مع مين و سيباني قاعد لوحدي. 



كاد أن ينظر إلى تلك المحادثة، لكنها كانت سريعة التصرف، عندما اغلقت الهاتف، و طوقت رقبته بذراعيها، و مالت برأسها قليلًا، منحته أروى بسمة كافية لتبعثر اتزانه، ثم همست بنبرة مدللة، بها نعومة تذيب ما تبقى من صلابته: 



- ينفع نخرج؟ جعانة و عايزة أكل؟



غمغم بصوت مبحوح: 
- أنا كمان. 




        
          
                
- خلاص خلينا نخرج و ناكل برا. 



تحرك بنظره إلى شفتيها هامسًا: 
- مش محتاج أخرج. 



فهمت ما يرمي إليه عندما مال برقبته نحوها، و لكنها سبقته هذه المرة و انسحبت بعيدًا، عندما استوت على قدميها و شهقت بفزع قائلة: 
- احنا في البلكونة، هتفضحنا! 



صدر عن ثغره صوت ضحكته الرجولية، التي زادت من وسامته، ليكن هذا دوره في إشعال مشاعرها نحوه، مما جعلها تنظر إليه بتمعن شديد و بنظرة يشع منها العشق، توقف عن الضحك قائلًا: 
- على فكرة انتي مراتي يعني مفيش فضايح و لا حاجة. 



أجابته بجدية و قالت: 
- هو احنا فعلاً متجوزين؟ 



رد عليها ساخرًا: 
- هو أنتي الضربة أثرت على دماغك و لا ايه؟ ما احنا متجوزين من ٣ سنين. 



أوضحت له مقصدها: 
- أصل والدتك قالت إنك هتطلقني، و أنت بالفعل قولتلي إني طالق من فترة، فهل أنا لسه على زمتك؟؟ 



زفر «باسل» بحرارة من تلك الوالدة التي تفسد سعادة ابنها دون أى إنسانية منها، تحرك إليها ليدعب خدها بأنامله الفولازية، و تحدث ناظرًا إلى عينيها: 
- أنا رديتك لزمتي من كام يوم يعني أنتي على زمتي و مراتي و حبيبتي و حلالي، أنا كنت غلطان زمان لما سمعت كلام أمي و سيبتك بعد كتب الكتاب من غير ما اشوفك أو اتكلم معاكي، و رجعت ارتكبت نفس الغلط لما طلقتك شفوي في لحظة عصبية،  لكن مش هغلط دلوقت و اسيبك تاني، أنا هصلح الغلط اللي ارتكبته في حقك، ايوه صح مش هقدر ارجع والدك و والدتك، بس أنا هحاول اعوضك و لو جزء بسيط من حنانهم، بس اضمنلك إني هبقى زوج كويس و أب كويس لأولادنا. 



- أولادنا!! 



تلألأ الحماس في عينيه و أومأ برأسه قائلًا: 
- أيوه طبعًا أولادنا، ناوي نخلف أطفال كتير بإذن الله، بس لما الوضع يستقر، أو لما تفكي الشاش، أيهما أقرب. 



ضربته على صدره، و زجرته بنبرة حادة، حاولت بها إخفاء الخجل المتطاير من وچنتيها: 
- ما تحترم نفسك بقى. 



قهقه باسل عاليًا قبل أن يقول: 
- مش بقولك على خطتنا المستقبلية. 



أشاحت بوجهها بعيدًا عنه، لتظهر سعادتها في ابتسامة صادقة قد ارتسمت على شفتيها كزهرة تفتحت بعد عاصفة طويلة، تأملها باسل قليلًا قبل أن تمتد أنامله إلى ذقنها، عائدًا بنظره إليها مجددًا، ثم أفصح عن تلك الأسرار التي احتجزها في قلبه قائلًا: 



- عارفة يا أروى، أنا متأكد اني لو كنت شوفتك يوم كتب الكتاب مكنتش هسيبك و كنت هحبك و تخطفي قلبي زي ما خطفتيه من أول لحظة شوفتك فيها.....يا شيخة دا بيسو لوحدها كانت هتخليني اعترف بمشاعري في وقتها..



- دا على أساس إنك مكنتش بتزعق لي لما ابصلك بس. 



- دي حقيقة، كنت بحاول أثبت لنفسي اني مش مهتم بيكي، كنت عايز اشوفك مش كويسة عشان متعلقش بيكي على الفاضي، ما لو أنتي طيبة و كويسة فأنا مشاعري كانت هتعذبني العمر كله عشان مش هينفع اتجوز أرملة جدي. 



- أنت اول مرة شوفتني قولتلي العبي بعيد يا شاطرة، فين الإعجاب ده! 



أكمل باسل موضحًا: 
- أنا شوفتك أول مرة في الشركة قبل ما تيجي القصر، لما سألت الأمن عنك قال إنك موظفة جديدة في الشركة، و قبل ما اعمل ابحاثي عشان أقرب منك أخدت الصدمة إنك أرملة جدي، كان ساعتها عقلي هيطير، البنت الوحيدة اللي شدتني و اعجبت بيها مينفعش تبقى من نصيبي عشان الفلوس!! ف زي ما تقولي كدا كنت بحاول اعاقبك على مشاعري اللي من طرف واحد.......بس دلوقت خلاص مفيش حاجة تمنعني إني أكون معاكي أو اعترف لك بمشاعري و اقولك إني بحبك، أنا بحبك يا أروى، باسل المُعز اللي سابك من ٣ سنين راجع دلوقت و بيطلب منك ترحمي قلبه المتيم و تقبلي تكوني زوجته و شريكة حياته. 



كانت تسمع حديثه بذهول و كأنها ترى معجزة تتحقق أمامها، فلم تتوقع يومًا أن يخرج هذا الكلام من فمه، هو نفسه الذي تخلى عنه في ليلة زفاههم، هو بذاته الذي صرخ في وجهها مرات لا تحصى، أمنيته تتحقق الآن و فارس أحلامها قد جاء إليها على حصانه الأبيض، و لكنها لم تعلم أن القدر لم يمنحها موافقته بعد.



في تلك اللحظة رن هاتفها برقم مصري، استقبلت الاتصال، لتتحدث ولاء بتحذير شديد: 
- اوعى تعطي باسل الأمان يا أروى، باسل متفق مع سميرة. 



يتبع.............



بقلم زينب محروس. 



#أحفاد_المعز 




        

تعليقات