رواية أحفاد المعز الفصل السابع عشر 17 - بقلم زينب محروس
الفصل السابع عشر
- وحشتيني!
اتسعت ابتسامتها قليلًا،و اجفلت بعينيها قبل أن تفتحهما و كأنها بذلك ترد على كلمته، فاسترسل «باسل» قائلًا:
- مش هبعدك عني تاني، أنا مش هتحمل يحصلك حاجة، و عشان كدا أنا رديتك على زمتي يا أروى.
انتهت كلماته مصاحبة لدمعة جديدة قد فرت هاربة على خده، ف استخدمت أروى ذراعها الآخر و محت تلك الدمعة، و بينما هي تحرك أناملها بلطف بالغ فوق خده، تلفظت بخفوت:
- بلاش دموع.
هز رأسه في حركة تكرارية، و تسللت إلى شفتيه بسمة حنونة، قبل أن يقول:
- حاضر...... حاضر.
اعتدل في جلسته و بينما هو يمسح على رأسها كان يتحدث إليها واعدًا إياها بالثأر من أجلها، و لم يخل حديثه من بعض العبارات المطمئنة.
********
على صعيدٍ آخر في قصر المُعز.
كانت وفاء ترافق داليا في إعداد وجبة الإفطار، عندما بادرت و قالت بنبرة حائرة:
- مش عارفة اعمل ايه في موضوع العريس ده!
استفسرت منها «داليا» فسألت:
- مش بتقولي كان متقدم قبل كدا و محصلش نصيب، يعني كان في سبب يمنع الجوازة، ايه بقى اللي اتغير دلوقت؟
أوضحت وفاء قائلة:
- الرفض في المرة الأولى كان مننا، عماد كان عايز يسافر و ياخد فداء معاه، عشان كدا أنا و فارس فشكلنا الموضوع، بس دلوقت هو نزل من السفر من كام يوم و قرر مش هيسافر تاني و هيستقر هنا.
اقترحت داليا قائلة:
- خلاص شوفي رأي بنتك، لو وافقت يبقى تماما و خلي الجماعة يجوا يشربوا الشاي و نتفق.
تدخل فارس في هذه اللحظة قائلًا:
- أنا خارج يا ماما و ممكن أتأخر على ما ارجع النهاردة.
سألته وفاء باهتمام:
- لسه يا حبيبي وراك حاجة و لا ايه؟
أجابها فارس قائلًا:
- عندي شغل كدا هخلصه و ارجع.
سألته داليا عن رأيه فقالت:
- طيب قولنا رأيك في العريس طيب عشان نشوف هنرد عليهم و لا ايه.
نطق فارس بنبرة جادة:
- أنا معنديش مشكلة لو هيستقر في مصر، غير كدا لاء، و بردو شوفوا رأي فداء عشان دي حياتها.
لم تحضر سميرة لتتناول وجبة الإفطار، ف لم يكن هناك سوي «وفاء» و ابنتها و «داليا» التى وجهت حديثها إلى «حسام» لتسأله باستغراب واضح:
- هي ميار كويسة يا حسام؟ مبقتش تيجي تزورني و لا تكلمني زي الأول، هي فين ؟؟؟
رد عليها دون أن ينظر إليها:
- معرفش عنها حاجة يا ماما، و مش مهتم بصراحة فكك منها.
رفعت حاجبيها و قالت باندهاش:
- معقول مش مهتم تعرف عنها حاجة؟ الله يرحم أيام ما كنت بتعيط عشان عايز تتجوزها.
ترك حسام تلك الملعقة من يده و و هتف بنبرة صارمة:
- من فضلك يا ماما متجبيش سيرتها تاني.
نطق بكلمته الأخيرة آخذًا لمعطفه المجاور، و تحرك في خطوات متعجلة إلى الخارج، فكادت أن تلحق به والدته و لكن أوقفتها «فداء» عندما قالت:
- خليكي يا طنط أنا هشوفه.
لحقت به قبل أن يصعد إلى سيارته، ليلتفت إليها بعدما تناهي صوتها الى سمعه، فسأله بنبرة جادة:
- عايزة حاجة؟
تغاضت عن سؤاله و قالت:
- هو أنت زعلت ليه؟ طنط داليا مكنتش تقصد تزعلك، هي بس بتطمن على بنت أخوها.
نطق حسام مستنكراً:
- بتسأل على بنت اخويا تقوم تقولي كنت بتعيط و مش عارف ايه!!!
- طب و فين المشكلة، مش أنت فعلاً بتحبها؟
اندفع حسام نافيًا:
- حاليًا لاء مبقتش بحبها، و مبقتش اهتم لأمرها.
- طب خلاص و لا تزعل نفسك متحبهاش عادي، بس المهم متزعلش من كلام مامتك عشان هي متقصدش حاجة.
- مش زعلان.
ران عليهما صمت لطيف قطعته فداء عندما نطقت بتردد:
- هو أنا ممكن اطلب منك طلب؟
أومأ برأسه قائلًا بترحاب:
- طبعًا تحت أمرك اللي أنتي عايزاه.
كانت تفرك يديها بتوتر و خجلٍ، جعلا من وجنتيها ملجأ لحمرة خفيفة لا تغفل عنها العين:
- في شاب إسمه أمير عايز يتقدم لي، ممكن تقول ل ماما و فارس؟ عشان أنا مكسوفة اقولهم.
أردف حسام بتذكر:
- مش دا تبع عرض الغسالة بتاع صاحبتك؟؟
ضحكت فداء لتذكرها ما حدث في اليوم الماضي، ثم قالت:
- أيوه هو ده اللي هاخد عليه غسالة هدية.
ضحكت مرة آخرى، مما جعل قلبه يخفق بعنف و كأنه يرغب في الخروج عن موضعه، فكان حسام يرمقها بنظرات عاشقة، و قد لاحت على شفتيه بسمة خفيفة تتضامن مع لحيته النامية، ليجعلانه يجذب الأنظار دون أن يتحدث.
توقفت فداء عن الضحك، لتتقابل عينيها يخاصتيه، قبل أن تأخذ جولة خاطفة، تأملت فيها ملامح وجهه الآسرة، و كأنها هي الأخرى على وشك السقوط في عشقه، و كأن النظر إليه قد ذهب بعقلها، ف انفلت سؤال من شفتيها دون وعي منها، فقالت:
- هي ميار دي رفضتك ليه، عندها ضعف نظر؟؟
انتبه عقله إلى ما قالته، فأجابها بنبرة تحمل دفء المحبين:
- نصيبي الحلو إنها ترفضني و متحبنيش عشان أحب غيرها.
أدركت «فداء» فَحوى حديثها، فقالت بارتباك و تلعثم لم يخفي عليه:
- أيوه......اه....... أيوه.
ضحك حسام و قال مشاكسًا:
- مالك بتجربي مايك و لا ايه.
لم تفهم ما يقول لكنها أجابت بنفس حالتها المتلعثمة:
- لاء.....ايوه....
- إس إس.......
حدقت به بنظرات تشع بالاستغراب من ما يقول، فحرك رأسه بيأس و قال:
- ادخلي يا فداء، عقلك شكله وقف!....ادخلي ادخلي.
تحركت لتغادر تحت نظراته المتابعة لها، ثم استدارت إليه و قالت بغيظ طفولي:
- تقصدي اني مش بفهم؟ الله يسامحك....الله يسامحك.
تعجل فارس قائلاً:
- و الله أبدًا أنا كنت بهزر معاكي، مقصدش ازعلك و الله.
تركته و دلفت إلى القصر مجددًا، دون أن تعيره اهتمامًا أو تسمع لتبريره، و بينما كان يهم بالذهاب إليها، أوقفه رنين الهاتف برقم دولي، ف استقل سيارته سريعًا و تحرك قاصدًا عمله.
********
استغرقت رحلته ما يزيد عن ساعتين، حتى وصل إلى تلك القرية التي انتقلت إليها دينا منذ يومين برفقة والدتها و شقيقتها، تحدث إليها على الهاتف ليسألها عن عنوانها التفصيلي.
مرت دقائق معدودة قبل أن يصل إلى المنزل الذي أرشدته إليه، ترجل من سيارته خاطفًا نظرة تفقدية للوسط المحيط، حيث تلك المباني الحديثة التي تشابهت مع طراز المدينة الحديث.
تحرك إلى ذلك المنزل الذي يتكون من ثلاث طوابق، و قد حرص مالكه على صنع كسوة من الرخام، قد استقرت على واجهة البيت، بالإضافة إلى أصص الزرع التي توزعت بشكل رائع على شُرف البيت.
رجع فارس خطوتين للوراء بعدما دق الجرس، فلم يكن عليه أن ينتظر طويلًا، حيث فُتح الباب، ليظهر من خلفه رجل في عقده السابع، تغطى التجاعيد وجهه، و يعلو رأسه شعر أبيض خفيف.
ابتسم فارس قائلًا:
- السلام عليكم يا حاج.
رد عليه العجوز قائلًا:
- و عليكم السلام، اتفضل يا ابني جوا.
تردد فارس في الدخول، فقال:
- ملوش لزوم يا حاج، لو ينفع بس تنده لي دينا أو مدام أميرة.
نطق الرجل بنبرة حازمة:
- معندناش حريم تخرج تتكلم مع شاب منعرفوش، عايز تقول حاجة اتفضل جوا نشيلك على راسنا، غير كدا لاء.
دلف الرجل و من خلفه فارس الذي تسارعت نبضات قلبه و كأن هناك من يطارده، فكان خائفًا أن ترفضه دينا أمام الجميع، حاول أن يبدو هادئًا، متماسك الملامح، و لكن بالرغم من ذلك فهو لم يتوقف عن العبث بساعته اليدوية.
جاءت إليه دينا و رافقتها والدتها و تلك الجدة العجوز، و بعد ترحاب شديد من أميرة، بادرت دينا و سألت فارس باهتمام واضح:
- خير يا مستر، حصل حاجة و لا ايه؟؟؟
قبل أن يرد عليها فارس، صرخ الجد في وجه دينا قائلًا بحزم لا يقبل الجدال:
- عيب يا بنت، لما الكبار يكونوا موجودين مينفعش تتكلمي، ادخلى اوضتك.
تدخلت أميرة لتدافع عن ابنتها:
- دينا متقصدش حاجة يا بابا، و أصلا فارس مننا و علينا فمش محتاجين نتعامل معاه برسمية.......احنا عارفينه كويس.
رمقها العجوز بنظرة حادة، و قال بهدوء مخيف:
- انتي كمان هتقومي من هنا، و اقولك خدي معاكي والدتك كمان، أنا هتكلم مع الأستاذ لوحدنا.
نهضت الجدة و سحبت معها ابنتها و حفيدتها دينا، فهي تدرك تمام الإدراك أنها إن جادلت أكثر من ذلك فلن تمر هذه الليلة كمرور الكرام.
بعدما خرجن من غرفة الجلوس، تحدث الجد بنبرة جادة:
- ها بقى يا أستاذ فارس، ايه اللي جابك ورا دينا من القاهرة لهنا؟ ايه الموضوع الضروري اللي جابك علطول كدا بعد يومين بس من سفرهم؟؟؟
تداخلت مشاعره، الحماس و الخوف، لا يعلم كيف يبدأ و ماذا ستكون إجابة الجد الذي يطالعه باقتضاب و كأنه يخبره أنه لم يكن عليه المجيء، و أخيرًا تخلى فارس عن تلك الأفكار السوداوية و تحدث بجدية و بلهجة واثقة لا تليق بغيره:
- بصراحة أنا عايزة أخطب دينا.
- بس دي لسه بتدرس.
- معنديش مشكلة أستناها لما تخلص.
- بس أنت الأستاذ بتاعها، يعني أكبر منها.
أوضح فارس قائلًا:
- السن بيني و بينها مش كتير، سبع سنين.
صمت الجد و كأنه يفكر، فسأله فارس بترقب:
- رأي حضرتك ايه؟
وقف الجد قائلًا بحزم:
- مش موافق، تقدر تمشي يا أستاذ عشان تلحق ترجع القاهرة.
إنه فارس المُعز، تلك العائلة لا تقبل الرفض أو الهزيمة، و لذلك فقد سحب فارس شهيقًا طويلًا و استوي على قدميه، و تحرك ليقف في مواجهة الجد و قال متحديًا:
- رأي حضرتك على دماغي، بس أنا بحب دينا و مش هتخلى عنها إلا لو كانت هي مش عايزاني، غير كدا فأنا و حضرتك هنبقى نسايب إن شاء الله.
التفت فارس ليغادر المكان، فأوقفه صوت الجد قائلًا:
- ربنا واعدني بالمتعجرفين، بس أنا وافقت مرة قبل كدا و ندمت، عشان كدا مش هغلط تاني، أنت محتاج معجزة عشان تاخد دينا.
ابتسم فارس قائلًا:
- رب المعجزات موجود، و الحمدلله عمري ما طلبت من ربنا حاجة إلا و جبر بخاطري.
******
عادت أروى إلى شقة في إحدى العقارات الراقية برفقة باسل، الذي أصر على البقاء معها بعدما طلب من العاملة أن تذهب إلى بيتها إلى أن يطلب منها العودة.
ساعدها باسل في الجلوس على ذلك الفراش، فابتسمت أروى و قالت:
- يا باسل و الله أنا كويسة، دول كان غرزة بس.
حرك رأسه رفضًا و قال:
- الدكتور قال إن الضربة كانت جامدة و لازم ترتاحي لأن دماغك مجروحة دلوقت، و أصلا باين عليكي التعب دا أنتي حتى بتتكلمي بصعوبة، لولا إنك رفضتي تفضلي في المستشفى أصلا كنت مكنتش هخرجك غير لما جرحك يلم.
سألها باسل باهتمام و ترقب:
- قوليلي يا أروى ايه اللي حصل؟
توترت أروى وقالت:
- مفيش كنت بصلي و لما وقفت حسيت نفسي دايخة ف روحت عشان اقعد على السرير، لكني وقعت و محستش بنفسي غير في المستشفى.
استشف باسل كذبتها التي فُضحت من عينها التى تتحاشى النظر إليه، فسألها باسل بشك:
- أنتي مش واثقة فيا يا أروى؟
- لاء واثقة فيك.
- آمال ليه بتخبي عني إن في حد حاول يقتلك و هو اللي ضربك على دماغك؟
شعرت بالارتباك و التوتر فلم تكن على علم بمعرفته بما حدث، فحاولت أن توضح الأمر فنطقت بتلعثم:
- لاء و الله...... أنا..... يعني.....مقصدش اخبي حاجة...... أنا ...... أنا............
مسح على رأسها بحنان جام، و ابتسم قائلًا بلطف:
- مش مضطرة تبرري حاجة، بس عايزك تعرفي إني مش هتخلى عنك و مستعد اعمل اي حاجة عشانك، ارتاحي دلوقت و أنا هعملك حاجة تاكليها عشان تاخدي علاجك.
تابعت أروي خروجه من الغرفة، و سرعان ما كانت تأخذ هاتفها لتتصل بالخادمة التي كانت تعمل لديها، و فور ما استقبلت الفتاة المكالمة، بادرت أروى بالحديث ناطقة بصوت خافت:
- مريم، اسمعي اللي هقولك عليه و تنفذيه بالحرف.
- حصل حاجة و لا ايه يا مدام أروى؟ انتي كويسة؟؟
- كويسة يا مريم متقلقيش، المهم دلوقت عايزاكي تروحي البيت اللي كنا قاعدين فيه، ادخلي الحمام الملحق بأوضتي و افتحي الدولاب اللي تحت الحوض هتلاقي فيه ملف، خديها و انزلي مصر في أقرب طيارة و هناك خالي هيقابلك ياخده منك، و أنا دلوقت هحولك فلوس على حسابك.
- خيرك سابق يا مدام أروى، مش محتاجة فلوس.
- اسمعي بس اللي بقولك عليه، و خلي بالك مفيش مخلوق خلقه ربنا يعرف بالموضوع ده و لا حتى جوزي.
بينما كانت أروى تحيك لأمر ما و ترغب في إخفاءه عن باسل، كان هو في المطبخ يتحدث إلى والدته في الهاتف، و التي قالت بصرامة:
- خلص الموضوع دا بسرعة و أنزل يا باسل.
- متقلقيش يا أمي كلها كام يوم بالكتير و نخلص من الموضوع دا كله، المهم متحاوليش تتواصلي معايا لحد ما اكلمك أنا عشان أروى متشكش في حاجة.
- طيب مش هتصل، بس قولي الورق دا هيوصلني ازاي؟
- رمزي كمان يومين كدا هيجيلك الورق لحد عندك.
استغربت سميرة فقالت:
- رمزي؟! أنت متأكد إنه هيتخلي عن بنت أخته بسهولة كدا؟
أجابها باسل بنبرة يشوبها الغموض:
- كل إنسان فينا عنده نقطة ضعف، و الفلوس هتحل كل حاجة.
بمرور الوقت دلف باسل إليها حاملًا معه بعض من أطباق الطعام، جاورها باسل في الجلوس واضعًا الطعام على قدميه، ثم شرع في إطعامها، لكنها تفاجأت بحركته تلك، فلم تستقبل منه الطعام حيث حدقت بها بنظرة غامضة لم يقدر على فك شفراتها، فكانت أروى» تخوض معركة داخلية، ف جزء صغير منها يخبرها ألا تثق به، بالرغم من تركه للجميع و السفر إليها للاطمئنان عليها، بالرغم من تلك اللهفة التي رأتها في عينيه، و شوقه و حبه لها الذي يُضخ من عينه ضخًا، إلا أنها تخاف أن تُخذل مجددًا.
ابتسم باسل و نطق بنبرة مرحة:
- متخافيش أنا بعرف اعمل أكل و الله، و مش حاطط فيه سم على فكرة.
ابتسمت بضعف و بدأت تأكل من يده، و هي تطالعه بأعين دامعة، فكانت تتمنى لو أنها التقت به بطريقة أخرى، ليته كان طفلًا لسيدة غير سميرة، ليته أحبها منذ البداية كما أحبته، ليته لم يكن بارًا بأمه إلى تلك الدرجة التي جعلته يتزوج بفتاة لا يعرفها ثم يتركها لتتدمر حياتها.
أمنيات كثيرة قد مرت على ذهنها تواً و لكن لا فائدة، فما حدث قد حدث و انتهى الأمر، و لكن لديها أمنية أخيرة قد استقرت في قلبها بشأنه، ليته يكون نصيبها المقدر و لا يفترقا مرة أخرى.
هل أبوح لكم بسر صغير، أنا لا أرى الحب سوى كذبة كبيرة، فا هي أروى فتاة عشقت شاب لا تعرفه و لم تتحدث إليه، و لكنها فقط قد رأته مرة واحدة عندما ذهبت إلى والدها في مقر عمله، فكم كانت تتمنى لو تتزوج بشاب مثله، و ذات يوم أخبرها والدها برغبة باسل في الزواج بها، في تلك الأثناء كانت السعادة ترتسم على وجهها كضوء يمحو عتمة الليل، و لكن لم تكن تعلم أن ذلك الزواج هو البارود الذي سوف يشتعل ليحول سعادتها المضيئة إلى حزن أسود من شأنه إبادة ما تملكه من ملامح مشرقة، ذلك البارود الذي أصدر ضجيجًا لم يزل أثره عن أيامها الهادئة إلى الآن، ذلك البارود الذي حرمها رؤية والديها إلى الأبد.
أشاحت أروى بوجهها بعيدًا بانزعاج، فقال باسل بشك:
- الأكل مش عاجبك و لا ايه؟ و الله بعرف اطبخ
نظرت إليه قائلة:
- لاء مش كدا، هو حلو بس مش عاجبني.
ضيق ما بين حاجبيه قائلًا:
- يعني ايه! الأكل حلو و لا وحش؟
- الأكل حلو بس أنا مش بحب الفراخ المسلوقة، بتجزع نفسي.
- ما هو دا أكل مناسب عشان أنتي تعبانة.
- ما هو عشان أكل عيانين فأنا مش بحبه.
- طيب معلش معلقتين بس، و بكرا هعملك حاجة تانية.
أردفت أروى بتذمر طفولي:
- لاء مش واكلة.
وجه باسل ملعقة أخري من الحساء إليها، فحركت يديه بعفوية لتبعدها و لكن ما حدث أنها ألقت بالملعقة بعيدًا، حيث تناثر الحساء أرضًا، فاندفعت أروى قائلة بأسف:
- أنا آسفة و الله مكنتش اقصد، أنا هقوم انضفها.
نقل باسل نظره بينها و بين تلك الملعقة، ثم استقر بنظره عليها قائلًا ببسمة لطيفة:
- و لا يهمك أنا هنضف، أنتي ارتاحي.
كانت تتابعه بعينيها، فها هو يدللها و يغرس بداخلها أملًا جديدًا، تخشى أن يضمر قبل حصاده.
********
كان فارس يقود سيارته عائدًا إلى عمله عندما صدح هاتفه معلنًا عن اتصال من دينا، ف رد عليها سريعًا:
- ايوه يا دينا.
- مستر فارس أنا آسفة جدًا على اللي حصل، و الله جدي لطيف جدًا مش عارفة كان بيتصرف كدا ليه النهاردة.
- و لا اي حاجة يا دينا، جدك مصدرش منه حاجة عشان تعتذري، بالعكس كان لطيف جدًا.
- أتمنى يكون كدا فعلاً، المهم قولي يا مستر حضرتك كنت عايز تتكلم معايا في ايه؟
- جدك هيقولك. و هستنى منك مكالمة عشان أعرف ردكم ايه.
قالت دينا مشاكسة:
- مستنى ردنا ليه، لتكون جايب لي عريس.
ضحك فارس قائلًا:
- مثلاً، ليه لاء....... انتي ايه رأيك في الفكرة.
ردت عليه دينا قائلة:
- و الله لو الواد حلو و يستاهل يبقى ليه لاء.
ردد فارس خلفها ساخرًا:
- الواد!! الواد!!! اقفلي يا دينا.....
ضحكت الأخرى قائلة:
- تمام يا مستر، المهم متكونش زعلت من مقابلة جدي و لو حصل حاجة أنا بعتذر.
ما كاد ينتبه إلى الطريق قد ورده مجددًا اتصال من حسام الذي طلب منه القدوم إلى الشركة قيل عودته إلى المنزل، في ذلك الوقت كانت الشمس قد غربت و عاد الليل بعتمته مرة أخرى.
تقدم فارس ليجاور حسام الجالس أمام رمزي و الذي تحدث قائلًا:
- كويس إنك جيت يا فارس، كنا هنمشي.
سأل فارس مستغربًا:
- خير يا جماعة ايه الموضوع اللي ميستناش لبكره ده؟
أجابه حسام قائلًا:
- باسل عايزنا نستلم الأملاك.
تعجب فارس قائلًا:
- غريبة! مش اتفقنا هنفضل كدا عشان دا هيساعدنا نقف ضد سميرة؟ ايه اللي اتغير بقى.
رد عليه رمزي موضحًا:
- اللي اتغير يا سيدي إنه خايف على أروى من سميرة عشان كدا قرر يقبل التقسيمة، ف ايه رأيكم.
زفر فارس قائلًا:
- و الله طالما الموضوع لمصلحة أروى مفيش مشكلة.
مال حسام للأمام حاملًا القلم ليوقع على الأوراق، لكنه نطق ساخرًا:
- هو دا كتاب و لا ايه يا متر؟ دا ورق كتير اوي.
ارتبك رمزي، لكنه أجاب بهدوء زائف:
- عشان دي كل الأملاك.
***********
بينما على الجهة الأخرى.
كانت أروى تستعد للنوم، عندما دلف إليها باسل قائلاً:
- عندك علاج قبل ما تنامي.
اقترب منها و ناولها إياه، ثم سألها بهدوء:
- هتنامي دلوقت؟
- أيوه
- و أنا كمان.
نطق بكلمته و تمدد بجانبها، فنظرت إليه باستغراب و قالت:
- بقولك هنام.
أجابها دون اهتمام:
- ما تنامي هو أنا مانعك!
- هنام فين؟
رفع رأسه عن الفراش و جال بنظره متفحصًا قبل أن يقول:
- هو أنا ماشاء الله عليا و جسمي يعمل تلاتة منك، بس بردو السرير كبير و أنا اكيد مش واخده كله، هتعرفي تنامي متقلقيش، في مكان، في مكان.
ذمت شفتيها بضيق طفولي قبل أن ترخيهما قائلة:
- و الله! أنا مبقولش على المكان أنا هتحرج أنام و أنت جنبي.
أردف باسل مشاكسًا:
- أنا عارف إني وسيم و فيا الطمع بس مش هسمحلك تقربي مني، عشان أنا محترم.
نطقت أروى ساخرة:
- دا على اساس اني قليلة الأدب؟ و بعدين أنا عمري ما هفكر أقرب منك، و بعدين بطل قلة أدب!
نطقت بجملتها الأخيرة صارخة، فأكمل هو قائلًا:
- خلاص نامي و انتي ساكته، دي مش أول مرة يعني عملنها قبل كدا.
- لاء برضو متنامش جنبي.
نهض جالسًا مثلها، ثم اقترب منها، لدرجة تجعل أنفاسه تلفح رقبتها، ثم همس بلطف متعمد، و نبرة ناعمة:
- طيب ما تعتبريني حفيدك، مش أنا «بيسو» برضو؟
كان قربًا هالكًا جعلها تفقد كيفية النطق، فكانت فقط تائهة في عينيه، فاقترب منها أكثر من ذي قبل و همس بصوت عاشق امتزج به دلال طفولي:
- هتنامي في حضني مش كدا؟؟
أبتعد عنها لينظر إلى عينيها بينما يكمل:
- أفضل و لا أخرج؟؟
نطقت بنبرة خافتة، و بعقلٍ مُغيب:
- خليك............
يتبع...................
بقلم زينب محروس.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية