رواية أحفاد المعز الفصل السادس عشر 16 - بقلم زينب محروس
الفصل السادس عشر
في صباح اليوم التالي كان باسل قد تأهب للذهاب إلى العمل و بينما هو يعبر أمام غرفة والدته، إذا به يسمعها تقول بصرامة و غضب:
- لو أروى حاولت تعرف منك أي حاجة بخصوص قضية مدحت، أكذب عليها و قل أي حوار المهم يكون مدحت هو الغلطان في نظرها، أوعى تأكد لها إننا غلطانين حتى لو كانت دي الحقيقة.
- طب ما هي ممكن تدور ورايا و تعرف الحقيقة، اللي يخليها لسه بتفكر في الموضوع دا لحد دلوقت يبقى مش هتستلم غير لما تعرف الحقيقة.
- يبقى ساعتها بقى نتخلص منها.
لم تكن تلك الكلمات و الأفعال الشائنة كافية ليتلقى صدمة جديدة، فقد اعتاد الأمر من والدته الملاك الزائف، و الزاحف سعيًا للمال و السلطة و كأنها ترغب في امتلاك العالم أجمع.
أجفل بعينيه قبل أن يتصنع القوة و الجدية كعادته، ثم خطا إليها بخطوات ثابتة قد تناهت إلى سمعها، لتُصعق هي بوجوده، و كسا الزعر قسمات وجهها، و سرعان ما أنهت المكالمة دون سابق إنذار للطرف الآخر، تلعثمت شفتيها و ولت الكلمات هاربة، لتتشابه بطفل صغير يتعلم النطق لوهلته الأولى، و بدأت تتصبب عرقًا، و يراودها شعور و كأن الغرفة تضيق مطبقة على أنفاسها.
و لكن لم يدم حالها كثيرًا، حيث أسعفها باسل و أُنعشت رئتيها ب هواء يخلوه المشاحنات و الاتهام، فنطق باسل عافٍ عنها:
- مفيش داعي تتوتري يا أمي.
اتسعت حدقتيها و هي تطالعه في صمت، فأكمل باسل موضحًا:
- أنا عارف إن اللي حصل في الماضي دا كان غلط، بس مش هقدر ازعل منك اكتر من كدا عشان أنتي أمي، و مفيش عندي حد أغلى منك، و عشان كدا أنا مش هتخلى عنك و مش هسيب أروى تنتصر عليكي، و مش عايزك تقلقي من اي حاجة و أنا موجود يا أمي..... أنا هتصرف.
ابتسمت باسترخاء و هي تداعب خصلات شعره الحريري كما اعتادت أن تفعل، و قالت:
- كنت متأكدة إن تربيتي و تعبي مش هيروحوا على الأرض.
ابتسم لها بدوره، و منحها عناقًا طويلًا و كأنه يودعها، و ما كاد يبتعد عنها حتى سألته بجدية:
- طب و هتعمل ايه دلوقت؟
أجابها بغموض لم تفهمه:
- طالما أروى سافرت تدور على الحقيقة في الكويت، اطلبي من المحامي ينزل مصر.
- طب ما ساعتها أروى هتنزل مصر لما هتعرف و بردو هتدور عليه و كدا معملناش حاجة.
- ما انتي اطلبي منه يسيب الأدلة اللي معاه هناك و خلوها تعرف بأي طريقة إن هو نزل مصر و هي تنزل وراه و تدور على قد ما تدور مش هتلاقي دليل معاه.
ران عليهم صمت ثقيل كانت فيه سميرة تفكر في اقتراح ابنها، ليسألها باسل ب فضول:
- بس ليه يا أمي محتفظة ب الأدلة دي ليه مش بتخلصي منهم.
تأففت سميرة و أجابت:
- زهقت في المحامي و أنا بقوله يحرقهم و يخلص منهم بس هو مش بيسمع مني، بس كمان ساعات مش بشغل بالي أصل المحامي دا كلب فلوس ف أكتر حاجة ممكن يضرني بيها إنه يطلب مني فلوس، و أنت عارف الخزنة مليانة ف مفيش مشكلة بالنسبة للفلوس.
- طيب أنا عندي سؤال يا أمي.
- ايه يا حبيبي؟
- احنا زي ما بتقولي معانا فلوس كتير، شركات الاستيراد بتاع بابا و الشركة اللي جدي كتبها باسمه، دا غير ميراثنا من شركات جدي، و كمان شركات الأدوية اللي بابا فتحها باسمك في الكويت يعني معانا فلوس كتير، ايه بقى أصل المشكلة اللي بينك و بين مدحت صفوان؟؟
انتبهت سميرة إلى باب غرفتها الذي قد نسيته مفتوحًا على مصراعيه، فأسرعت و اغلقته و اقتربت مجددًا من باسل و بدأت تسرد له ما حدث في الماضي لتبدأ الحديث قائلة:
- انا و مدحت المشكلة بينا مكنتش مشكلة فلوس أبدًا دي كانت آخر حاجة هو عايزها، و كانت أول حاجة أنا مستعدة أضحي بيها عشان أخد منه الوصفة الطبية........مدحت كان دكتور شاطر و قدر من كتر الأبحاث اللي عملها و اجتهاده في مجال الأدوية إنه يوصل لعلاج لمرض السرطان، و طبعًا أنت عارف إن المرض ده علاجه متعب و مكلف قد ايه، و الوصفة بتاعة مدحت دي كانت هتعمل نقلة في طبية في علاج الكانسر عشان كدا أنا لما عرفت كنت عايزة اشتري منه الوصفة و تتسجل بأسمي، لأن دي حاجة عظيمة كانت هترفع شأني في العالم كله و كنت على أتم الاستعداد إني أتنازل حتى عن كل أملاكي في مقابل انساب الوصفة ليا، لأن وجود الوصفة معايا دا لوحده ضامن لعشرات أضعاف الأملاك اللي معايا، بالإضافة للشهرة و السمعة، و لما عرضت على مدحت اني اشتريها رفض بشدة، فقررت اناسبه و ساعتها كنت متأكدة إنه عشان خاطر بنته ممكن يعمل اي حاجة..............و عشان كدا طلبت منك تتجوزها و بعدها مباشرة طلبت منك تنزل مصر عشان ابتز مدحت بأنه ازاي واحد يسيب عروسته يوم دخلتهم الفجر إلا إذا كان فيها مشكلة.......يعني تقدر تقول لعبت على حتة الشرف و السمعة و ساعتها بكل بساطة وافق يبيع لي الوصفة، بس الوصفة باظت بسببي لاني لعبت في مقدار و كميات مواد العلاج و الناس اللي كانوا تحت التجربة في شركتي ماتوا و لما أهاليهم رفعوا قضية أنا فورًا اتهمت مدحت و خصوصاً إن مكنش حد في الشركة يعرف الوصفة تبع دكتور مين، غير واحد بس قدرت اشتري سكوته بالفلوس.
سألها باسل بترقب:
- هي الأدلة دي عبارة عن ايه؟؟
أجابته ببسمة خبيثة:
- العقد اللي كان بيني و بين مدحت كان بيقول إن الوصفة باسمي و ما هو إلي دكتور شغال حسب ارشداتي لتصنيع كميات من العلاج، و قبل العقد ده كان في عقد تاني بيقول إن الوصفة الطبية هي اختراعه الأصلي و الشركة بتاعتي هتتبني الفكرة و تساعده على إنشاء العلاج.
- يعني بعد فشل التجربة انتي يا ماما استخدمتي العقد الأول ضد دكتور مدحت و اخفيتي العقد التاني.
أماءت سميرة برأسها، فأكمل باسل قائلاً:
- بس شركتك بردو كدا ساهمت في الضرر.
- بالفعل شركتنا في الكويت دفعت تعويض كبير لأهالي الناس، بس كان في بنود تانية في العقد الأول تعفى الشركة من اي خطأ ممكن يحصل و إن مدحت هو المسؤول، بس تقدر تقول عشان نثبت حسن النية أنا دفعت تعويض للناس عشان صورتي متتهزش.
*******
دلف باسل إلى مقر شركة المُعز، ليستقبله حسام راكضًا نحوه، ليلتقط أنفاسه قائلًا:
- ايه يا عم برن عليك بقالي ساعة مش بترد ليه؟
أجابه باسل بنبرة صارمة:
- بترن ليه؟ خير!!
سأله حسام باهتمام:
- مالك انت كمان؟ في حاجة مزعلاك؟؟ مضايقة من حاجة؟
أجابه باسل باقتضاب:
- لاء مش زعلان و لا مضايق.
سأله حسام مجددًا:
- بجد كويس؟ لو في حاجة عرفني و والله ما هسيبك غير لما مشكلتك تتحل حتى لو فيها موتي.
طالعه باسل بذهن شارد، و هو يندم على إصغائه ل سميرة في تلك السنوات الماضية، و كيف كان يتعامل مع أولاد أعمامه، ف أطلق زفرة قوية و هو يبتسم بود و يقول:
- متقلقش يا معلم، لو في حاجة هقولك، بس و الله انا دلوقت زي الفل، قولي بقى في ايه؟
- مش عارف المتر رمزي عايزنا احنا التلاتة ضروري دلوقت.
سارا جنبًا إلى جنب حتى وصل إلى رمزي حيثما يقابله فارس جالسًا على إحدى المقاعد الجلدية ليجاوره حسام و من بعده باسل الذي بادر بالحديث قائلًا:
- خير يا استاذ رمزي؟
تحدث رمزي بعملية و قال:
- خير يا باسل، أنا جمعتكم عشان تمضوا على أوراق استلام الأملاك اللي سابها المرحوم جدكم.
تدافع حسام قائلًا:
- لاء مش عايزين حاجة، احنا تمام كدا.
أضاف فارس قائلًا:
- هي مش الأملاك أصلا باسم أروي؟
اجاب رمزي موضحًا:
- أروى تنازلت عن كل حاجة، ناقص امضتكم و التسجيل في الشهر العقاري.
قال فارس و هو ينقل نظره بين الجميع:
- اعتقد إن دلوقت فعلاً معايا أملاكي الحقيقية، خلي الأملاك لأروى أنا خايف نتفرق تاني.
اماء حسام برأسه مؤيدًا، و قال:
- انا مع فارس، انا مش عايز أملاك باسمي، خلينا كدا زي ما احنا.
نظروا جميعًا إلى باسل فابتسم قائلًا:
- و لا أنا عايز ورث الفلوس، كفاية عليّ أولاد عمي و لمتنا في قصر العيلة.
ابتسم لهم رمزي قائلًا بإصرار:
- و عشان كلامكم ده يبقى لازم تمضوا حالًا اعتقد ان أروى نجحت في لم الشمل، كفاية عليها تشيل المسؤولية لحد كدا، استلموا اللي يخصكم و خليكم مع بعض زي ما أنتم و دي كانت أمنية جدكم.
رد عليه باسل قائلاً بجدية:
- اركن موضوع الوصية دا على جنب عشان أنا عايز اتكلم معاكم في موضوع تاني اهم بكتير من أملاك المُعز، و لازم قبل ما النهاردة يخلص اكون رديت أروى على زمتي.
*******
انتقل كل من الأحفاد إلى مكتبه ليكمل دوره في العمل، و لكن لكل منهم ثورة عارمة بين قلبه و عقله، ف الجميع قد سقطوا بغتة ضحية للحب، رغمًا عن أنفهم، غافلة قلوبهم عن آلام الحب و خلافاته، و آلام البعد فيه و اشتياقه.
كان فارس مائلًا برأسه للأمام، ليستند بجبهته على إحدي ملفات العمل، حينما جاء إليه حسام قائلًا بمرح:
- أنت نعسان و لا ايه يا فارس؟ اجيلك وقت تاني طيب.
شرع «فارس» رأسه و قال متأففًا:
- و رحمة ابوك يا حسام مش وقتك.
- مالك يا معلم؟ انت تعبان و لا ايه؟
زفر «فارس» قائلًا بحيرة:
- لاء مش تعبان.
سأله حسام بترقب:
- آمال مالك؟
- مش عارف، أول مرة أكون مش قادر احدد أنا عايز ايه!
أردف «حسام» بجدية:
- تقصد موضوع باسل و العقربة أمه.
غرب «فارس» بعينه بعيدًا قبل أن يرمقه بنظراته و يقول:
- بلاش تغلط فيها بقى مش عايزين ذنوب، و بعدين باسل معاه حق و أنا اكيد مش هتخلى عنه، و طالما هو محتاجنا معاه فأنا أكيد عمري ما أسيبه في ظرف زي ده.
- معاك حق، بس ايه اللي مخليك مش على بعضك كدا؟
لحظة قد لحقت بآخرى، قبل أن ينهي فارس تردده، و يقرر البوح بما يشغله قائلًا:
- الموضوع يخص بنت.
سأله «حسام» باهتمام بالغ:
- بنت مين؟ و مالها، معقول فداء؟
هز «فارس» رأسه نفيًا و قال سريعًا:
- لاء يا عم فداء ايه؟
هتف حسام متذكرًا:
- يبقى اكيد دينا، صح؟
زجره فارس قائلاً:
- ما تقوم تقول في الشركة كلها!
ضحك حسام بخفة وقال:
- معلش بس حماس التخمين اخدني، مالها بقى؟
- نقلت مع والدتها و أختها ل محافظة تانية.
ضيق حسام حدقتيه، و نطق ب شك أقرب لليقين:
- و أنت طبعًا الموضوع مزعلك عشان بتحبها!
حمحم فارس قائلاً بارتباك:
- لاء يا عم حب ايه! دي مجرد طالبة عندي، و كدا كدا...
...... كانت كان حصة و مكنتش هشوفها تاني.
قال حسام ساخرًا:
- واضح فعلاً إنها مجرد طالبة، عشان كدا قلبت كيانك لمجرد إنك مش هتشوفها تاني!
هتف فارس بفزع واضح:
- هو أنا كدا بجد خلاص مش هشوفها تاني؟!
- دا يعتمد عليك بقى، عايز تشوفها أو مش عايز كل دا محتاج خطوة واحدة.
- اتقدم لها؟
قهقه حسام عاليًا، ثم قال و هو يضرب على كفيه:
- تتقدم؟ دا انت يا معلم مش بتحبها! دا أنت واقع من الدور المليون في حبها!
قال فارس بنبرة حائرة:
- ماشي بحبها كويس كدا؟ بس كمان أنا معرفش مشاعرها ايه! و كمان فرق السن، أنا في نظرها مدرس مش أكتر.
- بالنسبة لفرق السن بينكم مش كبير دا حوالي تمن سنين، يعني مقبول، و بالنسبة لمشاعرها ف لازم تسألها و تعرف منها هي و بلاش تفترض عنها الرد اللي هتقوله أو هي شايفاك ازاي، طالما أنت بتحبها يبقى فعلاً اتقدم لها.
- ايوه بس هي لسه بتدرس و اكيد مش هتوافق دلوقت.
- و الله نشوف ردها الأول يا فارس، و بعدين يا سيدي سهلة لو هي موافقة عليك ك فارس و الدراسة عقبة، اخطبها سنتين يا سيدي على ما تخلص تالتة ثانوي و تاخد سنة في كليتها كمان.
تأفف فارس مستغفرًا و هو يقول:
- قوم شوف شغلك نبقى نتكلم في الموضوع دا بعدين.
*******
كان حسام عائدًا من عمله، و قبل أن يصعد إلى غرفته أوقفه ذلك الصوت القادم من صالة الجلوس، ف رجع خطوتين إلى الوراء ليقع نظره على ابنة عمه التي باتت تشغل عقله مؤخرًا، و ترافقها تلك الفتاة التى قد ذهب إلى خطبتها ليلة أمس، فإذا بها تقول بحماس شديد:
- بالله عليكي يا فداء توافقي، دا أمير ده صاحب خطيبي المقرب ف لو وافقتي كدا نبقى اتجوزنا اتنين صحاب زي ما كنا عايزين.
أجابت فداء بنبرة هادئة:
- و الله أنا مقدرش اتصرف في موضوع زي ده لوحدي، لازم رأي ماما و فارس و الأهم من كدا إني ارتاح و أصلي استخارة.
رمقتها صديقتها بنظرة مترقبة و سألتها:
- يعني افهم من كدا إنك موافقة مبدأيًا على الخطوبة.
أومأت لها «فداء» و قالت:
- و الله لو شاب كويس و النصيب رايد يبقى أنا مش هعترض.
- أنا اضمنلك إنه شاب كويس و محترم جدًا، حتى أفضل من عماد و الله، شوفي عيلتك و لو كدا أمير ياجي يتقدم.
ماذا؟ هل هما تتحدثان الآن بشأن خطوبة ابنة عمه من رجل آخر!!! شيء ما لا يعرف ماهيته جعل قلبه يخفق بعنف و كأنه يعترض على تلك الفكرة التي يرفضها عقله أيضًا، و كأن بزواجها من شخص ما قد تُسحب منه ملكيته لشيء لن يقدر على العيش بدونه، إنها حقًا فكرة من الصعب بل من المستحيل تقبلها.
انتبه إلى تلك التي تحدثت إليه قائلة:
- كويس إنك رجعت يا أستاذ حسام، عندي ليك عرض تحفة أنت كمان.
رد عليها «حسام» بنبرة ساخرة:
- عرض! أنتي فاتحة محل و لا ايه!
ضحكت الفتاة ثم قالت:
- أيوه عندنا محلة أجهزة كهربائية و لو أنت و فداء وافقتم على كلامي ليكم مني غسالة هدية.
تابع «حسام» و هو يتقدم إليهما:
- لاء عرض مغري فعلاً، عيلة المُعز بجلالة قدرها مضطرة تقبل عرض عشان تاخد غسالة مجانًا!!!!!
ضحكت فداء لتشارك في الحديث قائلة:
- و الله قولتلها إنك مش هتوافق بس هي مصممة.
أشار إليها «حسام» قائلًا بمرح:
- استني بس دي بتقولك غسالة، اتفضلي يا آنسة كملي.
استرسلت الفتاة قائلة:
- بس يا أستاذ حسام، من غير لف و لا دوران أنا عندي ليك عروسة.
ردد «حسام» قائلاً:
- عروسة!!!
أكملت الفتاة و هي تعد على أصابعها:
- أيوه عروسة، أدب تلاقي، أخلاق تلاقي، تعليم تلاقي، جمال تلاقي........شوف أي حاجة أنت عايزها هتلاقيها فيها.
سألها «حسام»:
- أي حاجة اي حاجة؟
أومأت برأسها و قالت:
- أي حاجة.
ضحك «حسام» قائلًا:
- يعني بتعرف ترقص؟
صرخت فداء بإسمه و قالت:
- حسام! مش للدرجة دي، نحترم نفسنا شوية.
قال «حسام» بتراجع:
- آسف......آسف
ضحكت صديقتها و قالت:
- مدربة رقص مش بس بتعرف.
قهقه «حسام» بشدة لتزدد وسامته أضعافًا، ثم صمت تنهد واضعًا يديه في جيب بنطاله و كأنه يفكر، لتنطق الفتاة مشجعة:
- افتكر الغسالة، و على فكرة واحدة ليك و واحدة عشان فداء.
علت ضحكته مرة أخرى و هذه المرة شاركته فداء التي كانت تحرك رأسه بيأس، ثم نطق «حسام» قائلًا:
- هو عرض حلو و كل حاجة بس هعمل إيه مليش في الطيب نصيب، أنا متنازل عن الغسالة بتاعتي شوفي حد تاني ياخدها.
أنه حواره و توجه إلى غرفته في الطابق العلوي.
كانوا جميعًا حاضرين على طاولة العشاء، في جوٍ من المشاحنات، فكان الصمت يخيم عليهم بسبب تلك السميرة التي تفرض نفسها عليهم و لا أحد لديه القدرة لطردها خوفًا على مشاعر باسل، قطعت «وفاء» ذلك الصمت و قالت:
- فداء جايلها عريس يا جماعة، شاب كويس بس أنا قولت أشوف رأيكم قبل ما أرد على الجماعة.
انتبهوا لها جميعًا و تحديدًا حسام الذي ترك ملعقته و رمق فداء بنظرة مترقبة، في حين سأل «فارس» قائلًا:
- مين يا ماما؟ حد نعرفه؟
أجابته «وفاء»:
- ايوه يا فارس، والدة عماد كلمتني النهاردة و عايزاهم يرجعوا تاني.
تدخلت داليا والدة «حسام» و سألت:
- يرجعوا تاني! هما كانوا مخطوبين قبل كدا؟
أجابها «فارس»:
- ايوه كان في قراءة فاتحة و بعدين انفصلوا.
تدخلت «سميرة» قائلة بتهكم:
- أنا شايفة تجوزيها بسرعة لأن محدش هيبقى عايز يتجوز واحدة انتي أمها..... دا اللي أنا شايفاه و اهو نصحتك.
ردت عليها «داليا» بنبرة غاضبة:
- محدش أخد رأيك ف خلي نصيحتك لنفسك لأنك أصلا مبتشوفيش.
وجهت «وفاء» سؤالها إلى باسل قائلة:
- إيه رأيك يا «باسل»؟ نعطي الموضوع فرصة؟
تحدث «باسل» بنبرة باردة و قال:
- دي حاجة تخصك أنتي و عيالك مليش دعوة، و حضرتك بعد كدا اتكلمي مع أمي بطريقة كويسة عشان أنا غضبي وحش.
كانت جملته الأخيرة موجهة إلى «داليا» التي لم تكن أقل صدمة من «وفاء» و ابنتها، فهو أكثر احترامًا من ذلك و خصوصًا في الآونة الأخيرة.
تفرق كل منهم إلى غرفته دون أن يتخذوا قرارًا حاسمًا فيما يخص «فداء».
كان يجوب غرفته ذهابًا و إيابًا، تلاطمت الأفكار في رأسه، يضج قلبه بأسئلة لا جواب لها، لا يعلم لماذا تخنقه فكرة زواجها، و كأن تلك الفكر تسحب الأكسجين من حوله، لماذا عليها أن تتزوج الآن؟ لماذا لا يتقبل ذلك الأمر؟
رغبة شديدة و إلحاح قاتل يطلب منه الذهاب إليها و إجبارها على رفض كلا الشابين، لكنه لا يملك الحق ليفعل ما يمليه عليه عقله، من يكون هو ليفرض رأيه على الجميع؟ فهي لا تراه سوى ابن عمها.
ماذا يراها هو؟ طُرح عليه هذا السؤال من قبل عقله، فلم يجد إجابة تناسب وضعه إلا أنه يرغب في الزواج بها، إذن يراها كزوجة، يراها ك حبيبة له، إذن.....فاستنتاجه الأخير هو أنه......قد سقط أسيرًا لحبها.
قرر عقله أخيرًا أن يضع حدًا لحيرته عندما سأله عن «ميار»، و هنا كانت إجابة القلب واضحة، فمن هي ميار، أهي تلك الفتاة التي لا يتذكر متى المرة الأخيرة التي إلتقى بها! أم هي تلك الفتاة لم تعد تشغل عقله مؤخرًا، من هي «ميار»؟ هي فقط ابنة خاله و لم يعد يراها غير ذلك، و أجزم قلبه للتو أنه لن يرى سوي «فداء»، و لن تسكن قلبه فتاة غيرها بعد اليوم.
تجاوزت الساعة الثانية بعد ما منتصف الليل، و بالرغم من إجهاده في العمل إلا أنه لا يستطيع النوم، قد سبق و تمدد على فراشه بعدما أطفأ الإنارة، و أغمض عينيه التي تحولت إلى شاشة عرض مباشر تجعل صورتها و كل المواقف التي جمعته بها حية أمامه، يشتاق إليها بطريقة جعلته يستغرب من نفسه، متى قد وصل به العشق إلى تلك المرحلة! و لكن لنكن صادقين هو لا يشتاق إليها ندمًا فقط، و إنما تملكته بعض المشاعر، يشتاق إلي صوتها و ضحكاتها، و حديثها الساخر الذي لا يخلو من المشاكسة، يغلبه الشوق إليها، يتمني لو يمكنه الآن سحبها إلى أحضانه، ليطمئنها و يطمنئن بها، لديه اعتذار حاضر و عليها سماعه، عليه الثأر لها و لذاته، عليه البوح بمشاعره لها، عليه أن يحميها، فهو يخشى عليها كثيرًا من والدته.
انتفض باسل جالسًا، ثم سحب هاتفه من الجوار، بحث عن رقم الهاتف الخاص بها، و قرر أن يراسلها على الواتساب فهو لا يملك رقمها الكويتي ليتصل بها، بعث إليها برسالة محتواها كالتالي " وحشتيني يا أروى، ممكن تعطي بيسو فرصة؟"
بالرغم من أن رسالته قد وصلت إليها، إلا أنه لم يأته ردٌ منها، وضع هاتفه أمامه مباشرة و هو يدعو بصوت خافت أن ترضى عنه و تمنحه فرصة جديدة.
و لكن خاب ظنه مجددًا، فبعث إليها برسالة محتواها"طمنيني عليكي طيب، أنا قلقان عليكي"
هذه المرة ظهرت لديه علامة القراءة، فتهللت أساريره، و تحفزت جميع حواسه لاستلام ردها، و لكن لم تدم سعادته كثيرًا، عندما وصلته رسالة تحمل إليه تحقيق مخاوفه، حيث كانت الرسالة كالتالي" أروى في المستشفى بعد تعرضها للاغتيال".
يتبع.............
بقلم زينب محروس.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية