رواية أحفاد المعز الفصل الخامس عشر 15 - بقلم زينب محروس

   

رواية أحفاد المعز الفصل الخامس عشر 15 - بقلم زينب محروس

الفصل الخامس عشر
                                        
                                              
أجفلت أروى بعينيها و قالت بترقب: 
- هصدق معاكي إن باسل مظلوم، هل عندك استعداد تساعدني انتقم من أمك؟؟ بما إنك مظلوم مش عايز تاخد حقك من اللي ظلمك؟؟؟ 



كان يطالعها ب نظرات حائرة، ف كما يُقال لقد سقط مُكبلًا بين النيران، لا يستطيع الحراك، و على وشك أن يصبح رمادًا، ف  حبيبته و والدته هما طرفي الحرب في الساحة، و على أحدهما أن يُهزم  لينتصر الآخر، غافلتان تمامًا أنه إحدى الأسلحة التى سوف تِباد لينتهى و تنتهي به الحرب. 



تلوى ثغرها ب بسمة ساخرة و أردفت بخفوت: 
- كان سؤالي غبي. 



رد عليها باسل بنبرة من التخبط: 
- أروى دي أمي. 



- أيوه صح، أنت معاك حق، مكنش ينفع أفكر إنك ممكن تخسر أمك علشان حد، و لا عشان أهلي اللي اتظلموا و لا عشان حياتي اللي تدمرت و لا علشان زوجتك اللي هتفضل بالنسبة لك غريبة، و لا حتى عشان والدك اللي سميرة حرمته يعيش حياته و حرمتك أنت كمان من حبه و حنانه........و لا حتى علشان جدك اللي مات ب حسرته علي عيلته اللي اتفرقت و أولاده اللي مبقاش يعرف عنهم حاجة! 



أزالت تلك العَبرة عن وجنتها إثر إجترار تلك الذكريات المؤلمة، ثم أكملت ب كمد: 
- أنت صح يا باسل و دي أمك، ارجع البيت لأمك يا باسل،  و متجيش هنا تاني عشان مش عايزة أشوفك. 



انسحب باسل دون أن ينطق بحرف آخر، فهو يعرف أنها محقة، و لكن ما تطلبه يجعل روحه تختنق أكثر ف أكثر، ف كيف لها أن تطلب منه الانقلاب ضد والدته حتى و إن كانت مخطئة! كيف يتغاضي عن حنينه و حبه و بره لوالدته! كيف سيلاشي كل صورتها الملائكية التي تكونت في سنوات عدة فيما يِقابل عدة أيام! 



بينما  قد سقطت أروى و هي تنتحب بشدة، ف ثمة ألم و أسى يشقان الصدر شقًا، كانت تضرب الأرض بغضب قد شارك الألم في صوتها، حيث كانت تردد بحزن شديد: 



- ليه!!! ليه كل دا يحصل معايا؟ بخسر الكل ليه؟!! 



اقتربت إليها عمتها سريعًا و هي تضمها إلى أحضانها بحنان و تمسح على رأسها، و قد ضامت عليها عبراتها هي الأخري، لكنها كانت أكثر تقبلًا للوضع، مما جعلها تهمس لأروى ببعض العبارات و الكلمات التى من شأنها بعض السكينة لأروى. 



ف ابتعدت عنها أروى و هي تنفض وجنتيها من أولئك الأسرى اللائي قد تمردوا على عينيها و فروا هاربين، ثم نطقت بصوت أشبه ل حفيف أوراق الشجر: 



- مفيش دموع بعد النهاردة، أنا هنهي كل  حاجة. 



استوت على قدميها و قالت بتأهب: 



- أنا مسافرة الكويت بالليل. 



سألتها عمتها بدهشة: 
- الكويت ليه؟ 



أجابتها أروى بجدية بالغة: 
- ماما قبل ما تموت قالت على مستندات تثبت براءة بابا و إدانة سميرة و إن وصفة العلاج اللي هي زودت مكوانتها دي هي اللي لعبت فيها مش بابا، هسافر  هناك عشان هدور على ماجد الصواف ماما قالت إنه كان المحامي بتاعنا هناك و هو اللي باعنا و خدع بابا و سرق المستندات عشان كدا لازم أسافر. 

 
- هنيجي معاكي. 



- لاء هسافر لوحدي يا عمتي، خليكي أنتي و خالي هنا عشان خالي عنده شغل ضروري، و أنا مش صغيرة متخافيش. 



دلفت أروى إلى الشركة ب خطوات ثابتة واثقة، فكان الجميع يلقى عليها التحية احترامًا لكونها مالكة الشركة و ربة عملهم، قصدت أروى مكتب خالها رمزي، لتخطو إليه بعدما طرقت الباب مباشرة. 



ترك ما بيده فور رؤيتها و نهض إليها ليقبل رأسها قائلًا ب بحب: 
- أخيرًا يا أميرتي قررتي تخرجي، ايوه كدا عايزك قوية. 



ابتسمت له بضعف و قالت: 
- أنا كويسة يا خالي، و أكيد لازم اكون قوية دا إجباري، المهم...... أنا هنا عشان أملاك المُعز. 



نظر إليها رمزي متعجبًا، ف أوضحت له أروى: 
- حان الوقت إن الأملاك تتنقل لأصحابها، جدي قال إن لما يقدروا يثقوا في بعض ساعتها ننقل الأملاك. 



أضاف رمزي معبرًا عن رأيه: 
- أنا عارف و معنديش اعتراض، بس أنتي واثقة إنهم كدا بقوا جديرين بالأملاك و مش هيهدوا السطلة اللي عاش جدهم يبنيها؟ 



تزين ثغرها ببسمة واثقة و قالت: 



- أنا متأكدة أكتر من وجودي قدامك دلوقت إنهم مستحيل يتخلوا عن بعض تاني. 



- طب و سميرة. 



زفرت بتحفز و نهضت لتتجول في الحيز المحيط و هي تشرح ل رمزي عن مخططها و ما تنوي فعله، لتتخلص و تثأر من تلك اللعنة التي تمنح الجميع هلاكًا لم يستحقونه يومًا. 



على صعيدٍ آخر، قد حان الدور ل باسل الذي انزوي بنفسه في غرفته المظلمة إلا من طاقة صغيرة قد امتدت من فتحة صغيرة في النافذة التي لم تكن محكمة الإغلاق، تمدد بجسده على الأريكة لتبدأ تلك المشاهد في عرضها الإجباري، موقف يجتر آخر، و السيء يسبق اللطيف، تتردد في أذنيه كلماتها القاسية و اللطيفة، يتذكر بوضوح تلك النبرة التي كانت تنطق بها «بيسو»، احيانًا بنبرة ساخرة و أحياناً بتمرد و مرات آخرى كانت تنطقها ب لهجة لعوبة و كأنها تشاكس طفلًا أمامها. 



انشقت من عينيه دمعة هاربة، لتتبعها آخري دون صوت يُصدر منه، أطلق زفرة قوية ك لوعة قلبه و غمه المتفاقم، قبل أن ينهض ليقتحم الشرفة دافعًا الباب بقوة، واضعًا يديه في جيب بنطاله ليطالع السماء في صمت تام لم يكن هو على دراية به، و السبب في ذلك هو ضجيج عقله و أذنيه بجميع  الأحداث التي قد سبق و تعايشها مع أروى. 



آن الأوان ليعي و يدرك ما دار بينه و بين أروى في ذلك اليوم الخاص بالسكاكر، و كأن انكساره قد أحي شيئًا بداخله قد أوشك على النسيان، و كلمة تلو الآخري، و اعتراف تلو الآخر، بدأوا جميعًا في التجسد أمام عينيه، و كأن المشهد يُعاد مرة أخرى. 



أزال دمع عينيه سريعًا عندما علم بأنها قد أفصحت له عن مشاعرها و بأنها تحبه سابقًا، بات يُدرك الآن أنها قد أرغمت على كل ذلك و لن يلقى عليها اللوم. 
حُسمت الأمور الآن و لن يتخلى عن محطته الأخيرة من السعادة، و لن يسمح لها بذلك أيضًا. 




        
          
                
تحرك قاصدًا وجهته و التي هي بمثابة السر الأقدم في قتل والده، و بمرور الوقت قد وصل حيثما تستقر تلك السيدة، ليترجل من سيارته سريعًا و هو يعدو إلي منزلها. 



طرق باسل الباب بشكل متكرر، لتفتح له سيدة في عمر والدته و لكن يبدو عليها الشقاء، نظرت إليه بتثاؤب و أعين قد ثقلت جفنيها، و سألته بجدية: 



- خير يا ابني! في حد يروح لحد في وقت متأخر زي ده؟ 



- أنا بعتذر على الإزعاج، بس الموضوع اللي عايزك فيه مينفعش يستنى أكتر من كدا، أنا باسل المُعز ابن سميرة و رأفت المُعز. 



صُعقت لتلفظه تلك الأسماء التي عاشت ما سبق من عمرها تجاهد لتنساهم، و ما زاد الأمر سوءًا و جعل الارتباك يتملك منها، هو سؤال باسل المُترقب: 



- بابا مات ازاي؟ رأفت المُعز؟ أمي ليها علاقة؟؟ 



تلعثمت في إجابتها و هو تقول: 
- معرفش.......معرفش مين الناس دي أصلا مش فاكرة. 



- ارجوكي تساعديني، و متخافيش لو حد مهددك بحاجة انا هحميكي و والله مش هيحصل لك أي حاجة. 



- طيب أنا هقولك بس مش هشهد قدام حد و لا أنت تقول إني قولتلك و لا تعرفني أصلا، ممكن؟ 



- حضرتك تعتقدي لو المحكمة طلبت شهادتك و أمي اتحكم عليها، ممكن حد يعمل لك حاجة؟؟ 



- و الله ست قادرة و مش بعيد تأذيني حتى و هي محبوسة. 



- لا متخافيش، أنا مش هسمح بكدا.



اقتنعت سماح ب حديثه، و طلبت منه الدخول لتبدأ في سرد ما حدث قديمًا إليه، و هو لم يُعد يتفاجأ فقد اعتاد حقيقة والدته البشعة الحقودة و المؤذية. 



تهادت إطارات سيارته أمام العقار التي تسكنه أروى، استوى على قدميه ليغلق سيارته ثم صعد إلي الطابق حيث تقطن أروى، قرع الجرس مرات عدة و لكن لم تكن هناك استجابة لذلك، و حينما أوشك على الاتصال ب رمزي، انفتح المصعد ليخرج رمزي برفقة زوجته. 



ف بادر باسل سائلًا: 
- فين أروى؟ 



رمزي بجدية: 
- أروى رجعت الكويت، الطيارة أقلعت من ساعة. 



تخشبت الكلمات على شفتيه من صدمته و اندهاشه، ف ردد بخفوت: 
- رجعت الكويت؟ 



- ايوه.



باسل بتحير: 
- طب و حقها؟ مش عايزة تنتقم ل والدها؟



تبادل رمزي النظرات مع زوجته، ليضيف باسل: 
- خلوها ترجع و أنا هساعدها، أنا خلاص عرفت حقيقة موت والدي و أنا كمان عايز أخد حق حرماني منه و حق الكسرة اللي عايش فيها دلوقت. 



قال رمزي ب غموض: 
- مسألة وقت و هترجع لوحدها متقلقش، اهتم أنت بس بالشركة و بولاد عمك و متشغلش بالك ب أروى. 




        
          
                
تنهد باسل قائلاً بخوف و حزن: 
- بس انا مش عايز أخسرها، متأكدين إنها هترجع؟ 



ربت رمزي على كتفه و قال ب مساندة: 
- متقلقش أروى هترجع، و لو هي مش عايزة ف أنا مش هسمح ب كدا، بس خلينا نسيبها شوية لوحدها و كل حاجة هتتحل......مجرد وقت. 



في صباح اليوم التالي توجه فارس إلى مركز الدروس الخصوصية بعدما أنهي ما لديه في الشركة، و عندما انتبه أن دينا لم تكن موجودة بين طلابه، قلق ل غيابها و تملكه الفضول ليطمئن و يعلم سبب التغيب عن حصته، جاهد ليمنع نفسه عن فعل ذلك،  و لكن في نهاية الأمر اتصل بها و علم منها برغبتها في الإلتقاء به. 



بمرور الوقت كان فارس جالسًا مع دينا في إحدى الكافيهات، ليبادر بسؤالها قائلاً: 



- محضرتيش الدروس النهاردة ليه؟ 



- مش هحضر تاني، كدا خلاص يا مستر. 



ضيق ما بين حاجبيه ليسألها بصدمة: 
- يعني ايه مش هتيجي! دا الامتحانات خلاص قربت! 



ابتسمت بخفة و قالت: 
- متقلقش هوضح لك. 



طالعها باهتمام و ترقب، بينما هي أكملت: 



- الحمدلله بعد الدروس اللي ماما حضرتها في المسجد قدرت تسترد وعيها و شخصيتها الحقيقية، و قررت إنها هتسيب الشركة اللي شغالة فيها و هنرجع بلد بابا و هناك هتفتح مشروعها و أنا أختي هنكمل تعليمنا هناك.....و على فكرة ماما و اختى لبسوا الحجاب. 



أُلجم لسانه و توقف عقله، و هنا بدأ فؤاده يتحدث، هل حقًا ستغادر! ألن تلتقي به مجددًا، اعتمر الضيق في صدره، شيء ما يخبره أن يمنعها لكن ما باليد حيلة، بأي حق سيطلب منها البقاء! 



لوحت دينا بيدها أمام عقله الشارد، و قالت: 
- بتفكر في ايه يا مستر؟ 



أجابها مندفعًا: 
- بفكر فيكي! 



قالت دينا بامتنان: 
- متقلقش عليّ الحمدلله ماما رجعت لنا زي الأول و بدأت تهتم بينا تاني. 



قال فارس بجدية: 
- دا كويس. 



ابتسمت دينا و هي تنظر إلى عينيه و قالت: 
- أنا متشكرة لحضرتك جدًا يا مستر، أنت نعمة ربنا حطك في طريقنا عشان نرجع لصوابنا، الحمدلله على نعمة وجودك يا مستر فارس. 



- مش محتاجة تشكريني، أنا معملتش حاجة، انتم اللي ناس اصلكم طيب و كويسين أنا بس دلتكم على الطريق، ف بلاش تشكريني. 



- بلاش اشكرك ايه بس يا مستر، دا كفاية بس إنك من لما ظهرت في حياتي و أنا مبقتش أحتاج اكتب و اشكي همي للدفتر، من لما حضرتك بدأت تسمعلي نفسيتي بقت كويسة الحمدلله. 



جاهد فارس ليبدو طبيعيًا، فمن غير اللائق أن يظهر حزنه أمامها: 
- أنا دايمًا هبقى موجود يا دينا لو محتاجة اي حاجة كلميني من غير ما تفكري. 




        
          
                
- دا اكيد يا مستر. 



نطقت بجملتها ثم خطفت نظرة سريعة إلى ساعتها اليدوية و قالت: 



- مضطرة امشي دلوقت عشان هنتحرك كمان نص ساعة. 



أصر فارس أن يوصلها ب سيارته و لكنها رفضت بشدة، ف وقف يطالعها و هي تصعد إلى إحدى سيارات الأجرة، و ما إن أغلقت الباب حتي سمعته يناديها قائلًا: 



- دينا، دينا. 



نظرت إليه من النافذة المجاورة، فأضاف فارس بحب و اهتمام: 



- خلي بالك من نفسك، و ذاكري كويس. 



ابتسمت بود و اكتفت في إجابتها بحركة من رأسها، ثم لوحت له كإشارة للوداع، قبل أن تطلب من السائق أن يتحرك. 



يحدث في ذات الوقت، أن كانت فداء تجلس مع صديقتها في حديقة القصر، و التي يمضي منها الجميع إلى بابا القصر الداخلي، ف تحدثت صديقتها و قالت: 



- لازم تيجي يا فداء مليش دعوة. 



ضحكت فداء و قالت:
- يا بنتي ما أنا قولتلك جاية، بس مش هفضل لآخر الخطوبة عشان أنتي عارفة فارس مش بيحب يحضر المناسبات دي. 



- لاء ملكيش دعوة هو.......



قطعت حديثها و هى تنظر بترقب إلي تلك السيارة الحديثة التي أحدثت إطاراتها صوت لاحتكاكها مع الرصيف، ثم ترجل منها حسام الذي خطى صوبهم بخطوات ثابتة، حاملًا معطفه على ذراعه، و ينزع رابطة العنق عن رقبته. 



فقالت صديقتها: 
- اهو خطيبك جه، كويس عشان اعزمه و اخليه يجي معاكي. 



قبل أن توضح لها فداء، تدخل حسام مشيرًا إلى نفسه: 
- تقصديني أنا ب خطيبها؟ 



نقلت الفتاة نظرها بينهما، ثم قالت: 
- ايوه، ما هو انت مش فارس، فأكيد عماد خطيبها. 



نظر فارس إلى ابنة عمه بدهشة و سألها: 
- فداء هو أنتي مخطوبة؟ 



ردت عليه موضحة: 
- لاء، كان في قراءة فاتحة بس الموضوع متمش. 



قالت صديقتها سريعًا: 
- أنتي بتهزري! آمال معرفتنيش ليه؟ 



بررت لها فداء قائلة: 
- ببساطة جدًا حضرتك مسافرة من قبل قراءة الفاتحة أصلا و مكناش بنتكلم كتير و انتي مسألتيش و أنا حصل معايا شوية مشاكل في الفترة الأخيرة عشان كدا نسيت أقولك، و من ساعة ما جيتي دلوقت و أنتي بتتكلمي عن خطوبتك و أنا محبتش أقاطعك..



سألتها مجددًا بفضول: 
- آمال دا مين؟ 



فداء : 
- دا يا ستي حسام ابن عمي. 



قالت صديقتها ب حماس: 
- حيث كدا بقى انت معزوم على خطوبتي مع فداء، و لازم تيجي. 



ابتسم حسام لتزدد وسامته، و قال : 
- إن شاء الله، ربنا يتمملك على خير، اسيبكم أنا بقى عشان تاخدوا راحتكم. 




        
          
                
تركهم حسام و دلف ليبدل ملابسه و عقله شارد في تلك الخطوبة التي لم يكن يعلم بشأنها، و بالرغم من كونه خبر لا أهمية له إلا أنه قد شعر بالضيق و لا يعلم السبب. 



بمرور يومين قد حان موعد الخطوبة، و بعدما رفض فارس الذهاب لم يكن أمامها سوى فارس الذي لم يكن ينوي الذهاب و لكنه لم يستطع التغاضي عن رغبة فداء في أن يذهب أحدهما برفقتها. 



كان واقفًا و يستند إلى سيارته بعدما ارتدي بنطالًا أسود و تي شيرت أسود، و احتمي من برودة الجو ب معطف جلدي قصير، كان ذلك اللون يعكس وسامته المعتادة. 



شرع برأسه ليتأمل تلك الفداء التي تخطو إليه و يسبقها صوت كعبها الرنان، كانت حقًا فائقة الجمال لدرجة كافية أن تخطف قلبه و جميع القلوب المجاورة، كانت هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها مساحيق التجميل، و الذي برزت و أوضحت ملامحها الجميلة. 



انتقت لنفسها فستانًا باللون البترولي من الستان، و يتوسطه حزام أحكمت غلقه ليظهر جسدها و كأنه نُحت بطريقة مثالية، كما أضافت إلى زيها حجابًا أبيض ساهم بشدة في إظهار لون عينيها الزمردية. 



وقفت أمامه و هي تقول بتحفز: 
- يلا بينا يا حسام. 



انتبه إلي صوتها، ليشير إليها قائلًا: 
- انتي هتروحي كدا؟ 



ألقت نظرة تقيمية إلى ثوبها قبل أن تقول: 
- أيوه هروح كدا هو في حاجة؟؟ 



قال بتهكم: 
- في حاجة! دا في حاجات، ادخلي امسحي اللي على وشك ده. 



تأففت بضيق و قالت: 
- أنت كمان! دا أنا ماصدقت إن فارس مش جاي عشان ميتخانقش معايا، تقوم انت تقولي امسحي اللى على وشك! 



- طالما عارفة إن اخوكي هيزعق يبقى عارفة إن اللي على وشك دا غلط تخرجي بيه، هو أنا اللي هقولك و لا ايه؟ و بعدين انتي حلوة من غير الألوان دي كلها. 



- يعني شكلي وحش! 



- لاء مش وحش بالعكس طالعة قمر و لو مش بنت عمي كنت هعاكس،  و عشان كدا عايزك تمسحيه بلاش تلفتي انتباه الشباب ليكي. 



- بس أنا مش حاطة مكياچ عشان ألفت انتباه حد، أنا ك بنت أكيد أحب إني أكون أجمل و أجمل في عيون نفسي، إنما مش عشان حد و الله. 



- أنا مش بقول إنك حاطة عشان حد، بس أنتي كدا هتلفتي الأنظار و مش كل الشباب محترمين، في منهم اللي هيبصلك بإعجاب و مش هيتعدى حدوده، و في نفس الوقت فيه اللي ممكن يعاكس و يضايقك بالكلام و ساعتها أنا مش هسكت و هتخانق معاهم.......ما هو اللي عملته مع بنات الناس مش هيطلع علي جتتي. 



- ما هو طبيعي مفيش حاجة بتروح على الأرض، كما تدين تدان. 



- أنا عارف إن اللي كنت بعمله دا غلط، بس أنا و الله عمري ما ضايقت واحدة محترمة سواء كانت محجبة أو غير محجبة، البنت اللي بتتعاكس دي بتكون لابسة حاجات غريبة كدا كأنها بتقولك انا عايزة اتعاكس و ساعات كمان بتكون موجوده في أماكن مش كويسة.....و الحمدلله من فترة كدا مبقتش اهتم بحد و لا بعاكس حد. 




        
          
                
تنهدت فداء و قالت:
- طيب استنى شوية هغسل وشي و جاية. 



عادت إليه بعد دقائق معدودة، ليبادر هو قائلًا: 
- فين اللي مسحتيه؟ انتي زي ما أنتي! 



- لاء و الله غسلت وشي و شيلت المكياچ اللي عليه، انا أصلا كنت حاطة روج و ماسكرا و بلاشر بس. 



مد يده إليها بمنديل ورقي و قال: 
- امسحي وشك كدا. 



امتثلت لطلبه ثم أعادت إليه المنديل مجددًا وقالت: 
- اهو مفيش حاجة. 



بمرور الوقت كانا قد وصلا إلى قاعة الحفل، ليقل حسام محذرًا: 
- اعملي حسابك تسلمي على العروسة و تيجي تقعدي جنبي مفيش رقص و لا هيء و ميء أنا قولتلك اهو عشان نرجع البيت من غير خناق. 



حدقت به و قالت في دهشة: 
- هو أنت حسام! دا أنت شكلك أصعب من فارس! 



- زي ما قولتلك يا فداء مش عايز نقاش. 



ضربت بحديثه عرض الحائط، حيث أنها عندما دلفت تحركت سريعًا إلى صديقتها و هنأتها بحفاوة، و بقيت بجوارها قليلًا ثم صارت تتنقل بخفة لتلقى التحية إلى بعضٍ من صديقتها و جيران سكنها القديم، بينما حسام  يراقبها بحدقتيه، و هو يلعن نفسه أنه لم يطلب منها تبديل ثوبها، و مازاد الأمر سوءًا هما ذلك الشبان اللذان مرا بجواره و هما يتحدثان ليقل أحدهما: 



- لاء بس البنت اللي لابسة بترولي دي صاروخ، عايز أشقطها. 



طالعهما حسام و هو يشتعل غضبًا و يخشى أن يفتك بهما، جلس الشباب على طاولة قريبة و هما يراقبان فداء غافلين عن ذلك الذي يخترقهما بنظرات الغضب و الغيرة. 
زفر بقوة و هو يهدأ من أفكاره بالقضاء عليهما، و لكن مخزون الصبر الخاص به قد نفذ عندما وجد أحدهما يصافح فداء و هي تبتسم له و يبدو أنها تعرفه. 



تحرك إليها سريعًا جاذبًا إياها من ذراعها، و سار بها إلي الخارج، ف نفضت قبضته بعيدًا و قالت باستغراب: 



- هو في ايه؟؟ 



- هنرجع البيت. 



- نعم! دا لسه الخطوبة في أولها. 



تغاضى عن جملتها، و سألها بغيرة و فضول: 
- كنتي بتسلمي على مين؟ 



- دا عماد!



سألها بترقب: 
- دا اللي كان خطيبك. 



- ايوه هو. 



- و بتتكلمي معاه ازاي بعد ما انفصلتم! 



- إحنا انفصلنا مش اتخانقنا! مش معنى إن محصلش نصيب يعني بقى عدوى!  شافني و جه يسلم عليا و يسألني عن ماما و فارس، كنت اشتمه يعني و لا أسيبه و امشي. 



- كنتي تسبيه و تمشي، و بتسلمي عليه بإيدك ليه؟ مش عارفة إن دا غلط و حرام. 



تلعثمت في ردها، و قالت بندم:
- أيوه عارفة، أنا آسفة بس هو مد أيده يسلم عليا و أنا اتحرجت احرجه و مسلمش. 



حسام بتهكم:
- لاء طبعًا مكنتيش تسلمي مفهاش إحراج، طالما الموضوع متعلق بالحلال و الحرام يبقى متتحرجيش، هو أنا اللي هقولك و لا ايه يا فداء! 



- صح معاك حق، مش هكررها تاني. 



- طيب يلا نمشي بقى. 



شهقت بفزع و اعترضت: 
- لاء نمشي فين، و الله العروسة تزعل. 



- يا بنتي أنا كدا ممكن اتخانق مع حد عشانك، لو كملنا الخطوبة هتبوظ. 



- لاء لاء مش هيحصل حاجة، خلينا نفضل هنا و أنا هبقى جنبك مش هتحرك و الله. 



في صباح اليوم التالي كان باسل قد تأهب للذهاب إلى العمل و بينما هو يعبر أمام غرفة والدته، إذا به يسمعها تقول بصرامة و غضب: 



- لو أروى حاولت تعرف منك أي حاجة بخصوص قضية مدحت، أكذب عليها و أقول أي حوار المهم يكون مدحت هو الغلطان في نظرها، أوعى تأكد لها إننا غلطانين حتى لو كانت دي الحقيقة. 



- طب ما هي ممكن تدور ورايا و تعرف الحقيقة، اللي يخليها لسه بتفكر في الموضوع دا لحد دلوقت يبقى مش هتستلم غير لما تعرف الحقيقة. 



- يبقى ساعتها بقى نتخلص منها.



يتبع...........



بقلم زينب محروس 



#أحفاد_المُعز 




        

تعليقات