رواية أحفاد المعز الفصل الرابع عشر 14 - بقلم زينب محروس

   

رواية أحفاد المعز الفصل الرابع عشر 14 - بقلم زينب محروس

الفصل الرابع عشر
                                        
                                              
أشاحت ب نظرها بعيدًا عنه لتتهرب من نظرة العتاب الخاصة به، ف تلوى ثغره ب بسمة جانبية تجمع بين السخرية و الانكسار و الألم، ل يتشدق مردفًا: 



- أنتي طالق يا أروى. 



اتسعت حدقتيها صدمةً لما قد وقع على سمعها، فكرر باسل جملته مرة آخرى، لتزداد صدمتها أكثر و أكثر، ها هو الآن ينفصل عنها دون أن تخطئ في حقه، والدته قد دمرت حياتها و كان هو إحدى الأسلحة في هذه المعركة، بل كان هو السلاح الأقوى الذي قد ذُبحت به أروى، و هو الآن يكرر فعلته، لكنها لن تسمح بذلك، استجمعت شجاعتها و ألقت ب قلبها أرضًا، و قالت:



- اعتقد إن جه الوقت عشان تعرف والدك مات ازاي يا باسل، سميرة هانم اخترعت قصة ايه عشان تقنعك بسبب موته المفاجئ؟ 



اجتاحت الحيرة و نظرات التيه عينيه، ليسألها بقلب قد تلعثم قبل شفتيه: 



- تقصدي ايه؟ ايه علاقة موت بابا ب أمي؟ 



كانت تطالعه بنظرات لما يقدر على تفسيرها، فكانت ترمقه بنظرات من الشفقة و الحنان و لكن فاز غضبها و رغبتها في الثأر لأبيها، حينما أطلقت زفرة حارقة، و استوت على قدميها و هي تعبث ب هاتفها ثم أردفت: 



- بعتلك رسالة فيها عنوان مدام سماح الدادة اللي كانت شغالة عندكم هنا زمان، ممكن تكون فاكرها و فاكر قد ايه هي كانت قريبة من سميرة هانم! لو مهتم بحقيقة موت والدك قابلها. 



استدارت لتغادر، لكنها تراجعت عندما سمعته يسألها بشك   و بصوت خالجه الابتئاس: 



- كنتي قاصدة تبعتيني للدجال، عشان يقولي عن اللي أمي عملته زمان، و تكوني بعيدة عن الموضوع!!! 



أجفلت بعينيها و التفتت إليه و قالت لتضرب بمشاعرهما عرض الحائط: 



- ايوه كنت قاصدة، كان السبب الأساسي لدخولي القصر هو الانتقام من سميرة اللي دمرت حياتي، سواء كان على غدرها لبابا، أو على حالة أمي اللي هي السبب فيها. 



سكتت لقلة من اللحظات قبل أن تكمل بندم: 
- أو حتى على جوازي منك، و أنت في نظري لا تقل شيء عنها في كل اللي أنا مريت بيه. 



كان بداخله شيء ما لم يتحطم بعد، و لكنها قضت عليه كليًا عندما نطقت ب سخط و احتداد: 



- كنت ناوية اخليك تحبني و تتعلق بيا، و بعدها كنت هسيبك عشان تجرب نفس الوجع اللي أنا عشت فيه ثلاث سنوات، كنت ناوية اعيشك شعور الوحدة اللي أنا حسيت بيه و اكسرها ب كسرتك. 



أبعد تلك الدموع عن وجنتيه لينهض قائلًا بصوت يحترق: 



- أهنيكي يا آنسة أروى، نيتك اتحققت و أنا فعلًا حبيتك، مبروك عليكي الانتصار، و مبروك عليا جحيم الغدر و الوحدة. 



انصرف باسل بعيدًا عنها ليتركها واقفة تطالعه بأعين دامعة، اعتقدت أنه بإظهار الكره له ستكون بذلك قد انتشلت عزتها من واقع حزنها لطلاقهما.
تكاد تجزم الآن بأنه لن يحترق بمفرده، هي بالفعل لم تعد شريكة حياته، و لكنها بالفعل شريكته في الغدر و الانكسار و آلام الاحتراق.  




                                      
 
                
فاقت من شرودها على صوت سميرة التي مازالت تصرخ في وجه وفاء، ف هبطت أروى الدرج إلي الأسفل، لتقف عائقًا بين وفاء و سميرة التي كادت أن تصفعها، و لكن اوقفتها أروى عندما قبضت على معصمها، لتردف بنبرة حادة و هي تنفض يدها بعيدًا: 



- احترمي نفسك و إيدك متترفعش على أسياد البيت اللي  أنت واقفة فيه.



طالعتها سميرة ب كبر و عنجهة قبل أن تقول: 
- هو أنتي بتعملي ايه هنا يا بتاعة أنتي! 



ابتسمت أروى و أردفت بينما عقدت ذراعيها أمام صدرها: 



- متأكدة إنك عارفة بس هرد عليكي يا فلة، بصي يا سوسو القصر اللي انتي واقفة فيه ده بتاعي، عارفة يعني ايه بتاعي؟ يعني متسجل بإسمي، و مش بس القصر، و إنما كل أملاك راشد المُعز الله يرحمه متسجلة لحسابي بيع و شراء........يعني ممكن في لحظة دلوقت اطلب الأمن يرموا شنطك بره و يجروكي جر كدا من شعرك و نرميكي في ستين داهية يا عسل. 



كان ذلك النمط من الحديث استفزازيًا بطريقة كافية لتجعل سميرة تردف بنبرة حاقدة: 



- بكره تتجري انتي من هنا، او ممكن اخليكي تخرجي من هنا على ضهرك يا بنت مدحت، و لا أنتي و لا عشرة زيك يقدروا يقفوا في طريقي. 



قهقهت أروى عاليًا بنغمة ساخرة، ثم علقت حدقتيها عليها لتخترقها قائلة: 



- كويسة إنك فاكرة مدحت، ابويا اللي ظلمتيه و سجنتيه في قضية هو مكنش ليه ذنب فيها، بس يا ترا فاكرة رأفت؟؟؟؟ 



أردفت ب حدة: 
- مين رأفت ؟؟ 



تلوى ثغر أروى ببسمة ساخرة و قالت: 
- معقول ناسية جوزك؟ ألا صحيح هو المفروض أقول عليه جوزك و لا اقول ضحيتك الأولى ؟؟ 



اختلطت جميع الأمور و تداخلت جميع الكلمات، مما جعلها تتلفظ ب صعوبة و تلعثم: 



- ضحية!!......ضحية ايه؟ 



مالت أروى و همست بجانب أذنها: 
- خنقتيه! أنتي خنقتي رأفت، أنتي سبب موته. 



و كأن السماء قد انطبقت على رأسها، انقلب حالها في لحظة واحدة، حيث بدأ وجهها يتصبب عرقًا و اتسعت حدقتيها، و كانت تشعر بمرارة في حلقها.



ابتعدت عنها أروي و هي تقول ساخرة: 
- هو انتي من الناس اللي بتعرق في الشتا! بس عايزة الصراحة خامات مكياچك شكلها تحفة مش متأثرة بالعرق خالص!!!! 



تركتها تائهة كحال الطفل الضائع، و تحركت أروى بعدما أشارت لوفاء أن تتحرك معها. 



بمرور الوقت كان باسل يضع حقيبته في سيارته استعدادًا للذهاب، غير عابئًا ب سميرة التي ترغب في الحديث إليه و تطلب منه الإصغاء إليها، و عندما كان على وشك الصعود إلى سيارته منعته سميرة من إغلاق الباب هاتفة: 



- أنا مش عارفة هي قالتلك ايه العقربة دي، بس هي أكيد كذابة. 



في هذه الأثناء خرجت أروى من القصر ركضًا و هي تبكي و من خلفها وفاء التي تقول بصوت مرتفع: 




        
          
                
- اهدى يا أروى، إن شاء الله هتبقى كويسة. 



لم يكن صالح متواجدًا فكان في إحدى الأماكن يحضر لوازم المطبخ كما طلبت منه وفاء، فقالت أروى بتذمر و هي تضرب قدميها في الأرض: 



- عمري ما احتاجت عمي صالح و لقيته أبدًا علطول كدا مش موجود، لازم اوصل حالًا أنا خايفة على ماما. 



كان صوتها مسموعًا بالنسبة إليه، فجذب الباب من بين يدي سميرة  و تحرك بسيارته لتتهادي عجلاتها أمام أروى قائلًا بجدية: 



- اركبي. 



نظرت إليه باندهاش و صدمة، أهو الآن يرغب في مساعدتها! هي ذاتها من حطمت قلبه و حطمت عائلته! 
أنهى حوارها الداخلي عندما قال بصبر أوشك على النفاذ: 



- هتبصيلي كدا كتير و لا هتركبي؟ 



ترجلت من السيارة و هرولت إلي المبني قاصدة شقة خالها، و قد لحقا بها وفاء و باسل، فكان المنزل يكتظ بالأطباء و طاقم التمريض و كأنه إحدى طوابق المستشفى، اقتربت أروى من عمتها التي تبكي في صمت، لتسألها ب لهفة و قلق: 



- ماما مالها يا عمتي؟ ايه اللي حصل؟ 



اجابتها عمتها بجدية: 
- معرفش، معرفش، هو مرة واحدة الممرضة المسؤولة عنها لقيتها بتجري و بتقولي اطلبي الدكتور فورًا. 



بعد قليل من الوقت، أخبرهم أحد الأطباء قائلاً: 
- بصوا يا جماعة هي الحالة حالياً مستقرة، لكن من الأفضل تتنقل المستشفى هناك خدمات طبية أكتر، ممكن الحالة تسوء في أي وقت هنا، و أنا مش هقولكم نفصلها عن الأجهزة لأن فيها نفس و ربنا قادر على كل شيء، ادعولها......و ياريت تفكروا في موضوع المستشفى ده.



اعتلت الأريكة و هي تبكي في صمت، ليأتي باسل و يجلس بجانبها، ثم وضع يده على كتفها ليواسيها قائلًا: 



- هتبقى كويسة يا أروى متقلقيش.



ردت عليه في حزن هادئ: 
- بقالي تلات سنين بسمع الجملة دي من خالي، و مفيش نتيجة.



سألها باسل بفضول: 
- هو ايه سبب الغيبوبة؟ 



تعلقت حدقيتها بخاصته، قبل أن تشيح بنظرها بعيدًا و تقول: 
- والدتك، والدتك هي السبب، بعد ما سجنت بابا ظلم، بابا انتحر من كتر الانتقادات اللي اتعرض لها، و من ساعتها ماما دخلت في غيبوبة، الدكاترة قالوا إن عقلها رافض يتقبل الواقع، و من ساعتها و هي على الأجهزة.



صمتت لوهلة قبل أن تضيف: 
- عارف يا باسل، كنت حابة اوي فكرة السفر برا مصر و كنت بشجع بابا مع اني كنت صغيرة لسه، و بصراحة عشت هناك ست سنين كلهم خروجات و انبساط و سعادة مع عيلتي، لحد اليوم المشئوم اللي بابا اشتغل فيه في شركة والدتك.......من يومها و أنا بلعن اليوم اللي سافرنا فيه......كل يوم و كل لحظة ببقى عايزة اضرب نفسي بالشوز عشان أنا اللي أقنعت بابا نسافر.....خسرت كل حاجة، كل حاجة.




        
          
                
لم يكن لديه ما يقوله، فكيف يبرر تلك الفعلة لأمه! كيف يبرر لها و هو غير قادر على إيجاد تبريرًا لنفسه! بالنسبة إليه ما قاله ذلك الدجال المشعوذ كذبًا حتى سمع اعتراف والدته بمقدار بشاعتها و إلى أي حد قد تحولت إلى إمرأة ظالمة. 



حدثهم رمزي قائلًا بجدية: 
- الإسعاف وصلت.



أربعة أيام، لم تغفل عينيها فيهما كانت ترافق والدتها في المستشفى، و هو لم يتركها لحظة واحدة حتى أنه قد ألقى مهمة الشركة على عاتقي حسام و فارس، و هنا أظهر جميع أفراد عائلة المُعز إكتراثهم لأمر أروى و عائلتها، و ذلك بخلاف سميرة التي تبقى في القصر و لا يحدثها أحد و لا تعرف شيئًا عن أحد منهم حتى باسل، فهي غير قادرة على التواصل معه ف دائمًا ما تتصل به و تظهر إليها الرسالة الصوتية بأن الهاتف مغلق. 



خرج إليهم الطبيب قائلًا ب عملية: 
- الحالة فاقت. 



تبادلوا جميعًا الأنظار، لم يكن سمعهم على اعتقاد بسماع هذه الجملة، سألته أروى بترقب: 



- بجد ماما فاقت؟ 



حرك الطبيب رأسه مؤكدًا: 
- ايوه، و طالبة تشوفك. 



هرولت اليها و الشوق يسبقها، ها هي والدتها تعود إليها مجددًا، يمكنها الآن أن تسترجع بعض من اللحظات السعيدة برفقة والدتها. 



كانت تمنح جبهتها و وجنتيها قبلات متفرقة، و مازالت تسبقها دمعتها، ابتعدت عنها لتسألها ب لهفة وشوق: 



- أنتي كويسة يا ماما! 



ابتسمت لها بخفة و قالت بوهن: 
- كويسة......قربي هقولك حاجة.



كان رمزي و زوجته في الخارج في تنازعٍ طفولي، فكل منهما يرغب في رؤيتها أولًا قبل  الآخر، كانت سعادتهم في تلك الأثناء كافية لتغمر العالم بأكمله و لكن تلك السعادة لم تدم كثيرًا حيث تحولت إلى حزنٍ كافٍ لتحويل الألوان جميعها إلى الأسود.....حيث تناهى إلى سمعهم صرخات أروى المستغيثة. 



دلفوا جميعًا و سبقهم الطبيب الذي لم يكن قد غادر بعد، ليطلب من طاقم التمريض إمدادها بالانعاش الرئوي، و طلب منهم جميعًا الخروج، فانسحبوا بهدوء إلا أروى التي سحبها باسل رغمًا عنها و هي كالطفلة تقنعه بأنها ستقف بجانب والدتها و لن تعيق عمل الطبيب، لكنه لم يسمح لها، حاول جاهدًا إقناعها بالانتظار و لكنها كانت لا تفعل شيء سوى البكاء و تفرط في حركتها لتتخلص من قبضتيه....و استمر ذلك الوضع إلى أن خرج إليهم الطبيب الذي قد تهامس مع رمزي و هو يخبره بأن ينهي أوراق الخروج فورًا قبل أن تعلم الجهات المختصة بوفاة شقيقته. 



سمح الطبيب لأروى برؤية والدتها بعدما أقنعها بأنها تعاني من الغيبوبة مرة أخرى، دلفت إليها و من خلفها باسل، و بمجرد أن وقعت عينيها على شاشة الجهاز الطبي حتى نظرت إلي باسل و سألته فى صدمة من أمرها: 




        
          
                
- مفيش علامات النبض ليه؟ هي ماتت! 



اتسعت حدقتيها و كأنها تسمح لذلك النهر في عينيها إن يتخلص من مكنونه، ثم اقتربت من والدتها و هي تهزها بعنف و تطلب منها الاستيقاظ، تطلب منها النهوض ليعودوا سويًا. 



حاول باسل أن يبعدها لكنها دفعته بشدة وقالت: 
- سيبني أصحيها.



لم يهتم لطلبها و إنما تقدم و رفعها عن الأرض ليخرجها، و بينما هي تصرخ تحرك إليها رمزي الذي يجاهد لكبح دموعه قائلًا: 



- اهدي يا أروى، لو بتحبي أمك فعلاً متعمليش شوشرة.



صرخت في وجهه ب حزن حاد: 
- انا عايزة ماما، هاتوا لي ماما و أنا مش هعمل حاجة، بس هاتوا ماما.. 



قال رمزي بجدية: 
- خدها يا باسل و اسبقنا.



جلست أرضًا و هي تقول: 
- لاء مش همشي، أنا عايزة أمي.



بدأت تضرب على صدرها و توقفت تلك الدموع،و كأنها في حالة من الصدمة و بدأت تردد: 



- مش همشي من غيرها، مش هعيط، انا مش بعيط أهو، بس عايزة ماما، أنا عايزة ماما تروح معايا، هاتوا ماما تروح معايا. 



كان قلبه يتقطع حزنًا عليها، لم يتخيل يومًا أن يراها في هذه الحالة، إنها تلك المشاغبة التي فرضت نفسها و سيطرتها عليهم جميعًا، ليصبح حبها فرضًا عليهم جميعًا و لكن لكل منهم طريقته الخاصة في حبها، ها هو الجبل الراسخ يتساقط أرضًا كالفتات.
جثا أمامها على ركبتيه و هو يقول مواسيًا: 



- اهدي يا أروى، اهدي يا حبيبتي. 



هذه المرة جعلت تضرب على وجهها بتتابع شديد، هادرة في تيه: 



- أنا هادية اهو، أنا هادية خالص اهو، قولتوا متعيطيش و أنا مش بعيط اهو، أنا ساكته اهو، هكتم نفسي خالص اهو و مش هنطق، بس أنا عايزة ماما، أنا عايزة ماما، هاتوا لي ماما، أنا عايزة ماما يا باسل، عايزة ماما يا خالي، عايزة ماما يا عمتي.....عايزة ماما يا ناس!!!! 



انهمرت الدموع مرة أخرى، ل يرافقها باسل الذي عانقها بين ذراعيه و كأنه يرغب في إخفاءها عن الحزن، لكن لا مفر، لا شيء سيعوضها خسارة والدتها، لا شيء يلاشي الانكسار، و لا شيء يخفف اعتصار قلبها ألمًا. 



انفردت بنفسها في تلك الغرفة الخاصة بوالدتها، و قد امتنعت مؤخرًا عن الالتقاء بأي أحد كان، حتى باسل كان يذهب يوميًا لرؤيتها لكنها كانت ترفض مقابلته، فكان يجلس خلف الباب و يوافيها بأخبار القصر و الشركة، حتى أنه من أحضر لها نتيجتها في الامتحان النهائي و بالرغم من حصادها لعلامات مرتفعة، و قد حققت هدفها الدراسي إلا أنها لم تشعر بذرة واحدة من السعادة. 



و كان باسل قد تجنب الحديث مع والدته إلا للضرورة القصوى، ف هو الآن يعتبر نفسه الحارس الخاص بأفراد عائلته، تحسنت العلاقة بينهم جميعًا في الفترة الأخيرة، و قد جاءت إليهم داليا والدة حسام حيث كانت أروى قد اقنعتها بالعودة قبل حادث وفاة والدته.




        
          
                
كانت تلك العلاقة التي تتوطد يومًا بعد يوم بين الأحفاد، بمثابة الخطر الذي يهدد سميرة و سلطتها على باسل الذي بات يشعرها و كأنه يعاقبها على ما فعلت. 



بمرور أسبوعين كانت دينا تصغي جيدًا لإرشادات فارس، حتى أنها قد حصّلت كم كبيرة من أمور الدين، و باتت تتقرب إلي شقيقتها، كما أنها قد وضعت خطة لتجعل أميرة ترتد إلى صوابها، حيث أقنعتها بأن تذهب معها لحضور بعض الدروس الدينية في المسجد كل جمعة من الأسبوع. 



و كان حقًا أنها وافقت على طلبها حيث أنبأتها دينا أن ذلك قد يؤثر على علاقتها ب فارس الذي يهتم كثيرًا بأمور الدين، و لذلك لم تمانع أميرة في إظهار اهتمامها بالدين من أجل المُصاهرة مع عائلة المُعز. 



خرجن لتوهن من المسجد، لتنظر دينا إلى والدتها شاردة الذهن، و كأن ما قاله الشيخ يتردد في أذنها، فابتسمت دينا و هي تري هدفها يقترب إليها، و أضافت شقيقتها: 



- الشيخ دا كلامه حلو أوي يا دينا، أنا هاجي معاكم كل مرة، أنا كنت حاسة براحة نفسية كبيرة اوي و أنا بسمع كلامه عن الجنة و عن ربنا. 



ابتسمت لها دينا و قالت: 
- خلاص بعد كدا  إن شاء الله سوا مش هاجي من غيركم.



في هذه اللحظة مرت خلود من أمامهن و برفقتها ذلك الشاب الذي كان على علاقة ب دينا، كان قد تجاوزها و هو يتحدث مع تلك الخلود التى تتأبط ذراعه. 



تراجع في خطواته و هو يطالع دينا قائلًا بسخرية: 
- ايه ده! دينا قلبتي شيخة كدا امتى؟ 



هنا انتبهت إليه أميرة لتجيب بحدة: 
- و أنت مالك! تعرف دينا منين أصلا عشان تتكلم معاها كدا!؟؟ 



أجاب الشاب ساخرًا: 
- اعرفها منين! دي عشرة شهور كتير دي، دا احنا كنا متفقين على جواز، بس أنا شوفت شوفة تانية أحسن منها....... أصل مبحبش الحاجة الرخيصة. 



طأطأت دينا رأسها، فكانت تشعر بالحرج و النفور من نفسها و تصرفاتها السلبية التى تضعها الآن في هذا الموقف، و تجعل من شخص معتوه، أبله، نكرة لا يُعترف به بين الرجال، يقف الآن و يسخر منها. 



لم تكن إحداهن في حاجة للرد عليه، حيث تناهى إلى سمعهم جميعًا، ذلك الصوت الجهوري الصارم: 



- ارفعي راسك يا دينا. 



كان ذلك الصوت الذي يملكه فارس، فقد طل من خلفهن ب هيبته و شموخه و عنجهته التى لا يظهرها إلا في وقت الحاجة إليها، أكمل حديثه آمرا الشاب ب لهجة حادة: 



- اعتذر منها.



سأله الشاب مستغربًا: 
- أنت مين؟ 



رد عليه فارس بجدية: 
- اه نسيت أعرفك بنفسي، أنا فارس المُعز، تسمع عن عيلة المُعز؟؟ 



أومأ الشاب بخفة، ليمد فارس يده إليه، ف أوشك الشاب على مصافحته، و لكن باغته فارس و هو يسحب يده قائلًا بسخرية: 



- معلش مش بسلم على بنات. 



الشاب بغيظ: 
- احترم نفسك، مش معنى إنك من عيلة غنية و معروفة يبقى تتصرف كدا! 



فارس بهدوء: 
- و لا معنى إنك مراهق طايش و فاشل، إنك تمشي تتفاخر بارتكاب الأخطاء و إنك تعرف بنات، يعني مش محترم و كمان بجح!!! 



كاد أن ينفعل عليه الشاب و لكن منعه فارس قائلًا: 
- من غير كلام كتير، إعتذر و امشي.



الشاب بعناد: 
- و لو معتذرتش؟؟ 



اصطنع فارس نبرة شيطانية ليقول بتوعد: 
- و الله يبقى أنت الجاني على نفسك، و زي ما أنت عارفة أنا غنى و عندي معارف كتير يعني مش هاخد فيك ثانية سجن لو مسكتك دلوقت و عدمتك العافية. 



بدا عليه التوتر، ف بالرغم من كونه طائش لا يأبه لأحد، إلا أنه يبقى جبانًا و يخشى آلام الضرب كثيرًا، ف قال بتلعثم: 



- أنا آسف يا دينا، مش هعمل حاجة تضايقك تاني. 



استدار كي يغادر و لكن أوقفه فارس قائلًا: 
- على فكرة دينا مش رخيصة، أنت اللي عشان من غيرها رخيص، ف شوفتها زيك، لكن في الحقيقة هي أغلى و أنضف منك و من اللي شبهك، هي من انقي البنات و الطفهم و بسبب كدا هي ممكن تكون حاولت تعلي من شأن واحد زيك، لكن الرخيص هيفضل طول عمره رخيص بدليل اللي أنت بتعمله دلوقت بترتبط بأي بنت و خلاص......المفروض تحمد ربنا إنك في يوم من الأيام عرفت دينا....و هي تحمد ربنا عشان نجدها منك. 



على صعيدٍ آخر، قد ذهب باسل لرؤية أروى التى و أخيرًا قد ثارت على حزنها و انعازلها و قررت العودة لساحة القتال من أجل الانتقام، و هذه المرة كانت تنوى إنهاء الأمر في أسرع ما يمكن. 



خرجت من غرفتها تزامنًا مع قول باسل: 
- عايز أشوف أروى و اتكلم معاها.



كادت عمتها أن تجيبه و لكن سبقتها أروى التي قالت ب نُبُوّ و قساوة: 



- و أروى و لا عايزة تتكلم معاك و لا عايزة تشوفك. 



التفتوا إليها، لتسألها عمتها: 
- أنتي خارجة؟؟ 



تغاضت عن إجابة عمتها، و حادثت باسل بوجهٍ متجهم: 
- أنت لسه هنا ليه؟ مسمعتش كلامي؟!!! 



كان يعلم أنها لا تبرّأه من ذنوب أمه، و لكنه لم يعتقد أن تكون بتلك القسوة معه بعد وفاة أمها و تحديدًا أنه قد أخبرها بمشاعره و لم يتخلى عنها في وفاة أمها و حاول جاهدًا أن يبقى بجوارها.



تشدق مردفًا ب رجاء: 
- خلينا نتكلم شوية! 



صاحت في وجهه بصرامة: 
- بقولك امشي من هنا، دمرت حياتي أنت و أمك و ليك عين تيجي هنا! ليك عين تتكلم معايا لسه! امشي من هنا و متجيش تاني، مبقتش عايزة اشوفك. 



أُقحمت عمتها في الحوار و زجرتها قائلة: 
- احترمي نفسك يا أروى، باسل ملهوش علاقة باللي عملته والدته، كتر خيره واقف معاكي و مش عايز يسيبك لحزنك؟ متخليش الانتقام يعني عيونك عن حقيقة إن باسل مظلوم زيه زيك بل يمكن أكتر كمان. 



أجفلت أروى بعينيها و قالت بترقب: 
- هصدق معاكي إن باسل مظلوم، هل عندك استعداد تساعدني انتقم من أمك؟؟ بما إنك مظلوم مش عايز تاخد حقك من اللي ظلمك؟؟؟ 



يتبع.................


 
        

تعليقات