رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الحادي عشر 11 - بقلم صفاء حسني

 رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الحادي عشر 11 - بقلم صفاء حسني 

الكاتبة صفاء حسنى 
الفصل ١١
في نفس الوقت، جِيه اتصال لزينب من رقم غريب، وكان التليفون في الشنطة بتاعتها.
طلبت من الممرضة:
– ممكن الشنطة بتاعتي لو سمحتي؟

الممرضة هزت راسها وراحت تجيب الشنطة.

كان صوت التليفون مسموع لحد برّه. زياد سمعه وهو واقف، فقفل مع مومن بسرعة وقال:
– طيب، أسيبك دلوقتي.

رد مومن:
– شوف شغلك واهدَى، وكل حاجة هتكون تمام.

في نفس الوقت، جِيه اتصال لزينب من رقم غريب، وكان التليفون في الشنطة بتاعتها.
طلبت من الممرضة:
– ممكن الشنطة بتاعتي لو سمحتي؟

الممرضة هزت راسها وراحت تجيب الشنطة.

كان صوت التليفون مسموع لحد برّه. زياد سمعه وهو واقف، فقفل مع مومن بسرعة وقال:
– طيب، أسيبك دلوقتي.

رد مومن:
– شوف شغلك واهدَى، وكل حاجة هتكون تمام.

سمع زياد صوت التليفون بيرن، فاتجه بسرعة إلى الغرفة، وكانت الممرضة بتدي التليفون لزينب.

سألها زياد بحدة هادية:
– مين على التليفون؟

ردت زينب وهي بتتلقى السماعة:
– أمي… ممكن أرد؟ أكيد البنات وخوشوشها.

هز زياد راسه بالموافقة، وطلب منها:
– افتحي الاسبيكر.

هزت راسها بضيق، ونفخت، لكنها فتحت الاسبيكر.

ردت زينب على أمها:
– أووي يا ست الكل.

زعقت الأم بصوت مليان غضب وقلق:
– إلا ست الكل وإلا زفت! إنتي فين؟ وإيه موضوع الخطف اللي بيقولوا عليه البنات؟

حاولت زينب تهديها وقالت:
– البنات فاهمين غلط يا أمي. ده ناس تبع الست ناريمان اللي كنت شغالة معاها في القاهرة، بعتوهم عشان ياخدوني… كانوا محتاجني في شغل.

اتنهدت الأم بارتياح:
– يعني إنتي بخير يا نور قلبي؟

زينب بتحاول تطمّنها:
– والله كويسة يا أمي، أغيب أسبوعين كده عشان الشغل… ومتلقلقيش، أبعتلك الفلوس أول بأول.

سألتها الأم بلهجة قلقة:
– شغلك حلال يا نور وإلا لأ؟ طمِّنيني.

ابتسمت زينب وقالت بهدوء:
– أنا أسمى زينب يا ماما… مش نور.

الأم استغربت وقالت:
– في حد يخبي اسمه الحلو ده؟!

ابتسمت زينب بوجع خفيف وقالت:
– اسمي زينب… على السيدة زينب يا أمي

الأم رفضت وقالت بإصرار:
– بس أنا كتبت اسمك في شهادة الميلاد "نور".

زينب بصوت مليان قهر:
– فين شهادة الميلاد؟ ضاعت يا أمي… مع كل أوراقنا. 

في اللحظة دي، كان زياد واقف مصدوم، عيونه مثبتة عليها، وقلبه بيتقلب جوه صدره… اكتشف إن اسمها الحقيقي مش زينب.

كان محمد ماشي جنب مومن وسمع الكلام، فسأله باستغراب:
– مين ده اللي مضايق كده؟

ابتسم مومن وقال:
– مش هتصدق… زياد.

انصدم محمد وهو يفتح عينيه:
– إنت بتهزر صح! زياد؟! ده من أكفأ شباب الشرطة، ومفيش قضية إلا بيقدر عليها. وعشان كده، رغم صغر سنه، اتاخد في أمن الوطن… فاستحالة يكون ده السبب.

استغرب مومن ورد:
– طيب، إنت في رأيك إيه السبب؟

ابتسم محمد وهو يهز راسه بثقة:
– الود ده وقع في الحب… من  فتاة المصنع. هى إسمها ايه 

اتسعت عيون مومن من الصدمة، وهو يتمتم بذهول:
– وقع في حب زينب؟!

قفلت زينب التليفون مع أمها، ولما رفعت عينيها لقت زياد بيبصلها بغضب، وقال لها وهو مكتم:
– مش بقولك وراك لُغز كبير ومحدش فاهمه؟! يا والله ما أعرف أقولك إيه… أسميك "فتاة المصنع" أحسن عشان أريح دماغي.

ضحكت زينب بسخرية:
– ليه بقى إن شاء الله؟ فين الغريب؟ بتحصل في أحسن العائلات. وكمان عندكم في الشرطة سمعت إن أساميكم مش بتكون حقيقية… عشان "دواعي أمنية"!

ضحك زياد بخفة وهو يهز راسه:
– وانتي بقى غيرتي اسمك عشان دواعي أمنية؟

ضحكت زينب وقالت بنبرة متحدية:
وقبل ما يكملوا كلامهم… رن التليفون تاني. المرة دي كان الرقم غريب.

بصت له زينب وقالت:
– رقم غريب… أرد؟

هز راسه زياد بحذر وقال:
– افتحي الاسبيكر.

فتحت زينب الاسبيكر وحطت السماعة قريبة منها وقالت:
– ألو… مين معايا؟

جالها صوت راجل من السماعة، واثق وهادي:
– عصام… معاكي يا "نور"، ولا أقولك يا "طماطم"؟

ضحكت زينب بسخرية:
– أولًا… كانوا بيقولوا عليّا "طمطم". إنما "طماطم" كانت  اختنا زينب… الله يرحمها.

سكت عصام لحظة، وتنهد وقال بنبرة حزينة:
– الله يرحمها… متصورتيش انك تاخد اسمها من  وقتها وانا بدور عليك 
اتنهدت زينب : 
اخدت اسمها عشان ورقها كان معايا وانت عارف لما ماتت 
ادفنت من غير ما يطلع ليها تصريح دفن وكل ورقي ضاع 
تنهد عصام وسألها 

إنتي فين دلوقتي؟ طمّنيني عليكي… أنا نزلت وراكي بعد الوغد ده واللي عمله.

اتنهدت زينب وهي محتارة، عينيها تلمع بارتباك ما بين خوف وثقة، وزياد واقف بيراقبها بنظرة كلها شك.وقبضت أيده بتزيد 

نظرت زينب إلى زياد، وكان واقفًا متضايق، وهي مش فاهمة هو مضايق ليه.
وجالها خاطر عشان ما يتشكش فيها، فقالت:

"أنا رايحة المول القريب من الفندق، بعد ما ابن الحرام قطعلي هدومي ارتحت، اقفل بقى يا عصام وانسى إنك تعرفني."

ترجاها عصام:

"نور بالله عليك، لازم تسمعيني… أنا عندي ليك سر خطير عرفته ولازم تعرفيه."

أشار الضابط زياد لها إنها تكمل، فاستغربت ونفخت وقالت:

"سر إيه إن شاء الله؟ أنت عايز نتقابل عشان تشغلوني معاكم، صح؟ ما أنا عرفت إنك معاهم وكمان صاحب المصنع… يعني طابخ كل حاجة معاهم."

تنهد عصام وقال:

"أقسم بالله العظيم أنا ماليش شغل معاهم، ولسه مشتري المصنع من شهر بس… والأصح إن أبوي هو اللي اشتراه."

انصدمت زينب وسألت:

"ولدك؟! إنت يا ابني مش كنت يتيم؟"

تنهد عصام وقال:

"ما هو ده اللي اكتشفته…"وكمان اكتشفت مين السبب في ضياع ورقك 

وكمان اكتشفت مين السبب في ضياع ورقك المهم… أنا قابلك هناك. أوعى تمشي، مسافة السكة، وقفل."

ارتفعت نبرة زياد فجأة وهو يصرخ بغضب، وعروقه بارزة من شدة التوتر:

"إنتِ إيه اللي عملتيه ده؟! حد قالك تحددي المكان؟"

اتسعت عينا زينب بصدمة، وارتبكت وهي تقول بصوت خافت:

"هو إحنا بعيد قوي عن المول؟"

هز زياد رأسه بعصبية، وأسند يده على خاصرته:

"قومي يا بت … يلا معرفش اسمك! أقولك يا بت يا بتاعة المصنع! يلا عشان تلحقي توصلي… وإوعي تلعب بذيلك… مفهوم؟"

احمرّ وش زينب من الغضب، وعينيها لمعت بحدة وهي تضغط على أسنانها وقالت بصوت متقطع من العصبية:
ـ "بت بتاعت المصنع! وأنا أقولك يا جريتي."

اتجمد زياد من وقع الكلمة، انصدم وبصاله بحدة:
ـ "إيه جريتي ده يا بت إنتي؟!"

زادت عصبية زينب، رفعت حواجبها باستفزاز وردت بسرعة:
ـ ! أنا كمان معرفش اسمك... هتقوللي بت؟ أقولك جريتي! ممكن تفهم؟"
أخرج من هنا إزاي؟! أنتم خلعتم قميصي وكمان البادي متقطع!"
لحظة صمت اتعلقت بينهم، زياد حس بالدم بيغلي في عروقه من طريقة كلامها، وزينب في نفس الوقت قلبها بيدق بسرعة، مش عارفة ليه كلماته بتوجعها أكتر من أي حد تاني.

أطلق زياد زفرة طويلة وهو يشيح بوجهه بعيدًا:

"خدي الجاكيت بتاعي وخلصيني يلا."

مدّت يدها بتردد وأخذت الجاكيت، فشعرت أنه واسع عليها بشكل مبالغ فيه، كأنه يغطيها مثل البحر.
رفعت نظرها إليه وقالت بهدوء ممزوج بالحرج:

"طيب… ممكن أدخل الحمام ولا ممنوع؟"

لوّح بيده بعصبية وهو ينفخ بضيق:

"اتفضلي بسرعة."

انحنت زينب تحمل الجاكيت والشنطة ودخلت الحمام. جلست على القاعدة، أخرجت دبابيس صغيرة وخيوط وإبرة ومتر دقيق، وبدأت بحركة ماهرة تخيط وتضبط أطراف الجاكيت. كانت أصابعها ترتجف قليلًا من التوتر، لكنها تماسكت، وفي النهاية أعادت للقطعة شكلًا أنيقًا.
وقفت أمام المرآة، غسلت وجهها بالماء البارد، وحاولت أن تخفي آثار التعب من ملامحها، ثم تنفست بعمق وخرجت.

وما إن فتحت الباب، حتى تجمّد زياد في مكانه، حدّق فيها مذهولًا، وارتفع حاجباه بدهشة حقيقية.
حتى الممرضة التي كانت تراقب بصمت شهقت بخفة، واضعة يدها على فمها غير مصدّقة أن هذه الفتاة هي نفسها التي دخلت منذ دقائق مهلهلة.

كانت زينب واقفة أمامهم بثبات، والجاكيت على جسدها مرتب بشكل غير متوقع، ووجهها يلمع بندى الماء، كأنها شخص آخر تمامًا.
زياد وقف متسمّر في مكانه، عينه بتلمع بدهشة مش قادر يخفيها.
كان متعود يشوف زينب في صورة بنت عادية، متوترة ومندفعة، لكن دلوقتي المشهد قدامه مختلف تمامًا:
جاكيت واسع اتخيط بمهارة، ملامح هادية ووش مغسول، ونظرة فيها ثقة غريبة.

شدّ نفسه بسرعة كأنه خايف يبان ضعفه قدامها، وقطّب حواجبه يحاول يخفي ارتباكه:

"إيه ده؟!… إنتِ عملتِ كل ده في وقت قصير كده؟"

حاول يحافظ على نبرته القاسية، لكن صوته اتغيّر من غير ما يقصد، وبقى فيه لمسة اندهاش.
الممرضة بصّت له بخبث، كأنها شايفة إنه اتأثر، وده زوّد غضبه الداخلي.

اقترب منها خطوة، وقال بصرامة متعمدة:

"ما تفتكريش إن شطارتك دي هتنفعك… إنتِ لسه تحت المراقبة. فاهمة؟"

لكن وهو بيقول كده، كان قلبه بيدق بسرعة، مش فاهم إزاي شخصية زيها قدرت في لحظة تغيّر صورته عنها.

---

دخلت الممرضة بخطوات مترددة، لكن عينيها كانت مليانة إعجاب، وقالت وهي تبتسم بصدق:

"فعلاً… والله مبدعة بجد!"

ارتبكت زينب من كلماتها، واحمرّ وجهها، وابتسمت بخجل وهي تخفض نظرها قليلًا.
ثم رفعت عينيها بثبات وقالت بصوت دافئ:

"حضرتك… أنا بشتغل في المصانع من وأنا عمري ١٢ سنة. كنت أنتقل من مصنع لمصنع… وكل مرة أتعلم حاجة جديدة.
وكمان كنت أشتري كتب عن الخياطة والتطريز وأقعد أتعلم منها. عندي ماكينة خياطة صغيرة في البيت… وكل هدوم الحارة بخيطها أنا والبنات."

توقفت لحظة، كأنها تستجمع شجاعتها، ثم أضافت بنبرة فيها فخر ممزوج بالشجن:

"وحتى سبب مجيي للقاهرة… إني كنت عايزة أشوف ناريمان، وهي بتصمّم."

سادت لحظة صمت في الغرفة.
الممرضة ظلت واقفة مبتسمة بإعجاب، بينما زياد وقف متجمد، عينيه بتتحرك ببطء ما بين ملامحها وكلامها.
كان واضح عليه الصراع… بين قسوته المعتادة كضابط، وإعجابه اللي حاول يخفيه ويفشله.

زفر أنفاسه بقوة، ثم قال بنبرة متقطعة فيها غلظة مصطنعة:

"يعني… كل ده من تعبك ومجهودك؟"

لكن نظراته خانته، وفضحت إنبهاره بيها.

---

قطع اللحظة زعيق زياد وهو بيفوق من انبهاره، صرخ بصوت حاد:

"يلا… عشان نلحق قبل ما يروح قابلك!"

هزّت زينب رأسها بتفهم، وما قالتش ولا كلمة. خرجت معاه بخطوات سريعة، وركبت عربية المراقبة.
ما إن جلست في المقعد الخلفي حتى رفعت نظرها للشاشة المثبتة قدامها.
اتسعت عيناها بدهشة، شاشة فيها مشهد دخولها للعربية من كاميرا مخفية، والشاشة التانية بتعرض غرفة الفندق بالتفاصيل.

شهقت زينب ووضعت يدها على فمها:

"هو… هو أنتم حطيتوا في إيده هو كمان جهاز؟!"

ضحك واحد من الضباط اللي قاعدين، ضحكة خفيفة كلها سخرية.
فتدخل زياد بصرامة وهو ينظر لها:

"لأ يا أذكى… إخواتك حاطين كاميرا عادي في قلب الترابيزة، وشغلوا كل المتابعة القديمة. شايفة؟… إنتِ في أمان، ومحدش سابك لحظة."

ارتجف قلبها وهي تتابع الصور على الشاشات، انبهرت من كم المراقبة، لكنها لسبب غريب شعرت بثقة فيهم، كأنها لأول مرة تحس إنها مش لوحدها.

العربية وقفت قدام المول.
نزلت زينب مسرعة، قلبها بيدق من التوتر. دخلت من البوابة الكبيرة، والجري شدها للسلالم.
من شدة ارتباكها ما أخدتش بالها إن السلم متحرك للأسفل.
فجأة، رجعت رجليها لورا وكادت تفقد توازنها وتطيح أرضًا.

لكن قبل ما تقع، امتدت يد قوية وثابتة أمسكت بذراعها في اللحظة الأخيرة.
رفعت رأسها بسرعة… لتلاقي شخص واقف قدامها، ملامحه غامضة، لكن عينه بتلمع بنظرة مش سهلة.
بدأت تنتبه زينب وهي تركز في ملامح الشخص اللي مسكها، وفجأة اتسعت عينيها بدهشة:

"… عصام!"

ابتسم عصام ابتسامة واثقة، وفيها لمسة مكر، وقال بهدوء:

"واضح إنك كنتِ عاوزة تهربي مني قبل ما أوصلك."

بلعت زينب ريقها بخوف، قلبها بيدق بسرعة، وحاولت تخفي ارتباكها وهي ترد:

"يعني… حاجة زي دي؟! المهم، سبني أجيب هدومي عشان أروح."

لكن نظراته انتقلت للجاكيت الرجالي اللي لابساه، فرفع حاجبه باستغراب وسألها:

"إيه ده يا نور؟! جايباه منين؟"

تنهدت زينب، وهي تحس القلق بيخنقها:

"من… من فين؟ هو فين؟"

قهقه عصام وهو يهز رأسه:

"إنتِ لسه بتهيسي… كل ما بتتلخبطي بتغلطِ."

هزّت زينب راسها بتوهان، عقلها بيدور بسرعة عشان تلاقي كذبة مقنعة تنقذها، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:

"أقولك… بس سر في بير."

ضحك عصام بخفة واقترب منها خطوة:

"قولي…"

وفي نفس اللحظة، داخل عربية المتابعة، كان زياد قاعد قدام الشاشات، عينيه مثبتة على تفاصيل المشهد.
إيده اتشدت على طرف الكرسي بعصبية، قلبه مش مرتاح. كان متوتر جدًا، خايف زينب تغلط في أي كلمة وتكشف نفسها.
لكن اللي كان محيره أكتر… الإحساس اللي مولّع جوه صدره، نار حارقة كل ما يسمع ضحكة عصام معاها.
ضغط على أسنانه بعنف وهو مش فاهم… هل ده غيرة؟ ولا بس خوف مهني إنه يفقد الخطة؟
تتتبع

•تابع الفصل التالي "رواية عشقت فتاة المصنع" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات