رواية لم يبقى لنا الا الوداع الفصل الثامن 8 - بقلم منى احمد

 رواية لم يبقى لنا الا الوداع الفصل الثامن 8 - بقلم منى احمد

(😎 انكسار.

عزمت على تنفيذ قرارها لابد أن ستصل لإجابة سؤالها رُغم أنف الجميع، واتجهت صوب مكتب أيمن وولجته دون إذن وجلست أمامه فنظر إليها بضيق وأشاح ببصره عنها قائلًا:
- هو مش في باب يا آنسة تخبطي عليه الأول قبل ما تدخلي ولا البشمهندسة متعرفش حاجة عن الذوق؟

ابتسمت ببرود ووضعت ساقًا فوق الأخرى وأجابته باستفزاز:
- عادي يا بشمهندس ما أنا وأنت تقريبًا فحكم زمايل العمل وما أظنش أْن زميلك كل ما يدخلوا المكتب يخبطوا، عمومًا ليك عليا المرة الجاية أخبط، المهم قولي القهوة اللي وقعت على التصميم كانت بوش ولا من غير وش.

اعتدل أيمن بمقعده ورمقها بضيق وزفر بقوة لمحاولتها استفزازه الواضحة وأردف:
- كانت بوش وسادة يا بشمهندسة.

ضحكت منار هازئة وصفعته بقولها:
- ليها حق تقع أصل مينفعش تبقى بِوش وأنت موجود؟

هب أيمن عن مكانه وصاح بغضب:
- جرى إيه يا بشمهندسة أنتِ جاية مكتبي تشتميني ولا إيه؟

وقفت منار أمامه ووضعت كفيها فوق سطح مكتبه وأردفت بجدية:
- لا أنا جاية أعرف منك اسم اللي زقك عليا علشان ترفض التصميم؟ ولعلمك أنا مش همشي من هنا إلا لما تقولي وصدقني أنت لو متكلمتش أنا هطلع على مكتب البشمهندس سامر وساعتها هتلاقيه بيطلبك وهيعرف منك بطريقته.

ازداد تجهم وجهه إزاء إصرارها الغريب لِمعرفة اسمه وتهديدها له، وبادلها النظرات لِبضع ثوان تأكد خلالها إنها لن تتراجع عن معرفة إجابة سؤالها مهما أراد فزفر بحنق وأردف:
- لو مصممة تعرفي يبقى توعديني إن الكلام اللي هَقوله هَيفضل سر بينا وأنك مهما حصل مش هتجيبي سيرة للمهندس سامر ولا هتدخليه ما بينا.

أومأت منار ووعدته ولاحقت وجهه بعيون وجلة وأحست بقلبها يرجف خوفًا، وَحين اخبرها هويته تراخت ساقاها فدعمت جسدها بتمسكها بحافتي مكتبه وتمالكت نفسها فلا مجال لها لِتنهار أمامه أو تتخاذل فامعنت نظرت إليه واقرت بألم:
- وأنا عندي وعدني ليك إن محدش هيعرف منى أي حاجة، بس وأرجوك بلاش تحاول تبلغه وتقوله أني عرفت علشان ساعتها أنا مش هسكت إلا لما تترفد من هنا اتفقنا.

غادرت منار مكتبه بقلب منفطر وعادت إلى مكتبها المؤقت الذي فاجئها سامر به وجلست بتيه تشعر بتوقف عقلها، حاولت منار عدم التفكير في الأمر ولكنها لم تفلح فقررت المغادرة وأثناء سيرها لمحها سامر فترك ما بيده ونادها ولكنها لم تنتبه لصوته إلا حين اعترض طريقها وحين تقابلت أعينهم أجفل من نظرات الحزن الواضحة بعينيها وأردف:
- مالك يا منار هو في حد هنا ضايقك ولا حاجة؟

هزت منار رأسها بالنفي وهتفت بصوت محشرج:
- ما فيش أنا بس مصدعة شوية فقلت أمشي.

أشار إليها سامر بمرافقته ولم تدر منار لِما استجابت لِدعوته وتبعت خطواته؟ وجلست بجواره بسيارته واسندت رأسها إلى النافذة بجوارها وتاهت مرة أخرى بدائرة أفطارها، بعد قليل صف سامر سيارته أمام أحد المقاهي فانتبهت وتطلعت حولها بحيرة وعادت بعينها إليه وسألته:
- أنا إيه اللي جابني هنا؟

منعها سامر من المغادرة وأصر على دعوتها لِتحتسي برفقته القهوة فَأطاعته بضيق وجلست أمامه بوجه متجهم فأشار إلى عبوسها وأردف:
- على فكرة أنتِ لو فضلتِ مكشرة كتير هَتعجزي بدري، دا غير إن الناس اللي قاعدين حوالينا ممكن يطلبوا لي الشرطة ويقولوا أني خطفك.

رسمت منار ابتسامة واهية فوق شفتيها فسارع سامر قائلًا:
- بصي هو أنا آسف بس بلاش تبتسمي وخليكِ مكشرة أحسن علشان التكشيرة طلعت أرحم.

حينها ابتسمت منار بحرج وأردفت:
- مش أوي كده يا بشمهندس عمومًا أنا بشكرك على الدعوة وبعتذر علشان فمود مش متظبط، وأرجو إن حضرتك متخدش عني فكرة غلط يعني أكمني وافقت أجي معاك أصل أنا أول مرة أخرج مع حد غريب، وبصراحة بابا لو شافني ولا أمجد مش هيعدوا الموقف على خير أبدًا.

بهتت ملامحه لكلماتها الصادمة فهو لم يأت إلى عقله أبدًا أن يفكر بها بتلك الصورة، فهو منذ رآها تجلس أمامه بمكتبه وأحس أنها سلبته جزء من عقله وقلبه لصالحها، ولم يأت على خاطره قط أن يفكر بها بتلك الطريقة أبدًا، ليس لإعجابه بها ولكن لأنه شخص تعود طوال حياته ألا يرمي أحدًا بظنون باطلة، وزاده سوءًا ذكرها اسم أمجد بحديثها فأردف بغيرة طفيفة:
- على فكرة أنا عمري فحياتي ما حكمت على أي شخص من مقابلة ولا تصرف عمومًا لما تتعاملي معايا هتعرفيني بشكل أوضح، أما بالنسبة لوالدك فأنا مستعد أكلمه وأوضح له سبب مقابلتنا علشان أرفع عنك الحرج.

حمحمت منار بحرج فهي للحظة لا تعلم كيف تفوهت بتلك الكلمات فاعتذرت قائلة:
- أنا بعتذر لحضرتك واضح إن حالتي المزاجية مأثرة عليا ومخلياني أقول كلام بايخ ياريت حضرتك متزعلش مني.

لم يشأ سامر أن يضيف عبأ أخر عليها فملامحها تخبره بأنها تمر بظروف سيئة فابتسم لها محاولًا التغاضي لتهون الأمر على نفسها وأردف:
- ولا يهمك المهم إني كنت حابب تصميمي لنا نموذج جديد لملامحق سكنية تكون بسيطة وتكلفة الإنشاء فالمعقول.

أومأت وعلى ثغرها ابتسامة وأردفت:
- إن شاء الله بس حضرتك هتحتاجه على أمته علشان أشوف وقتي والدراسة وكده.

أخبرها سامر بالتأني وترك لها مهلة مفتوحة دون قيود وأردف:
- أنا أسف لسؤالي بس واضح إنك مرتبطة بوالدك بدرجة كبيرة على كده عندك أخوات غير أمجد.

احمر وجهها وأجابته بارتباك:
- لا أمجد مش أخويا دي خطيبي ومكتوب كتابنا وهنتجوز بعد ما أخلص الكلية، إنما أخويا فاسمه أحمد وعندي أربع أخوات بنات.

تلاشت ابتسامته وحاول أن يخفي خيبة أمله فهو لم يتوقع أن تكون مرتبطة فعقب بقوله:
- آه أنا بعتذر أصلي افتكرتك مش مرتبطة علشان مشفتش الدبلة فأيدك فقلت إن أمجد يبقى أخوكِ، عمومًا مبروك يا بشمهندسة.

رفعت منار يدها أمام وجهها وحدقت بإصبعها المُلتهب وأردفت:
- الله يبارك فحضرتك ولو على الدبلة فهي للأسف عملت لي حساسية واضطريت أقلعها علشان العلاج.

أومأ سامر وأشاح بوجهه عنها لِيخفي حزنه فهو سمح لنفسه أن يحلم بها والآن بات حُلمه محرمًا فهي لآخر وعليه احترامه، زفر ليتمالك أمره والتفت إليها وأردف:
- وأمجد على كده زميلك فِالكلية ولا فِكلية تانية؟

هزت منار رأسها بالنفي وأجابته بعبوس:
- لا أمجد متخرج من هندسة القاهرة من زمان وِبيشتغل في مؤسسة علم الدين.

عقد سامر حاجبيه وهو يفكر بصاحب الاسم وهز رأسه بالنفي، فَأمجد الذي يعرفه متزوج من ليان علام، ولا يمكن أن يكون هو الشخص نفسه الذي تتحدث عنه فكاد يسألها ولكنه تراجع كي لا يساء فهمه، اختلست منار النظر نحوه وأحست ردة فعله أنه يخفي أمرًا ما عنها، فجأة ارتجفت وأحست بنغزة باردة تصفع قلبها ولم تدر لِما أدارت وجهها وحدقت بعينه ورسمت على شفتيها ابتسامة بلهاء وهي تخبره:
- تعرف يا بشمهندس أنا كان ممكن من أول يوم ليا فالكلية أقول إني مرات أمجد المُشير علشان أسهل أموري زي باقي زمايلي ما عملوا لكن أنا محبتش أعمل كده وقلت إني لازم أثبت لنفسي وللكل أني مش محتاجة واسطة، بس الحاجة الغريبة إن من أول سنة وأنا بقابل اضطهاد غريب زي ما يكون كان في حد بيحاول أنه يوقف خطواتي ومش عايزني أثبت وجودي فالكلية وللأسف اتعرضت لظلم كتير وفكل مرة كنت بحبط فيها كنت بفكر استغل صلتي بأمجد لكن كنت برجع تاني وأقول أكيد ربنا مش هيضيع تعبي وفعلًا ربنا عوضني لما قلت أني مش هتكلم عن صلتي بأمجد لكن هدافع عن حقي فجيت وقابلت حضرتك والحمد لله ربنا كافئني والحقيقة ظهرت والتصميم اللي شاركت بيه فالمسابقة فاز.

لم ينتبه سامر لحديثها فقد تبلد عقله أمام ذكرها اسمه زوجها كاملًا وأخذ يحدق بملامحها لا يصدق أن تكون منار زوجة ثانية لأمجد، لاحظت منار صدمته وكادت تسأله ولكنها تراجعت وأحست أنها أكتفت من المفاجأت وقررت الانصراف ونظرت إلى ساعة يدها ووقفت بحرج وأردفت:
- أنا آسفة يا بشمهندس بس الوقت عدى وأنا مش حابة أتأخر فأسمح لي أمشي.

أومأ بتفهم وسار بجوارها بقلب منكسر إلى الخارج وأشار لسيارته لمرافقتها إلى منزلها ولكنها رفضت بإصرار وغادرته بوجوم وجلست داخل إحدى السيارات تفكر بأمر تعبيرات وجهه الغريبة وردة فعله حين أتت على ذكر أمجد، وازداد وجومها وزفرت قائلة:
- أنا لازم أفهم في إيه بالظبط بيدور من حواليا وِعرفاه؟

طلبت منار من السائق تغيير وجهته إلى أخرى بديلة، وبداخلها تعاظم توترها فَتلك زيارتها الأولى لمقر عمل أمجد الذي حذرها مرارًا من الاقتراب منه تحت أي ظرف، والآن هي لا تعلم كيف ستكون ردة فعله حين يراها أمامه ولكن مهما كانت استجابته عليها مواجهته ووضع حد لشكوكها؟ صف السائق سيارته أمام بوابة المؤسسة الخارجية فَغادرتها منار باضطراب ووقفت للحظات يحثها عقلها على التراجع ولكنها التقطت أنفاسها بقوة وخطت إلى الداخل فَأوقفها أحد رجال الأمن فابتسمت بحرج وأردفت:
- بعد أذنك كنت عايزة أقابل البشمهندس أمجد المُشير.

تفرس بها الحارس بجدية وسألها باحترام وعلى شفتيه ابتسامة ترحيب:
- لو مافيش أي مواعيد سابقة يبقى حضرتك ممكن تدخلي للسكرتيرة بأول دور وهي هتقولك على التفاصيل.

أومأت منار بابتسامة مماثلة لخاصته وتبعت ارشاداته حتى توقفت أمام مكتب السكرتيرة وقرأت اسمها المدون باللوحة فوق سطح مكتبها وطلبت منها رؤيته فَبادلتها سميرة الابتسامة باحترام وأردفت:
- البشمهندس النهاردة عنده اجتماع وللأسف الجدول مزحوم جدًا ومش هيقدر يقابل أي حد بدون ميعاد سابق، فلو ممكن تسيبي بياناتك وأول ما المهندس جدوله يسمح بالمقابلة هنتصل ونبلغك بالميعاد.

بهتت ملامح منار وتساءلت عن أي اجتماع وجدول تتحدث وقد أخبرها أنه يعمل بمكتب يضم ضمن مئات المهندسين فنظرت إلى وجه سميرة وعقبت بحرج:
- أنا آسفة بس الظاهر إن حضرتك فهمتيني غلط أنا أقصد المهندس أمجد المُشير هو بيشتغل هنا في المكتب الهندسي بس الظاهر اختطلـ...

قاطعتها سميرة بعبوس طفيف قائلة:
- حضرتك المؤسسة مفيهاش إلا المهندس أمجد المُشير مدير المؤسسة ونسيب دكتور علام.

نزل القول على سمع منار وكأن سميرة أخبرتها نكتة هزلية فكادت تنفجر ضاحكة ولكن أمام جدية ملامح سميرة ازدردت لعابها وسألتها بصوت متلعثم وهي تدعو الله أن يخيب ظنونها:
- هـ ـو البـ ـشـ ـمهـ ـندس متـ ـجوز بنت الدكتور علام؟

أكدت سميرة قولها بهزة طفيفة من رأسها وهي تشيح بوجهها عنها وتلتقط سماعة الهاتف تقول:
- عم شعبان أعمل فنجان قهوة مظبوط للبشمهندس ووديه اوضة الاجتماعات قبل ما يبدأ اجتماعه.

ثم التقطت سماعة هاتف آخر بجوارها وضغطت بضع أزرار وأردفت:
- أيوة يا بشمهندس الفريق على وصول وأنا بلغتهم إن حضرتك مش هتناقش معاهم أي بنود سبق وراجعتها معاهم زي ما أمرت وطلبت لك القهوة.

استمعت منار لصوت سميرة وكأنه يأتي من بعيد وغادرت المكتب بخطى ثقيلة تشعر وكأن أحدهم أنهال على رأسها وضربها بقوة فهي لم تعد تعرف من هي ولا ماذا تفعل هنا؟ وأثناء سيرها الشارد كادت تصطدم بساعي المكتب فاعتذرت منه بتيه واستكملت خطواتها ولكنها وقفت والتفتت نحوه فَرأته يقف أمام إحدى الغرف وَيلجها، وَكإنسان آلي حسمت منار قرارها وخطت باتجاه الغرفة نفسها وَولجتها وتقدمت بضع خطوات لمنتصفها وتجمدت خطاها حين لمحت رأسه يختفي بين الكثير من الأوراق وسمعته يأمر الساعي بِترك القهوة والانصراف، بعد نحو الدقيقة رفع أمجد رأسه فَوقع بصره عليها فَشخص بها لا يصدق أنها خالفت أمره وجاءت، فَهب على قدميه مُزدردًا لعابه وطالع ملامحها اليابسة بصدمة وقبل أن ينبث أيًا منهم بكلمة اقتحمت ليان الغرفة وهي تناديه بصوتٍ مفعم بالسعادة ورأتها منار تتجاوزها وتحتضنه وتمطره بقبلاتها فكادت تمنعها من لمسه بصرخة مدوية احتبست بحلقها حين أجهزت ليان عليها بقولها:
- مش هتصدق يا أمجد أنا لسه جاية من عند الدكتورة واول ما بشرتني بِالخبر جيت لك جري علشان نفرح سوا، حبيبي أخيرًا حلمنا اتحقق وهيبقى عندنا بيبي.

ودت منار لو تنشق الأرض وتبتلعها لتُرحم من مذلة الانكسار فنصب عينها زوجها وامرأة أخرى تقبله وتزف إليه نبأ حملها، ابتسمت بحزن لتتفاجأ بتحول ابتسامتها إلى ضحكة تعالت شيئًا فَشيء حتى دمعت عينيها وبات الأمر يهدد بحدوث كارثة، التفتت ليان إلى الخلف حين جذب صوت ضحكتها انتباهها فحدقت بملامحها الغريبة وفحصتها بعينها بريبة وابتعدت عن أمجد الذي ازداد جموده ورجيف قلبه لرؤيته منار على وشك الأنهيار أمامه، لتنتشله من اضطرابه بِسؤالها الحائر المملوء بالغيرة وهي تتفحصه بملامح مقطبة:
- مين دي يا أمجد؟

وقع سؤال ليان على سمع منار كالصفعة التي محت أثر ضحكتها من وجهها وتطلعت نحوه هي الآخرى بترقب تنتظر إجابته على أحر من الجمر، وتمنت بداخلها لو كان يملك قدرًا يسيرًا من الشجاعة ما يخوله لِيجيب سؤالها ولكن أكد ظنها بصمته فرمقته باحتقار وشمخت برأسها واقتربت منها ومدت يدها إليها وصافحتها قائلة:
- المهندسة منار شُهدي كنت فمقابلة مع البشمهندس بس للأسف عرض الشغل اللي قدمه مش مناسب وكنت لسه هبلغه برفضي وقت ما دخلتِ، وبعتذر على ضحكي أصل كان معايا مكالمة ومقدرتش أمنع نفسي من الضحك، عمومًا بكرر اعتذاري ولو تسمحي لي أقولك مبارك على البيبي عن إذنك.

غادرتهم بثبات وما أن أغلقت باب الغرفة خلفها حتى أطلقت لساقيها الريح وأخذت تعدو وكأنها تهرب من حيوانٍ ضاري يريد الفتك بها، ولم تدر كم مضى عليها وهي تهرول فالطريق ولكنها انهارت فجأة وتوقفت حين نضبت قدرتها على التنفس وتلاشت قوتها وكادت تسقط أرضًا ولكنها تشبثت بالحاجز الفاصل بينها وبين النيل، فمالت بجذعها تحدق بصفحة الماء بعيون غائمة وأنفاس متلاحقة تتساءل لِما؟
بعد مرور بضعة ساعات خطت إلى داخل مسكنها يملائها الخواء ووقفت تحدق بعين والدها الذي هب عن مقعده، يشعر أن قلبه يوشك على التوقف وفحصها بنظراته بحثًا عن أي أثر لإعتداء او إصابة، فهي غائبة عن المنزل منذ ساعات وهاتفها مغلق، وكاد يسألها عن السبب إلا أنها أشاحت بعينيها بعيدًا هربًا منه لإحساسها بالخزي منه فيكف تواجهه وهي السبب وكامل المسؤولية يقع على كاهلها، تجمدت لوهله حين اصطدمت عينيها بعينه فهزت رأسها يمينًا ويسارًا رفضًا لوجوده ورمقته بنفور وابتعدت واضعة بينهما مسافة فاصلة، فازداد غضبه لإحتقارها إياه وثار كبريائه فرفع حاجبه بتحد لِيخبرها بثقة مفرطة وعنجهية أنها لن تستطيع منعه عنها ولا التفوه بكلمة أمام والدها وزم شفتيه وخطى صوبها ولم يدرك أمجد خطأ اقترابه منها إلا حين رفعت منار يدها وصدته عنها وحين أصر على اقترابه صرخت بقلب ملتاع وهرولت تحتمي بين ذراعي والدها بجسدٍ منتفض تتوسل إبعاده عنها، تجمد أمجد وزاغت نظراته التي اكسبها صدمة مزيفة من فعلتها، فَرمقه شُهدي بنظراتٍ حادة وريبة وهو يشدد من احتضانه لها وسأله بصرامة:
- أنت عملت فِبنتي إيه علشان توصل للحالة دي وترتعش بالمنظر دا؟

ازدرد أمجد لعابه ونفى فعله لشيء حينها رفعت منار وجهها ونظرت لوالدها بقلبٍ منفطر وأردفت بانكسار:
-لا عملت وعملت اللي لا يمكن كنت أتخيل أنك تعمله أنت خاين وغشاش ومعندكش ضمير وأنا من اللحظة دي مش عايزة أعرفك تاني.

صرخ بوجهها وقد استبد به غضبه:
- جرى إيه يا منار ما تحافظي على لسانك وتفوقي وتشوفي أنتِ بتتكلمي معايا أزاي؟

ابتعد منار عن دائرة أمانها ورمقته بكراهية وبادلته الصراخ قائلة:
- أنا أكلمك بالطريقة اللي تعجبني وبأي أسلوب أشوفه مناسب لواحد سقط من نظري ومعدش له أي وجود فِحياتي، وأظن بعد التمثيلية اللي كنت بتخدعني بيها ما اتكشفت وخلصت وكلمة النهاية نزلت النهاردة، بلاش تبص لي وكأنك مصدوم ومش فاهم أنا بتكلم عن إيه؟

عقد شُهدي حاجبيه وسألها بحدة:
- إيه يا منار الأسلوب اللي بتتكلمي بيه دا يا بنتي وبعدين ما تفهميني تمثيلية إيه ونهاية إيه اللي بتتكلمي عنها؟ ما توضحي في إيه ولا أنتِ ناوية تسيبيني على عمايا؟

التفتت نحو والدها وأطرقت برأسها أمامه بأسف وأردفت:
- أنا هقولك على كل حاجة يا بابا لإنه حقك وواجب عليا أحكي لك بس الأول أنا ليا عندك طلب واحد أرجوك توافقني عليه، أنا عايزة حضرتك تديني فرصة واحدة واعتبرها المرة الأخيرة اللي هتسمح لي فيها أتكلم مع أمجد من الأساس، وبعدها هفهمك اللي حصل واللي عرفته وهسيب لك أنت وبس حق اتخاذ القرار بدون أي تدخل مني؟

بادل شُهدي نظراته بين ملامح ابنته المحتقنة ووجه أمجد المضطرب وللمرة الأولى يرى نظرة الانكسار تلك بعينيها فأدرك أن هناك أمرٌ ما خطير وقع بينهما فهو لم يرها بتلك الحالة إلا مرات قلائل فنغزه قلبه وكاد يرفض طلبها ولكنه استجاب وانصرف رُغمًا عنه لِعلمه أنها زوجة أمجد حتى اللحظة وأنه لا يستطيع منعها عنه ولا التدخل بينهما إلا إذا أرادت هي. عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية لم يبقى لنا الا الوداع" اضغط على اسم الرواية

تعليقات