رواية ليل و لعنة الزمن الفصل السابع 7 - بقلم فريدة عبدالرحمن
كان الليل ساكنًا كعادته…
لكن قلب ليل ماكانش ساكن.
من ساعة ما الجارية قالتلها إنها كانت ملكة… وكل حاجة جواها مقلوبة.
ما نامتش، كانت بتقعد تبص في السقف… تحاول تفتكر، تحاول تصدق، أو حتى تكذّب.
بس مفيش حاجة بتفهمها.
وفجأة… شمّت ريحة دخان.
قامت بسرعة، وفتحت الباب…
وهنا الصدمة ضربتها.
جناحها بيولع!
الستائر مشتعلة، والدخان مالي المكان.
ليل شهقت، وبدأت تكح وهي بتدور على طريق للهروب، بس كل الممرات كانت مقفولة…
إلا واحد.
باب قديم، مكسو بالغبار، في نهاية الممر.
ركضت ناحيته، فتحت الباب…
وقلبها وقع.
كانت غرفة المرآة.
واقفة هناك، مستنياها، ساكنة…
لكن نور غريب بيخرج منها، كأنها بتناديها.
قربت منها بخوف، بس المرة دي…
ماكنش فيه شرارة.
ماكنش فيه ألم.
المرآة فتحت زي باب.
وليل… خدت نفسها، وخطت جوّه.
دخلت ليل ببطء، وخطوتها تقيلة كأن الأرض تحتها مش طبيعية.
المكان كان هادي… لكن الهوا فيه ريحة قديمة، شبه الكتب اللي اتنسيت.
بس أول ما دخلت بالكامل…
اتقفلت المرآة وراها.
اتلفّت بسرعة، تحاول تلمس السطح…
لكنه بقى صلب، زجاج ميت.
اتحبست.
ولما لفت تاني لقدّام…
اتجمّدت مكانها.
قدّامها… مرآة تانية.
أكبر، أعرض، أغرب.
واللي فيها… ماكنتش هي بس.
شافت نفسها…
لابسة فستان ملكي
وشعرها مربوط بتاج من ذهب
وعيونها فيها كبرياء غريب، وهدوء يوجع القلب.
وكان فيه حد جنبها…
أويس.
بس مش أويس اللي تعرفه.
واحد تاني… عينيه مش قاسية، ولا فيها خوف.
كان بيبصلها بنظرة حب.
ليل همست وهي بتقرب من المرآة:
ده… أنا؟
ودي… أنا وهو؟!
فجأة، الصورة اتحركت.
كأنها مش مجرد انعكاس… كأنها ذكرى بتتفتح.
وظهر صوت، صوتها هي، لكن أهدى، أعمق:
"أويس… لو فرقونا، هيرجعونا تاني.
المرآة مش هتنسى، ولا الزمن هيقدر يطمسنا."
أويس بهدوء، وعينيه بتلمع:
أنا خايف أخسرك يا ليل… متسبنيش
ليل قرّبت منه، ومسكت إيده برقة، وصوتها كان هادي… بس فيه وعد
لو رجعتلك… هعمل حاجة
هتخليك تعرفني، حتى لو شكلي اتغيّر
أويس شدّ إيدها شوية، وقرب منها:
إيه هي يا ليل؟ قوليلي
ليل ابتسمت بهدوء، ودمعتها نازلة في سكون:
هلمس وشّك بإيدي الاتنين…
وهقولك: "أنا جيت… متأخّرة شوية بس جيت"
---
وفجأة، الصورة جوّه المرآة بدأت تتلاشى، وتدوب…
ووشّ ليل ارتجف، والدموع نزلت وهي تهمس لنفسها:
ده… حصل قبل كده
ده حقيقي
أنا… أنا كنت هناك
أنا كنت… معاه
مرة واحدة، كل حاجة اتقلبت
المرآة اختفت…
والأرض تحتها اهتزّت
ولقت نفسها واقفة تاني…
في أوضتها
والنار حواليها مولّعة
الستائر مشتعلة، والدخان بيخنق صدرها
صرخت بأعلى صوتها:
انقذونيييي!!
الحقووووني!!!
وفجأة الباب اتفتح بقوة، ودخل أويس ومعاه حراس كتير
وشه مفزوع، وعينيه بتدوّر عليها وسط الدخان
ولما شافها… جري عليها
مسك إيدها بسرعة وشدها:
تعالي! بسرعة يا ليل!
لكن ليل ما تحركتش
كانت متسمّرة في مكانها
المشهد اللي شافته جوّه المرآة… لسه متعلّق في عينيها
أويس بصوت عالي فيه زعيق ورجاء:
ماذا تفعلين؟! هياااااا!!
قرب منها أكتر، وبص في وشّها:
هتموتي هنا!
انتي بتعملي إيه؟!
نطقت بصوت واطي، شبه الهمس:
أويس…
بصّ لها وهو بيكح من الدخان:
فوقي يا ليل! هنموت جوّه!
بس ليل ما ردّتش
وشّها ثابت… وعنيها كأنها شايفة مشهد تاني خالص
كأنها لسه جوّه المرآة
لما ملقاش منها رد فعل
مدّ دراعه… وشالها بين إيديه، وجري بيها برا الغرفة
خرج من النار وهو بيكح، والشرر وراه
ولما وصل للممر الخارجي، نزلها على الأرض بهدوء
وبعدين…
صرخ فيها:
هل أنتي مجنونة؟!
كنتي هتموتي جوه!
ليل فضلت ساكتة لحظة…
وبعدين دموعها نزلت فجأة
حضنته بكل قوتها
جسمها بيترعش
ووشّها غرقان في صدره
كل الحراس اللي وراهم اتصدموا
ماحدش فهم حاجة
أويس…
فضل واقف، مش عارف يتحرك
يده اللي كانت بتشدّها، فضلت معلّقة في الهوا
وعينيه ماعرفتش تبص غير فيها
أويس مدّ إيده بهدوء
وطبطب على ضهرها، وصوته ناعم لأول مرة:
ليل… مالك؟
قوليلي… إيه اللي حصل؟
ليل وهي لسه بتعيط، رفعت وشها ناحيته
شفتينها كانت هتتحرك، لسانها هيقول الجملة اللي جواها
لكن…
قطع اللحظة صوت جاي من آخر الممر
حارس جري عليهم وهو بيصرخ:
مولاي!
في هجوم على القصر!
أويس صرخ بصوت عالي، ووشّه قلب مرة واحدة:
ماذاا؟!!
اقرعوا صوت الإنذار… الآن!
بص لليل بسرعة، ونبرة أمر طلعت من صوته من غير ما يحس:
ليل… اذهبي إلى القبو، مع باقي الجواري
هيا!
بس ليل وقفت مكانها، دموعها لسه على خدّها، وعينيها مليانة خوف عليه:
لن أذهب…
وأتركك
أويس بصوت غاضب، لكن الخوف باين في نبرته:
ليس وقت العناد يا ليل!
هيا، تحركي!
ليل وقفت قدّامه، دموعها بتلمع في عينيها:
لن أتركك يا أويس… مش هقدر
هو اتقدّم خطوة، ووشّه بيغلي من القلق:
اذهبي!!!
(صرخ للحارس اللي وراه)
خدها… وديها القبو فورًا!
الحارس قرب منها، لكنها صرخت بصوت أعلى، فيه رجفة:
لــــن أذهــــب!!!
أنا مش هسيبك تموت هنا لوحدك!
كان أويس لسه هيردّ، لكن…
دوّي انفجااار ضخم رجّ الأرض تحتهم.
ليل صرخت
وهو جري عليها بسرعة، حضنها قبل ما تقع، ولفّها بذراعيه
الدخان بدأ يملأ المكان
وصوت الحراس بيعلى في الخلفية
بس هو ماكانش شايف غير عينيها
بصّ فيها، وقلبه بيترعش:
اذهبي يا ليل…
لا أستطيع أن أتحمّل أن يُصيبك شيء
لكن صوتها جه…
أهدى من الخوف، وأقوى من النار:
لن أتركك مرة أخرى يا أويس
مش تاني
فجأة…
ظهر شاب بيجري ناحية أويس من آخر الممر، هدومه متبهدلة والتراب مغطي وشّه
صوته جه واضح وسط الفوضى:
ماذا تفعل هنا يا أويس؟!
اذهب فورًا!
أويس لفّ بسرعة، واتسعت عينيه:
ريان؟!
ماذا تفعل أنت هنا؟!
لماذا لم تذهب إلى المخبأ؟!
ريان واقف قدّامه، عينيه مليانة إصرار، ونبرة صوته عالية:
لن أذهب وأتركك يا أخي
مش هعمل زيهم… مش ههرب
أويس مدّ إيده بسرعة، ومسك وشّ ريان بإيدين بترتعش
اذهب يا ريان…
أنا…
أنا مش هقدر أخسرك زي ما خسرت أمي
اذهب دلوقتي، أرجوك
ريان حاول يبعد وشّه، وصوت غضبه كان بيغطي خوفه:
لاااااا!!!
مش هسيبك لوحدك!
وهنا…
عينه وقعت على ليل
بصّ لها بسرعة
ووشّه اتغيّر
اتجمّد لحظة
وكأن فيه صورة قديمة ظهرت في عقله
وحسّ إنه شافها قبل كده…
لكن سكت
مش وقته
رجع يبص لأويس، لكن لسه عينه بترجع على ليل، كأن فيه حاجة بتشده ليها
ليل مدت إيدها بسرعة، وشدت سيف من أحد الحراس اللي واقفين حوالين أويس ورايان
بصّت لهم، وعينيها ثابتة:
سآتي معكم
أويس لفّ لها بغضب، صوته مليان نار وخوف:
توقفي عن العناد، ليل!!
لكن ليل ما ردّتش
بصّت له بنظرة فيها عناد… وعرف إنها مش هتتراجع
وسكتت
أويس كان لسه هيتكلم…
لكن فجأة، سمعوا خطوات تقيلة وجاية بسرعة من آخر الممر
كلهم لفّوا
ومجموعة مقنّعة مسلّحة ظهرت، عيونهم ما فيهاش غير نية وحدة:
الهجوم بدأ فعلاً.
بدأ الهجوم.
كل شيء اتقلب فوضى في لحظة.
صوت السيوف بيخبط، والدروع بتتهز، والناس بتجري في كل اتجاه
والممر امتلأ بصوت المعركة
ليل كانت في النص…
وحسّت بجسمها بيتحرّك لوحده
مسكت السيف زي ما يكون اتولد في إيدها
كل ضربة… كانت تطلع منها بغريزة غريبة، مش بتتعلم، دي بتفتكر
كانت بتحارب وسطهم، مش خايفة
لحد ما عينيها وقعت على…
ريان
واقف وظهره مكشوف، وراجل من المهاجمين رفع سيفه ورايح يغدر بيه
ليل صرخت وهي بتجري نحوه:
انتبه يا رياااان!!!
بخطوة سريعة، ليل رفعت سيفها
وضربت المهاجم قبل ما سيفه ينزل على ريان
طعنتُه في صدره، ووقع قدّامهم
فضلت واقفة لحظة… بتنهج، وبتتسند على كتفه
ريان بصّ لها، وعينيه فيها دهشة حقيقية
شكراً لكِ
أنا… أنا أشعر أنني أعرفك
لكن… ليس الوقت مناسبًا للحديث
سنتحدث… إذا نجونا
ليل بصّت له
ابتسمت ابتسامة خفيفة، وسكتت
والمعركة لسه مشتعلة حواليهم
صوت الحديد بيخبط، والصراخ مالي المكان
وفجأة…
ليل حسّت بسخونة غريبة في جنبها
وشهقة خرجت منها قبل ما تفهم
طـعـنـة.
اتسحبت من بين الحشود
حد غدر بيها من الخلف
السيف دخل جنبها
ودمها نزل دافي، سريع، وساكن
صوت صرخة شقّ سكون الفوضى:
ليـــــل!!
أويس جرى بجنون، سيفه وقع من إيده
ركع على ركبته جنبها، وشالها في حضنه
إيده كانت بتترعش وهي بتضمّها، وعينيه بتدوّر في وشها كأنه بينكر اللي شايفه
وشّها كان شاحب
ونَفَسها بيطلع ضعيف
والدم بينزل من جنبها وبيغرق هدومها
أويس بصوت مكسور، بيهمس وهو بيضغط على الجرح:
استحملي… استحملي يا ليل
أنا معاكِ…
متسبينيش دلوقتي… مش كده…
وفي الخلفية…
ريان كان واقف، شايف كل حاجة
وشّه اتجمّد لحظة،
وبعدين… تحوّل لغضب ساكن
لفّ، وسحب سيفه
وانقضّ على المهاجم اللي طعنها
طعنة
اتنين
تلاتة
كل ضربة كانت فيها كل وجعه
لحد ما وقع العدو الأخير على الأرض… وسكت المكان
ريان رجع بسرعة
لقى أخوه قاعد على الأرض، حاضن ليل،
وإيده غرقانة دم
وقف فوقهم، قلبه بيتقطع
بس ما قالش كلمة
الصمت بقى تقيل
وكل شيء حوالينهم سكن…
إلا أنفاس ليل اللي بدأت تضعف
أويس شالها من على الأرض بإيده
قلبه بيدق بعنف، ووشّه مغسول بالدم والتراب
دخل بيها القصر وهو بيزعق للحراس:
افتحوا الطريق!
نادوا الحكيم… فورًا!
دخلها أوضته
فرشها على السرير بإيدين بترتعش
وصوته كان بيهمس، بس فيه رجاء:
اصحي… بس اصحي يا ليل
ماعدّاش وقت طويل،
والحكيم دخل وهو ماسك أدواته، وإيده مليانة أعشاب وضمادات
بدأ يشتغل بصمت وتركيز
نضّف الجرح
وقف النزيف
وغطّاها بلُطف، وهو بيبص لأويس:
أصيبت بطعنة عميقة… لكنها ستنجو، إن أراد الله
أويس قعد جنبها
ووشّه مافيهوش ولا نقطة دم
ريان قعد على الناحية التانية
ساكت… بس عينه ما كانتش بتسيبها
قعدوا كده…
ساعات يمكن
من غير كلام
بس كل واحد فيهم كان بيصلي بطريقته إنها تقوم
لحد ما…
ليل حرّكت إيدها ببطء
وهمست بصوت واهن:
أويس…؟
ليل فتحت عينيها بصعوبة
الدنيا حواليها كانت ضبابية… بس أول حاجة شافتها كانت وش أويس
همست:
أويس…؟
وقبل حتى ما يرد،
مسكت إيده… بقوة
مش بقوة جسم،
لكن بقوة خوف…
قلبها اللي كان بيصرخ من جواها اتقال كله في اللمسة دي
أويس اتجمّد
بص لإيدها وهي ماسكة إيده
وقرّب منها، وهمس بصوت مكسور:
أنا هنا يا ليل
معاكي… ومش هسيبك أبدًا
في اللحظة دي، ريان كان قاعد على الكرسي الجنب التاني
بيبص عليهم
ووشّه مليان وجع… وارتياح في نفس الوقت
ما قالش حاجة
بس عينه كانت بتقول كتير
قرب شوية، بص لليل بهدوء:
حمد لله على سلامتك
ليل بصّت له… وفضلت ماسكة إيد أويس
بس بعينيها، قالت لريان: "أنا شايفاك… وحاسة بيك"
ليل بصّت لأويس
وصوتها كان واهن، لكن واضح
أويس…
عاوزة أقولك حاجة
هو قرب منها أكتر
وعينيه فيها توتر، كأنه مستني الحقيقة، أو الخوف اللي جوّاها
قال بهدوء:
قولي يا ليل
أنا سامعك…
كلّي آذان صاغية
- يتبع الفصل التالي اضغط على (ليل و لعنة الزمن) اسم الرواية