رواية الجدران الناطقة الفصل السابع 7 - بقلم مريم عثمان

 رواية الجدران الناطقة الفصل السابع 7 - بقلم مريم عثمان


الفصل السابع:
خرجت آنا ووالدتها من مركز الشرطة، خطواتهما متثاقلة، والليل يبتلع الشوارع بصمت مريب كانت ماريانا تنظر للأفق بعينين شاردتين، تلتقط أنفاسها بصعوبة، وكأنها على حافة الانهيار
ماريانا (بصوت مضطرب): ماذا سنفعل؟ هذه كارثة كارثة حلّت علينا دون سابق إنذار لا بد أن نجد حلًا، وإلا سنضيع
آنا (ببرود غير مبالٍ): أمي، هل يمكنني الذهاب؟
توقفت ماريانا فجأة، حدّقت في ابنتها بصدمة، وكأنها لم تسمع جيدًا
ماريانا (بغضب مكبوت): أحقًا تسألين؟ نحن في مصيبة، وأنت تريدين الذهاب؟ إلى أين يا آنا؟ إلى أين؟ ستفقدينني عقلي بتصرفاتك
آنا (بهدوء مريب): سأذهب إلى روز، لن أتأخر
ماريانا (بتنهيدة يائسة): وهل هذا وقت روز؟ كل ما يهمك هو صديقتك؟ ماذا ستفعلين عندها؟
آنا: سأستعير منها كشكول المحاضرات، فقط، وسأعود بسرعة
تأملتها ماريانا للحظات، ثم أشاحت بوجهها بملامح مستسلمة
ماريانا: افعلي ما تشائين، لكن لا تتأخري سأسبقك إلى المنزل
آنا: لن أتأخر، لا تقلقي باااااي ماما
ماريانا أغمضت عينيها وهمست برجاء مكبوت: يا الله، اهْدِها، أحفظها من شر نفسها
تسللت آنا إلى القصر المهجور بخطى حذرة، تتلفت حولها بارتباك، كأن العتمة نفسها تراقبها كان المكان يلفه السكون، لكن الهواء كان ثقيلًا، مشبعًا بشيء غير مرئي، شيء مخيف
آنا (بهمس مرتجف): أيتها الصغيرة أين أنت؟
فجأة، صوت خافت خلفها، ناعم كهمس الريح، لكنه جمد الدم في عروقها:
الفتاة الصغيرة: ماذا تريدين، آنا؟
شهقت آنا، استدارت بسرعة، كان وجه الفتاة الصغيرة يطل من الظلام، بشرتها شاحبة، وعيناها تتوهجان بلون غريب
آنا (لاهثة): آه لقد أفزعتني
الفتاة الصغيرة (بهدوء مقلق): مالذي جاء بك في هذا الوقت؟
آنا: أريد إجابات
الفتاة الصغيرة: عن ماذا؟
آنا (مترددة): عن الحلم لا، ليس حلمًا ما حدث لم يكن مجرد كابوس، كان حقيقة كنت هناك، رأيتك
الفتاة الصغيرة: أعلم
آنا (متفاجئة): إذًا أنتِ من تسبب بكل هذا؟ إذًا ما رأيته كان حقيقيًا؟
الفتاة الصغيرة (بارتباك مزيف): أنا؟ لا دخل لي، أنتِ من فعلت كل شيء بنفسك
آنا (بصوت مرتجف): كيف؟ لا أذكر شيئًا كل ما أعرفه هو الحادث الشاحنة الرجلان هل لك صلة بهما؟
الفتاة الصغيرة (بعينين تومضان بغضب): لا علاقة لي بهما
آنا: لكنكِ كنت هناك
الفتاة الصغيرة: لا ما أدراكِ أنها أنا؟
آنا (بإصرار): أريد أن أعرف الحقيقة أريد أن أعيد كل شيء لما كان عليه
ضحكت الفتاة الصغيرة، لكن ضحكتها لم تكن بشرية كانت أشبه بصدى بعيد، وكأنها تصدر من أعماق الفراغ
الفتاة الصغيرة: وهل تظنين أن الوقت لعبة يمكن إعادتها؟ لا أحد يستطيع تغيير الماضي، لا أحد يمكنه رؤية المستقبل هذه قوانين لا تكسر
آنا: أمي في ورطة، إنها تنهار بسببي أرجوكِ، ساعديني
الفتاة الصغيرة (بلامبالاة مرعبة): ما حدث قد حدث، والعقد صحيح
آنا (بذهول): أي عقد؟ نحن لم نوقع شيئًا، لم نر هذه الشركة من قبل كيف وصلت السيارة إلى منزلنا؟ أمي لا تعرف شيئًا
الفتاة الصغيرة: لا دخل لأمكِ أنتِ من وقع، أنتِ من طلب، أنتِ من ورط نفسه معهم
آنا (بصوت متحشرج): لكن متى؟ لماذا؟ لماذا قد أفعل ذلك؟
الفتاة الصغيرة (بهدوء زاحف): السؤال الحقيقي هو لماذا ذهبتِ إلى هناك رغم تحذيري؟ ألم أقل لكِ ألا تعبثي بأشياء ليست لكِ؟
آنا (بصراخ): أنتِ لم تخبريني بأي شيء كنت أريد أن أفهم عن المنزل عنكِ عن كل تلك الظواهر الغريبة
الفتاة الصغيرة (بابتسامة مخيفة): ظننتِ أنكِ ستكشفين سرًا قديمًا؟ ظننتِ أن مجرد فضولكِ سيجعلكِ تفهمين ما عجزت عنه قوانين البشر؟ يا لكِ من حمقاء
آنا (بتوسل): أرجوكِ، هناك طريقة بالتأكيد هناك طريقة لإصلاح كل شيء المخطوطات الغرفة السرية في القبو لا بد أن لها تفسيرًا
فجأة، ارتعد جسد الفتاة الصغيرة، وعيناها اتسعتا بجنون، جسدها ارتعش وكأن شيئًا استحوذ عليها
الفتاة الصغيرة (بصراخ مزلزل): آآآآآآآآآآناااااااااااااااااا
ارتجفت آنا، تراجعت خطوة للوراء، قلبها يدق كطبول الحرب، نظرت إلى الفتاة الصغيرة بعينين مذعورتين
آنا (بهمس مرتجف): حسنًا، حسنًا، سأصمت
ساد صمت ثقيل، كانت أنفاس آنا متقطعة، بينما الفتاة الصغيرة كانت تحدق بها بعينين خاويتين، وكأنها لم تكن هناك أبدًا
خرجت آنا ووالدتها من مركز الشرطة، خطواتهما متثاقلة تحت وطأة الكارثة التي وقعت عليهما كالصاعقة الظلام بدأ يزحف في السماء، والشارع بدا أكثر وحشة مما ينبغي كانت ماريانا تلهث من الغضب، يديها ترتجفان وهي تحاول أن تستوعب ما يحدث
ماريانا (بانفعال مكتوم): ماذا سنفعل يا آنا؟ كيف سنخرج من هذه المصيبة؟ لا وقت لدينا للتفكير، يجب أن نجد حلًا قبل أن ينهار كل شيء
آنا (ببرود غريب): أمي، هل يمكنني الذهاب؟
ماريانا (تتوقف فجأة وتنظر إليها بحدة): ماذا؟ نحن في كارثة حقيقية، وأنتِ تفكرين في الذهاب؟ إلى أين يا آنا؟ ستفقدينني عقلي بتصرفاتك هذه
آنا (بهدوء يثير الريبة): سأذهب إلى روز، فقط لأخذ كشكول المحاضرات وأعود بسرعة
ماريانا (بغضب يفيض من عينيها): هل هذا وقت روز؟ نحن نغرق، وأنتِ تريدين الذهاب لروز؟ وماذا ستفعلين هناك؟
آنا (بابتسامة باردة تخفي شيئًا أعمق): لن أتأخر، لا تقلقي
ماريانا حدقت بها، نظرات ابنتها كانت فارغة، وكأن روحها ليست هنا أخيرًا، زفرت بضيق وقالت:
ماريانا: حسنًا، لكن عودي بسرعة، سأسبقك إلى المنزل
آنا (بصوت هامس غريب): لا تقلقي لن أتأخر
لكنها لم تذهب إلى روز
الطريق إلى اللعنة
تسللت آنا في الظلام، خطواتها صامتة على الإسفلت الرطب القصر المهجور كان يلوح أمامها كشبح، نوافذه المتصدعة تشبه أعينًا فارغة تحدق بها، وأبوابه كأفواه وحوش جائعة تنتظر التهامها شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، لكن قدميها لم تتوقفا
آنا (بهمس مرتعش): أيتها الصغيرة أيتها الصغيرة، أين أنتِ؟
صوت خطوات خفيفة خلفها تجمد الدم في عروقها
الفتاة الصغيرة (من خلفها، بصوت مخيف وهمس بارد): ماذا تريدين يا آنا؟
آنا (تنتفض وتضع يدها على صدرها): آه لقد أخفتِني
الفتاة الصغيرة وقفت في الظل، عيناها مظلمتان كليل بلا نجوم كانت تبتسم، لكن تلك الابتسامة لم تكن بشرية
الفتاة الصغيرة: ما الذي جاء بكِ في هذا الوقت؟
آنا: أريد إجابة أريد أن أعرف الحقيقة ما حدث ليس مجرد حلم، صحيح؟ أنتِ تعرفين
الفتاة الصغيرة (بصوت بارد): نعم أعلم
آنا (تبتلع ريقها): إذاً أنتِ السبب؟ كل ما حدث كان بسببكِ؟
الفتاة الصغيرة تقدمت خطوة إلى الأمام، والضوء الباهت ألقى بظلال شيطانية على وجهها
الفتاة الصغيرة (بصوت هامس مخيف): لا، يا آنا أنتِ من فعل كل هذا
آنا (بهمس مذعور): لا لا أذكر أني فعلت شيئًا كهذا كل ما أتذكره هو الحادث والشاحنة الرجلين هل لكِ علاقة بهما؟
الفتاة الصغيرة تغير تعبيرها فجأة، عيناها اشتعلتا بالغضب
الفتاة الصغيرة: لا شأن لي بهما
آنا: لكنكِ كنتِ هناك رأيتكِ
الفتاة الصغيرة: أنتِ ترين ما لا يفترض بكِ رؤيته، تسمعين ما لا يفترض أن تسمعيه، تعبثين بما ليس لكِ به علم
آنا شعرت بجسدها يتجمد، وكأن البرد تسلل تحت جلدها
آنا: أريد أن أعيد كل شيء كما كان أمي في مشكلة كبيرة، وأنا السبب أرجوكِ، ساعديني
الفتاة الصغيرة (بضحكة مرعبة): أنتِ وقّعتِ العقد، يا آنا كل شيء سار كما ينبغي
آنا (بصوت متحشرج): عقد؟ أي عقد؟ لم أوقع شيئًا نحن لا نعرف حتى موقع تلك الشركة
الفتاة الصغيرة (بهدوء يثير الرعب): بل تعرفين بل فعلتِ
آنا (بذعر): متى؟ ولماذا أمي تدفع الثمن؟
الفتاة الصغيرة ضحكت مجددًا، لكن صوتها كان مشوهًا، وكأن عدة أصوات تخرج من فمها في آنٍ واحد
الفتاة الصغيرة: السؤال ليس لماذا، بل كيف؟ كيف أوصلتكِ قدماكِ إلى هناك؟ من الذي دفعكِ للعبث بالمجهول؟
آنا: كنت أريد أن أعرف أكثر عن المنزل عنكِ عن الشركة التي ليست موجودة، لكني وجدت نفسي متورطة مع شركة أخرى
الفتاة الصغيرة (بابتسامة مشؤومة): وهل ظننتِ أن الحقيقة تُمنح بسهولة؟ هل كنتِ تعتقدين أنكِ قادرة على حل لغز فشل القانون في كشفه؟
آنا شعرت بأن الغرفة تدور من حولها
آنا: هناك شيء خاطئ المخطوطات الغرفة المخفية في القبو الجدران الملطخة بلون الدم
فجأة، تغير وجه الفتاة الصغيرة بالكامل عيناها اتسعتا بطريقة غير طبيعية، فمها انفصل عن وجهها وكأن جسدها يتشقق
الفتاة الصغيرة (بصرخة شيطانية مزلزلة): آآآآآآآآآنااااااااااااا
الصوت لم يكن بشريًا، بل كان خليطًا من عويل الريح وصراخ الألم الأرض تحت آنا بدأت تهتز، كأن القصر يستيقظ من سباته الطويل
آنا (تتراجع للخلف بفزع): ماذا ماذا يحدث؟
الفتاة الصغيرة تحولت أمامها، جسدها بدأ يذوب، يتحول إلى كيان أسود كالدخان، عينان مشتعلة بلون الدم تحدقان بها
آنا (بصوت يختنق بالرعب): لا لا تقتربي
لكن الكيان اقترب، مد يده العظمية نحوها، وهمس بصوت بارد وصلب:
لقد بدأ كل شيء، ولا يمكنكِ التراجع ستدفعين الثمن، أنتِ وأمكِ، حتى آخر قطرة دم
آنا شعرت بالظلام يبتلعها، صرخت، لكن الصوت لم يخرج
ثم اختفى كل شيء
ماذا لو أن كل شيء بدأ من هنا؟
ماذا لو أن الفضول لم يكن إلا فخًا؟
ماذا لو أن ما رأته آنا لم يكن حتى الجزء الأسوأ من الحقيقة؟ عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية

تعليقات