رواية لم يبقى لنا الا الوداع الفصل السادس 6 - بقلم منى احمد

 رواية لم يبقى لنا الا الوداع الفصل السادس 6 - بقلم منى احمد

(6) غشاوة مؤقتة.

لم يستطع أمجد تغيير مجرى القدر الذي رسم طريق منار فتقبل الأمر الواقع رُغمًا عنه، وأضمر بنفسه غضبه لمخالفتها رغبته، ولكنه عاد وتنفس الصعداء حين علم أنها التحقت بجامعة عين شمس.
وهكذا لم يقو أمجد على فعل شيء أمام سطوة الحياة التي انسلت أيامها من بين أيدي الزمن، وفرطت كما انفرطت حبات العقد، ورفعت من قدر منار التي اجتهدت، وبذلت كل ما في وسعها لتثبت جدارتها بكليتها، ونالت استحسان الجميع وحين سألتها شقيقتها ذات يوم عن سبب امتناعها من ذكر صلتها بأمجد أمام زملائها، ابتسمت بهدوء وأردفت:
- علشان أنا عاوزة أثبت نفسي يا هالة، ومش حابة أبدا أي حد يفتكر إني بقول اسمه وصلتي بيه علشان أخد حاجة مش ليا، صحيح لما بسمع عن نجاحه لما بتيجي سيرته بكون فخورة أني مراته لكن أنا نفسي أكون أنا منار بمجهودي مش بمجهود غيري.

ولم تدر منار أن ما فعلته أراح كثيرًا أمجد ورفع عن كاهله عبأ ثقيلا خوفه من معرفتها بزواجه بليان أو معرفة أحد من معارفه بزواجها بها، لذا دأب على تشجيعها لتواصل تقدمها ظنا منه في بادئ الأمر أنها لن تصل إلى أكثر من النجاح، ولكن تفاجأ بتردد اسمها ببعض الأواسط مما زرع بداخله حنقا وضيقا تحول فيما بعد إلى غيرة وبغض كلما ذاع صيتها على الرغم من نجاحه وارتقائه إلى مكانه تخطت طموحه بكثير، فبدأ بعرقلة مسيرتها، وكلما زكاها أحد لتولٍ أمر ما، أحبط مخططه ودفع بآخر بديل عنها.

وبمنزلها جلست ليان بعيدًا عن والدها تختلس النظر نحوه بين الحين والآخر فترك والدها الذي لاحظ اضطرابها جريدته، وترقب حركتها وحين همت بالنظر إليه قبض عليها فزمت ليان شفتيها بضيق فسارع والدها بترك مقعده وجاورها قائلا:
- ملاحظك من فترة ومرضتش أدخل واسأل وقلت أسيبك براحتك تيجي فالوقت اللي أنت عاوزاه، وتحكي بس الظاهر كده إن صاحبتي نسيت أني موجود علشانها ومحرجة تتكلم.

اعتدلت ليان ونظرت إلى والدها، وأشارت إلى ملامحها وأردفت:
- بابا هو أنا فيا حاجة وحشة فملامحي أو أخلاقي وتصرفاتي طب بلاش هل فيا عيب أنا مش واخدة بالي منه وبكابر.

عقد ضياء حاجبيه وسألها بدهشة:
- إيه الكلام الفارغ دا يا ليان وحشة إيه وأخلاقك إيه اللي بتشككي فيها وعيوب إيه، بصي يا بنتي واضح كده إن في حاجة أنتِ مخبياها وطالما اْتكلمتِ يبقى أحكي علشان أفكر معاكِ ونشوف حل.

خفضت ليان عينيها لتخفي دموعها عنه وهزت رأسها بالإيجاب فمد ضياء يده ورفع وجهها وهاله رؤية دموعها فضمها بخوف بين ذراعيه يتمنى لو بإمكانه إخفائها عن العالم ليحافظ عليها ويحميها، وانفطر قلبه عليها فتلك هي المرة الأولى التي تنهار ابنته منتحبة وكأنها في مصابٍ بليغ، وبعد نحو الدقيقة ابتعدت ليان عنه ومسحت دموعها بعشوائية وأردفت:
- أنا مكنتش عايزة أنهار بالشكل دا لأن حضرتك عودتي أواجه وأخد حقي بقوة بس لأول مرة أحس أني ضعيفة لدرجة مخيفة ومش من دلوقتي عندي الإحساس دا، لا أنا حسيت كده من بعد ما رجعنا من رحلة شهر العسل.

ازداد تجهم ضياء وعقب على قولها:
- بس الرحلة دي كانت من حوالي تلت سنين يا ليان معقول يا بنتي حسيتي بكده وفضلتِ كاتمة جواكِ، طب ليه وعلشان مين؟

اِحتشى قلبها بألم لم تتحمله ولكنه كتمت تأوها وأجابته:
- علشان أمجد يا بابا علشان بحبه ومش قادرة أتخيل حياتي من غيره فمبقتش قادرة أرجع ليان القوية بتاعت زمان، أنا مبقتش عارفة أنا مين ولا عايشة ليه وبقيت بسمع عقلي وهو بيقول إني ضيعت أحلى سنين من عمري علشان أرضي أمجد وأني رميت طموحي وأحلامي ورا ضهري علشان أشتريه، أنا مكنتش عارفة إن الحب ممكن يذل صاحبه لدرجة أنه يقبل يكون تابع علشان يسمع كلمة حلوة؟ وبقيت بفكر ليه لازم اقتل روحي وأدوس على كرامتي علشان يرضى عني؟ لدرجة أنها وصلت معايا أني بقيت أسأل هو ربنا خلقني بنت علشان أعيش في ضل راجل وخلاص ويبقى دوري بس أني أسعده فِالسرير وأسمع كلامه وأطيعه وأقيد له صوابعي العشرة شمع؟ أنا أنا تايهة يا بابا وحاسة إن عقلي هيشت مني.

اتسعت عين ضياء، وَكأن صاعقة ضربته، وأطاحت به فراقبها بذهول ولِوهلة تساءل أحقًا تلك ليان ابنته التي كانت مفعمة بالحيوية والحياة، الزهرة الندية التي أبهجت حياته لا، حتمًا هناك خطأ حدث بغفلة منه فهو يرى شبحًا منهكًا يحاول الصمود! صرخ بجزع وهاجمته الوساوس أن يكون لأمجد دخلًا، وأنه رماها بيده إلى الجحيم عوضًا عن حمايتها، هل يعقل أن يكون ما رآه منه مجرد زيف وخداع يخفيه بقناع يضمر أسفله الشر له وَلِابنته؟ تاه ضياء كما تاهت ابنته، وأحس بعقله تجمد أمام نحيبها ونظراتها المشتتة لينتبه لِصرختها الملتاعة تقول:
- حتى حلمي أني أكون أم معرفتش أحققه، حاولت بس كل محاولاتي إني أخلف من أمجد فشلت، روحت لدكاترة، وعملت تحاليل وأشعة، وأخدت أدوية ووصفات، أنا عملت كل حاجة ممكن تتخيلها علشان يكون لي ابن وفشلت، واللي هيجنني إن أمجد ولا مرة اشتكى، ولا حتى قال كلمة واحدة تجرحني بس المشكلة أني بشوف السؤال فعينه، وهو ساكت وبيبص لي، بحس فكل لمسة منه ليا إنه بيلمسني غصب عنه، أنا حتى بقيت بشوف تصرفاته اللي الناس بتحكي وتتحاكى عنها، وتشهد إنه بيموت فيا وفي التراب اللي بمشي عليه مجرد رياء، وللأسف الخوف والظنون محوطاني من كل ناحية ومش حاسة بالأمان.

أعادها ضياء إلى ذراعيه وضمها لِيطمئن نفسه أنها بخير، وأجلسها محتضنا إياها بخوف، وحاول تمالك نفسه لِيخفي عليها حزنه لرؤيته لها بِحالتها تلك، ولكنه لم يستطع فَطبيعة الحساسة التي ورثتها عنه ليان تتأثر كثيرًا وتتأذى، نعم هو ضياء علام رجل المال والأعمال القاسي بمجال عمله مختلف تمامًا كوالد وزوج بلين طبعه وإحساسه الذي لم يتخط حتى اللحظة وفاة حبيبته، فبات من يعرفه معرفة لصيقة لا يصدق أنهما الرجل نفسه، زفر ضياء، وأطرق لدقائق يُفكر بكلمات ابنته وسريعًا ما توصل إلى حاجتها إلى طبيب نفسي يسمع منها، ويرشدها بطريقة سليمة لِتستطيع تجاوز محنتها، فمن الواضح أنها عرضت نفسها لِضغوط عديدة أنهكتها، وجعلتها فريسة للانهيار، واشتدت قسماته جمودًا وعقله يتساءل عن أين أمجد من ابنته، وكيف يتركها بتلك الحالة دون أن يشعر بها فهو سلمه إياها، وأوصاه عليها لِيرعاها لا لِيتركها جسد بلا روح، فَهمس معتذرًا:
- الظاهر يا بنتي أني افتكرت إنك طالما اتجوزتي وبقيتِ مسؤولة من راجل أن دوري فحياتك قل! بس واضح أني كنت غلطان علشان كان المفروض أن دوري يبقى أكبر ومرميش كل المسؤولية على أمجد وأغمض عيني عنك وأكتفي باللي بشوفه وخلاص.

أجابته ليان بوهن:
- لا يا بابا حضرتك مغلطتش ولا أمجد هو كمان غلط الظاهر إن المشكلة فيا وإن الغلط غلطي.

أبعدها ضياء عنه وحدق بملامحها الشاحبة بانزعاج كونها نفت عنه وعن زوجها الأمر وتريد تحمله بمفردها وأردف:
- عمر ما في بني آدم بيغلط لِوحده يا ليان علشان الغلط دايمًا بيحتاج لِطرفين، ولو أخدت بكلامك فأكيد في أسباب دفعتك للغلط.

التقط ضياء بضعة أنفاس وأخرجها بقوة واستطرد قائلًا:
- سيبك دلوقتي من مين اللي غلط وخلينا نفكر سوا بصوت عالي علشان نعرف أساس المشكلة فين؟ وسبب الحالة اللي وصلتِ ليها بدأ منين؟ بس الأول خليني أجاوبك على سؤالك اللي قولتيه فلحظة ضعف، يا بنتي ربنا عز وجل خلقنا علشان نعبده ونطيعه ونعمل الصالح تقربًا له، والراجل والست عند ربنا زي بعض اللي يفرق بينهم هو العمل الصالح وبس، وميزان الثواب والعقاب والجزاء على الذنب واحد، وبالنسبة لاختلفنا راجل وست فالاختلافات مش للمذلة علشان سيدنا النبي قال"النساء شقائق الراجل"، والراجل والست زيهم زي كفتين الميزان علشان حياتهم تستقيم، لازم يكملوا بعض لأن أي بيت قائم على المودة والسكن والرحمة، مش على الندية وحقي فين ونظام ناخد ومنديش.

هزت ليان رأسها بالنفي وأردفت:
- بس الميزان اللي حضرتك بِتتكلم عنه اختل ودايمًا في كفة مايلة عن التانية، والدليل على كلامي المشاكل اللي بنقرأ ونسمع عنها في السوشيال ميديا كل يوم، أنا حتى كنت بَفكر أشارك اللي عيشاه وحساه وأكتب عنـ...

لم يتمالك ضياء نفسه حين أتت ابنته على ذكر ما ترغب في فعله فصاح بحدة قائلًا:
- وبتسألي ليه الميزان اختل ما هو اختل لما الدنيا خربت، وفسدت لما الأدوار اختلطت، وانعكست وبالأصح من وقت ما الست لبست توب الراجل والراجل خنع، وقعد فالبيت يدور على الراحة، الميزان اختل بتفكير الجيل اللي بِينادي بالمساواة والحرية، وهو مش فاهم يعني إيه، الميزان اختل لما أتلعب فِالعقول وانحصر دور الست إنها مجرد أداة لمتعة الراجل ووسيلة تسلية، وطمسوا إن الست هي سبب صلاح كل بيت، وأنها الوتد، وإن ربنا أكرمها، وكرمها وحفظ كرامتها ورفع قدرها، الميزان اختل لما نسينا القدوة الحسنة اللي بحق زي السيدة عائشة اللي كانت من أعلام التفسير والفقه ورجال الدين قالوا إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها، وأنها اشتغلت فعهد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه فالفتوى، ولما نسينا أن السيدة أم سلمة والسيدة ميمونة بنت الحارث زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام من حفظه الأحاديث وروايته، وبقينا نشوف القدوة فممثلة، ولا مغنية ولا مقدمة برامج بتسمم عقول أجيال، الميزان اختل لما الست بوجه عام أفشت أسرار بيتها على الملأ، وانتهكت ستر جوزها ونفسها والأخطر أنها رمت ودنها وعقلها لأفكار غيرها، وطبقت كلامهم على بيتها فخرب، ولو عاوزة تتأكدي افتحي عينك وشوفي كام واحدة فضحت نفسها، ورضت على حالها إن حياتها تبقى مشاع ومطمع وبعدها حياتها اْتهدت، فأنتِ لو هَتقبلي على نفسك تبقي زيهم، وتخلي حياتك مطمع لكل نفس مريضة أنا مش همنعك بس ساعتها أعرفِ أنك هَتخسريني كصديق.

أجبر ضياء نفسه على الصمت ليهدأ وترك مكانه وابتعد عنها ليتمالك نفسه، بينما نكست ليان رأسها وعقلها يردد كلمات والدها التي هاجمها بها بضراوة لتنتبه لصوته يقول:
- آسف يا ليان حقك عليا أني انفعلت أصلي مقدرتش أتقبل أسمعك بتقولي إنك عايزة ترمي نفسك فالنار وتخدي مشورة البنات على النت واسكت، عمومًا لو أنتِ من جواكِ عايزة فعلًا المشورة يبقى يا تلجأي لِراجل دين يا لِدكتور نفسي تتكلمي معاه مش تقولي اكتب مشكلتي على النت، المهم خلاصة كلامي يا بنتي علشان مطولش عليكِ الحالة اللي أنتِ فيها علاجها بجانب طلب المشورة من الناس الصح هي أنك ترجعي تقربي من ربنا تاني لأن واضح إن الدنيا نستك نفسك ودينك، وبالنسبة لموضوع الخلفة فأنتِ قلتِ إن أمجد متكلمش معاكِ فحاجة يبقى لازم تعرفي إن كل اللي فدماغك دي هواجس أساسها الشيطان اللي سلمتِ له عقلك علشان يلعب فيه ويسممه.

راقبت ليان مغادرة والدها واحتضنت جسدها بساعديها بعدما أحست أن حديث والدها كشف عورة عيوبها أمامها، فهو لم يقل إلا الحق وأوضح أن سبب هواجسها وشكوكها ابتعادها عن مسارها، وتساءلت لِما ومتى زلت قدماها وتوقفت عن صلاتها منذ يوم أو شهر أم...؟ حاول عقلها أن يشتت تلك الفكرة التي لاحت بقوة أمامه أنها توقفت عن عاداتها اليومية من صلاة وأذكار منذ عادت من تلك الرحلة، هبت ليان على قدميها وجالت بعينها في المكان وأردفت:
- لسه في وقت وأكيد ربنا حطني فمواجهة مع بابا علشان أفوق لنفسي.

أسرعت ليان إلى المرحاض واغترفت الماء تتوضأ وتغتسل واتجهت إلى غرفتها وارتدت ثوب صلاتها وافترشت سجادتها ووقفت ترتجف وتبكي ولسانها يستغفر ويطلب العفو من الله.

---

عادت منار إلى منزلها وهي بحالة هياج ووقف بوسط غرفتها تحدق بأوراق التصميم التي سهرت ليالٍ لتُنهيه وجذبت بغضب ومزقته وهي تبكي، ولمحتها رنا فصاحت بصوتٍ عال ونادت شقيقاتها، لِيهبو لنجدتها ووقفوا يحدقون بمنار التي مزقت الأوراق على بكرة أبيها وانهارت أرضًا تبكي وسط أشلائها، واقتربوا منها بعدما تأكدوا من غلقهم لباب الغرفة وربتت نهلة كتفها بينما بدأت رنا بلملمة قصاصات الورق، في حين أردفت هالة:
- ممكن تهدي وتفهمينا ليه قطعتي الورق اللي ليكِ أسبوع سهرانة عليه؟

رفعت منار عينيها ونظرت إليها بحزن وأردفت:
- وليه مقطعوش وهو مالوش أي قيمة؟ أنا مجهودي وتعبي كله راح على الأرض وحتى سهري مكنش كفايه علشان تصميم المشروع يتقبل.

عادت منار للبكاء بينما توقفت رنا على لملمة الأوراق وجلست بجوارهم أرضًا وقالت:
- طب أزاي إن كان التصميم عجب الدكتور بتاعك وقالك إن الفكرة جديدة وأكيد هتعجب اللجنة يبقى أزاي متقبلش؟

هزت منار رأسها بتيه وأردفت:
- معرفتش يا رنا أنا بعد ما سلمته مافيش عشر دقايق لقيت الدكتور طالع بيقولي أنا آسف التصميم أترفض ولما سألت عن السبب محدش رد عليا واللي قهرني أنهم وافقوا على تصميم أقل ما يقال عنه أنه فاشل.

عقبت رنا عليها بتلقائية:
- فاشل بس واضح إن عنده واسطة.

نظرت منار نحوها وأنفاسها تتسارع بغضب وأردفت:
- أنا مش فاهمة ليه كل حاجة لازم تمشي بالواسطة، يعني السنة اللي فاتت رفضوا اتدرب مع المجموعة بعد ما نزل اسمي وقلت الواسطة وأول السنة كنت مرشحة لتبادل طلابي واتسحب الترشيح بدون سبب، ودلوقتي تصميمي اترفضت يبقى دي مش واسطة يا رنا دا حد قاصد أنه يهمشني ويسرق فرصي وأنا لازم أعرف مين اللي ورا الموضوع دا ومش هسكت حتى لو كان فيها رفدي من الجامعة كلها.

حاولت نهلة وهالة تهدئة غضبها ليوقفهم صوت والدهم الذي اقتحم الغرفة بقوله:
- وأنا معاكِ يا منار.

هبت الفتيات ووقفوا أمامه بحرج وحاولت رنا إخفاء الأوراق ولكنه اتجه نحوها وسحب من يدها البعض وحدق بالتصميم وأردف:
- قطعتيه ليه يا بنتي كنتِ خليه علشان تقدمي بيه الشكوى كده لو حاولتِ تثبتي حقك هتتسألي عنه هتردي تقولي قطعته فلحظة غضب.

أطرق شُهدى برأسه وهو يهزها يمينًا ويسارًا فزفرت منار بضيق لتسرعها، بينما ربتت هالة ظهرها برفق، لتقفز رنا أمامهم وتقول:
- لقيتها أنتِ تكلمي أبيه أمجد وتقوليله على كل اللي حصل معاكِ من أول مرة، وهو أكيد له ناس ومعارف يقدروا يعرفوا إن كان في حد قاصد يسرق فرصك، ووقتها هتعرفي تثبتي حقك لو في فرصة تانية جت لك واتسرقت.

صفع شُهدى رأس ابنته بخفة وابتسم لها وأردف:
- أهي المفتش كرومبو قالت لك على الحل، يلا بقى لمي ورق تصميمك وروحي اغسلي وشك وصلي وأطلعي مع أخواتك حضروا الأكل وبعدها كلمي أمجد على مهلك.

وافقته منار وانحنت تجمع باقي الأوراق بشرود تتساءل هل كانت على خطأ يوم أخفت ما يجمعها بأمجد من البداية؟ وهل كان سيتغير وضعها عما هي عليه الآن، هزت منار رأسها بالنفي وأردفت:
- الظاهر أني كان المفروض أعمل كده وأتعامل زي ما بيتعاملوا وواضح إن أمجد كان معاه حق لما قال إنهم مختلفين عني وبتوع ألاعيب.

وفي المساء جلست منار فوق فراشها تتحدث إليه وتسأله عن يومه فكانت معظم إجاباته مختصرة مقطبة فعقدت حاجبيها وسألته:
- مالك يا أمجد صوتك مش عاجبني وحساك متغير؟

زفر أمجد بحنق وعينه تتابع مكان ليان التي لم تعره أي اهتمام منذ عودته للمنزل وأجاب سؤالها بعدما أعادته مرة أخرى بقوله:
- شوية مشاكل فالشغل يا منار المهم أنتِ كنت عايزة حاجة مني علشان أنا مضطر أقفل لأني لسه مروحتش والورق اللي فأيدي محتاج مني التركيز.

أجابته مُسرعة بصوت متخاذل:
- لا يا أمجد أنا كنت بطمن عليك عمومًا لما تخلص أبقى كلمني عن إذنـ...

لم يتمهل حتى تُكمل كلمتها وأنهى الاتصال وسارع إلى مكان ليان فرآها تجاور والدها تحتضن أحد كتبه فاقترب منها وجلس بجوارها وأحاط كتفها بساعده ومال صوب أذنها هامسًا:
- على فكرة أنا زعلان منك علشان حرمتيني من صوتك النهاردة ولما رجعت مهتمتيش بيا زي كل يوم ودلوقتي قاعدة تقري ومطنشاني.

أغلقت ليان الكتاب بحرج والتفتت إليه قائلة:
- معلش أصلي النهاردة قضيت اليوم فالصلاة ومحستش بالوقت عمومًا بعد كده هاخد بالي وهتصل بيك المهم تحب أحضر لك العشا ولا هتنام خفيف زي كل يوم.

أبعد أمجد جسده عنها وسحب ذراعه ووقف قائلًا:
- لا هنام خفيف يا ليان خليكِ أنتِ يا حبيبتي كملي قراءة.

ألقى أمجد قوله وعلى شفتيه ابتسامة هادئة والتفت صوب ضياء واستأذنه واتجه إلى غرفته لينزع تلك الابتسامة البغيضة عنه ويكشف عن وجه غاضب شابه وجه الشيطان ونزع حُلته بقوة كادت تمزقها وارتمى فوق فراشه وهو يفكر بِاتصال منار الذي أدرك سببه فحتمًا تُريد منه مساعدتها بعدما أخبره أحدهم عن حالة الغضب التي أصابتها بعد رفض التصميم.

وبينما منار شاردة تكافح لمنع دموعها فتحت منار مخزن الصور بهاتفها وأخذت تحدق بصورها التي جمعتها بأمجد برحلتهم الأخيرة إلى الإسكندرية فهو اعتاد السفر بها كل عام لتقضي برفقته يومًا كاملًا هناك، لتقع أمام عينيها صورة عن تصميمها فهبت واقفة وهي تحدق بالصورة وأردفت:
- الحمد والشكر ليك يا رب أهو بالصورة دي أنا هقدر أثبت حقي من غير مساعدة أو واسطة. عرض أقل

•تابع الفصل التالي "رواية لم يبقى لنا الا الوداع" اضغط على اسم الرواية

تعليقات