رواية الجدران الناطقة الفصل الرابع 4 - بقلم مريم عثمان
عند الغروب في المنزل المجاور ، كان كل شيء يتغير الجدران التي بدت باهتة خلال النهار تتحول إلى لون أشبه بالدم المتجمد، وكأنها تتنفس، تتقلص وتتمدد تحت جنح الليل النوافذ العتيقة، رغم أنها محطمة في أغلبها، كانت تعكس صورًا لا تنتمي لهذا العالم، وداخلها، كانت الكلمات تظهر… رسائل مبهمة، منحوتة في الظلام، كأنها تستجدي أحدًا لقراءتها، لتحذيره… أو ربما لجذبه نحو المصير ذاته الذي ابتلع كل من سبق
أنا آنا، كاتبة صحفية، أعيش مع والدتي ماريانا منذ أن فقدنا والدي في حادث سير مروع قبل ثلاثة أشهر انتقلنا إلى هذه المدينة بعد أن أُجبرنا على إخلاء منزلنا السابق، وانتقلتُ للعمل في فرع الصحيفة الجديد لكن منذ لحظة وصولنا، بدأت أمور غريبة تحدث معي، أشياء لا تفسير لها، أصوات تأتي من العدم، ظلال تتحرك في أطراف عيني، ولم أجد من يصدقني
لكنني أعرف… أعرف أن هناك من يحاول التواصل معي
كل شيء بدأ في الليلة الأولى عندما رأيت الطيف لأول مرة كانت فتاة… أو هكذا بدت جسدها ضبابي، ملامحها غير ثابتة، لكنها كانت تنظر إليّ مباشرة، نظراتها باردة، ثاقبة، كأنها تعرفني… كأنها كانت تنتظرني لم أكن أعرف لماذا اختارتني أنا، لماذا لا يراها أحد سواي، لكنني شعرت بأنها كانت تستنجد بي
منذ تلك اللحظة، بدأ فضولي يقودني نحو اللغز ذلك البيت… ومنزلنا… هناك رابط بينهما، شيء خفي، مظلم، لا يريد أن يُكشف بدأت بالبحث عن تاريخ المنزل، عن سكانه السابقين، وعلمت أن العائلة التي عاشت فيه اختفت ذات ليلة دون أي أثر لا جثث، لا دلائل، فقط اختفاء كأنهم لم يكونوا موجودين أبدًا أما منزلنا، فقد كان يومًا ما جزءًا من نفس الأرض، قطعة منه تم اقتطاعها وبُنيت عليها بيوت جديدة، لكن الظلام الذي كان هناك لم يختفِ… بل ظل ينتظر
كنت أراقب البيت من نافذتي كل ليلة، أرى ما يشبه الأطفال يلعبون هناك، حركاتهم بطيئة، غريبة، كأنهم مجرد ظلال تحاول تقليد البشر لم تكن ألعابهم طبيعية، لم تكن حتى ألعابًا، بل أدوات ذات شكل مخيف، مسننة، كأنها صُنعت للقتل، وليس للتسلية
لكن الأمور لم تتوقف عند المشاهدة في إحدى الليالي، بينما كنت داخل منزلنا، سمعت صوت ضحكة… ضحكة طفولية، لكنها لم تكن بشرية، كانت خافتة، مشوهة، وكأنها صادرة من حنجرة ممزقة ثم، دون سابق إنذار، تحطمت النوافذ جميعها دفعة واحدة
الزجاج تناثر في كل مكان، الهواء امتلأ بغبار غريب كأنه رماد محترق، ورأيت شيئًا… رأيت يدًا صغيرة سوداء تمتد من الظلام، تبحث عني
تجمدت مكاني، شعرت بأنفاس ثقيلة خلفي، كان هناك شيء يقف قريبًا جدًا مني، شعرت بأطرافه تزحف على جلدي دون أن أراه… ثم…
"آناااااا… اقترب الوقت"
كان الصوت يهمس مباشرة في أذني، صوت جاف، ميت، بلا حياة…
ثم سقط كل شيء في الظلام عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية