رواية الجدران الناطقة الفصل الثالث 3 - بقلم مريم عثمان
واصلت آنا طريقها إلى الداخل، لكنها لم تستطع منع نفسها من الشعور بعدم الارتياح كان قلبها ينبض بسرعة، وأفكارها تتصارع في رأسها، تلك الطفلة… كانت هناك، كانت تراها لم تكن مجرد أوهام… أليس كذلك؟
لكنها حاولت إقناع نفسها أن كل شيء مجرد كابوس، مجرد بقايا رعب من عقلها المرهق
روز: يلا يا ست آنا، انسي الرعب اللي في دماغك وتعالي نذاكر… مع إنك شكلِك مش في مود المذاكرة أصلاً
آنا (بابتسامة باهتة): هاه؟ لا لا، أنا معاكِ، يلا نبدأ
جلست الفتاتان، وأخذتا تراجعان دروسهما، لكن عقل آنا ظل شارداً، حتى رنَّ هاتف روز فجأة، جعل آنا تنتفض في مكانها
روز (ضاحكة): يا بنتي مالك؟ مرعوبة كده ليه؟ ده مجرد تليفون
لكن آنا لم تضحك… كان هناك شيء يُشعرها بالخوف… شيء جعل الجو حولها ثقيلاً
وفجأة… انطفأت الأنوار
روز: إيه ده؟ الكهربا قُطعت؟
لكن قبل أن تتمكن آنا من الرد، دوَّى صوت طرقات قوية على الباب
نظرت الفتاتان إلى بعضهما البعض، عيون روز اتسعت بدهشة، بينما كانت آنا تحاول التنفس بصعوبة
آنا (بهمس مرتجف): مستحيل… الباب مقفول، مش ممكن يكون في حد واقف بره
الطرقات استمرت… أقوى… وأقوى… حتى تحولت إلى ضربات وحشية، وكأن شيئًا ما يحاول تحطيم الباب
نهضت روز، لكن آنا أمسكت يدها بسرعة
آنا (بصوت مهتز): لااا… لا تفتحي الباب
لكن روز لم تكن تؤمن بالخرافات، تقدمت ببطء، يدها امتدت نحو المقبض، ثم استدارت بضحكة:
روز: آنا، بلاش دراما، أكيد حد بيهرج…
فتحت الباب
كان الشارع مظلمًا… فارغًا تمامًا
لكن… لا، ليس فارغًا
هناك… على عتبة الباب، وقفت الطفلة
لكنها لم تكن مجرد طفلة هذه المرة
كانت عيناها متوهجتين بوميض جهنمي، والظل حولها كان يتحرك… كأنه على قيد الحياة
ثم، بابتسامة بطيئة، انفتحت شفتاها، ليظهر شيء جعل قلب آنا يسقط في قدميها…
أنياب… طويلة… حادة… ليست أنياب بشرية
الطفلة (بصوت هامس، لكنه مرعب): ألم أخبركِ أنني سأعود، آنا؟
ثم، انطفأت الأنوار تمامًا
وصدى الضحكة المخيفة ملأ المكان
في اللحظة التي أظلم فيها كل شيء، شعرت آنا ببرودة غريبة تلف جسدها، وكأن روحها تُسحب ببطء من داخلها لم تستطع الصراخ… لم تستطع حتى التحرك كان الهواء نفسه ثقيلاً، وكأن شيئًا غير مرئي يضغط عليها
روز (بهمس مرتجف): آنا… الباب… اقفليه
لكن آنا لم تستطع… لم تستطع حتى أن تمد يدها إليه كانت نظراتها مثبتة على الطفلة التي ما زالت واقفة هناك، بلا حركة، بلا رمشة واحدة لكن عينيها… عينيها كانتا تتسعان… تتمددان… حتى امتلأ بهما وجهها بالكامل
وفجأة… ابتسمت الطفلة
ثم… بدأ جسدها ينكمش… ينكمش… حتى تحوَّل إلى ظل زاحف، ينساب ببطء داخل المنزل
روز (تصرخ وهي تجر آنا للداخل): اقفلي الباب يا مجنونة
لكن الأوان قد فات
كانت الطفلة قد دخلت
في اللحظة التالية، انغلق الباب من تلقاء نفسه بقوة مزلزلة ارتجت الجدران، وسقطت بعض الكتب عن الرفوف، بينما تجمدت الفتاتان في مكانهما
روز (بصوت مختنق): إيه اللي بيحصل…؟
لكن آنا لم ترد… كانت تسمع شيئًا آخر
صوت خطوات… خطوات طفولية… لكنها ثقيلة… قادمة من الظلام
ثم… صوت آخر
آناااااا… أنا هناااااا
لم يكن صوت طفلة… لم يكن بشريًا أصلاً كان صوتًا عميقًا، متشققًا، وكأنه صادر من حنجرة محترقة
روز أمسكت بيد آنا بقوة، لكن يدها كانت باردة، متجمدة، كأنها فقدت كل قطرة دم فيها
ثم… بدأ شيء يتحرك في الظلام
ظلال تتراقص، تتكاثف، تلتف حول الجدران مثل كائنات حية، تزحف، تتمدد، وتقترب…
ثم… ظهر وجهها
ليس وجه الطفلة… بل شيء آخر
وجه متآكل… متعفن… عيون سوداء كحفرة لا قاع لها… وأنفاس كريهة تفوح منها رائحة موت قديم
وفي لحظة، انطلقت يد سوداء مشوهة من الظلام… وأمسكت بمعصم آنا
أنـــاااااااااااا… وقتك قد حان
ثم… انطفأ كل شيء وبدا وكأن صوت من العدم يروي قصة ولكن لاوجود لاحد فقط الصوت يتحرك في جيمع الأرجاء
في زمن بعيد، كان هناك بيت قديم يقبع في طرف المدينة، منعزلًا في زاوية مظلمة، تحيط به الأشجار الكثيفة كأنها تحاول إخفاءه عن العالم في وضح النهار، بدا البيت شاحبًا، كأن الحياة هجرته منذ زمن، لكنه لم يكن ميتًا تمامًا، بل كان يترقب شيئًا… يترقب حلول الظلام عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية