رواية علاقات سامة الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم سلوى فاضل

رواية علاقات سامة الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم سلوى فاضل 

الفصل الحادي والثلاثون «حجر الثعبان» ج٢

🌹قراءة ممتعة🌹

تجوب المكان ذهابًا وإيابًا حتى دارت بها الأرض يصور لها عقلها أسوأ السيناريوهات، مر وقت طويل ولم يعودا، لا تعلم ما حدث أو يحدث، همَّت أن تتصل بوالديها تستنجد بهما فانتبهت لباب الشقة يفتح وحسن يطل من خلفه، لم تشعر بنفسها إلَّا وهي بين ذراعيه تتهدَّج أنفاسها بقلقٍ بيِّن، ربت على ظهرها بحنان يبادلها العناق بأخر محتويًا حنونًا:
-      قلقتوني عليكم.
-      آسف يا حبيبتي، مش بايدي والله! كنت عايز اتصل أطمِّنك واكتشفت هناك إني نسيت الموبايل، الحمد لله إني أخدت المحفظة والبطاقة.

بقيت على وضعها لثوانٍ تؤكد لقلبها وجميع جوارحها عودته إليها، استجمعت شتاتها، ثم ضمَّت سعاد باحتواء التي ابتسمت بامتنان يشوبه الحسرة؛ افتقدت هذا الجو الدافئ الذي حُـرِمت منه منذ سنوات، انتبهت على كلمات حسن: 
-     لو تسمحي يا نيرو تعملي لنا أكل سريع، هنضحك على سعاد النهاردة وبكرة إن شاء الله نجهز كلنا غدا ملوكي، اتفقنا.

تناولوا الطَّعام في جو مرح، حرصا فيه على رسم بسمة ولو باهتة على وجهها، ألقى حسن الكثير من النِّكات لتخفيف توترها وحرص على مجاورتها يضمها إليه بين الحين والأخر يدعمها بحنانه يخبرها أنه جوراها من الآن وإلى النِّهاية، ثم دخل الجميع لينالوا بعض الرَّاحة لينهوا اليوم بأحداثه الصَّاخبة ولم ينسَ تكرار دعمه الكامل لها وأنه لن يتركها مهما فعلت، استلقى على فراشه بتعب وجانبه نيرة تُربت على صدره، رمقها باعتذار:
-      آسف عشان سعاد جت دلوقت.
-      سعاد أختي زي ما هي اختك، أكيد الموقف كان صعب.

نظر إليها ثم نظر أمامه بشرود حزين مثقل بالوجع:
-     اتكلم يا حسن، ما تقلقنيش.
-      كانوا بيضربوها، أصواتهم طالعة بره الشقة ولما أمها فتحت شوفت شكلها افتكرت اللي عملته معايا زمان، طاب أنا ابن دورتها السَّابقة، لكن سعاد ليه؟ شوفتي عاملة أزاي، تأخرت عليها كتير قوى يا نيرة، تفتكري كنت أناني! بس ما تخيلتش والله أنهم يبقوا معاها كده.
-      ما تلومش نفسك يا حبيبي، المهم خلي بالك منها، أنا حاسة إن الفترة الجاية هتكون صعبة وهيحصل حاجات كتير، لازم تكون صبور وحكيم في تصرفاتك.

ابتسمت باتساع واسترسلت بدعابة: 
-     عايزة الوحش اللي جواك.

انتقلت له حالتها؛ فطل عليها بجسده جعلها أسفله يحاوطها بذراعيه وغمز لها عابثًا:
-     راح ترين هالوحش الحين، خدي نصيبك منه الأوِّل.

رحل المساء فاحـتل الأفق شبورة أتت في غير موعدها تحجب الرُّؤية وتثير الرِّيبة في النفوس، فظهرت الشَّمس لتكسر حصونها وتعلن عمَّا حُجب، مشاعر أخوية صادقة أحاطها بها يُغدقها بحنانه، لم يحدثها أو يسألها عن أي تفاصيل توترها، يريد التقرب منها ومنحها الأمان الذي يشعر بافتقادها له، وهو واثق أنها ستقص له حينها ما تُخفي دون رهبة، اشترى لها كل ما تحتاج، لم تغَضَب نيرة أو تشعر بالضِّيق؛ ترى سعاد مرأة لها، رغم عدم تعرضها للعنف إلا تذوقت مرار الإهمال، فتعاونت مع حسن حتى تمكنا من رسم بسمة صافية على وجهها.

تُرى أحظها العسر الذي أهداها له؟ أم غرورها الذي أوقعها بشِركِه؟! ساعات طويلة مرت وهو يمارس عليها عُقد نقصه وعنــف طبعه الذي يرتقي للســادية والذي زاد مع منصبه وفســاد روحه، يُسخِّر سلطته وجبــروته لاقتناص الاعترافات غصبًا بطرق تعـذيـب مُهِيـنة ومتنوعه، بل يبتكر بعضها، عُرِف أسلوبه بين رؤسائه فعملوا على إرسَال له مَن يردون إذْلَالِهن أو تأديبهن بالإضافة لبعض القضايا المُـعقَّدة التي يريدون حلها سريعًا؛ لذلك يتغاضون عن أفعاله عمدًا.

تسلى بها كما لم يفعل مِن قبل، استمتع بذُعــرها، حطت عصاه أينما شاءت، عاملها كتلميذة بليدة يسألها فتجيب، جعلها تعدد أخطائها، ترجت اعتذرت ووعدت بعدم الوقوع بالأخطاء أو تكرارها، لم يرحم هشاشتها وضعفها، أحكم حصاره عليها نفسيًا يستنزف طاقتها، يلوح بعصيانه يضرب بها الهواء فتحدث صوت مروِّع يأكُل روحها؛ فأثار شفقتها على حالها، وقعت بين براثنه تمـزِّقها أنيابه.

توقف حين فقدت وعيها، أعادها لبيتها يطالعها بنظرات مُتَشفِّيَّة تقطر غِلًّا منتصرًا، كاد يبدل ملابسها ليستمتع بعلامات عصاه على جِيــدها وتراجع بآخر لحظة، لم يرد صرف علقها أو تشتيته عمَّا عاشته خلال هذه السَّاعات، لتتذكر تفاصيل ما فعله؛ فتخجل من نفسها وتُكْــسَر هامتها أمامه، ولأنه خبير بالتَّعـذِيِب النَّفسي قبل الجَسَــدي، علق عصاه على حائط غرفتها المقابل لفراشها؛ ليذكرها بوقوفها بين يديه تحاسب عن أفعالها وألصق جانبها تحذيره الآمر: 
       «العصاية تفضل مكانها وإلا تحملي النتيجة».

استيقظت تتململ متألمة مُتعبة ويبدو أن عقلها ما زال عالقًا بتلك الغرفة، ينطق لسانها بالتَّرجِّي والاعتذار، تقسم ألن تعود لتلك الأفعال، تنتفض وكأنها تشعر بوقع العصا عليها، ثُمَّ بدأ عقلها يفصل الواقع الحالي عن السَّابق، شعرت بملمس الفراش أسفلها، تخشى فتح مقلتيها؛ لعله حولها، تتساءل أهي حقًا بفراشها أم لا زالت أسيــرته؟ أجبــرت عينيها على فتح أبوابها، سلطت عينها بصدمة أمامها، أتتخيل ما ترى؟!! تلك الأداة اللعينة التي انهالت عليها بالأمس، انتفضت بألم تعايش وقع سقوطها عليها، خطت نحوها بثقل تطلعها بأسى تسير يدها على موضع لسعاتها؛ فسقطت دمــوع القــهر برثاء لما آلت إليه، قرأت ما دوَّن؛ فدوى صدى بكاؤها وتهدُّج أنفاسها بالأرجاء، تتذكر ما نعتها به وجعلها تردده «هي عنيدة متكبرة غبية»، حدَّثت نفسها بصوت عال:
-       لا الحب والاهتمام والدلع جاب معاكِ نتيجة، ولا كلام مؤنس اللي خاطب عقلك وضميرك واللي كان أحيانًا مؤلم جاب نتيجة، لكن كمال خلاكِ تعرفي قيمة مؤنس وتقدري حنان أبوكِ، حتى لو كان زايد عن حده، عصايته عدلتك فعلًا، تفتكري كفاية كده؟

ابتسمت بتهكم واخفضت بصرها: 
-      مش أنتِ اللي تحددي لأنه أصلًا مش فارق معاه صلاحك، هو عايز يوجعك ويذلِّك، وعمل كده فعلًا، عرفت الخوف، عرفت اتحايل، قولت على نفسي اللي كان استحالة أقبل به زمان، لو كنتِ حافظتي على علاقتك بمؤنس كان وقف جنبك، بس ما عملتيش كده، دوَّرتِ على عَــذاب طيف وبس، اديني دوقت اللي داقت منه سنين، تستاهلي يا سارة، تستاهلي كمال وعمايله، تستاهلي وقفتك قدامه ترتعشي وتتأسفي، خليكِ كده يمكن تفوقي، يمكن تكفري عن عمايلك اشربي من كاس الألم الوجع والمهانة، اشربي يا سارة اشربي.

بكت حتى ألمتها مقلتيها، اغتسلت وبدلت ثيابها، ثم اتجهت لهاتفها، تهكمت من حالها باتت ترسل له تقرير عن كل فعل لها وكأنها تكتب فيلمًا وتوضح مشاهده، كتبت ما فعلت وأرسلت له، دقائق ووصلت لها رسالة افزعتها.

     «اممم، اعتقد ما قولتيش عن وقفتك قدام العصاية، تستحقي عِـقَـاب إخفاء حركة عني، هو امبارح مش كفاية يا سو؟ أوِّل وأخر مرة اتجاوز عن حاجة فاهمة، ايدك لسه بتوعجك؟ هبعت لك صور عسل اتصلي فيديو عشان اشوفك وأنتِ بتتفرجي عليها».

الصَّدمة الجمتها، ودار بخلدها أسئلة متعددة، قطع شرودها رنين هاتفها يستقبل منه اتصال مصور فتحته هالها جدية معالمه التي تحولت لساخرة بنهاية كلماته:
-     مش قولت اتصلي، هتنحي كتير، حسيتي بأيه وأنت شايفة العصاية متلعقة قدامك؟ جميل صح، مش عايز ادخلك الأوضة دي تاني على الأقل قبل الجواز عشان كدة علقْتها عشان تفكرك، المفروض تشكريني صح؟

فهمت ما يرمي إليه، يردها أن تشكره لما فعله بالأمس، أخبرها وهي بين يديه وجوب شكره حتى وهي تتلقى الضَّـربات؛ فهو يؤدِّبها لتُصبح صالحة:
-      شـ...شـ شكرًا.
-       الرَّد الصح: شكرا عشان عرفتني غلطي وحاسبتني، هعديها عشان أول مرة، المهم افتحي الصور وما تقفليش الكاميرا.

أصفر وجهها وشحب؛ فالصور توثق ما فعله بالأمس فــزعها ورهبــتها، الأخيرة لا تخصها، لكنها بشــعة بما يكفي للإِرْهَــاب كل مَن يراها، وإن حوت صورة لأخرى معَــذبة بأكثر الطُّرق بشاعة مهانة وألمًا، تهديد واضح وصلها بوضوح، لحظات تركها فيها لصـدمتها ثم عقَّب بتهديد آخر مبطَّن:
-       اتهمت دعــارة ومخــدرات حظها وقعها تحت ايدي، انكرت المخدرات، سيكة كهربا مع شوية تأديــب اعترفت بكل حاجة، شوفتي اللي يعاند معايا أخرته وحشه إزاي، وحشه قوي.

وصفه الذي استفاض فيه مع هيئة مَن بالصورة جعلاها تتخيل ما فُعِل بها؛ فلم تتحمل وخرت فاقدة الوعي، ضحكة ساخرة عالية صدرت منه ثم أنهى المكالمة وحذف الصور، ثم واصل عمله وكأن شيئًا لم يكن.

عاد بعدما قضى العقوبة، يتملكه الشعور بالمهانة والغَـضَب، بل الحنق الشديد، استقبلته شامتة، تتساءل بادعاء:  
-       يا ترى كنت فين الخمس أيام اللي فاتو؟

بسماعها بقدومه انطلقت نحو أحضانه، بكت بصمت مؤلم، افتقدته وعاشت أسوأ أيامها عاشت يُتْم الوالدين وهما على قيد الحياة، ضمها إليه بحنان يحتاجه مثلها تمامًا، حُب نقي حقيقي بلا أي تصـنُّع أو ابتــذال.
-     مالك يا حلا؟
-    وحشتني قوي.
-     حطي الأكل لكِ ولباباكِ أنا أكلت بره، وما تنسيش تشيله وتغسلي الأطباق.
-      أدخلى اوضتك يا حلا هكلم طنط شوية.

تركتهما كما طلب والدها الذي تابعها حتى اختفت، كما تابع نظرات ريڤال الندِّيَّة المتحفِّزة الممزوجة بالسُّخْرِية:
-     بصي يا ريڤال، حلا بعيد عن اللي بينا واللي يخصنا، هي طفلة وبعيد عننا، أنا بعدت الأيام اللي فاتت عشان أفكر لأني شايف مسئولية البيت كتير عن طاقتك، وبالرغم من أني بفضل عدم وجود حد معانا، حتى لو دوره الخدمة، لكن ممكن نمسك العصاية مِن النص، نشوف واحدة تيجي كل يوم تنضف وتجهز الأكل، وأنت كفاية عليكِ شغلك مع مراعاة باقي أمور البيت.

استرسل وهو يقف على حروف جملته الأخيرة: 
-     خـلـيـكـِ بـعـيـد عـن حـلا، تمــام.
-      ومين اللي يحاسبها؟
-      أنا طبعًا.

شعرت بالنَّصر، هي مَنْ لها الغلبة توقعت مشادة وعراك، لكنه فاجأها ادعائه أنه تعمَّد غيابه وانكاره ضمنيًا لما حدث معه جعلها تتوجس منه تشعر أنه يتلاعب بها، فابتسمت بخبث «فلنلهوا جميعًا».

رغم تعبه وانهاك جسده إلا أنه فضل قضاء بعض الوقت مع حلا يضمها إليه باحتواء، وكأنها تدرك ما به بادلته الاحتواء والضَّمات تمسد على رأسه تهون عليه وجعه الذي شعرت به ورأته بقلبها، أسعدته وأعادت إليه ذكرياته بصغره وشبابه مع والدته، كان يفعل المثل كلَّما بكت ويزداد حقده على زوجة والده وربما والده أيضًا.

أختلا بنفسه في غرفته، الغرض مما عرضه على ريفال هو الحصول على هُدْنَة ليستعيد قوته، سلام مؤقت ليعد لها عُدَّته؛ فباليومين الأولين أعاد بعقله شريط ما حدث وآل به ليُعَــاقب ويجْــلد، استنتج بسهولة افتعال الواقعة، فوجود شخص يدَّعي المرض يقف أمام مقر عمله تزامنًا مع موعد انتهاء الدَّوام، ودونا عن الجميع يختاره ليصف له سيارته ليتمكن من الصُّعود لبنايته المقابلة لإحضار دواءه، الغريب عدم رصد كاميرا المكان لكل ما حدث، فقط رصدت شهاب داخل السيارة يتحرك بها كما دله صاحبها، والغريب أن الاتجاه الذي وجهه صابها له أوصله لطريق رئيسي وليس لمكان لصف السَّيارات، ولم تمر ثوان حتى وجد نفسه بالطريق للمغفر، خطة محكمة وواضحة مِمَّن حاكها، ليعلمه أنها مقصودة لتَــأديـبه، ربط ما حدث مع كلمات زوجة والده بأن لريفال معارف كُثُر؛ إذن هي بمعارفها من حاكوا له تلك الخطة البلهاء، وللعجب لم ينتبه، ثــار على نفسه، هل أصبح ساذج لتلك الدرجة؟ بعد تفكير قرر أن يوهمها باستسلامه من أجل ابنته، فترة نقاهة وتفكير ليحدد كيف يُحكِم سيطرته عليها.

عدة أيام مضت ساد خلالها هدوء جليدي المكان، وضع شهاب خلالها خطته تاركها تنعم بنصرها القريب، بدأ تنفيذ ما نوى محافظًا طوال الوقت على ابتسامة تخفي خلفها نواياه:
-     ليه أخدتِ شقة صغيرة، بالرغم أن وظيفتك ممتازة ومرتبك عالي والعربية اللي معاكِ مِن أغلى الماركات وأحدثها؟
-      وده معناه أنك بتحسدني وباصص لي في مرتبي!
-      طنط بتحب تهزر يا حلا، اوعي تفتكري ده جد، مش كده يا ريفال بعدين حلا تصدق.

أومأت تجاريه ولا زال السُّخرية والتَّهكُّم يحــتلا حديثها:
-      أه، بحب أهزر، البيت صغير لسببين، ما كنتش ناوية اتجوز فكان كبير عليا، والتاني أنا بعمل كل حاجة بنفسي، فكان مناسب من حيث الحجم.
-       عندك حق بس السببين اختفوا، تجوزتي والمكان بقى صغير، وفي حد ينضف البيت بانتظام، اعتقد محتاجين ننقل.
-       مش عايزة كمان النقل فلوس كتير، مش هنقل.
-       فعلًا مش هتنقلي إحنا كلنا هننقل يعني شقتك زي ما هي بفرشها، عايزك تدوري على فيلا صغيرة قوي وتكلمي مكان شغلي يستأجرها باسمي ويخصم التَّكاليف من مرتبي على كام شهر، أعتقد بعلاقاتك ومكانة معارفك تقدري.

أراد معرفة مدى قدراتها ومدى تشعب علاقاتها بعمله وبالمعنين، كما إنه أراد مكان أكبر ليمكنه مما يريد، فكَّرت قليلًا ثم اعجبت بالفكرة:
-     تمام أدام أنتَ اللي هتدفع، والشقة زي ما هي، كده فاضل الفرش، هتفرشها ازاي؟ 
-     بنفس الطريقة.
-     عادي كده؟!
-     وأنتِ أي حد بردو.

فاق توقعاتها، هل تغير لبضعة جـلــدات فقط؟ أتأثير ما عايشه خلال الخمسة أيام قوي لهذه الدَّرجة، أخرجتها كلماته مِن شرودها:
-     أنا ليَّا بعض الطَّلبات، واعتقد هتقلل من سعرها عشان تكون على قد إمكانياتي، عايزها بعيد عن الدَّوشة على أطراف المدينة هنا، والأوضة الماستر تكون بعيدة عن أوضة حلا عشان الخصوصية، ويكون طبعًا في مدرسة ننقل ورق حلا لها، وكمان الڤيلا يكون لها بدروم أوضة للكراكيب، عشان بحب أصلح اللي يبوظ وساعات بشتغل في النجارة حاجات بسيطة.

ارتسم الذُّهول على قسمات وجهها، لقد تحول بالفعل يبتسم بهدوء وهو لم يفعل سوى مرات قليلة منذ أن عرفته، اليوم فقط ابتسم بما تعدى ابتسامه طوال الشُّهور الماضية، سلطت عينها عليه بدهشة أسعدته، فتحدث مبتسمًا:
-     مالك؟ أنتِ كويسة؟
-      أه تمام، هكلمهم، ولو في دماغك تصميم معين بردو.
-       المهم تعجبك أنتِ وحلا.

راودها الشَّك، تجزم أن بالأمر شيئًا، بالتأكيد لم يتغير مِن النقيض للنقيض، ثم حدثت نفسها فليفعل ما يريد، تلك الخطوة جيدة لها، هي لا تتقبل المكان بوجوده، ڤيلا صغيرة ستكون أكثر راحة للجميع.
وبالفعل خلال فترة وجيزة استأجر الفيلا وفرشها، رافق حلا برحلة اختيارها لغرفتها حينها انتبه أنها بدأت تتجاوز مرحلة الطفولة وبدأت مرحلة المراهقة، صغيرته على اعتاب مرحلة الشباب، كبرت دون مقدمات كبرت ملامحها وأصبحت مزيج بين طيف ووالدته.
"""""""""""""""""
الفصل الحادي والثلاثون «حجر الثعبان»

استقبلها بابتسامة فاجتهدت لرسم مثلها على قسماتها تخفي خلفها توترها، تحاول السيطرة على ارتجافها، تحوَّلت طريقة تعامله معها، بل تناقضت بين ليلة وضحاها، لم يؤذِها بكلماتها وعاملها كأميرة، مَن يراه الليلة يظنه متيم بها، ذهبا إلى مطعم فخم وراقي تعرفه، بالسابق عشقت الذِّهاب إليه رفقة أصدقائها، وبوقوفهما أمامه ارتجفت أوصالها، رمقته بطرف عينيها فأخفى بسمته الخبيثة وحثها على الدلوف بشياكة ورُقي، سحب يدها برومانسية مُدعية وجعلها تتأبَّط ذراعه ليتلذذ برجفتها وارتعاشها، وما تخشاه يوقن وقوعه وينتظره؛ فرفقائها بالداخل، بدلوفهما رأتهم يلتفون حول المسرح يغنون ويتمايلون مع الموسيقى الغربية الناعمة، طالعته برهبة وحاولت تغيير وجهتهما والذهاب لمطعم أخر تريد تجنب أي إهانة منه ستموت قهرًا إن فعل أمامهم، لن يقبل تعاملهم المتحرر الذي ظنته يومًا ثقافة ورُقي؛ فمالت عليه تحاول استمالته:

-       كمال من فضلك نروح مكان تاني، أصحابي جوة وأنت بتحب الخصوصية.

-       النهاردة يوم مميز والصُّحبة إشهار لخطوبتنا، المهم الاحترام جو زمان تنسيه، حُطي حدود للكل، وكمان تغيري جو بقالك شهر ما شوفتيش بني آدمين ومش بتكلمي غيري ولا أيه!!

-       أه والله! مش برد عليهم زي ما قولت، والله!

-       يبقي نقعد وما تنسيش احتراااااام.

اسكربت مدروس أجاد تمثيله، فكر فيه بدَهـاء، كتبه بخُـبث وينفذه بمَـكر، درس حياة رفقائها ويعلم بمجيئهم اليوم وانتظره، يرى سيناريو لقائهم بها الذي سيأخذه ذريعة لما يريد فعله ويهدف إليه، ادعائه لحسن نواياه والاحتفال مجرد ستار لبداية الثَّأر، ترك لها حرية اختيار مكان جلوسهما، ينتعش برُعــبها وتوترها الذي وضح في اختيارها لطاولة جانبية منزوية، تأمل ألا يراها أي منهم.

هدأ توترها بمرور الوقت وشعرت ببعض الرَّاحة، أوشكا أن يغادرا دون أن ينتبه لها أصحابها، مُتناسية أنهم يجوبون المكان يتمايلون على أنغام الموسيقى ليتجنبوا الملل وبتحول الموسيقى للصخب ازدادت حركتهم وتبعثروا بالمكان، شردت ترى ما كانت تفعله مع هذه الأنغام المرتفعة، مُتذكرة نصائح مؤنس الصادقة في محاولة لتقويمها والتي تقابلها بعجرفة وتنعته بالتخَـلُّف والرجعية، اعتادت الكذب، تذهب مع أصدقائها يتمايلون ويرقصون وتخبره أنَّها جلسة تقليدية بقواعد ثابتة لا تلامس ولا رقص، نمت على وجهها بسمة ساخرة؛ فها هي تدفع ثمن أخطاء الماضي، صرخة فرحة بلقائها سحبتها من الغوص بالماضي، ورمتها على صخور الواقع الحادة، تحت نظراته المنتصرة الظافرة ينتظر الوقت المناسب للانقضاض.

-       مش معقول، أخيرًا يا سو، يا شباب تعالوا، تعالوا.

لوحت بيديها تنادي رفاقها، فأتوا إليها مهللين يقبلوها جميعًا ذكور وإناث، لم تتمكن من الرفض أو الاعتذار، أو حتى تقديم كمال لهم، أسند ظهره على الكرسي براحة واتسعت بسمته، وصل لمراده وسقطت بالشِّـرك دون جهد، سريعًا رسم الغَـضَب الصَّامت على قسماته يكمل التمثيلية، يطالع التفافهم حولها يسألوها عن سر غيابها وعدم الرَّد على هاتفها وهي مغيبة لا تسمعهم تسلط نظراتها المُرتابة عليه تقرأ تعابيره وبالكاد منــعت نفسها عن البكاء؛ فحاولت ادارك الموقف:

-       أعرفكم الأول الرَّائد كمال خطيبي، هنتجوز بعد شهر واعذروني مش برد عشان مشغولة بتجهيزات الجواز وكمان كمال غيُّور جدًا ومش بيحب الاختلاط خالص، آسفة، تعبانة ومضطرين نمشي.

صمته المقصود والتَّوتر المسيطر عليها جعلهم ينسحبوا متعجبين وواصلوا سهرتهم.

بهدوء وصمت غادرا، ظنت بمغادرتهما ستنتهي الحفلة كما اليوم، لكن هدوءه الشديد أرعبها وهوى قلبها، استجمعت قوتها بعدما استقلا السَّيارة وتحدثت تحاول تخفيف حدة الموقف:

-       كمال اللـ...

-       هشششش، ولا كلمة.

 رغم تصارع دقات قلبها ورعبها من هيئته إلا أنَّها وجدت الصَّمت أفضل لكليهما، تمنت أن تقصر المسافات لتختفي داخل جدران بيتها، غافلة عمَّا أعده لها، لاحظت اختلاف الطريق الذي يسلكه عن طريق منزلها، ابتلعت ريقها بذعر:

-       ده مش طريق البيت!

رمقها بشزر وتحذّيِر فلزمت الصَّمت، الذي حلق بينهما حتى توقفت السَّيارة جالت بعينها المنطقة حولهما وتملكها الهَــلع؛ فالمنطقة غير مأهولة ومخيفة الطَّلة، لا يوجد بها سوى الفيلا الصَّغيرة التي وقفا أمامها ويتناثر حولها أشجار كثيفة مشعثة كتلك التي تراها بأفلام الرُّعب، صدح صوته حازم أمر:

-       انزلي.

-       فين؟ مش البيت!

-       انزلي، ده البيت بس بيتي أنا.

-       والله ما لحقتش اتكلم، كلهم قربوا مرة واحدة، قولت لك نمشي وأنت مانعني أكلم حتى البنات، ما يعرفوش إني تغيرت، روحني أبوس ايدك!

-       انزلي يا سارة بهدوء، حسابنا جوة.

كمن حكم عليه بالإعــدام بالكاد تحملها قدميها، تعثرت مرات عِدة تحاول مجاراة خطواته الواسعة والغـاضـبة، صفير الهواء والظَّلام الدامس حولها ينذرا بالخطر، غُيِّب عقلها مِن رهبة الموقف؛ فلم تتعجب أو تساءل كيف له امتلاك هذه الفيلا؟ لم يدلف مِن الباب الرئيسي، تبعته خلف المبني، فتح بابًا ضخمًا يلقي الخوف بالنفوس دخل فلحقته، بإغلاق الباب اختفت جميع الأصوات إلا صوت الصَّمت وصوت لهاثها، بدأ عقلها في العمل، الغرفة التي دخلتها تتناقض مع الباب الذي دلفا منه، جالت المكان بعينيها، الجدران باهتة ومحتويات الغرفة غريبة، صقيع شديد تسلل إليها وهي تتفحصها؛ فبأحد الأركان يوضع سرير معدني يشبه المستخدم بغرفة عمليات الولادة الطبيعية، وبالقرب منه خزانة صغيرة بشعة التصميم قاتمة الألوان، ثم وقع بصرها على ما جعلها ترتجف ذُعــرًا؛ يملك قفص حديدي كبير كالذي يحتجز به الحيــوانات المتــوحشة الضخمة، قد يساع البشر، مِن هول صدمتها لم ترفع عينها عنه، وسؤال فرض نفسه عليها: ماذا يفعل به؟! وما سبب وجودها هنا؟ لمَ أحضرها؟!!

يتابعها منذ دلوفها، الذُّعـر المرتسم على وجهها يرضيه ويسعده، حين ثبتت بصرها على القفص أدرك ما جال بذهنها فابتسم بخبث حان دوره، جذبها بعنف كادت تسقط على وجهها سحبها وادخلها القفص، ثمَّ أغلقه ووضع مفتاحه بجيبه، تتزايد صدمتها وينتــفـض قلبها، تلاقت نظراتها المـرتـجفة المُتَرَجِيَّة مع مقلتيه الثابتة التي تشع شرًا ووعيــدًا، انهزمت سريعًا أمامه واخفضت ناظريها هربًا، خرج مِن باب عادي أخر يؤدي إلى داخل الڤيلا، تبعت حركته تلقائيًا فرأت بالزاوية جانب الباب كرسي فخم ضخم يكشف كامل الغرفة وأمامه طاولة ملائمة لحجمه وهيئته.

مر الوقت ولم تتجاوز صدمتها، لا تصدق إلى أين آلت!! بالأمس القريب كانت تعامل كالأميرات والآن باتت سجينة، ابتسمت بتهكم على حالها؛ فقدمها تنزلق أكثر لا تستبعد أن تصل معه لمكان أخر أشد انحدار، فهو كشر عن أنيابه من قبل الزواج، أغلقت جفونها بألم، قرأت عن مثل هذه الغرف ببعض الرِّوايات التي تجمع منها المعلومات لتلقي الاتهامات على مؤنس، وكم شعرت بالرعب لمجرد القراءة، فكيف الآن!!! فقدت كل سيطرتها على جَسَــدها يرتعش وينتفض كريشة في مهب الرِّياح، دبَّ بها برد الشِّتاء رغم أنَّها بأشد الأشهر حرٍ، دارت برأسها الأفكار تطيح بها؛ فسالت دموعها.

يستنزف قواها وطاقتها تركها فترة طويلة لأفكارها وهواجسها؛ يعدها لما هو آت، دخل إليها بنفس البسمة المــاكرة الخبـيثة، وقد جدد نشاطه وبدل ثيابه بأخرى مريحة يحمل مشروب ساخن أخذ ريموت جهاز التكييف وببضعة ضغطات استدعى زمهرير الشتاء، اعتلى كرسيه الضخم وضع ساق فوق الأخر ورمقها من علو، يتناول مشروبه بتمهل يرعبها بنظراته يشعرها بالدونية، ألم ساقها مع شدة البرودة والوهن الذي أحــتل جَسَــدها أشْعَرها بحاجتها للجلوس، كادت أن تفعل، لولا صــراخه الحاد يمنعها، نظرت إليه ودت لو تستطيع ترجيه ليوقف ما يحدث، لكن صوتها خذلها وتركها وحيدة.

أنهى مشروبه ووضع الكوب ثم تحرك بتمهل نحوها يثبت مقلتيه عليها، فتح بابها ثم اعتلى كرسيه، تركها لحيرتها لا تعلم ما عليها فعله، تخشى كل شيء، شغل عقلها سؤال واحد: ماذا بعد؟

طال صمته فتحركت بخطًى ميتة وتحررت من القفص تنظر إليه مع كل خطوة تتأكد من سماحه بها، وهو مستمر بالضغط على الجانب النفسي لها، جعل تفكيرها ينصب على إنهاء هذا الموقف المخزي بأي طريقة، وقفت أمامه تود أن تجد مكان للجلوس، ولأن صبره طويل وطاقتها نفذت منذ فترة، استدعت صوتها الهــارب لترجوه إنهاء الموقف:

-       والله طلبت منك نمشي عشان كده، أنا معترفة إن ده غلط، لكن أنا حقيقي تغيَّرت.

-       مِن شُغلي في بوليس الآداب تأكدت إن أي واحدة ست لازم تتحكم بيد مِن حديد، تخليها تحسب نتيجة كل تصرف أو نظرة ألف مرة، تكون متأكدة أنَّها هتتحاسب بحزم وشدة عن كل تصرف، عشان كده عملت الأوضة دي.. للحساب.

ابتسامة عريضة نمت على وجهه:

-       هتدخليها كتير.

تحولت معالمه للغَضَب وجحظت مقلتيه بحدة؛

-       لما تكوني غلطانة، تخرجي منها وكل حته في جسمك بتفكرك تمشي عدل.

عاد لهدوئه ووضع ساق فوق الأخرى يطالع الغرفة بفخر: 

-       الكرسي أغلى ما فيها، القفص، مكانك بعد كده، زي اللي يدخله رخيــص، تصدقي موجود أونلاين! أصله شكل بس يكمل الحالة النفسية، عشان اللي ما اتربوش زيك يا سو يخافوا، الحقيقي هنا تلت حاجات «أنا- الخوف- العِـقَـاب»

وبنظرة حادة زلزلتها استرسل: 

-       خافي من الحقايق دي وقوي، عِـقَـابك النهاردة معقول عشان أول مرة، بس أوعدك تفتكريه لأخر العمر، ما تتحركيش من مكانك.

تحولت لتمثال لا ترمش عينها وهربت الدِّماء من عروقها، تحرك للخزانة فتح أحد أدراجها وأخرج منها ثلاث عصيان كل واحدة مختلفة في الشكل والحجم وبينهم واحدة خيزران طويل نظر لها بفخر ثم التف إلى سارة طالعها بنصر خطا نحوها بتمهل ثم رفع عصاه وحط بها أسفل ظهرها؛ فانتفضت صارخة والتفَّت تطالعه بأعين يترقرق بها الدَّمع، ابتسم منتشيًا ووضعهم على الطاولة، جلس على كرسيه باستمتاع وتكلم بابتسامة متلذذة:

-       وَجَعِتِكِ! ده لسه العياط قدام، سيادة اللواء ومؤنس سابوكِ سارحة مش عارفة الصح من الغلط؛ فقررت أعيد تربيتك بطريقتي، العُصيان دي عظيمة تخليكِ تعرفي الصح من الغلط لوحدك بدون مجهود.

-       والله عرفت بلاش ضرب!

اتسعت بسمته واردف بحروف شامتة:

-       خايفة، ما دوقتيش لسعت العصاية ووجعها قبل كدة.

-       عمرى، حتى أيام الدراسة.

-       طبعًا مدارس خاصة مش زينا، على العموم جه الوقت عشان تجربي، تصدقي فكرة، هدية مني المرة دي أعاملك زي المدرسة أو الكُتَّاب، أفكر! فاضل آخر خطوة قبل البداية الكاميرا، بحب أوثق كل حركة أهو نزود الضمانات مع أني مش محتاج أكتر بس احتياطي.

انهارت باكية وأيقنت أن الحفلة ستبدأ الآن. 

لأوَّل مرة تُكْرَم وتعزز، شعور جديد تجربه لأول مرة، بعودتها للمنزل وجدت كل ما وعدها به، صَدَقها مؤنس قولًا، لا أعمال أو أعباء، لا جدول أو التزامات، استلقت على الفراش تريح جَسَــدها المنهك، تفكر بحياتها، كيف كانت وكيف أصبحت؟ رغم سِقم الماضي إلا أنها كانت تملك دوائه ابنتها شريان حياتها واليد التي احتوتها رغم صغرها، لكن الآن تعيش مرتاحة وبآدمية، لكن قلبها جريح مُلتاع فقدت كنزها الثمين، تردد في ذهنها كلمات مؤنس، تدرك أنه سيدعمها ولن يتركها وإلا لكان فعل بعد كل ما رآه منها، تسأل نفسها مرارًا لمَ يهتم بها وبإصرار؟ هل كان يعرفها بالماضي؟ كيف؟ ومتى؟ قطع سيل أفكارها رنين هاتفها، ابتسمت بامتنان؛ فهو يتصل كثيرًا يعطيها الاهتمام الذي افتقدته طوال حياتها، لو كانت ابنتها جوارها الآن لملكت الدنيا وما فيها، لاستطاعت مبادلته اهتمامه، تُشفق عليها منها ومما يعيشه معها، يتمسك بامرأة خاوية ليس لديها ما تقدمه له، أجابته باستحياء، واتاها صوته مشتاقا:

-       ازيك؟ عاملة أيه دلوقت؟ لسه مرهقة!

-       كويسة.

-       ما تقلقيش خالص يا طيف تعبك اللي حاسة به هيقل مع الوقت أنا فهمت من الدكتور كل التفاصيل، اهملتي نفسك كتير يا طيف كتير قوي، على العموم أنا معاكِ دايمٍا.

-       شكرًا.

-       أكلتي وأخدتي الدوا؟ الممرضة قالت أكلتك ضعيفة، لازم تتغذي كويس عشان تخفي.

-       أكلت ما تقلقش.

-       نفسي يا طيف! نفسي أطمن عليكِ، هانت كلها أيام مهما طالت، هتفضلي ساكتة كده! 

 يتحدث كثيرا وتجيب باختصار، لا تجد كلمات تسعفها، ربما تاهت منها أو سقطت في خضم معاناتها مع ذلك الشهاب الحــارق، أحــرقها حقا بنـيرانه.

يكفيه ما وصل إليه ولن ييأس، ردودها المختصرة حد الجنون تعطيه دفعة ليمارس عمله بنشاط ويتحمل غَضَب والدته بصدر رحب، وآه مِن والدته أجبرته بالسابق على زواج استنزفه لسنوات والآن توبخه لارتباطه بمَن احترق قلبه شوقًا إليها، تقيمها بشكليات لا تنبي بيتًا ولا تنبت سعادة تذكر كلماتها حين أخبرها بنيته الزواج من طيف عقب انتهاء عدِة طلاقها.

-       أنت تجننت يا مؤنس! ده بدل ما تقولي رديت مراتي بنت الحسب والنسب جاي تقولي هتجوز دي، طيف مين اللي عايز تدخلها عيلتنا وتبقى أم أحفادي، فوء يا مؤنس الجواز ربط عيلتين وواجهة اجتماعية.

-       يا ماما طيف الوحيدة اللي هتريحني.

-       متهيأ لك، بعد شوية هتلاقي نفسك ندمت وعايز تخلص منها، يا ابني أنا أدرى بمصلحتك.

-       ماما جوازي من طيف هيتم في كل الأحوال لو سمحتي كملي فرحتي ووافقي!

-       مش موافقة يا مؤنس ولو الموضوع ده تم انساني.

  عاد من شرود يتنهد بعمق فهي لن تتنازل عن تفكيرها بسهولة، سيحاول بكل الطرق نول رضاها، عادت طيف تحلق بمخيلته فابتسم لن يطمع بالمزيد يكفي أن طيفه عاد إليه وبأقل مِن شهر ستكون حرمه المصون، حقه، أمامه وبين ضلوعه كما هي في قلبه.

يجلسا داخل غرتيهما بالفندق، يعيشان أسعد أيامهما ينعمان بالحب، سافرا لإحدى المُدن الساحلية يستمتعان بأفضل أوقاتهما على الأطلاق، لمسا السِّحاب، اتصال مِن والد رامي عكر صفوه وأعاده للأرض ساحبًا بساط السعادة؛ فشاب قلبه الحزن والألم:

-       بتتجوز يا رامي من غير حتى ما تعزمني.

-       أنا متأكد أني بعت لك دعوة الفرح قبل المعاد بأسبوعين.

-       والمفروض أعرف بجوازك قبلها بأسبوعين، وبعدين لما تفكر تتجوز، اختار جوازة تشرف، مش محاسبة وأبوها موظف، ساكنة بمنطقة شعبية ومطلقة يا دكتور.

أخذ نفس عميق وأخرجه محترقًا بالنار التي يصر والده على إشعالها داخله دومًا:

-       بابا يا ريت تبعد مراتي عن كلامنا نهائي، جوازي يخصني لوحدي، وأنا متأكد مليون المية إن المكالمة دي مش مباركة ولا حتى تأنيب أكيد في حاجة تانية أو مصلحة.

-       واضح إن جدك نسي يعلمك تتعامل مع أبوك ازاي، مصلحة إيه يا ولد؟!!

-       ولا حتى سيرة جدي، دكتور ماهر الديب، يا ريت أعرف سبب المكالمة، أكيد مش مباركة اللي ما اتقالتش لحد دلوقت وأنا متأكد إنها مش هتتقال.

-       بما أنك بتتكلم رسمي نمشيها رسمي، عايزك في عملية يا دكتور رامي الديب.

تتابعه بصمت شعرت أنَّها سبب الخلاف بينهما وحزنت حين دوت ضحكاته الحزينة الصاخبة التي تنُم عن ألم روحه وتخفي ورائها بكاء قلبه، أخذت كفه الحر بين راحتيها وضغطت عليه تدعمه، ابتسم بوجهها ثم واصل مكالمته مع والده:

-       المقابل أيه؟ والعملية امتى؟

أحــتلت الصـدمة قسماتها؛ فرامي مُحِق هناك سبب للمكالمة، ارتسمت على وجهها بسمة ساخرة حزينة فهناك آباء مثل والدها للأسف، فشددت على يده أكثر تربت عليها.

-       بعد يومين، ومش هينفع تتأجل أو تعتذر العملية مستعجلة، وجولي مخصوص عشان اتوسط لهم عندك باعتبار أنك ابني وبتسمع كلامي.

-       قصدك عشان مصدر للإعلام إننا أسرة مترابطة، أنا مش هاقطع أجازة جوازي عشان حضرتك أسف.

-       يعني أيه آسف يا دكتور، دي حياة مريض فين التزامك بالقسم وشرف المهنة.

أغمض عينه بوجع فوالده لا يهتم لا له ولا لشرف المهنة فقط يهتم بالمال والمظهر الاجتماعي، همست له مُرحبة، لن تعترض أو تشعر بالسوء.

-       لو وافقت أيه المقابل.

-       عايز تاخد فلوس من أبوك!

-       لا مِن المريض مش منك، وأنت قولتها زمان

   business is business

-       مش هتنسى.

-       أنسى! المهم المقابل تبطل تضايقني في شغلي مش عايز توصيات ليَّا أو عليَّا، يمكن أطلع مِن الاستقبال بعد السِّنين دي كلها.

-       يا غبي أنا عايزك تشتغل معايا، بدل الملاليم اللي بتقبضها.

-       لأ، وحضرتك عارف السبب، فبلاش نتكلم في الموضوع ده، موافق ولا لأ؟

-       موافق.

-       هرجع بكرة إن شاء الله، ومن دلوقت شغلي ما حدش يتدخل فيه، الفريق اللي معايا أنا اللي أحدده.

-       تمام، سلام

يستمر والده في رشقه بسيوف الخذلان، وقفت جانبه تحتويه لتعيد إليه بسمته، فانتبه على يدها تحاوطه بحنان تمسد على خصلاته، ابتسم بألم ووضع رأسه على صَـدرها مُطلـقًا تنــهيدات حــارة، أغمض عينه يحمد الله على الاستماع لقلبه والارتباط بها، رفع رأسه لها مبتسمًا، جذبها بلحظة لتجلس أعلى قدمه، فضحكت بصخب:

-       أنا إيه اللي جابني هنا؟ مش كنت هناك.

-       وأنا إيش عرفني ده تَـحرُّش على فكرة.

-       يا سلام! مش أنت اللي شدتني.

ادعي التفكير، ثم حملها يتحرك نحو فراشهما، وصاحب كلماته غمرة مغازلة:

-       لا أنا يوم ما أشدك يكون لحته تانية خاااالص.

سعادة مفرطة يعيشها مع نيرته ونور حياته، ورغم ذلك بُعْد والده يؤرقه ويُثِير قَـلقه، طالت المدة وطال الغياب، لم يكن والده ليتركه يوم زواجه مهما كانت الأسباب، لا يستطيع كبـح تفكيره السَّلبي، حاول إخفاء قلقه وتوتره عن نيرة، لكن قلب المحب يشعر بحبيبه حاولت معرفة ما يشغله:

-       مالك يا حسن وبلاش تقول مفيش، أنت متغير جامد من يوم الفرح.

-       قلقان يا نيرة، غياب بابا بقى مُقلق ومش طبيعي، توقعت أنه هيجي الفرح وننهي الزعل اللي بينا، قلبي بيقولي أنه في مشكلة.

-       طاب أنا عندي فكرة؟ روح لسامر اسأله أو أسأل سعاد أختك.

-       ابص في وشه ازاي! أنتِ ما شوفتهوش وهو بيقولي إن كل اللي أملكه بتاعه عشان بابا السبب فيه، وكمان بعت استقالتي مِن ورايا وزور أمضتي، وعشان الأخوة ما اتهمتوش بالتزوير، ولولاكِ كان زماني لحد النهارده مش لاقي شغل ووحيد.

ابتسمت بحب وضمت كفيه إليها:

-       طاب ما تشوفها بشكل تاني، يعني لولا تصرفه الأحمق كان زمانك بعيد وكل واحد فينا تعبان، هو غلطان وغلط كبير، مش بدافع عنه، بس ربنا كافئنا، صح!

أومأ موافقًا يبتسم لها بامتنان. 

-       يبقي سيبك منه وما تقطعش مع اختك عشانه، اللي فهمته منك أنه بعيد عنها، ممكن تكون محتاجاك ولو روحت تاني تفتح لها باب تدخلك منه.

-       تفتكري!

-       أكيد، الوحدة صعبة قوي يا حسن، خصوصًا البنت تحس بضعف ممكن يوصل للقهر، أو تندفع لتصرف غلط.

دب الرُّعب بقلبه تتراقص الهواجس بعقله، هي أخته وإن لم تعترف، الوحدة ألمته وهو رجل قوي يمكنه التحمل والتَّجاوز بذرته طيبة من الجانبين، لكن سعاد لها جانب مريض نفسيًا، قطع شروده صوت نيرة:

-       روح يا حسن ما تتأخرش أكتر من كدة. 

-       خلاص بعد الإجازة اروح على طول، أنتِ صح.

-       خير البر عاجله، روح النهارده.

-       مش هتزعلي إني سيبتك في إجازة جوازنا.

-       تؤ، هزعل لو أجلت المشوار، يلا الوقت لسه بدري.

باقترابه سمع صوت شجار عالي وحاد، تملَّكه الخوف وطرق الباب بإصرار ضغط زر الجرس حتى فُتِح، انقبض قلبه برؤية زوجة والده المرتسم على وجهها أمارات الغَـضَب وكذلك سامر الذي زادها بشحوب وجهه واسوداده، بدا كشبح مُرعِـب، تغيَّرت معالمه وفقد وسامته، لم ينتبه لكلماتها السَّامة غير المرحبة، بل لم يسمعها فكل تركيزه مُنصَب على سعاد مَن بدت في وضع ضعيف ومعنَّــفة، شعرها مُبعثر وامتلأ وجهها بالخدوش والكدمات كما دموعها التي احترقت جفونها، دفع زوجة والده وخطا للداخل يتأكد مِن ظنِّه، ولم يهتم بما قد يترتب على فعله إن خطأ ظنِّه:

-       في إيه؟ إيه اللي بيحصل هنا؟

-       وأنت مالك؟ أنت مين أصلًا عشان تسأل؟

ابتسم بتهكم على سؤال زوجة والده ولم يبخل عليها بالإجابة:

-       أنا أخوهم وابن جوزك.

تقدم نحو سعاد الساكنة بموضعها ولم يهتم لسيل السُباب الذي تقذفه به والدتيهما، الذي وصل لحد الطرد، يسألها:

-       سعاد مالك؟ أنت كويسة؟ اتكلمي.

بسمة تهكم صامتة رُسمت على جانب وجهها، الجميع خذلها وهو بالتأكيد سينضم لهم، لم تدرك أن حالتها تلك عاشها لسنوات طويلة تذوق مرارتها وأنَّ الخذلان والوحدة عنوان حياته السابقة وكأنَّ الزمان يعيد نفسه، أقسم داخله أنَّه لن يتركها وصحَّ حديث نيرة، أخته تعاني ومقـتــولة قهرًا، شتت سيل أفكار صرخات والدتها فصرخ بوجهها بحدة لم ترها منه سابقًا:

-       بس أنت إيه!! كل همك أطلع بره أطلع بره، فاكرة إني حابب وجودي معاكم أو جاي عشانك أوعشان ابنك، أنتم الاتنين آخر حد ممكن يجي في بالي مش أتحرك عشانه، أنا سيبت مراتي وهي عروسة وجيت عشان سعاد، سعاد وبس.

ثَــارا وغَـاضـبا ووقف قبالته يرشقونه بأكثر الكلمات سُمًّا، لم يهتم بهما أو لهما، عينه مُثبته عليها، يفسر تغير معالمها من وقع كلماته، رأى صدمتها التي وضحت مع جملته وكأنها وجدت مَنْ انتبه لها واهتم، وخزته بسمتها الحزينة ودمعاتها، لم يضيع مزيد من الوقت؛ فما رآه يكفي، أخذ قراره وتحرك سريعًا، فاجأ الجميع ولم يمهلهم فرصة لمنعه أو الاعتراض، جذب يد سعاد وخرج بها مُغلقًا الباب خلفهما، استغرقا بعض الوقت ليترجم عقلهما فعله، احتدت معالم سامر وكاد يتبعه فأوقفته والدته تمنعه:

-       رايح فين بشكلك ده! أنا هعمله محضر بخطفها، أنت لو دخلت قسم هيقبضوا عليك تعاطي.

عانقتها بحنان كما لو كانت تعرفها منذ زمن، أحضرت لهما مشروب يهدئ أعصابهما، ساد المكان صمت متوتر شرد حسن خلاله، دار بعقل سعاد حوار طويل وأسئلة متعددة، لا تثق بحسن؛ فشقيقها يعاملها أسوأ مُعاملة وأمها تشجعه فهو الولد، ووالدها يوبخه ويحتج على تصرفاته بمكالمة تسير عبر حدود الدِّول وعندما تنتهي يبث سامر بها غَضَبه؛ فتنال الكثير من الصَّـفـعات والرَّكَـلات، أصبحت تهاب التَّعامل معه، خصوصًا وقت تعاطيه وغياب عقله، أشفق حسن على حالها توقع تفكيرها، حاول بثها بعض الطمأنينة والدَّعم:

-       مش عايزك تخافي أنا معاكِ وفي ضهرك والأيام تثبت لك، أنتِ هتقعدي معانا هنا، نيِّرة طيبة قوي أتمنى تبقم صُحاب، ارتاحي دلوقت ونأجل كلامنا لبكرة، اطمني ماحدش هيلمسك تاني، وعد.

-       اوعد باللي تقدر عليه، سامر مش هيبطل إلا لو مات.

-       إن شاء الله أقدر، وده وعد عليَّا، نيرة ممكن تطلعي لسعاد هدوم جديدة مِن عندك، بكرة إن شاء الله أنزل أجيب لها اللي عايزاه، وأنت يا سعاد اشربي العصير ونتعب نيرة شوية كمان وتعمل لنا عشا أكيد لسه ما أكلتيش.

حاول تجاوز صدمته من ردها شعر وكأنها تتمنى موت سامر، فرغم كل مساوئه إلا أنه أخيه الصغير، أمعن النظر بمعالمها التي تصْـرُخ بمُعَانتها من وقت طويل، يتابع حركاتها وردود أفعالها لكل ما تفوه به، تردد بعقله كلمات نيرة؛ فتجمد للحظة ودعا ألا تكون ألحقت الأذى بنفسها بأي تصرف غير مدروس، جلس جانبها مُبتَسِمًا بود وجذبها يعانقها بحنان يمسد على رأسها ويربت على ظهرها، يمسح وجع روحها ويشفيها، انتفضت بين يديه مع سماعهم لطرقات جامدة متتالية؛ توقعا أنه سامر فحاول طمأنتها:

-       مش هترجعي هناك مهما حصل، وعد، اوعي تخافي، نيرة، خليها جنبك ادخلوا جوة واقفلوا على نفسكم.

ما لم يتوقعه قوة مِن القسم تسأل عنه وعن سعاد، قادوهما للقسم، حاول قدر استطاعته طمأنتها يحاوطها كي لا يمسها أحدهم، يحاول تهدئتها لتكف عن البكاء وهو لا يعلم أي فخ نصبته له والدتها، دخلا مكتب الضابط وحسن يضم سعاد المُرتعشة يهون عليها الموقف، وكما توقع زوجة والده الموجودة بالغرفة وراء ما يحدث ترْشُقـه بنظرات نــارية، ومع دلوف الضابط تحولت نظراتها لأخرى مُنْـكَـسِرة واستحضرت دموعها، تجيد التَّمثيل وبرعت هذه المرة، تساءل حسن بلباقة اتقنها:

-       سيادتك أنا مش عارف سبب وجودنا هنا، ما حدش راضي يتكلم.

قيَّمهم الضابط بنظراته ثم تحدث بغلظة:

-       نزل ايدك ده قسم مش كافيتريا، شكلك محترم يعني، أمال البلاغ ده إيه؟ ولا هو شكل بس!

-       اعذرني يا فندم هي مرعوبة وأنا خايف عليها، والحمد لله على نعمة ربنا أنا محاسب في مستشفى محترمة، ممكن اعرف سبب وجودنا.

-       سبب وجودك هنا، الآنسة اللي خايف عليها، وحالتها دي خوف منك مش من المكان.

-       وأختي تخاف مني ليه!

-       أختك! والدتها قدمت بلاغ تتهمك بخطفها.

شعر بالدهشة والاشفاق على أخته التي دخلت بنوبة بكاء هيستيري: 

-       مش صح يا فندم ما حدش بيخطف أخته واللي يخطف مش هيروح بيته، أكيد لما أحب أخطف مش هيكون بعد فرحي بأسبوع.

-       مش ابني يا باشا، والله مش ابني.

وزع الضَّابط نظراته بينهما فبدا عليها الارتباك، اندفعت ولم تقدر عاقبت فعلها، تعجب حسن منها:

-       أنا فعلًا مش ابنها، بس سعاد اختي، احنا اخوات من الأب وحضرتك ممكن تسأل سعاد نفسها.

-       القانون مش عايز رأي سعاد، القانون عايز ورق وأدلة.

ابتسم حسن بإرهاق وأخرج بطاقة هويته يعطيها للضابط:

-       البطاقة فيها اسم الأب ولو حضرتك شوفت بطاقة والدتها هتلاقي اسم الزوج هو اسم والدي أو الباسبور لأنها كانت مسافرة ونازلة إجازة، وبالنسبة لسعاد فممكن نتصل بسامر أخويا الصغيَّر..

التفت بوجهه لزوجة والده يسمعها ما ترفض دومًا، ثم عاد بظره للضابط يسترسل: 

-       لأني أنا الكبير، يجيب بطاقته وشهادة ميلاد سعاد وحضرتك تتأكد من كلامي.

فكرة حضوره القسم ترعبها، سيعلم الضابط من هيئته بتعاطيه؛ فتحدثت بتلعثم تحاول إيجاد مخرج:

-       يا.. يا باشا هو أخوها صحيح بس خاطفها، خدها مِن وسط البيت بعد ما زعق فيَّا، عايز يحرمني منها.

ازداد نحيب سعاد وأيقنت أنَّ والدتها ستُـقاتِـل لتعود معها، أي أنَّها هالكة لا محالة، اقترب حسن منها يضمها يبثها الأمان، والضابط يقيم الموقف بعين خبيرة مر عليه الكثير، تحدث بحدة:

-       وإحنا هنا وزارة التَّضامن نحل المشاكل الأسرية، أنا ممكن احبسك بتهمة البلاغ الكاذب.

-       حضرتك التمس لها العذر لما روحت كان في شد فعلًا، حبيت أهدي الجو وأخدت سعاد تقعد معايا، عشان نحل المشكلة بهدوء، ولما أصروا على العنف خدتها ومشيت، فيمكن تصرفي عصبها فتهوَّرت كده، أرجو إن حضرتك ما توصلش الأمور لمحضر، خصوصًا إن والدي مسافر وأخويا صغير وحضرتك شايف رفضها ليا.

-       لما أنت عريس جديد، هل طبيعي تروح لهم المفروض العكس!

-       هي بتأكد إني مش ابنها ووالدي مسافر والحقيقة هو زعلان مني شوية، فعشان كدة ما حضروش الفرح، وأنا ما حبتش أقطع معاهم خصوصًا وأنا عندي أخت صغيرة لازم أروح عشان سعاد.

يعيد على سمعها عدة مرات أنه يهتم ويفعل وهو الآن يتحمل مِن أجلها، بل ويدافع عن والدتها ويلتمس لها العذر، كم اشتاقت لتلك المشاعر! فمنذ عودتها مع سامر تفتقدها، بالسابق بثها والدها وأعطاها مثلها الكثير، اغدقها ببحر حنانه تشرب منه لترتوي ويفيض، انتبهت على كلمات حسن المهتمة:

-       ممكن حضرتك، نمشي سعاد تعبت جامد وجسمها كله بيرتعش.

كانت زوجة والده تطلق الشرار يتـوهَّـج كامل جَسَــدها، فشلت فشل ساحق، أيقنت أن سعاد لن تعود معها؛ فتحدثت مدعية البكاء:

-       يمكن أساءت التصرف، لكن كل همي بنتي ترجع معايا، أخاف تبات معاه هو أخوها على الورق بس، عمرها ما قعدت معاه ولا تعرفه.

ضربته بمقتل اغمض عينيه يمتص مرار كلماتها، طالعته سعاد ورأت بعينه ما تشعر به دومًا، تحدث الضابط بتقييم للموقف يحكُم بما يحثه عليه عمله وضميره معًا:

-       قانونًا ما أقدرش أجبرها تروح مع حد منكم، هو أخوها وإن كان غير شقيق وأنتِ أمها، يبقي القرار في ايدها تقرر، وخلوا بالكم أني حاليًا هكون شاهد كمان، عشان لو جيتم هنا تاني.

توجهت إليها الأنظار، فارتبكت ووقعت في حيرة، تتعاطف مع حسن الذي لم يكن مضطرًا لتحمل ما حدث وفعل لأجلها، مهتم وهي عاشت الإهمال مع أمها، قطع سيل أفكارها كلمات حسن الحنونة، يحاول إخفاء شعور الخذلان؛ فهو موقن إنها لن تختاره، فالأخرى محقة، هي لا تعرفه:

-       سواء معايا أو لأ هأفضل في ضهرك مش هابعد تاني، وعد.

ابتسمت له شاكرة وحددت اختيارها:

-       هرجع مع حسن، على الأقل فترة.

تنهد حسن براحة وابتسم لها بحب، اسعدته باختيارها له، وثقتها التي منحتها له، اسعدته كاسمها، بينما أسود وجه أمها غَضَبًا، قطع الضابط الصَّمت:

-       انتظروا نتمم الإجراءات، أنا تجاوزت عن محضر إزعاج السلطات عشان خاطر البنت وأخوها ونصيحة ما ترجعيش هنا تاني بمحضر فشنك، المرة الجاية مش هعديها لأي سبب.

~~~~~~~~~~~~~~~~~
اتمنى الفصل يكون ارضاكم بالنسبة لشهاب هتلاقوه في باقي الفصل المرة الجاية تعبت وما حبتش أأجل يوم كمان 🤭😊، قرأءة ممتعة ما تنسوش لايك ورأيكم في تعليق ❤️🌹❤️

  •تابع الفصل التالي "رواية علاقات سامة" اضغط على اسم الرواية

تعليقات