رواية هيبة الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم مريم محمد غريب
إلتفت "زين" ناظرًا صوب باب حجرة الفحص بالمشفى الخصوصي حيث يقف جده محاولًا استراق النظر عبر النافذة البيضاوية دون جدوى ..
زفر بضيقٍ وسار تجاهه، هتف بصوته المتزن وهو يقف خلفه مباشرةً:
-جدي.. إهدى شوية.. خير إن شاء الله.. تعالى أقعد هنا لو سمحت.
رد "رياض" دون أن يلتفت له:
-همّلني يا زين.. ماطيجش أسمع مخلوج.
زين بعدم تصديق:
-أد كده خايف عليها؟ ده انت ماتعرفهاش يا جدي!!
وهنا استدار "رياض" نحوه ببطءٍ وقال بنظرة خاوية:
-يبجى انت إللي عمرك ما عرفتني. انت يا زيـن.. اجرب واحد ليا.. ماتعرفش ين هو رياض نصر الدين.. مين هو جدك!
هز "زين" رأسه قائلًا في عبوسٍ:
-أنا أعرف مين هو رياض نصر الدين.. الراجل إللي محدش يقدره إلا ربّه. إللي كان عنده استعداد يقـ تل بنته بإيده لما جابتله العار
أنا لحد اللحظة دي مش فاهم يا جدي. انت رجعتها ليه؟
وخصوصًا بعد ما عرفت عملتها. عايز منها إيه؟
جاوبه "رياض" بلا تردد وهدوء يُحسد عليه:
-عايزك تتجوزها.
نظر إليه "زين" بذهولٍ للحظات بدت دهرًا، ثم قال:
-أتجوز مين يا جدي؟
رياض بصرامة: تتجوز ليلى. بت عمتك. انت أولى بيها.. انت إللي هاتجدر تحميها.
زين باستنكارٍ: إزاي عايزني أتجوزها وأنا ماشي في الخطة إللي اتفقنا عليها؟
أنا هاتجوز بنت السفير. بنت خالة الكلب إللي داس على شرفنا!!
أومأ له "رياض" وقال:
-وهاتتجوز ليلى كمان.. هاتتجوز الاتنين.
حدق فيه "زين" غير مصدقًا ..
وما كان ليحيد عنه أو ينطق لدقائق، لولا خروج الطبيب المفاجئ ..
إلتفت "رياض" نحوه بسرعة، واقترب "طاهر" واقفًا بجوار ابنه "زين" ...
-خير يا دكتور علوي طمنّي!
تنهد الطبيب الخمسيني تعبٍ واضح وقال بهدوء:
-أطمن يا حج رياض. البنت هاتبقى زي الفل. إحنا لحقناها وعملنا اللازم
لكن للأسف الجنين نزل. هي أصلًا وصلت وكانت أجهضت خلاص أنا مالقتش أي أثر للجنين
لكن بشكل عام لحقتها. ومش هايحصل لها أي مضاعفات أطمن وتقدر تحمل تاني وعاشر.
زفر "رياض" براحة غامرة وقال:
-الحمدلله.
-بس يا حج. إللي أنا شوفته ده مش طبيعي. دي كانت جريمة
متعمّدة يعني وفي ظروف أسوأ البنت إللي جوا دي يا كانت هاتنزف لحد الموت أو كانت هاتعيش طول عمرها ماتعرفش يعني إيه أمومة.
أومأ "رياض" بتفهمٍ قائلًا:
-أنا خابر يا دكتور.. خابر كل شيّ.
-أنا لاجلك بس مش هاعمل تقرير باإللي حصل. لكن البنت دي في رقبتك يا حج صح؟
جاوبه "رياض" بصوتٍ أجش:
-دي بتّي يا دكتور.. إللي يرشها بالمايّة أروشه بالدم
وحجها راجع!
انفرجت أسارير الطبيب براحة أكثر وقال:
-دقايق وننقلها غرفة خاصة.. هاتفضل تحت الملاحظة كام ساعة وبعدها تقدر تاخدرها وتمشي يا حج
بس الراحة. لازم توفرلها راحة تامّة. وكمان أنصحك باستشارة طبيب نفسي. إللي حصل معاها ده أكيد له تبعيات نفسية.
-هايحصل يا دكتور.. أطمن.
وأستأذن الطبيب منه عائدًا إلى غرفة الفحص ..
بينما يستدير "رياض" صوب حفيده قائلًا والشرر يقدح من عينيه:
-زيـن.. خدني دلوق على الجصر.. خدني لغنيمة!
____________________________________________
دلف إلى المكتب حاملًا صينية القهوة، أغلق الباب خلفه بإحكامٍ واقترب من المجلس الصغير ..
جلس أصغر أفراد عائلة "الراعي".. "ليث الراعي" إلى جوار أبيه، بينما "نديم الراعي" يجلس خلف المكتب الضخم، والمحامي قبالتهم لا يزال يناقش "نديم" حول القضية الأهم له مطلقًا ...
-يا نديم بيه أنا مش عايزك تقلق خالص! .. قالها المحامي بلهجةٍ ثابتة:
-القضية بتاعتنا في كل الأحوال. وانت الطرف الكسبان سواء استدلّينا بنسب أنسة ليلى لمهران بيه على الورق
أو حتى في حالة الطرف التاني طعن في النسب وأثبتوا قرابتها ليهم. انت معاك حاجة مهمة جدًا. عقد جواز مدني صحيح 100%
ده أنا موثّقه بنفسي. أطمن خالص.
نديم بصوتٍ حاد:
-أنا مايهمنيش كل ده دلوقتي يا متر. كل إللي يهمني ليلى. أنا عايز أرجّعها بأي طريقة
عايزها الليلة دي تبات هنا في بيتي.
-الكلام ده مش ممكن يحصل إلا في حالتين
يا تخرج من قصر سليمان نصر الدين ودي هاتكون طريقة مشروعة تحت إشراف قوة أمنية
يا تلجأ لطريقة تانية غير مشروعة وتاخدها بالعافية.. ولكن مانصحكش
هاتبقى حرب وجنايات مالهاش آخر.
ينفعل "نديم" بغتةً ضاربًا سطح المكتب براحة يده:
-أومال تنصحني بإيه يا متر؟
ليلـى دي مراااااتـي. انت بقـى عندك علم بالقصـة خـلاص
مش بنـت عمـي. بس مراتـي. وحامـل كمان. شوف لي أي طريقة أرجعها الليلـة مش بكـرة!!!
كانت الصدمات تهوى فوق رأس "ليث" تِباعًا ..
تأكيد "نديم" لعدم نسب "ليلى" للعائلة ..
خبر زواجهما.. و.. حملها منه!!!
متى؟
متى بحق الله صار كل هذا؟!!
إلتزم الصمت، منصتًا لبقيّة الحوار ...
-أنا متأسف جدًا يا نديم بيه. مافيش في إيدي حل فوري
لو تحب هاطلع على النائب العام وأحرر محضر جديد وأقدم فيه عقد الجواز
ده هايبقى حل أسرع في حالة رياض نصر الدين قدم طعن وطلب إثبات نسب أنسة ليلى له.
عقد "نديم" حاجبيه بشدة مرددًا بجمودٍ:
-ده هايبقى الكارت الأخير يا متر.. أنا مش هاعرّض ليلى لأي صدمات
كفاية الصدمة إللي أكيد خدتها إنهاردة. بس وعزة إلل خلقها. ما هاعدّي كل ده على خير.. أرجعها الأول بس!
لم يبقى شيء يقدمه المحامي بعد جلسةٍ طويلة استمرت لساعاتٍ، فنهض طالبًا الرخصة ليرحل، سمح له "نديم".. ليبقى وحده الآن برفقة عمّه وابن عمّه الشاب ..
واتت الفرصة "ليث" الآن، نقل بصره بين أبيه وابن عمه قائلًا:
-أنا مش قادر أصدق إللي بسمعه من الصبح.. انتوا الأتنين بتلعبوا بينا كلنا طول العمر ده؟
مهران بضيقٍ: ليث أنا مش فايق نهائي لأي تبريرات. وماعنديش كلا آ ..
-يعني إيه ليلى مش أختي يا بابا؟ .. قاطعه "ليث" متسائلًا بنزقٍ
تسمّر "مهران" ولم يرد عليه، فاستطرد منفعلًا وهو ينظر إلى "نديم":
-وانت يا نديم.. انت اتجوزتها إمتى؟
وكمان حامل منك؟ استغفلتنا كلنا؟ عشان كده مراتك سابت البيت ومشيت؟
إزاي جابك عقلك تعمل كده في أختــي؟؟؟
-مش أختـك!.. هتف "نديم" بصرامة
جمد "ليث".. بينما يقول "نديم" بحدة:
-ليلى مش أختك يا ليث. ولا تقرب للعيلة دي أصلًا
وبالمناسبة مافيش أي حد هنا دلوقتي له الحق فيها غيري أنا
لا عمي. ولا انت. ولا حتى أهلها إللي خطفوها مني.. لأنها مراتي. معايا إللي يثبت ده
أقوى من إثبات عمي لبنوتها إللي 100% المحكمة هاتنفيه. وحتى أقوى من إثبات نسبها لأهلها
ليلى مراتي. وأنا بس صاحب السلطة الكاملة عليها. إنهاردة أو بكرة هاترجع لي غصبٍ عن أهلها من أكبر راس لأصغر راس.. فهمت بقى يا ليث إزاي جابني عقلي أعمل كده في ليلى؟
حدجه "ليث" بنظراتٍ مستنكرة وقال بهجومٍ:
-لأ. ماتبررش الوساخة دي بالمنطق الأوسخ ده.. انت ليه ماعملتش كده في النور؟
ليه اتجوزتها عند محامي؟ ليه مش على يد مأذون؟ ليه مش رسمي؟
مرّ بريقٍ ناري بمقلتيّ "نديم" الزمردتين، ارتعش صدغه وهو يكز على أسنانه لثوانٍ، قبل أن يقول ببرودٍ يحمل تحذيرٍ ضمني:
-مش كل حاجة لازم تعرفها يا ليث.. وأكيد أنا عندي أسبابي
إللي ماتخصش حد غيري. فاهمني؟
كاد "ليث" يرد مجددًا، ليخرسه "نديم" هادرًا بعنف:
-مش عايز أسمع لك صوت تاني. الموضوع ده محدش يتكلم فيه معايا
إللي كان يقدر منكوا يمنع حد ياخدها. أو يقدر يرجعها دلوقتي حالًا. أنا هانسحب. هاشيل إيدي من كل ده
لكن طالما ماتقدروش تخطوا ناحيتها خطوة منغير ما قانون يوقفكوا أو جربوع زي جدها يقف لكوا. يبقى محدش يتجرأ ويلومني على أي حاجة عملتها.. أو هاعملها عشان ليلى ترجع. مفهــوم؟
أطبق "ليث" فمه بقوة عاجزًا عن أيّ رد ..
لكنه لم يحتمل البقاء أمامه أكثر، هب واقفًا وغادر غرفة المكتب صافقًا الباب خلفه بقوة ..
بينما يأخذ الغضب من "نديم" مأخذٍ، يتنفس بعنفٍ وهو يدور بمقعده للجهة الأخرى مسندًا رأسه إلى يديه، كان يشعر بدماغه على وشك أن يتحولإلى ركانٍ ن شدة تفكيره المحموم اللا منقطع ..
وفجأة يدق هاتفه، فيمد يده ويرد على المتصل بلحظةٍ:
-آلو!
المتصل: نديم بيه. الأنسة ليلى خرجت من قصر سليمان نصر الدين.
نهض "نديم" في أقل من ثانية ساحبًا سترته ومهرولًا إلى الخارج وهو يسأل الطرف الآخر بغلظةٍ:
-هـي فيـن؟
المتصل: في مستشفى "_______"!!
للحظة أحس كأنما توقف نبض قلبه، وتوقف عن السير كذلك وهو يتخيّل أبشع السيناريوهات.. ولا يسعه بعد ذلك إلا الهمس باسمها:
-ليلـى!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
•تابع الفصل التالي "رواية هيبة" اضغط على اسم الرواية