رواية من انا الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم حليمة عدادي

 رواية من انا الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم حليمة عدادي 

من أنا
البارت  23
اتسعت عيونهم وامتلأت قلوبهم بالصدمة عندما رأوا "يونس" ملقًى على الأرض. هرعوا نحوه في حالة من الذعر، وتقدمت "تقى" نحوه والدموع تتساقط من عينيها. ركعت بجانبه، وضعت رأسه على فخذها، ونادت بصوت مخنوق بالبكاء:

-"يونس"، "يونس"، رد عليا!

لكنها لم تتلقَّ سوى همسات غير مفهومة، وعرق يتصبب من جبينه بسبب ارتفاع درجة حرارته. وضعت يدها على رأسه وصرخت بصوت عالٍ:

-عمي حرارته مرتفعة! تعالوا بسرعة، شيلوه وحطوه على السرير، نعمل له كمدات بسرعة، وروح جيب له دواء!

حملوه بسرعة ووضعوه على سريره، حيث غطته "مريم" ببطانية ثقيلة لتحميه من البرد القارس الذي كان يخيم على المكان.
 في تلك اللحظة، هرعت "تقى" إلى المطبخ، وهي تسرع الخطى، لتحضر بعض الماء وقطعة قماش نظيفة.
 بعد ثوانٍ معدودة، عادت مسرعة، وألقت نظرة على وجه "يونس" الذي بدا شاحبًا، ثم جلست بجانبه.
 بقلق بالغ، بدأت تطبق الكمادات على رأسه بحذر، في محاولة لتخفيف حرارته المرتفعة.

بينما كان "أحمد" يقف في زاوية الغرفة يراقب المشهد بحزن عميق، كان قلبه ينفطر لرؤية حالته.
 شعر بالعجز، وكأن الزمن قد توقف، فلم يكن هناك شيء يستطيع فعله إلا الانتظار.
 ثم تنهد بعمق وقال بصوت متألم:
-أنا هروح أجيب له شوية أدويه، شكله أخذ برد. وإنتوا خليكم معاه لحد ما أرجع.
عقب انتهاء حديثه، خرج مسرعًا، بينما "مريم"، التي كانت تراقب الوضع، لم تجد ما تفعله سوى التوجه إلى المطبخ لإحضار بعض الحساء لشقيقها.
 وبينما كانت هناك، في المطبخ، كان صوت "تقى" يشق الصمت في الغرفة المجاورة، حيث بقيت بالقرب من "يونس"، تجلس بجواره وتهمس إليه كما لو كان يسمعها، وقلبها مليء بالحزن والهموم.

- ما كفاية عمال كل شوية  تخوفني عليك يا "يونس" كده، إنت مش هترتاح غير لما تموتّني؟ ليه بتعذب نفسك و تعذبني معاك؟ مصر تزعل نفسك دايمًا، كده مفيش فايدة! بص وصلت حالتك لفين؟

كانت كلماتها تتسلل برقة، لكن الألم كان يلوح في صوتها. في تلك اللحظات، كان الحزن يسيطر عليها، وهي تشعر وكأنها عاجزة عن فعل شيء لمساعدة "يونس"، الذي بدا ضائعًا في همومه.

 كان مشغولًا في عمله، لكن أفكاره كانت تائهة في هموم شقيقه، الذي كان يعاني من أمرٍ ما، وكان يشعر بحزن عميق تجاهه. فهو ليس فقط شقيقه، بل صديقه المقرب وسنده في الحياة، رابط قوي يجمع بينهما يتجاوز مجرد صلة الدم. وفجأة، انتزعت رائحة احتراق الطعام انتباهه وأخرجته من دوامة أفكاره، فانتفض من مكانه سريعًا ورفع القدر عن النار، لكن للأسف كان المقبض قد اقترب من اللهب، فتعرّض لحروق بسيطة في يده. وضع القدر جانبًا وهو يشعر بضيق شديد، وفجأة، سمع صوتًا مألوفًا يقطع الصمت، قائلًا:
-الشيف بتاعنا زهق من الطبخ ولا إيه؟

شقت الابتسامة شفتيه، فقد كان يعرف هذا الصوت عن ظهر قلب، حتى لو كان بين آلاف الأصوات. 
استدار إليها ليجدها جالسة على أحد المقاعد، والبسمة تزين وجهها. اقترب منها وقال وهو يحاول إخفاء أثر الحزن في صوته:

-"شهيرة" عندنا يا مرحبا يا مرحبا، وأنا بقول ليه المطعم منور النهارده؟ لا والله مش زهقان، بس تقريبا سرحت في حاجة.

أنهى حديثه وعاد لاستكمال ما بين يديه، مركزًا نظره على ما يعمل فيه، في حين قامت هي من مكانها بسرعة، وارتدت المئزر على خصرها، ثم توجهت إلى جانبه، قاصدة أن تساعده في عمله. وقفت هناك لحظة، ثم قالت له بحنان:

-عارفه إنك بتفكر في" يونس" وقلقان عليه، هو محتاج وقت عشان يرتاح ويبقى لوحده شويه، أنا سبت عمي و"تقَى" راحوا عنده عشان يطمنوا عليه.
أجابها وهو لا يزال شارد الذهن، وكأن كلماتها لم تخرج عن ذهنه:
-عارف يا "شهيرة"، بس بالي مشغول عليه. نفسي يفرح ويبعد عن الحزن، أتمنى طول عمره يعيش بعيد عن أي ألم، لأنه دايمًا حزين، مفيش يوم يعدي عليه من غير ما يكون في حزن في عينيه.
-ماتزعلش ،هو أخيراً  خلص من "وليد" و إن شاء الله هيتجوز هو و "تقى" و تكون حياتهم سعيدة، عقبالك يا استاذ "حسام"

ابتسم "حسام" وهو ينظم الطعام على الأطباق، ثم رفع رأسه وقال بروح مليئة بالأمل:

-عقبالي على إيه؟! أنا لسه مستني المشاكل كلها تخلص، يا آنسة "شهيرة"، علشان نقدر نتجوز ونحتفل مع بعض.

"شهيرة" ضحكت بلطف وقالت:
-إن شاء الله يا "حسام"، كل تأخيره و فيها خيره، الأهم إن "يونس" يكون بخير.

 أخذ "حسام" نفساً عميقاً ثم تابع بنبرة هادئة:
-إن شاء الله. الفرح يتم على خير، بس الأهم إن كل واحد فينا يكون سعيد. "وليد" وخلصنا منه و كده هنطمن.
 ابتسمت "شهيرة" وأومأت برأسها:
-أكيد يا "حسام"، وإللي جاي أحسن. المهم إننا نقف جنب بعض، ومهما حصل، ربنا كبير.

ثم نظر "حسام" إلى الأطباق وهو ينظمها مرة أخرى:
- بإذن الله يا "شهيرة"، كل حاجة هتتحل، وإللي جاي أحسن بكتير.
لا تزال "تقى" جالسة بجانب رأسه، تضع الكمادات على جبينه في محاولة يائسة لخفض الحرارة المرتفعة.
 كان لسانها يردد آيات من القرآن الكريم، حتى عم الهدوء على المكان.
 كانت عيناها تتنقل بين وجهه وجبينه، تراقب تحركاته في صمت.
 فجأة، لاحظت أنه بدأ يحرك رموشه قليلاً، ثم ببطء، فتح جفونه. همس بصوت ضعيف، بالكاد يُسمع:

-ما تعيطيش، أنا كويس.
نطق بهذه الكلمات بصعوبة، وكأن لسانه يثقل من شدة الحرارة. نظر إليها قليلاً، ولاحظ أنها كانت تمسح دموعها بسرعة، فتأثرت نظراته برؤيتها. مسحت دموعها على عجل وابتسمت ابتسامة باهتة على وجهها، ثم قالت بصوت ملئه الأمل:

-أنا مابيطش خالص، إنت كويس؟ إنت سامعني؟ "مريم"! هاتي الشربة بسرعة علشان هأكله.
كان قلبها يخفق، لكنها حاولت أن تُبدي قوتها أمامه، رغبة في أن تطمئنه وتجعله يشعر أن كل شيء على ما يرام.

خرجت "مريم" من المطبخ بسرعة، حاملة وعاء الحساء الدافئ بين يديها. وضعته أمام "تقى" على الطاولة بسرعة، ثم انتقلت إلى الجهة الأخرى من السرير لمساعدتها في إحكام إسناد "يونس" على الوسادة؛ حتى يستطيع الجلوس بشكل مريح ويتمكن من تناول الحساء.
 لكن بالرغم من محاولاته، كان "يونس" ما زال غير قادر على الجلوس بشكل مستقيم بسبب التعب والإرهاق الشديد الذي يشعر به.

بمجرد أن تمكنا من مساعدته قليلاً في رفع رأسه، قامت "تقى" بوضع الملعقة في الحساء وتقديمها له، تطعمه كما لو كان طفلًا صغيرًا، بحرص شديد واهتمام. 
كانت عيناها مليئة بالقلق، بينما "يونس" كان يبتسم بصعوبة، يحاول أن يظهر أنه بخير رغم الألم الذي يشعر به.
وبعد لحظات، رفع يده قليلاً، إشارةً منه ليوقفوا إطعامه، وقال بصوت ضعيف:
-كفايا يا "تقى"... مش قادر... حاسس معدتي بتوجعني.
فأجابته "تقى" بحنو، وهي تضع الملعقة على الطاولة:
-شوية بس يا "يونس"، علشان تخف بسرعة... بابا راح يجيب الدواء حاول تتحمل.

كان وجه "يونس" شاحبًا، لكن نظراته كانت مليئة بالامتنان و الحب.

تناول القليل من الحساء بصعوبة، وكلما حاول يبتلع القليل إلى فمه، كانت ملامحه تتجعد من شدة الألم.
 لحظات قليلة فقط، حتى بدا واضحًا على وجهه أنه لم يعد قادرًا على متابعة الطعام!
 وضعت "تقى" الملعقة جانبًا بحذر، ثم ساعدته على الاستلقاء في مكانه، وضعت الغطاء عليه بهدوء، لكن عندما وضعت يدها على جبهته، شعرت بحرارته المرتفعة مجددًا، فتنهدت بعمق وحزن.
 كانت تشعر بحيرة كبيرة، لا تعرف ماذا تفعل لتخفف عنه الألم أو لتقوي من حالته. جلست بجانبه في صمت، تراقب تنفسه الثقيل وتدقق في ملامحه التي تحمل كل معاناة المرض.

وفي تلك اللحظات من القلق والصمت، فجأة سمعت صوت الباب يفتح. دخل "أحمد" مسرعًا، ممسكًا بيده الدواء، وجلس أمامهم، وقال بسرعة:

-عامل إيه دلوقتي؟ فتح عيونه؟ أنا جبت له الدواء، ساعديني علشان ياخده.

قامت "تقى" بسرعة، وكأنها شعرت أن الوقت يمر بسرعة أكبر من قدرتها على التفكير. بيدين مرتجفتين، ساعدته على أن يتناول الدواء بصعوبة، إذ كان جسده غير متوازن، وكلما حاولوا أن يسندوه قليلاً، كان يسقط مرة أخرى. في النهاية، بعد أن تمكنوا من إعطائه الدواء، وضعوا الغطاء عليه بحرص، وغطوه بالكامل.
عندما تأكدت "تقى" أنه قد استقر أخيرًا، قالت بلهجة محملة بالقلق:
-عمي، أنا هقوم أطبخ لكم حاجة، علشان من الصبح ما أكلتوش حاجة.

توجهت "تقى" إلى المطبخ، وتبعتها "مريم" بخطوات سريعة، بينما جلس "أحمد" بجانب "يونس"، يمرر يديه بحنان على شعره الناعم، لكن وجهه كان غارقًا في الحزن، فقد بدا واضحًا أنه يعاني من الألم ويشعر بثقل ما مر به.
 مرت دقائق ثقيلة قبل أن تعود الفتيات إلى الطاولة، حامِلتَيْنِ قليلًا من الطعام، حيث وضعوهما على المائدة الصغيرة بشكل منظم.
 ثم جلس الجميع حول الطاولة في صمت، بينما كان قلب "تقى" مشغولًا بما يحدث مع "يونس". 
نظرت إليه بعينين مليئتين بالقلق ثم تحدثت بصوت منخفض، محاولًة كسر سكون اللحظة:
-عمي، هو بقى أحسن دلوقتي؟ نقدر نديه شوية أكل؟
تقدم "أحمد" قليلاً من الطاولة وأجابها بصوت هادئ لكنه مليء بالحنو، وكأنّه يحاول طمأنتها:

-سيبيه يا بنتي يرتاح شوية بعد ما أخد دواه، عشان نقدر ناخده بالليل على البيت.

أومأت "تقى" برأسها بصمت، وأعادت النظر إلى "يونس" بقلق، بينما جلسوا جميعًا، يبدأون في تناول وجبتهم في صمت مطبق، كأن الكلمات قد خانتهم في تلك اللحظة.
 لم يفارق نظرها "يونس" لحظة، وكانت مشاعرها تتأرجح بين الحزن العميق والقلق المستمر على حالته التي تبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

أما هناك في المطعم
مرت عدة ساعات، وهي تواسيه وتساعده، تحاول تخفيف قلقه المستمر بشأن شقيقه. نجحت في ذلك بشكل كبير، حيث انشغل بالحديث معها، وبدأ ينسى جزءًا من همومه.
 حتى حل المساء، وأصبح الوقت قد مر بسرعة. قامت بتنظيف بعض الأواني، ثم نزعت المئزر عن جسدها وجففت يديها. عندما انتهت، التفتت إليه بابتسامة خفيفة وقالت:
-"حسام"، أنا لازم أرجع البيت، اتأخرت، وإنت خلص إللي باقي، مش باقي كتير.

استدار إليها، وفي عينيه كان هناك نظرة من الامتنان والشكر. لقد خففت عنه الكثير من الهموم والأعباء، وأحس بشيء من الراحة بعد يوم طويل. تقدم نحوها وقال، وهو يحاول العثور على الكلمات:
-مش عارف أقولك إيه يا "شهيرة"، بجد، خفّفتي عنّي كتير. تعبتك معايا أوي انهارده.

هزّت رأسها بنفي خفيف، ثم ابتسمت وقالت بصوت هادئ:
-مافيش تعب يا "حسام"، إحنا واحد في تعبنا وزعلنا. هسيبك دلوقتي، ربنا يسهّل.

ثم نظرت إليه لحظة، وكأنها تحاول إخفاء مشاعرها، لكنها شعرت أنها قدمت له ما تستطيع، ثم غادرت المطعم و إلتفت هو إلى عمله.
*************                        
جلسوا يتبادلون الحديث حول مختلف المواضيع في انتظار أن يستفيق "يونس". كانت "تقى" ترقبه بتركيز، تراقب ملامحه بعناية، ولاحظت ارتخاء عضلات وجهه وظهور الهدوء عليه. شعرت بشيء من الراحة، تنفست بعمق، وتمنت أن يفتح جفنيه ويعود إلى حالته الطبيعية. لم يمضِ سوى لحظات قليلة حتى بدأ "يونس" يفتح عينيه ببطء، ثم أغلقهما مجددًا ليعتاد على الضوء الساطع في المكان. بعد لحظات، تحركت شفتاه، ثم نطق بصوت خافت:
-مايه ... مايه.

هرعت "تقى" إلى المطبخ بسرعة، قلبها ينبض بعجلة، ولم تسمع باقي كلماته. جلبت كأس الماء وعادت إليه مسرعة، ثم مدت الكأس إلى "أحمد" الذي كان قريبًا منه. ساعدوه في أن يستند على الوسادة بشكل مريح، ثم أخذ "يونس" الكأس بيده وأخذ شربة واحدة كبيرة كأنه لم يشرب منذ أيام. تنهد بارتياح، ثم قال:

-الحمد لله، أنا كويس. بلاش نظرة الحزن اللي في عيونكم دي، خليكم مطمنين.
ربت "أحمد" على يد "يونس" بحنان، وقال بابتسامة دافئة:

-إحنا كويسين يا ابني، ناقصنا بس نشوفك بخير.

ابتسم "يونس" ابتسامة خفيفة، وأجاب بهدوء:
-أنا بخير، كفاية عليا وجودكم جنبي. ربنا يحفظكم ليَّ.

قال كلماته وهو يرمق "تقى" بنظرات مليئة بالحب والامتنان. أما "تقى"، فقد خفضت رأسها خجلاً من تلك النظرات، وقد كست حمرت الخجل وجنتيها. ساد الصمت لبرهة، حتى كسرته "مريم" قائلة بصوت يحمل الكثير من القلق:

-الحمد لله على سلامتك يا بيه! قلقتنا عليك، كده تعمل فينا كده ؟ ده توته كانت هتموت من الخوف!

كلمات "مريم"، التي نطقت بها بعفوية، كانت كفيلة بأن تُشعل في قلبه مخاوفه. مجرد فكرة حدوث شيء لـ"تقى" يجعله يشعر بالذعر الذي لا يستطيع أن يتخلص منه بسهولة. نظر إليها بتردد، ثم تنهد بعمق، وحاول أن يخفف عن نفسه بالكلمات، رغم أن قلبه كان ينبض بعنف. قال بصوت منخفض، متحشرج من أثر التعب:
-بعد الشر عليها... أنا كويس، بس تعبت شوية... آسف تعبتكم وزعلتكم.

أحست "مريم" بحجم التوتر الذي يعصف به، فحاولت أن تخفف عن الجو الكئيب الذي يحيط بهما.
 ابتسمت ابتسامة مرحة، رغم قلقها عليه، محاولة أن تبعث بعضًا من الراحة في قلبه وتزيل عن كاهله هذا التعب. ثم قالت بنبرة لطيفة:
-"حسام" ما طمنتهوش عليك المرة دي؟ منكد علينا في البيت؟

-أنا بقيت كويس، يلا نرجع على البيت علشان ماما زمانها بالها مشغول علينا.

بعد مرور بعض الوقت، استمروا في الحديث دون أن يلاحظوا كيف مر الوقت بسرعة.
 ثم استعدوا للذهاب إلى منزلهم. قامت "مريم" و"أحمد" بإخراج "يونس" إلى الخارج حيث كانت السيارة، بينما تبعتهما "تقى" حتى وصلوا إلى الخارج.
 استقلوا السيارة، حيث كان "أحمد" و"يونس" في الأمام، والفتيات في الخلف، ثم انطلقوا نحو وجهتهم..                   
مع غروب الشمس، بدأ عدد الزبائن في المطعم يتناقص، ومرت الدقائق وكأنها ساعات، فلم يكن هناك أي شخص جديد يأتي. كان الجميع قد بدأ يتوجه إلى المساجد استعدادًا لصلاة المغرب، خاصة وأن موعد الأذان قد اقترب. في تلك الأثناء، قرر "حسام" إغلاق المطعم والتوجه إلى المسجد ليصلي قبل أن يعود إلى منزله.

دخل "حسام" المسجد، فوجد أن المكان كان مليئًا بالمصلين. صلى بخشوع وتضرع إلى الله أن يهدئ قلوبهم، وييسر لهم أمورهم، وأن يبعد عنهم كل حزن وهم. كان يشعر في تلك اللحظات بالسكينة والطمأنينة، كما لو أن صلاته كانت تواسيه في أيامه الصعبة.

بعد أن انتهى من الصلاة، خرج متجهاً إلى منزله. وعندما اقترب من باب المنزل، رأى سيارة والده متوقفة أمامه. نزل شقيقه "يونس" من السيارة، بينما كان والده يقف بجواره. شعر "حسام" بلهفة كبيرة، فهرع إليهما، وفور وصوله إليهما، هتف قائلاً بلهجة مليئة بالقلق:
-طمني عليك، إنت كويس كده؟ تخضنا عليك يا "يونس"!

أجاب "يونس" بهدوء، محاولاً تهدئة روعه قائلاً:

-أنا كويس يا "حسام"، متخافش، بس كنت محتاج أرتاح شويه.

-الحمد لله إنك بخير، وخلصنا من "وليد"، خلاص البوليس  مسكه.

ظهرت الفرحة بوضوح على معالم وجه "يونس"، ورفع نظره نحو والده قائلاً بفرح:

-بابا، بجد! خلاص البوليس قبض عليه؟

ابتسم "أحمد" عندما شاهد فرحة ابنه، وعينيه تلمعان من السعادة، وأجاب قائلاً:
-أيوه يا حبيبي، خلصنا منه، اطمن. يلا، ندخل جوه ونتكلم شويه."
تقدّموا جميعًا إلى الداخل معًا، قلبهم مليء بالبهجة والسعادة، وكان الجو مليئًا بالدفء الأسري. استقبلتهم "زينب" بابتسامة واسعة، وعينيها تشعّ حبًا، بينما كانت تساعدهم بكل اهتمام. عندما رأت "يونس"، ضمّته إلى صدرها بحنان بالغ، ودموع الفرح تنهمر من عينيها. بعد لحظة من العناق، ابتعدت عنه قليلاً، ثم نظرت إليه بحب شديد، وهتفت بصوت يملؤه الدفء والحنان:
-أنت كويس يا حبيبي؟ قول لي، ما تشيلش هم، خلاص كله خلص .

الفرحة كانت تغمر المكان، وكان ذلك اللقاء بمثابة بداية فصل جديد من الأمل في حياتهم.


 •تابع الفصل التالي "رواية من انا"  اضغط على اسم الرواية

تعليقات