رواية الجدران الناطقة الفصل الاول 1 - بقلم مريم عثمان

 رواية الجدران الناطقة (كاملة جميع الفصول) حصريا عبر دليل الروايات بقلم مريم عثمان

رواية الجدران الناطقة الفصل الاول 1 - بقلم مريم عثمان

في هذا العالم الذي نعيشه كثيرًا ما نجد أشخاصًا غريبي الأطوار، شخصيات مبهمة، وحقائق مدفونة في الظلال، ولكن الجميع يتفق على أن تصرفات المرء تكشف حقيقته ، غير أنني أختلف، فالحقيقة أحيانًا تختبئ خلف الأبواب، تهرب من الواقع، أو تتشظى إلى نصفين واقع مرئي وواقع خفي يبتلع السرائر
طفولتي لم تُسرق في زحام الطرقات، بل تلاشت وسط دهاليز الحقيقة، اختفت كما يختفي السراب في وهج الشمس خلف أسوار ذلك المنزل العتيق، الذي يشبه قصرًا أثريًا، كانت الطفولة تُذبح بصمت ، لم يكن منزلًا بل كان سجناً، وسكانه سجانين يحيكون العذاب بخيوط الزمن الصمت فيه مرعب، والجدران تتنفس أسرارًا دفينة، أما ذلك الباب العتيق ذو اللونين الأحمر والأصفر، فهو أعتى من سجن أبدي، تزينه ظلال سحيقة من الألم، تبتلع كل أمل بالخلاصعندما يحل المساء، تُستقبل الطفولة في المنازل بالدفء، أما طفلتنا ذات الستة أعوام، فقد استقبلتها سياط حديدية وكفوف قاسية كالصخور كان جرمها فادحًا لقد قطعت زهرة من فازة الكونتيسة المبجلة، صاحبة القصر الإسطوري في هذا المكان، الغضب يثور لأتفه الأسباب، والمعاناة تُغزل من صغائر الأمور لم تهرب الفتاة، لكن طفولتها فرت بلا عودة، وتوارى ضوؤها خلف ذلك الباب المشؤوم
لا تثقوا بجمال الأبواب، فقد تخفي خلفها أفظع الكوابيس
هل يمكننا كسر حاجز الخوف ورؤية ما يختبئ وراءها؟ هل طفلتنا لا تزال هناك، أم تلاشت للأبد؟
في حيّ شعبي بمدينة صغيرة، تلوح لنا تلك البوابة مرة أخرى، يرافقها صراخ مفزع فتاة تهرع خارج المنزل، يطاردها رجل يحمل سكينًا حادًا، يصرخ بجنون يهتف سأقطع يدك حتى لا تسرقي مجددًا
أي جرم ارتكبته؟ ما الذي يمكن أن يكون قد سرقته لتُواجه بهذا الرعب؟ هل نحن في زمن آخر؟ هل ما زلنا نعيش في هذا العصر؟
فجأة، الصورة تتغير ها نحن في مدرسة ابتدائية الطفلة بين زميلاتها، لكنها غريبة وسطهم لا تشتري الحلوى، لكنها تتشارك بقايا ما يمنحها لها الآخرون إلى أين تذهب الآن؟ لماذا تبدو كمن يهرب حتى بين الممرات؟كل شيء ينقلب في لحظة 
آنا، الشابة الجامعية، تستيقظ على كابوس،  لا ليس مجرد كابوس، بل ذكرى تحاول التملص من عقلها تنهض مترنحة، تحاول اللحاق   
بمحاضراتها، لكن ذهنها مثقل والدتها قلقة، ترى ابنتها تنهار شيئًا فشيئًا، لكن آنا تكتفي بجملة باهتة: لا تقلقي يا أمي، سأكون بخير لكنها ليست كذلك
وفي مكان آخر تلك الطفلة ذاتها، في مدرسة أخرى، تقدم برنامج الصباح أمام زملائها بثقة، كأنها لم تُكسر يومًا لكنها بعد لحظات تتجه لمكتب المدرسة، لماذا؟
في محاضرتها، صرخت آنا فجأة، بلا مقدمات لماذا أيتها الحقيرة؟
صمت مطبق، أنظار الجميع تتجه نحوها الدكتور يصرخ هل تتحدثين معي؟ اخرجي فورًا، وانتظريني في مكتب العميد
آنا بعيونها الشاردة تتمتم بأسف: لم أقصد لم أكن معكم أصلًا
خرجت تسحب خيبتها معها، تقودها قدماها إلى المكان الذي تهرب إليه دائمًا إلى منزل الطفلة التائهة هناك، رأتها تجلس أمام الباب المهترئ، تحمل قطعة خبز يابسة، تحاول إخفاءها حين اقترب الرجل المخيف منها هل رأيتِ وشاحي؟ سألها بصوت كالجحيم
لا، لم أره تمتمت الفتاة بخوف، لكن يدها الصغيرة قبضت على الخبز بقوة
الرجل ضيق عينيه، شعر أن هناك شيئًا تخفيه مد يده بقسوة، سحب الخبز من يدها، فبدت الحقيقة أمامه كجريمة عظمى
أيتها الخبيثة سرقتِ الخبز؟ تعالي هنا لن أرحمك هذه المرة
حمل فأسًا ضخمة، واندفع نحوها ليقطع يدها
ركضت الطفلة هاربة، وآنا من خلفها، تريد إنقاذها لكن أين ذهبت؟ كيف اختفت بهذه السرعة؟
ما قصة هذه الطفلة؟ ومن يكون هذا الرجل؟ وما علاقتها بآنا؟ هل هي مجرد ذكرى أم حقيقة تعود للانتقام؟
الظلام بات يلتهم كل زاوية، وأصوات غامضة تتردد بين الجدران، كأنها همسات آتية من العدم
في الأرجاء، تتحرك ظلال غامضة بلا مصدر واضح، وتتصاعد أنفاس مرتجفة في الهواء البارد صوت خطوات ثقيلة، متقطعة، يقترب ببطء، وكأنه شيء ما يزحف من قاع العدم
انعكاسات مشوهة تظهر على زجاج النوافذ، وجوه خفية تنظر بعيون خاوية، قبل أن تختفي كما لو لم تكن موجودة الرياح تعصف بالأبواب، لكن لا أحد بالخارج، فقط العدم يحدق من الفراغ
وما إن تحاول آنا التقاط أنفاسها، حتى تشعر بأنفاس ساخنة تلامس رقبتها، لكنها عندما تستدير… لا شيء فقط الظلام يحدق بها، يبتلعها أكثر في دوامة من الرعب واللا معقول

•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية

تعليقات