رواية ليل و لعنة الزمن الفصل السابع عشر 17 - بقلم فريدة عبدالرحمن

 

 رواية ليل و لعنة الزمن الفصل السابع عشر 17 - بقلم فريدة عبدالرحمن

الفصل السابع عشر – قلوب في العاصفة
زمردة وقفت عند باب الغرفة، صوت ليل لسه بيرن جواها، لكنه هدى شوية… مؤقتًا.
بصّت لأويس وقالت بثبات:
– أنا لازم أبدأ أجهز الطقوس… الوقت مش في صالحنا.
ريان قرب منها وهو بيشد جاكتُه:
– مش هتروحي لوحدك. هاجي معاكي.
زمردة رفعت حاجبها بتردد:
– بس… لازم حد يفضل جنب ليل.
أويس، من غير ما يرفع عينه عن ليل، قال بنبرة هادية لكنها قوية:
– أنا مش هبعد عنها تاني. روحوا انتوا… وخلي كل حاجة تجهز بسرعة.
زمردة أومأت، وتحركت بسرعة ووراها ريان، لحد ما خرجوا من جناح ليل.
---
مخزن الطقوس – أسفل القصر
المكان كان شبه كهف قديم، جدرانه متشققة، والنور فيه خافت وداكن بلون الشمع.
زمردة طلعت مفتاح صغير من سلسلة دهب علّقاها في رقبتها، وفتحت باب حديدي صديء.
ريان بص حواليه وهو بيهمس:
– أول مرة أدخل هنا… حسه كأنك داخلة على سر قديم.
زمردة بابتسامة خفيفة:
– هو فعلًا سر… بس مش قديم، دا سر القلوب اللي بتحارب سوا.
فضلوا يمشوا وسط أرفف فيها أعشاب، وكتب، وأواني فخار متغطيه بأقمشة سحرية.
زمردة بدأت تجمع أعشاب بعين معينة، وتلفها بخيط أحمر.
ريان قرب منها، صوته واطي:
– انتي دايمًا عارفة بتعملي إيه… ده مطمّن، بصراحة.
زمردة وقفت لحظة، وبصّت له.
نظرة مش مليانة سحر، ولا خوف… بس فيها حاجة تانية: دفء.
– وأنا برضو… بحس بالأمان لما تبقى جنبي، ريان.
ريان اتفاجئ شوية، لكنه ما قالش حاجة. بصّ في عينيها، وابتسم بهدوء.
الهدوء اللي بينهم كان مختلف… مش زي صمت الخطر، لكن صمت فيه احتمالات كتير.
زمردة قالت بهمس: – يمكن وسط كل ده… مش لازم ننسى إننا لسه عايشين.
ريان بهدوء: – ويمكن كمان… لسه نقدر نحب.
لثانية، حسّت زمردة إن الأرض تحركت، بس ماكنتش زلزال…
كان صوت.
صوت صريخ.
---
رجوع لجناح ليل – بعد ثواني
صرخة عالية شقّت صمت القصر.
زمردة جريت هي ورايان من غير كلمة.
فتحوا باب الجناح… ولحظة واحدة بس كانت كفاية تخلي الدم يتجمد.
ليل كانت في الهوا، جسمها بيترمي بقوة ناحية الجدار، وكأن في إيد خفية بترميها.
سريرها مقلوب، الشراشف متقطعة، والهوى نفسه بقى تقيل… كأن الغرفة بتتنفّس كراهية.
أويس كان واقف عاجز، بيصرخ: – ليل!! سيبوهاااا!
بس مفيش حاجة بتستجيب.
جسم ليل خبط في الدولاب بقوة، ووقع على الأرض، ساكنة.
أويس جري عليها، وقع على ركبته، مسكها بين إيديه، صوته بيترعش: – لا لا لا… جود؟ فوقي! بالله عليكي فوقي!
زمردة دخلت بسرعة، ووشها قلب رعب: – الملكة رجعت… بتحاول تموتها قبل ما نبدأ الطقوس!
ريان بصوت عالي: – نبدأ ازاي وهي كده؟!
لكن… لحظة صمت نزلت فجأة.
ليل، وهي على الأرض، شهقت شهيق ضعيف جدًا…
وصوتها خرج همسة مكسورة:
– أويس…
أويس رفع وشه بسرعة، عينه مليانة دموع: – أنا هنا! أنا جنبك، جود، فوقي! فوقي بالله عليكي!
جسمها بدأ يهتز، وببطء شديد، فتحت عينيها…
وهمست:
– كانت… بتحاول تقتلني.
زمردة نزلت على ركبتها جنبهم، وقالت بسرعة: – الطقوس لازم تبدأ حالًا. ماعادتش حماية… دي معركة.
ريان بص لعيني زمردة وقال بثبات: – هنبدأها… سوا.
زمردة بصت للكل، عينيها بترتعش لكنها ثابتة:
– لازم نبدأ حالًا.
– بس قبل أي كلمة… محدش يدخل الدايرة إلا لو قلبه صادق.
أويس قام من جنب ليل، ووقف قدام زمردة، قال بصوت هادي لكنه حاسم:
– أنا أول واحد.
ريان بعد لحظة سكون، وقف جنبه:
– وأنا كمان.
يُمنى بصت لليل، وعينيها بتدمع، وقالت:
– هفضل جمبك… مهما حصل.
زمردة طلعت من الكيس اللي معاها حُبّات حجر صغيرة شفافة، كانت بتلمع كأن فيها ضوء محبوس.
وزّعت منهم واحدة على كل واحد فيهم، وقالت:
– دي مش مجرد طقوس… دي دائرة نور.
– كل واحد هيقف في نقطة، ويحط الحجر على قلبه…
لو قلبه فيه حب حقيقي، الحجر هينور.
وفعلاً… وقفوا في دائرة حوالين ليل.
الغرفة اتغيّرت.
الهوى بقى تقيل، بس مش خانق… كان كأنه بيحمل حاجة قديمة، حاجة منسية من زمان.
الأرض نفسها بدأت تنوّر تحت رجليهم، دوائر منقوشة ظهرت فجأة: خطوط ذهبية، رموز، كلمات بلغات اندثرت.
الهوى بدأ يتحرك حوالين الدايرة… زي ما يكون دايرة ريح ناعمة بتلف في سكون.
زمردة وقفت آخر وحدة، ورفعت إيديها فوق وقالت بصوت واضح:
– يا نور الحب…
– يا اللي أقوى من ألف سيف…
– اربطوا قلوبكم بيها، واحموها من الظلام.
كل واحد حط الحجر على صدره.
وبدأ النور يشتعل.
أويس – أول حجر نوّر… نور ناعم، أبيض بدفء الشمس الأولى.
ريان – نوره كان أخضر خفيف، فيه قوة وسكون.
يُمنى – نورها كان وردي، بينبض زي قلب صغير بيجري.
ولما زمردة حطت حجرها… نور بنفسجي لف الدايرة كلها.
الدوائر اللي على الأرض اشتعلت بالكامل… الغرفة كلها بقت كأنها عالم تاني.
ليل كانت مرمية في النص، جسمها ساكن، لكن عينيها بدأت تفتح…
وشها منور بانعكاس الألوان، كأنها نايمة في قلب نجمة.
وبصوت ضعيف، قالت:
– ده… إيه ده؟
زمردة ابتسمت، بس كان في صوت جواها بيرتعش من القوة اللي بتتحرك حواليهم.
– ده… حبك يا ليل.
– ده النور اللي جوانا كلنا… عشانك.
وفجأة… صرخة جت من برّه الدايرة.
الملكة السوداء.
– النور مش هينقذها… أنا لسه جواها!
لكن زمردة بصوت قوي ما ترجّش:
– ومهما كنتِ جواها… إحنا أقوى.
وفجأة… نور نازل من فوق، نازل على ليل… ناعم، أبيض، بيشدّ حاجة من جواها.
جسمها بدأ يتحرك، يتنفس، وترتعش إيديها…
وفتحت عينيها بالكامل.
بس المرة دي… كانت هي. ليل. مش جود. مش أي حاجة تانية.
قالت بصوتها، بصوتها الحقيقي:
– أنا… لسه هنا.
ليل بتنهج، وعينيها بتلف في الدايرة… النور حوالين كل حد بتحبه، والهوى بيهتز كأن فيه حاجة بتحاول تدخل… أو تخرج.
وصوت الملكة بيرن في الغرفة، جاي من كل اتجاه:
– مهما عملتوا… النور عمره ما هيكفي.
– جود… لسه جوايا، ولسه هتيجي لي بإرادتها.
زمردة وقفت بثبات، وشعرها بيطير من قوة الهوا اللي حواليهم، عينيها مش بتتحرك من الفراغ اللي بتتكلم منه الملكة، وقالت بقوة:
– انتي هنا…
بس مش هتقدري تعملي ليها حاجة… واحنا معاها.
الملكة صرخت بصوت عالي، كأن مية نار بتغلي في الهوا:
– كلكم ضعاف!
– النور اللي حوالين ليل هينطفي… وهتبقى لوحدها!
ليل رفعت راسها بصعوبة، عينيها فيها دموع من الإرهاق، لكنها بتلمع… نور الدايرة منعكس جواهم، وقالت بتعب بس بإصرار:
– زي ما هزمنا ملك الظلام…
هنهزمك إنتي كمان.
الملكة صرخت، وصوتها هز الأرض:
– انسيييييي ياليل!
– انسي إنك تقدريني تخرجيني مني… انسي النور… انسي كل حاجة!
بس النور في قلب الدايرة اشتعل أكتر.
الحجر اللي على صدر ليل نور لأول مرة…
وبنفس اللحظة، الدايرة كلها اتملت بصوت واحد… صوت النبض، زي دق قلب كبير بيتخلق.
زمردة بصوت هادي لكن مليان سحر:
– كل مرة تهاجمي فيها… الحب بيقوى.
– وكل مرة بتجرّبي تكسرينا… بنبني نفسنا من جديد.
الملكة ما ردتش، لكن الهوا بقى أنعم… كأنها بتنسحب. مش مهزومة… بس مترددة.
ليل همست، وصوتها بيوصل لكل اللي واقفين معاها:
– متسبونيش…
مش عاوزة أكون قوية لوحدي.
أويس قرب منها، مسك إيدها، وقال:
– مش هتكوني لوحدك… ولا ثانية.
الملكة بصوتها المشتعل غضب:
– الحب مش درع…
وهوريكم تمن تحدّي الظلام!
رفعت إيدها، ودوّامة سودة طلعت من الهوا، واندفعت ناحية زمردة زي سهم نار.
قبل ما حد يلحق يتحرك، الضربة خبطت في زمردة بقوة…
وطارت!
جسمها اتحدف بعيد، وارتطم في الحيطة الحجرية، ووقعت على الأرض.
الكل صرخ:
– زمرررررررررررردة!
أويس ورايان ويُمنى كانوا هيجروا عليها، لكن زمردة، وهي على الأرض، إيدها ممدودة قدامها، صرخت بوجع حاسم:
– مـــحدش يتحرك!
– دي بتحاول توقف الطقوس…
– لو خرجتوا من الدايرة… كل حاجة هتضيع!
صوتها مكسور، بس قوي… ونبرتها فيها وجع، لكن فيها إصرار.
ليل قامت ببطء، رجليها بتترعش، عينيها بتدمع، وبصت لها:
– مش مهم الطقوس دلوقتي…
– المهم انتي!
– إنتي اللي بتحميني، إزاي أسيبك تتأذي كده؟
زمردة بتنهج، صوتها بيتقطع لكنها بتمد إيدها ناحية ليل:
– أنا… اختارتني الحماية…
– وإنتِ اللي مختارك النور.
– متضيعيش ده… بالله عليكي يا ليل.
الملكة ضحكت بصوت مش طبيعي، كأنها مبسوطة إنها عملت شرخ بينهم:
– شايفين؟ نوركم بيضعف…
أول ما تتفرقوا، هتتكسفوا زي الهوا.
لكن ليل شدت نفسها، ومسحت دموعها، ورجعت بخطوة ثابتة لنص الدايرة، ورفعت إيدها لفوق:
– لا… إحنا مش ضعاف.
– الحب مش ضعف. الحب قوة… أقوى منك.
الحجر اللي على صدرها نور من تاني، بس المرة دي النور انتشر منها على الأرض…
وخيط نور امتد من رجلها لزمردة، وهي لسه على الأرض، كأن الطقوس نفسها بتمدلها حماية.
زمردة ابتسمت وهي على الأرض، همست:
– كده… كده تمام.
رايان ويُمنى وأويس زاد نورهم كمان، وكل دايرة في الأرض بدأت تشع أقوى…
والملكة صرخت صرخة غضب حارق، صدى بيهز القصر كله:
– دا مش نهايتييييييييييييي!!!
واختفت.
---
لحظة صمت نزلت.
زمردة بتنهج، بس لسه عايشة.
ليل وقعت على ركبتها، تعبانة… بس منتصرة.
كل اللي في الدايرة بصّوا لبعض، وعرفوا إنهم عدّوا أول خطوة… بس الحرب لسه طويلة.
سكون…
الهواء كان تقيل، كأن القصر نفسه بيحبس أنفاسه.
الملكة السوداء اختفت… فجأة. لا دخان، لا ظل، لا أثر.
بس الإحساس بيها… لسه موجود.
ليل وقعت على الأرض، صدرها بيطلع وينزل بتعب، وعيونها متشبعة بالدموع والرهبة.
بصّت لزمردة وقالت بهمس مخنوق:
– هي راحت… بس أنا حساها لسه هنا.
زمردة قربت منها، وإيدها بتترعش وهي بتلمس جبينها:
– الهدوء ده مش أمان يا ليل… ده انتظار.
نظرة بينهم كانت كافية تقول إن الكل لازم يفضل مستعد.
بس الوقت عدى… والأسابيع جريت.
---
بعد شهور
غرفة القصر اتملَت بأنين، مشهد بعيد عن السحر واللعنات…
ده صراع حياة.
ليل كانت على السرير، عرقها مغرق جبينها، وصوتها بيشق الجدران:
– أويسسس! أويس هاتهااااااااااااااااااااااااااااا!
زمردة كانت واقفة جنبها، بتحاول تهديها وهي بتحضر الأعشاب والماء الدافي:
– خدي نفس يا ليل… قربنا، أنا معاكي.
بس ليل مسكت بطنها، وصرخت بحدة:
– في حاجة… في حاجة غلط!
أويس كان واقف ورا الباب، إيده بتترعش، وقلبه بيخبط كأنه هيطير.
ريان حط إيده على كتفه:
– لازم تصدق إنها هتعدّي. ليل قوية… مش هتستسلم.
صوت ليل علا تاني، بس المرة دي… ماكانش مجرد ألم.
كان في رعشة في الحيطان، ضوء خفيف رمادي غريب لف المكان،
وبرد مفاجئ دخل الغرفة.
زمردة شهقت:
– لأ… مش دلوقتي…
ليل صرخت بصوت ممزق:
– هي بترجع! أنا حساها… اللعنة… بترجع مع البنت دي!!
وبعدين…
صرخة جديدة خرجت، مش من ليل.
كانت صرخة أولى لطفلة… بنت صغيرة، لسه خارجة للنور.
بس لما صرخت، الظلال على الحيطة اتحركت لحظة،
وزمردة لمحت نفس الوميض الرمادي… واختفى بسرعة.
ليل كانت بتبكي وهي بتبوس بنتها اللي لسه خارجة للنور، وقالت بصوت متقطع:
– ليان… دي ليان بتاعتنا يا أويس…
أويس دخل، عيونه كلها دموع:
– ليان… اسمها ليان.
بعد ساعات
زمردة اتكئت على الجدار، وهي بتحس بتقل غريب في بطنها.
ريان شاف ملامحها وقال بخوف:
– زمردة؟ إنتي كويسة؟
زمردة بابتسامة ضعيفة:
– شكله… جه الدور عليا.
---
وبعد ساعات كمان…
صرخ صوت ولد جديد في القصر.
بس اللي محدش فيهم لاحظه…
هو إن الساعة القديمة علّقت، وثوانيها بدأت تمشي بالعكس للحظة،
وبعدين رجعت عادية… كأن حاجة صحيَت، بس لسه مستنية وقتها.
يتبعع🤍👀

تعليقات