رواية احفاد المحمدي الفصل الخامس عشر 15 - بقلم سارة ياسر
الفصل ال١٥ والأخير
دخلت عليهم نوران وهي ترتدي فستانًا بلون ذهبي باهت، يعكس هدوء شخصيتها وثقتها، شعرها الأشقر كان مرفوعًا لأعلى على شكل كعكة كلاسيكية مزينة بدبوس بسيط من اللؤلؤ. وقفت تنظر للبنات بابتسامة دافئة وهي تقول:
– "كلكم زي الأميرات النهاردة... والله يفرح قلب أي حد يشوفكم."
سادت لحظة صمت قصيرة بعد كلمات نوران، ثم تبادل البنات النظرات وابتسمت سلمى وهي تقول بنبرة دافئة:
– "وانتِ كمان يا نوران... شكلك زي الملكات."
ملك أضافت وهي تقف من مكانها لتقترب من نوران:
– "بجد اللون ده عليكي تحفة... يليق عليكي أوي، وعيونك منوراه زيادة."
جودي ضحكت بخفة لتخفيف التوتر وقالت:
– "وأنا اللي كنت فاكرة نفسي متوترة... واضح إني لسه محتاجة أتعلم منكِ الثقة دي يا نوران."
نوران ابتسمت بخجل وهي ترتب فستانها وقالت:
– "متوترة من جوه والله، بس بحاول أبان هادية... النهاردة مش يوم عادي لحد فينا."
ليلى تقدمت منهم خطوة وأمسكت بيد نوران بلطف:
– "صح، النهاردة بداية حياة جديدة لنا كلنا... كل واحدة فينا ماشية في طريق جديد، بس على الأقل إحنا مع بعض."
سلمى نظرت إليهم جميعًا في المرآة وقالت بصوت فيه دفء:
– "أنا مش عارفة أشكركم إزاي... وجودكم جمبي، إحساس إني مش لوحدي، ده أكبر هدية ممكن آخدها قبل أي حاجة."
ملك وضعت يدها على كتف سلمى وقالت:
– "إحنا مش بس أخوات يا سلمى... إحنا سند لبعض مهما حصل، حتى لو كل حاجة اتغيّرت بعد النهاردة."
جودي رفعت باقة زهورها الصغيرة وهي تقول بابتسامة فيها شوية دموع:
– "طيب إيه رأيكم نعتبر اللحظة دي عهد بينا؟... عهد إننا نفضل مع بعض مهما حصل."
نوران مدت يدها للأمام بحركة رمزية وقالت:
– "أنا أول واحدة معاكِ."
ليلى وملك وسلمى تبادلوا نظرات صامتة لكن مليانة مشاعر، ثم وضعوا أيديهم فوق يد نوران وجودي، لتتجمع أياديهن في دائرة صغيرة.
سلمى قالت وهي تحبس دموعها:
– "على العهد ده... نبدأ حياتنا الجديدة، وإحنا قلب واحد."
بعد لحظة صمت مهيبة، انطلقت ضحكة خفيفة من جودي كسرت التوتر وقالت:
– "يلا يا بنات قبل ما الميك أب يبوظ!"
نوران مسحت دموعها بسرعة وهي تقول:
– "يلا ننزل؟ الفرح مستني... والعريس مستني."
ملك أخدت نفسًا عميقًا وقالت بصوت فيه قوة:
– "يلا... نبدأ اليوم اللي هيغيّر حياتنا."
وفتحت سلمى الباب أولًا، بينما تبادلوا جميعًا نظرة سريعة في المرآة... نظرة وداع لحياة قديمة واستقبال لحياة جديدة.
تمام، نكتب مشهد الشباب بالتفصيل الشديد ونوصف لبسهم وحوارهم ومشاعرهم بشكل كبير وملحمي.
هخليه مشهد طويل جدًا (هيبقى متقسم كأنه أكتر من لقطة متتابعة داخل نفس المشهد).
كانت القاعة تلمع بأنوار الكريستال المعلقة في السقف، وانعكاس الإضاءات الذهبية على الرخام الأبيض يضيف رهبة للمكان وكأنه لوحة من عالم آخر.
أما جناح الشباب المخصص لهم قبل الدخول، فكان يعجّ بأجواء مختلفة تمامًا… توتر، ترقب، وأناقة غير معتادة.
ياسين وقف أمام المرآة الكبيرة وهو يعدّل ربطة عنقه السوداء الكلاسيكية التي تميز بدلة مصممة خصيصًا له، من قماش إيطالي فاخر، بلون أسود داكن يليق بطوله الفارع وعرض كتفيه، أما قميصه الأبيض النقي فكان يضفي لمسة من وقار لا يشبه إلا شخصيته الجادة.
همس في نفسه:
– "النهاردة... هتبقي مختلفة يا سلمى."
اقترب منه مراد، وهو يرتدي بدلة زرقاء داكنة بتصميم حديث، من تلك التي تبرز تفاصيل الجسد الرياضي دون مبالغة. ربطة عنقه الحريرية كانت بلون نبيتي، بينما حذاؤه اللامع أعطى مظهرًا كاملاً لرجل يعرف كيف يختار أناقته.
قال بضحكة خفيفة وهو يعدّل أكمام قميصه:
– "إيه يا كبير؟ مش باين عليك إنك هتتجوز... باين عليك رايح شغل!"
زين، الجالس على أحد المقاعد الجلدية وهو يرتدي بدلة رمادية فاخرة بتصميم عصري، اكتفى بابتسامة ساخرة:
– "هو ياسين أصلاً بيتغير؟ ده حتى يوم فرحه هيبقى بنفس الجدية."
جاسر كان الأكثر حيوية بينهم، يرتدي بدلة بلون أسود لكن بلمسة من البريق الخفيف في الخامة، ما أعطاه مظهرًا جريئًا يناسب شخصيته المندفعة. قال وهو يربت على كتف زين:
– "إنت آخر واحد تتكلم عن الجدية يا عم، شوف نفسك في المراية... واضح إنك مش مصدق إنك داخل حياة جديدة."
زين رفع حاجبه باستهزاء لكنه قال بصوت أخفض:
– "أنا مصدق... بس أنا بطريقتي. ومش محتاج أتكلم كتير علشان أبين إني مستعد."
آسر كان يقف في الزاوية، ينظر إلى نفسه في المرآة وكأنه لا يصدق أن كل هذا حقيقي. ارتدى بدلة سوداء تقليدية لكنها مناسبة تمامًا لجسمه، ربطة عنقه كانت بلون أزرق داكن يتناسب مع لون عينيه الحادة. تمتم:
– "ملك... إنتِ السبب إن اليوم ده موجود أصلاً."
نوران كانت تتحدث مع إحدى منسقات الحفل في الخارج، تاركة الشباب للحظة، لكن وجودها في حياتهم كان واضحًا في الجو… الجميع يعرف أنها خطوة جديدة لزين، خطوة غير متوقعة.
ياسين فجأة قال بصوت هادئ:
– "مستعدين؟ ولا لسه في حد حاسس إن ده حلم؟"
مراد ضحك وهو يجلس على الأريكة:
– "بصراحة... حلم، بس حقيقي. أنا... عمري ما كنت أتوقع إن جودي هي اللي هتكون العروسة. يعني، من أول يوم قابلناكم فيه، وأنا حاسس إن حياتنا هتتقلب، بس مش كده."
جاسر رفع كوب الماء وقال بابتسامة واسعة:
– "إحنا كنا فاكرين إننا ماشيين في حياتنا زي القطر... وفجأة البنات دول جم وخلوا القطر يقلب ملاهي!"
آسر نظر لهم جميعًا وقال:
– "أنا يمكن أكتر واحد حاسس بالغرابة... مبارح كنت حاسس إني ضيف، وإن مكانش لي سند حقيقي... النهاردة بقيت واحد منكم، وملك... زوجتي كمان."
زين تمتم ببرود ظاهري لكن فيه لمحة دفء:
– "ملك حظها حلو فيك يا آسر. وأنت حظك حلو فيها... بس أهم حاجة دلوقتي إننا نعرف إن حياتنا مش هترجع زي الأول أبدًا."
مراد ابتسم وقال:
– "وده أحلى حاجة في الموضوع... إننا هنبدأ من جديد."
الجميع توقف عن الكلام للحظة، كل واحد يفكر في نفسه… كيف تغيّرت حياته في أسابيع قليلة؟ من رجال أعمال وأصحاب نفوذ إلى رجال على وشك أن يصبحوا أزواجًا، شركاء حياة حقيقيين.
ياسين قطع الصمت:
– "أنا... عارف إني ما بعرفش أعبر كتير، بس لازم أقول حاجة: وجودكم جنبي النهاردة... مهم. حتى وإحنا دايمًا نتصارع ونتخانق في القرارات... بس في الآخر إحنا إخوات."
جاسر ضحك وقال:
– "أول مرة أشوفك sentimental بالشكل ده يا ياسين."
زين علّق:
– "سيبوه، ده هيبكي كمان شوية."
مراد رفع حاجبه وقال بسخرية محببة:
– "يلا يا رجالة، قبل ما نبوظ الجو... حد فيكم حافظ كلمتين حلوين يقولهم لما يشوف العروسة؟ ولا هنتفرج على البنات وهما أحلى من أي كلام؟"
آسر بصوت خافت:
– "أنا جاهز... حتى لو الكلام وقف في حلقي، ملك هتفهم."
ياسين قال بابتسامة صغيرة نادرة:
– "وسلمى برضه هتفهم، حتى من غير كلام."
زين أشار بإيده:
– "وأنا... أنا هقول لنوران كلمة واحدة: شكراً."
مراد ضحك بصوت عالي:
– "يا عم إنت رومانسي بطريقتك."
طرق على الباب، ودخل أحد المنظمين:
– "يا شباب، خمس دقايق وهنبدأ دخول العرسان."
جاسر أخذ نفس عميق وقال:
– "خلاص يا ولاد... نبدأ حياة جديدة."
ياسين أمسك سترته بإحكام وقال:
– "مع بعض... نبدأها مع بعض."
الجميع وقف، وتبادلوا نظرات مليانة قوة، رهبة، وحماس، بينما أنوار القاعة تشتد في الخارج وأصوات الموسيقى الهادئة بدأت ترتفع... اللحظة اقتربت.
ضوء القاعة تغير فجأة... أطفئت معظم الأضواء، وبقيت فقط أنوار كاشفة مسلطة على باب القاعة الكبير المغلق.
ارتفع صوت المذيع الداخلي بعبارات ترحيب رسمية:
– "سيداتي سادتي... استعدوا لاستقبال عرسان الليلة المميزين... أبناء وبنات العائلتين الكبيرتين: المحمدي والألفي."
ارتجّت القاعة بالتصفيق، وبدأت الموسيقى الهادئة تعلو، موسيقى بيانو كلاسيكية منسابة، تبعث في القلوب رهبة وجمالًا.
فتح الباب ببطء، وظهر ياسين أولاً، ممسكًا بيد سلمى التي ارتدت فستانًا أبيض ناعم التصميم، بسيط لكن أنيق للغاية، مع طرحة قصيرة تبرز ملامحها الواثقة. كان ياسين يمسك يدها بقوة وثبات، وعيناه لا تترك عينيها، رغم الحشود.
همس لها وهو يخطو بجانبها:
– "مستعدة؟"
ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:
– "طالما إنت جنبي... أيوه."
كانت تلك اللحظة كافية لتُخرج تنهيدة إعجاب من الجمهور.
خلفهم جاء مراد ممسكًا بـ جودي، التي كانت تضحك ضحكة صغيرة مرتبكة لكنها صادقة، بينما مراد يهمس:
– "لو حديتلك على نفسك تبصي غيرلي، هسحبك وأخرج."
ضحكت جودي بخجل:
– "إنت حتى في فرحك جدّي؟"
– "معاك لازم أكون جدي... مش عايز أبص على حاجة غيرك."
بعدهم جاسر وليلى، جاسر بثقته المعهودة لكن عينيه كانت تلين في كل مرة تلتقي بعيني ليلى.
– "أنا ماصدقتش إنك وافقتي فعلاً."
– "بس وافقت... ودي البداية يا جاسر، مش النهاية."
هز رأسه بابتسامة:
– "وأنا هتأكد إنها بداية تبسطك."
ثم جاء آسر مع ملك، ملك التي شعرت بتوتر واضح، لكنها لم تفلت يده.
همس لها:
– "لو خايفة... شدّي إيدي."
– "أنا مش خايفة، بس... مش مصدقة."
– "ولا أنا... بس هصدق طول ما إنتِ جنبي."
آخرهم زين ممسكًا بـ نوران، والتي بدت واثقة على غير عادة العرائس. نوران ابتسمت له بهدوء وقالت:
– "إيه؟ ندمان؟"
زين ابتسم بخفة:
– "إنتي بالذات... عمري ما أندم."
في مقدمة القاعة، وقف محمد المحمدي والجدة زينب ورأفت الألفي.
محمد قال بصوت خافت للجدة:
– "شوفتي يا زينب؟ اللي كنا فاكرينه مستحيل، حصل."
زينب دمعت عيناها:
– "أنا فخورة... مش بس بيهم، باللي قدروا يغلبوا بيه كل خلاف قديم."
رأفت أضاف بابتسامة دافئة:
– "الليلة مش بس فرحهم... دي بداية عهد جديد للعيلتين. الحمد لله إننا وقفنا معاهم بدل ما نسيبهم يحاربوا لوحدهم."
محمد وضع يده على كتف رأفت:
– "إنت أبوهم الحقيقي يا رأفت... شكراً إنك حافظت عليهم وقت إحنا ماكناش موجودين."
رأفت هز رأسه:
– "وإنت جدهم اللي رجّع ليهم الأمان... النهاردة هما بينا الاتنين."
الحضور صفق بحرارة وهم يرون الأزواج يقفون في منتصف القاعة أمام المسرح الصغير المعد خصيصًا لهم، حيث تنتظرهم منصة مرتفعة قليلاً، مزينة بالزهور البيضاء والشموع المضاءة.
وقف الأزواج في صف واحد أمام الجميع، بينما المذيع يعلن:
– "نبدأ الرقصة الأولى..."
تغيرت الموسيقى فجأة إلى مقطوعة سلو كلاسيكية. أطفئت الأضواء المحيطة بالكامل، وبقي ضوء أبيض ناعم يسقط على الأزواج فقط.
ياسين وضع يده على خصر سلمى بينما يده الأخرى تمسك يدها برفق، همس:
– "أنا مش بعرف أرقص."
– "وأنا برقص مكانك."
ابتسم:
– "يبقى إحنا مكملين بعض فعلاً."
تحركا بانسجام مفاجئ، وكأنهما تدرّبا لسنوات.
مراد أمسك يد جودي وهو يهمس:
– "لو دست على رجلك معلش."
– "لو دست، هاعتبرها علامة إنك مش عايز تسيبني."
ابتسم مراد بخجل نادر:
– "ومين قال إني عايز أسيبك أصلاً؟"
جاسر همس لـ ليلى:
– "فاكرة يوم ما صرختي في وشي أول مرة شوفنا بعض؟"
– "فاكرة... بس النهارده هاسامحك على كل حاجة."
– "وأنا هاثبتلك إنك ما غلطتيش لما سامحتيني."
آسر قال لـ ملك:
– "مش مصدق إني ماسك إيدك قدام الناس كلها."
– "إيه اللي يمنعك تصدق؟"
– "إني كنت طول عمري شايف نفسي لوحدي... والنهارده معاك حسيت إن الدنيا كلها مليانة."
ملك ابتسمت برقة:
– "يبقى نرقص... ونسيب كل حاجة برا القاعة."
زين التفت لـ نوران:
– "أنا مش متعود على كده."
– "على الرقص؟"
– "على إن في حد يدخل حياتي بالشكل ده."
– "وأنا؟"
– "إنتي مش حد... إنتي نص حياتي."
نوران احمر وجهها، لكن ابتسامتها كانت أصدق من أي رد.
الجميع كان يتابع بدهشة… الضيوف، رجال الأعمال، الأقارب، وحتى فريق الإعلام الذين جاءوا لتغطية الحدث.
إحدى الحاضرات همست لصديقتها:
– "عمرك شفتي حد بالشموخ ده يرقص بالشكل ده؟"
ردت الأخرى:
– "دول مش بس بيتجوزوا... دول بيكسروا صورة كاملة عن حياتهم القديمة."
محمد همس للجدة:
– "شايفة لمعت عين سلمى؟ دي البنت اللي كانت واقفة قدامي بتقول مش هتجوز إلا عن حب."
زينب مسحت دمعة:
– "والحب لقاها في الآخر."
رأفت ضحك:
– "حتى ليلى... اللي كانت بتقول مش هدخل تحت جناح حد، بصي عليها دلوقتي."
الموسيقى بدأت تتصاعد، والإضاءة تتحرك ببطء حول الأزواج.
ياسين قرب رأسه من أذن سلمى وهمس:
– "هتحبيني بعد الليلة أكتر؟"
– "هحبك طول العمر."
مراد قال لجودي:
– "أنا كنت وحيد رغم إني وسط إخواتي... إنتي غيرتي ده."
جاسر قال لليلى:
– "أنا كنت دايمًا متهور... إنتي الوحيدة اللي خلتيني أبطأ عشان أتعلم أحب صح."
آسر قال لملك:
– "كنت حاسس إني غريب حتى عن نفسي... النهارده حاسس إن لي مكان."
زين قال لنوران:
– "أنا عمري ما كنت هشوف حد في عيني غير شغلي... لحد ما شفتك."
انتهت المقطوعة الموسيقية، لكن الأزواج ظلوا واقفين لحظة إضافية، كما لو أنهم لا يريدون أن يتركوا بعضهم.
صفق الجمهور مرة أخرى بحرارة، بينما الجد والجدة ورأفت نهضوا وصفقوا معهم، دموع الفرح في عيونهم.
محمد بصوت مرتفع قليلاً:
– "ألف مبروك... الليلة دي مش بس فرحة... دي بداية جيل جديد."
زينب أضافت:
– "حافظوا على بعض، دايمًا... لأن الحب مش سهل يتكرر."
رأفت قال للبنات والرجال:
– "أنا فخور بيكم... كل واحد فيكم. خليكم دايمًا سند لبعض، لأن الجواز مش فرح يوم... الجواز رحلة."
انتهت الرقصة الأولى لكن القلوب لم تنتهِ من الخفقان.
الموسيقى تغيّرت إلى نغمات أكثر حيوية، وبدأ الضيوف بالتصفيق مرة أخرى وهم يهتفون للعروسين الستة.
قاد محمد المحمدي الجميع إلى طاولة العائلة الكبيرة، حيث جلس الجد والجدة ورأفت في المقدمة، بينما جلس الأزواج الجدد بجوار بعضهم البعض.
القاعة امتلأت بالضحك والكاميرات التي لا تتوقف عن التقاط الصور.
محمد رفع كأس الماء وقال بصوته العميق:
– "أحب أشكر كل شخص شاركنا الليلة. الليلة دي مش بس يوم فرح... الليلة دي إعلان بداية عهد جديد، عهد بيجمع المحمدي والألفي مش بعقود، لكن بقلوب حقيقية."
ارتفعت التصفيقات مرة أخرى.
زينب أضافت بابتسامة دافئة:
– "أنا مشفتش لمّة زي دي من يوم ما اتجوزت محمد. يا رب يديم المحبة بينكم."
رأفت أمسك يد ليلى وجودي وملك وسلمى:
– "إنتو مش بس بناتي... إنتو فرحة عمري. ودي بداية جديدة ليكم، حافظوا عليها."
وقف جاسر فجأة وقال:
– "قبل ما نكمل... أنا عندي حاجة صغيرة."
أخرج صندوقًا صغيرًا وفتحه أمام ليلى، فيه سلسلة ذهبية رقيقة عليها حرف "L".
– "دي مش هدية غالية... لكن عايزها تبقى علامة إنك ليا وأنا ليكي."
ليلى لم تتمالك دموعها، فقامت وعانقته وسط تصفيق الجميع.
مراد التفت إلى جودي:
– "أنا كمان... بس هديتي بعدين، في مكان هادي."
جودي ضحكت بخجل:
– "يا سلام على الغموض!"
آسر قرب من ملك وهمس:
– "أنا ما جبتش هدية... لأنك إنتي هديتي."
ملك حمر وجهها لكنها ابتسمت بحياء:
– "يا سلام... رومانسية أوي."
ياسين مسك يد سلمى بقوة:
– "أنا مش هجيب هدية... أنا هديكي وعد: طول حياتي مش هسيبك تزعليني ولا أزعل منك من غير ما نتصالح."
سلمى ابتسمت:
– "الوعد ده أغلى من أي حاجة."
زين قال لنوران وهو يمسك يدها:
– "أنا مش بتاع الكلام الحلو... بس إنتي عارفة إني عمري ما كنت شايف حد غير شغلي. الليلة دي إنتي شغلي الجديد."
نوران ضحكت:
– "وأنا موافقة أكون مشروع عمرك."
بعد تبادل الأحاديث والضحك والتقاط الصور الرسمية، وقف الجد وقال بصوت حاسم لكن مليء بالفرح:
– "خلصنا يا ولاد، وخلي باقي اليوم ليكم. انطلقوا لبداية حياتكم."
الجدة زينب صاحت:
– "استنوا! خدوا بركة مني."
مرت عليهم واحد واحد، تحتضن كل زوج وزوجة، وتهمس لهم بالدعاء.
رأفت وقف في النهاية، عانق بناته الأربعة بقوة:
– "أنا مطمن دلوقتي. إنتو مع رجالة أقدر أسيبكم معاهم وإنا رافع راسي."
ملك تمتمت وهي تعانقه:
– "هنوحشك يا بابا."
– "وإنتي يا بنتي، بس ده يومكوا. روحوا انبسطوا."
وقف أمام القاعة أسطول من السيارات الفاخرة، كل واحدة مجهزة للعروسين.
ياسين فتح باب السيارة لسلمى وهو يهمس:
– "جاهزة نسافر ونسيب الدنيا كلها ورانا؟"
– "جاهزة من أول ما وافقت."
ركبا وانطلقت السيارة.
مراد ساعد جودي على الدخول وقال:
– "أنا مخطط لشهر عسل مش هتنسيه."
جودي ضحكت:
– "أهم حاجة يكون في وقت نرتاح فيه من الرقص."
جاسر أمسك يد ليلى:
– "هتوحشينا يا رأفت!"
– "خد بالك منها يا جاسر."
– "عناية."
آسر حمل حقيبة ملك بنفسه:
– "أنا كنت بحلم باللحظة دي... إننا نخرج سوا بداية جديدة."
ملك ابتسمت:
– "وها هي بتحصل."
زين فتح الباب لنوران:
– "جاهزة يا ست زين؟"
– "جاهزة يا سي نوران."
ضحكا ودخلا السيارة.
تحركت السيارات في موكب منظّم، يرافقهم عدد قليل من سيارات الحراسة التابعة للمحمدي.
داخل السيارات، سيطر الصمت في البداية بسبب التعب والإرهاق من الحفل، لكن سرعان ما تحوّل الصمت إلى حديث رقيق:
سلمى وضعت رأسها على كتف ياسين:
– "مبسوطة."
– "أنا أكتر."
جودي أمسكت يد مراد:
– "حاسّة إن الدنيا أخيرًا هديت."
– "أنا من يوم عرفتك، الدنيا كلها هديت."
ليلى همست لجاسر:
– "لسه مش مصدقة إن ده حصل فعلاً."
– "هيحصل تاني وتالت ورابع... وإنتي معايا."
ملك بصوت منخفض:
– "إحنا في طريق جديد فعلاً."
– "طريق جديد... وحياة جديدة." قال آسر.
نوران نظرت لزين:
– "متوقع إيه من أول يوم جواز؟"
– "ولا حاجة... غير إني مش هسيبك لحظة."
وصل الموكب إلى المطار الخاص بعائلة المحمدي، حيث كانت الطائرات الخاصة جاهزة للإقلاع فورًا.
الجد محمد والجدة زينب ورأفت وصلوا بسيارتهم خلفهم، فقط لوداعهم.
محمد قال:
– "سافروا وارجعوا متغيرين... الجواز مش سفر بس، الجواز بناء. خلّوا سفركم بداية بناء حقيقي."
زينب احتضنت البنات واحدة واحدة:
– "ارتحوا يا بناتي... وارجعوا لبيوتكم وأنتم سعداء."
رأفت دمعت عيناه وهو يقول:
– "خلي بالكم من بعض."
الكل عانق بعضهم، ثم صعد الأزواج إلى الطائرات، كل ثنائي بطائرته الخاصة.
****
- يتبع الفصل التالي اضغط على (احفاد المحمدي) اسم الرواية