رواية احفاد المحمدي الفصل الرابع عشر 14 - بقلم سارة ياسر
الفصل ال١٤ وقبل الاخير
"أحيانًا... تأتي الإجابة التي نبحث عنها، لكن بثمنٍ لم نتوقعه. فهل نحن مستعدون لدفعه؟"
الأحداث تتصاعد بقوة... القرارات أصبحت على المحك، والمشاعر صارت أكثر وضوحًا وخطورة.
ما بين الحب الذي بدأ ينبت في قلوب لم تكن تؤمن به، والخوف من مصير مجهول قد يقلب كل شيء في لحظة...
في هذا الفصل، تُفتح أبواب الحقيقة كلها... لكن هل كل الأبواب يُفضل أن تُفتح؟
****
في فيلا الألفي – الصالة الكبرى
جلس الجد محمد المحمدي مع أحفاده الأربعة: ياسين، مراد، زين، جاسر، وإلى جوارهم آسر.
الجميع كان في حالة ترقّب، الصمت يسود وكأن الأنفاس محبوسة.
قطع هذا الصمت صوت خطوات نازلة من الطابق العلوي، البنات الأربعة سلمى، ليلى، ملك، جودي نزلوا معًا، ووقفوا أمام الجميع.
وبصوت واحد، خرجت الكلمات كرصاصة واحدة:
– "إحنا موافقين!"
ساد صمت لثوانٍ... ثم ظهرت عند باب الفيلا نوران بخطوات هادئة وثابتة، عيناها مباشرة على زين.
تقدمت للداخل وقالت بثقة:
– "وأنا كمان... موافقة على الجواز."
التفتت كل الأنظار نحوها بدهشة، حتى زين نفسه ارتفع حاجبه قليلًا وهو ينظر إليها بنظرة طويلة صامتة، قبل أن يشيح وجهه سريعًا يخفي شيئًا ما في عينيه.
محمد المحمدي ابتسم لأول مرة منذ بداية اليوم وقال:
– "يبدو إن اليوم مش يوم قرارات البنات بس... حتى الشباب حسموا أمرهم."
آسر تقدم خطوة للأمام، عينيه مباشرة على ملك:
– "ملك... أنا عند كلمتي."
ابتسمت ملك بهدوء، لكن ملامحها فضحت ارتباكها الداخلي.
ياسين نظر لـ سلمى نظرة قوية، عينيه مليئة بالإصرار:
– "وأنا مش هرجع في كلامي، يا سلمى."
انخفضت نظرة سلمى للحظة، ثم رفعت عينيها بثبات:
– "وأنا موافقة."
مراد ألقى نظرة جانبية على جودي بابتسامته المعتادة وقال:
– "باين إني محظوظ."
ردت جودي وهي تخفي ابتسامة خجولة:
– "وأنا... موافقة."
جاسر خطا تجاه ليلى وقال بصوت منخفض لكنه حاسم:
– "من أول ما شفتك، كنت عارف إنك ليا."
ليلى لم تجب بالكلمات، فقط أومأت برأسها موافقة، وابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهه لأول مرة منذ فترة طويلة.
زين ظل واقفًا في مكانه ينظر لـ نوران بصمت طويل، ثم قال ببطء:
– "واضح إنك حاسمة قرارك."
نوران ردت بابتسامة:
– "ومن زمان."
محمد المحمدي ضرب بعصاه الأرض برفق وقال بحسم:
– "إذن... الأمور اتقفلت خلاص. الفرح الأسبوع الجاي."
اتسعت عيون البنات في نفس اللحظة، وقالت ليلى بصوت عالي:
– "أسبوع؟! ده وقت قصير جدًا!"
جودي رفعت يدها باعتراض:
– "إحنا حتى مش جاهزين، ولا لحقنا نستوعب إننا اتخطبنا أساسًا!"
ملك عضت شفايفها وقالت بقلق:
– "إزاي هنلحق نجهز فستان وطلباتي وكل حاجة؟"
سلمى نظرت للجد وقالت بصوت فيه رجاء:
– "ممكن تأجيل بسيط؟ أسبوعين على الأقل..."
محمد ابتسم بهدوء:
– "أنا فاهم استغرابكم، لكن مفيش داعي للتأجيل. الفرح هيبقى بسيط ومش هيحتاج تجهيزات معقدة. الأهم إن الكلمة اتقالت، والخطوة اتخذت."
رأفت تدخل وقال بحزم لكن بصوت أبوي:
– "بناتي... أنا عارف إن ده صعب عليكم، بس الثقة اللي بينا وبين المحمدي مش هتتكرر. وبعد كل اللي حصل، الاستقرار مهم."
مراد ضحك بخفة:
– "هو إحنا طلبنا فرح أسطوري؟ المهم أنتو تقولوا "أيوه" قدام الكل وخلاص."
زين نظر لــ نوران وقال بابتسامة جانبية:
– "واضح إن مفيش حد معترض... إلا يمكن الوقت."
نوران رفعت ذقنها بثقة:
– "أنا مش فارق معايا، أهم حاجة إن القرار اتاخد."
سلمى التفتت ناحية ياسين وقالت:
– "وإنت... ما عندكش رأي؟"
ياسين رد بهدوء، لكن صوته فيه قوة:
– "أنا موافق على أي وقت... المهم إنك معايا."
محمد المحمدي ختم النقاش بقوله:
– "يبقى خلاص... أسبوع من دلوقتي، والكل هيبقى تحت سقف واحد، رسمي."
ساد صمت آخر، لكن هذه المرة كان مختلفًا... صمت مليان بترقب وخوف من القادم، لكن برضو... لمحة من الحماس الغامض.
سادت الصالة لحظة صمت ثقيل، كل واحدة من البنات كانت غارقة في أفكارها بعد إعلان الجد.
ليلى أطلقت ضحكة قصيرة مليانة توتر:
– "يعني رسمي... خلاص حياتنا هتتغير في أسبوع."
جودي رفعت حاجبها وقالت بسخرية:
– "كأنها ما اتغيرتش من ساعة ما دخلنا القصر أصلاً!"
ملك تمتمت بصوت منخفض وهي تنظر نحو آسر:
– "أسبوع... مش وقت كفاية نتعرف حتى."
آسر التفت لها وقال بابتسامة مطمئنة:
– "أوقات كتير التعارف الحقيقي بيبدأ بعد أول خطوة... مش قبلها."
سلمى بصت لياسين وقالت بحدة مخلوطة بخوف:
– "وإنت واضح إنك ماشي على الخطة من بدري؟"
ياسين رد وهو بيبص في عينيها بثبات:
– "أنا ماشي على إحساسي... مش خطة."
نوران قطعت الموقف وقالت بثقة:
– "أنا شايفة إن ده صح. أهو بدل ما نضيع شهور في قلق وشك، نبدأ نواجه حياتنا الجديدة بسرعة."
زين ابتسم وهو ينظر إليها:
– "أول مرة حد يفكر زينا."
محمد المحمدي وقف وهو يقول:
– "كفاية نقاش لحد هنا... استمتعوا باليومين الجايين قبل الفرح، لأن بعده هتبدأ مرحلة جديدة خالص."
رأفت وقف بدوره وقال بابتسامة أبوية:
– "أنا فخور بيكم يا بنات... القرار كان صعب، لكن اخترتوا تمشوا خطوة لقدام بدل الهروب."
جاسر بص لليلى وقال بخفوت:
– "وأنا... مش هخذلك."
ليلى نظرت له لحظة طويلة ثم حولت وجهها بخجل واضح.
مراد ابتسم وهو يلمح ارتباك جودي:
– "إنتي متوترة قوي يا جودي... وأنا بصراحة مبسوط إني السبب."
جودي رمقته بنظرة قاتلة لكنها لم تستطع منع حمرة الخجل من الظهور على خدودها.
محمد المحمدي ختم الاجتماع بصوت قوي:
– "خلاص يا أولاد... استعدوا من دلوقتي. بكرة هنبتدي نجهز كل حاجة. العيلة دي لازم تتلم بسرعة... وده هيكون أسعد يوم في حياتي."
البنات تبادلوا النظرات بينهم، وكل واحدة كانت حاسة إن حياتها على وشك تتحول بالكامل، لكن في نفس الوقت كان جواهم إحساس مختلف... مزيج من القلق والأمل.
وقف ياسين أول واحد وقال بصوت ثابت:
– "إحنا نسيبكم ترتاحوا شوية، من بكرة هنكون هنا طول الوقت للتحضيرات."
مراد أومأ وهو يبتسم:
– "وخصوصًا إن أسبوع واحد مش وقت طويل."
زين التفت لملك وهو يلمح ابتسامة صغيرة:
– "بلاش تشيلي هم... كل حاجة هتتم على أكمل وجه."
نوران رفعت يدها بخفة وقالت وهي تبص لزين:
– "وأنا موجودة أساعد برضه... مش هسيب حاجة تقع."
آسر قرب من رأفت وسلم عليه بحرارة:
– "شكرًا يا عمي... على كل حاجة. وعلى إنك سمحت إننا نكون هنا الليلة اللي فاتت."
رأفت رد بابتسامة هادئة:
– "إنت واحد من العيلة يا آسر... البيت بيتك."
جاسر قال بابتسامة هادئة وهو ينظر لليلى:
– "نتقابل بكرة... وهيكون عندنا كلام نكمله."
ليلى بصت له لحظة، ثم أدارت وجهها بسرعة وهي تخفي ارتباكها.
محمد المحمدي مسك عصاه وقال بنبرة ودودة:
– "يلا يا ولاد... خلوهم ياخدوا راحتهم، بكرة يوم طويل."
الشباب خرجوا واحد ورا التاني، وكل واحد منهم يحمل نظرة غامضة للشريكة اللي اختارها أو اختارته الظروف، بينما البنات وقفوا عند باب الفيلا يتابعوا العربيات وهي بتتحرك مبتعدة.
جودي تنهدت بصوت مسموع:
– "هو ده بجد؟ إحنا... خلاص مخطوبين؟!"
ملك ردت عليها بابتسامة باهتة:
– "أيوه يا جودي... والفرح كمان أسبوع."
سلمى وضعت يدها على جبينها وقالت:
– "ربنا يستر... أحس إن حياتنا كلها هتتشقلب."
رأفت دخل وهو يقول:
– "تعالوا يا بنات نرتاح... بكرة يوم مهم. لازم نصحى واحنا مستعدين لأي حاجة."
البنات تبادلوا نظرات صامتة، ثم تبعوا والدهم للداخل، وكل واحدة في عقلها عاصفة من الأفكار.
في غرفة البنات بالليل
الهدوء كان مسيطر، لكن العيون كلها سهرانة.
ليلى قالت بصوت منخفض:
– "حد يصدق؟ بعد أسبوع... هنكون عرايس."
جودي ضحكت ضحكة قصيرة متوترة:
– "أنا حاسة إني في حلم... مش عارفة إذا كنت خايفة ولا مبسوطة."
ملك كانت ساكتة، تبص في سقف الغرفة:
– "آسر... طلع من العيلة... وكل حاجة اختلفت فجأة."
سلمى اتكأت على وسادتها وقالت:
– "أنا مش جاهزة... بس في نفس الوقت، يمكن الفرصة دي ما تتكررش."
ليلى مسكت إيد أختها وقالت:
– "إحنا مع بعض... ده أهم حاجة."
جودي بصوت صغير:
– "تفتكروا هنكون مبسوطين معاهم؟"
ملك ابتسمت ابتسامة ضعيفة:
– "هنعرف قريب..."
الصمت رجع من تاني، لكن كل واحدة فيهم كان عندها ابتسامة صغيرة... فيها خوف، وفيها أمل.
سلمى وقفت ببطء من على السرير، كانت ملامحها مزيج ما بين القوة والحيرة، لكنها في اللحظة دي بالذات، حسّت إنها لازم تقول حاجة... حاجة من القلب:
– "بصّوا... أنا عارفة إن كل حاجة حصلت بسرعة، ويمكن مشينا خطوات إحنا مش مستعدين ليها... بس أنا طول حياتي شايفة إننا أقوى مع بعض. إحنا مش مجرد أخوات... إحنا روح واحدة في أربع أجساد. حتى لما كنا بنتخانق... كنا بنرجع لبعض في الآخر. دلوقتي... إحنا مقبلين على خطوة هتغيّر كل حاجة في حياتنا. يمكن نخاف، يمكن نتردد، يمكن نبكي، بس أهم حاجة... نفضل مسكين في إيدين بعض، ونواجه اللي جاي سوا."
جودي رفعت راسها، ودمعة صغيرة نزلت من عينها، وقالت بصوت مبحوح:
– "إنتي بتقوليه صح يا سلمى... يمكن أنا أكتر واحدة ضعيفة بينكم، بس طول الوقت كنت حاسة إني متشالة بيكم... دلوقتي... يمكن حان الوقت أكون قوية عشانكم أنا كمان."
ليلى ابتسمت وهي بتمسح دموعها:
– "أنا كنت فاكرة إن الجواز ده هيبقى قيود... هيبعدنا عن بعض. لكن يمكن... يمكن يكون بداية جديدة... نثبت فيها إننا لسه زي ما إحنا، حتى لو كل واحدة راحت لبيت تاني."
ملك أخدت نفس عميق وقالت بهدوء:
– "أنا طول الوقت حاسة إن في حاجة ناقصة جوايا... وكنت بخاف من فكرة الارتباط... لكن لما آسر طلع من العيلة... حسيت بحاجة غريبة... إحساس إني مش لوحدي، وإن في حد شايل همي. يمكن ربنا فعلاً كتب لنا كل ده علشان نعرف مين أهلنا، ومين سندنا الحقيقي."
سلمى ابتسمت وهي بتبص لهم واحدة واحدة:
– "إحنا هنخاف... وهنضحك... وهنعيط... بس أهم حاجة ما نسيبش إيدين بعض."
قامت ليلى من مكانها وراحت تحضن سلمى:
– "إنتي دايمًا الكبيرة وقت الجد يا سلمى... أنا مش هنسى الكلام ده أبدًا."
جودي لحقتهم وحضنتهم هما الاتنين، وهي بتقول بصوت متقطع:
– "إحنا مع بعض... مهما حصل."
ملك وقفت هي كمان، ولفت دراعاتها حوالين أخواتها بقوة:
– "إحنا عيلة... وده مش هيتغير... حتى بعد الجواز."
حضن كبير جمعهم الأربعة، كان حضن مختلف... مليان دفء، دموع، وضحكات صغيرة وسط البكاء.
بعد ما انفكوا من الحضن، قعدوا على السرير جنب بعض، ولسه ملامح التأثر واضحة عليهم.
سلمى مسحت دموعها وقالت وهي بتضحك:
– "يا بنات... شكلي عملت جو دراما بزيادة."
ليلى ردت وهي بتضحك:
– "بس جو دراما جميل... محتاجينه."
ملك مالت على مخدتها وقالت:
– "يلا بينا ننام... لو عرفنا ننام يعني."
جودي اتفردت على السرير وقالت:
– "أنا دماغي هتفرقع من التفكير، بس خلينا نجرب ننام... بكرة يوم كبير."
سلمى أطفأت النور، وجلست للحظات تراقب أخواتها وهم بيحاولوا يناموا. لكن عقل كل واحدة كان مليان بأفكار ومشاعر متداخلة:
سلمى وهي مستلقية، كانت تفكر في ياسين... نظراته الجامدة اللي بتخفي حاجة أعمق، وإحساسها إنها لو وافقت هتكون بتقفز في المجهول. هل هو فعلاً الشخص اللي ممكن يحتويها؟
ليلى قلبها مشغول بجاسر... هو مش الشخص اللي كانت تتوقع تحبه، لكن قوته وهدوءه خلوها تحس بالأمان، حتى وسط كل ده. هل هتندم لو مشيت في الطريق ده؟
جودي... كانت أكتر واحدة مترددة، زين شخصية قوية وغامضة، بيخوفها وفي نفس الوقت بيجذبها. هي عارفة إن قرارها مش بسيط، وإن حياتها ممكن تتغير بشكل ضخم بسببه.
ملك... شعرت بالارتباك الشديد ناحية آسر. طول حياتها كانت شايفة نفسها بعيدة عن الحب والعلاقات... والنهارده تكتشف إن الشخص اللي حسّت تجاهه بشيء غير مفهوم طلع من دمها ولحمها. هل ده حب حقيقي؟ ولا مجرد وهم لحظة ضعف؟
في وسط كل الأفكار دي، بدأت عيونهم تقلّ... التعب من اليوم الطويل غلبهم، وناموا. لكن حتى في النوم، أحلامهم كانت مليانة مشاهد غريبة... مشاهد من بكرة، من الفرح، من حياة جديدة مش واضحة المعالم.
سلمى حلمت إنها ماشية في ممر طويل، على الجانبين ناس بتضحك وبتزغرد، وهي لابسة فستان أبيض... لكن لما رفعت عينيها شافت ياسين واقف مبتسم ابتسامة صغيرة... مش البسمة الجامدة المعتادة، بسمة دافية خلت قلبها يدق بسرعة.
ليلى حلمت إنها قاعدة في بيت واسع مليان ورود، وجاسر بيقرب منها بهدوء، بيحط خاتم في إيدها، وبيقول بصوت منخفض: "إنتي أماني."
جودي شافت نفسها واقفة قدام البحر، وزين واقف جنبها، ماسك إيدها بقوة، وقال لها: "خوفك مش هيبعدني... أنا موجود."
ملك حلمت إنها قاعدة وسط العيلة كلها... آسر قاعد قريب منها، بيبص لها بابتسامة مريحة، وبيمد إيده في صمت كأنه بيقول: "مش هتكوني لوحدك تاني."
الصبح، أول شعاع شمس دخل الغرفة، والبنات صحوا واحدة ورا التانية، ملامح النوم لسه على وشهم، لكن في عيونهم لمعة جديدة... لمعة ناس قررت تواجه، حتى لو كانت خايفة.
سلمى قالت وهي بتمط جسمها:
– "يلا يا بنات... يوم جديد."
ليلى ردت بابتسامة صغيرة:
– "ويوم مهم."
ملك بصوت هادي:
– "إحنا جاهزين؟"
جودي وهي بتضحك:
– "أكيد؟ لا... بس خلينا نجرّب نكون جاهزين."
**
مرّ الأسبوع سريعًا... أسرع من قدرة البنات على استيعاب كل ما يحدث. وكأنه قُدّر لهن أن يُنتزعن من حياتهن القديمة ويُلقين في دائرة جديدة مليئة بالمفاجآت.
منذ اليوم الأول، بدأ الجد "محمد المحمدي" يُمسك بزمام الأمور مع "رأفت" بحسم، يتفقان على تفاصيل ترتيبات الفرح: العقود، القاعة، أسماء المدعوين، كل شيء يتم بدقة وكأن الزمن لا ينتظر أحدًا.
البنات ظللن صامتات للحظات طويلة، لكن شيئًا فشيئًا بدأت كل واحدة تجد نفسها في مواجهة مشاعر جديدة، لم تعهدها من قبل:
سلمى، التي لطالما بدت قوية لا تهتز بسهولة، وجدت نفسها أمام "ياسين" مختلف، أقل حدّة، وأكثر قربًا. لم تكن الكلمات بينهما كثيرة، لكن نظراته التي تحمل احترامًا واهتمامًا تركت أثرًا أعمق من الكلام.
ملك جلست مع "آسر" لوقت طويل، يتحدثان عن الماضي، عن طفولة لم يلتقيا فيها، وعن أمٍ كانت هي الرابط بينهما دون أن يعلما. شعرت ملك لأول مرة أنّه ليس غريبًا... بل قطعة مفقودة من حياتها اكتملت للتو.
ليلى حاولت أن تبقى متماسكة، لكن "جاسر" بطريقته المرحة أذاب شيئًا في قلبها؛ ضحكت بصوت حقيقي معه لأول مرة منذ سنوات.
جودي، رغم خوفها من "زين"، وجدت نفسها تُعيد النظر فيه، خاصة حين قال بصوت منخفض: "أنا مش خصمك يا جودي... أنا ظهرك." كلمات قصيرة، لكنها كانت كفيلة بأن تُزيل بعض جدرانها العالية.
نوران التي بدت أكثر ثقة من غيرها، وجدت في "زين" سندًا يشبهها، لا يتحدث كثيرًا، لكن أفعاله تُعلن عن نواياه بصوت أعلى من أي وعد.
**
اليوم الثالث جاء ببهجة مفاجئة؛ يوم اختيار الفساتين. البنات وقفن أمام المرايا وهن يجرّبن الألوان والأقمشة. "سلمى" ارتدت فستانًا أبيض بسيطًا ثم تمتمت:
– "هو أنا فعلًا هتجوز؟"
ردت ليلى وهي تضحك:
– "إحنا شكلنا بنمثل فيلم مش حياتنا الحقيقية."
لكنّ الضحكة تلك أزالت بعضًا من رهبة الموقف، وجعلت الغرفة تمتلئ بخفة لم يعهدوها.
**
اليوم الرابع كان يوم العائلة؛ عشاء كبير في فيلا المحمدي. الجو بدا رسميًا في البداية، لكن الجد محمد قال بصوته العميق:
– "أنا سعيد إن اليوم ده جه... وأخيرًا العيلتين بقوا عيلة واحدة."
رأفت ابتسم وأردف:
– "المهم ولادنا يكونوا سعداء."
كلمات بسيطة، لكنها جعلت البنات يشعرن بأنهن لم يعدن مجرد ضيفات في حياة هؤلاء الرجال... بل أصبحن جزءًا منها بالفعل.
**
اليوم الخامس حمل معه لحظات قرب حقيقية:
"ياسين" جلس مع "سلمى" يتحدث عن أحلامها لأول مرة، يحكي لها عن طفولته، وعن أشياء لم يُشاركها مع أحد من قبل.
"آسر" و"ملك" تبادلا الضحك على صور قديمة جمعت العائلتين، صور لم يكونا يعرفان أنها موجودة.
"ليلى" و"جاسر" دخلا في جدال انتهى بضحكة خفيفة، كأنها اعتذار صامت.
"جودي" بدأت تلمس هدوء "زين" من زاوية مختلفة، أكثر أمانًا من خوفًا.
"نوران" كانت هي الأكثر حسمًا، وكأنها اختارت حياتها بالفعل.
**
اليوم السابع جاء ثقيلًا ومليئًا بالتفاصيل الأخيرة: الزينة، الفساتين، قائمة الضيوف. وفي نهاية اليوم، اجتمعت البنات في غرفتهن للمرة الأخيرة قبل حفل الزفاف. كان الصمت سيد المكان، ثم قالت ليلى بصوت منخفض:
– "إحنا بجد داخلين على حياة جديدة..."
أجابتها ملك وهي تحدّق في الفستان المعلّق أمامها:
– "وخايفين... وفرحانين في نفس الوقت."
ضحكت جودي بحرج:
– "وأنا حاسة إني هقع من كتر الرهبة."
أما سلمى، فابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:
– "يمكن ده الطبيعي... يمكن ده معناه إن القرار صح."
انتهت الليلة بنوم متقطع، أحلام متشابكة بين الخوف والدهشة... وصباح جديد ينتظرهم، صباح الفرح الذي سيغير حياتهم إلى الأبد.
****
وهكذا... انقضى الأسبوع كما لو أنه لم يكن سوى ومضة سريعة في شريط حياتهم، لكنّه حمل بداخله كل ما يمكن أن يُغيّر مصير الإنسان: كشف الأسرار، واعترافات صامتة، وخطوات واثقة نحو مستقبل لم يتوقعه أحد.
كانت البنات يجلسن في غرفتهم تلك الليلة الأخيرة، كل واحدة غارقة في أفكارها: عن الحب الذي بدأ يطرق قلوبهن بخفة، عن المسؤولية التي تنتظرهن بعد القرار الذي اتخذنه، وعن الغد الذي سيُعلن بداية حياة جديدة.
همست "سلمى" لنفسها قبل أن تغفو:
"يمكن الحياة بتعرف إمتى تدخل الناس الصح لقلوبنا... حتى لو إحنا مش مستعدين."
وعندما أطبق الليل أجنحته أخيرًا، كان الجميع قد سلّم أمره إلى القدر... القدر الذي اختار أن يُمهّد لليوم الأجمل، اليوم الذي سيحمل عنوانًا واحدًا فقط: الفرح.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (احفاد المحمدي) اسم الرواية