رواية الجدران الناطقة الفصل الرابع عشر 14 - بقلم مريم عثمان
فجأة، دوى انفجار مروع، كان أشبه بانفجار جهنمي دمر جزءًا كبيرًا من البيت لكن ما كان أكثر رعبًا وغرابة هو أن الحطام لم يسقط على الأرض، بل بدا وكأن قوة خارقة تحرك الأشياء من مكانها كانت الأثاث تتحرك في الهواء وكأنها دمى، والنوافذ تتكسر بشكل متسارع كأنها تفتح وتغلق من تلقاء نفسها كان الزلزال في هذا المكان ليس مجرد اهتزازات أرضية، بل كان يخرج أشياء مظلمة وقاتمة من أعماق الأرض، كائنات لا يمكن تصنيفها، لا يمكن حتى تصورها كانت هذه القوة شيء بعيد عن الخيال، شيء لا يمكن فهمه
البيت كله بدأ يتحرك بشكل غريب، كأن الجدران كانت تتنفس، تئن تحت وطأة شيء لا يمكن أن يراه الإنسان الظلال على الجدران كانت تزداد وضوحًا، وكأنها تحاول أن تشير إلى مكان ما داخل البيت، مكان لم تكتشفه آنا من قبل، مكان مليء بالغموض والظلام وعندما حاولت آنا الهروب، اكتشفت أن الأبواب كانت مغلقة، مغلقة بإحكام كما لو كانت جزءًا من اللغز الذي لا يمكن حلّه إلا إذا اكتشفت الحقيقة وراء كل هذا الخراب كانت الأبواب لا تفتح إلا إذا رأيت ما كانت تحاول إخفاءه
حاولت آنا أن تستجمع شجاعتها، وبخطوات مترددة، بدأت تتبع النور الذي كان يلمع في الظلام كان النور هو دليلها الوحيد في هذا الليل الحالك، قادها إلى القبو، لكن الباب كان مغلقًا وعندما اقتربت، كان القفل يذوب أمام عينيها وكأن شيئًا خارقًا قد أحدث ذلك فتح الباب بصوت عميق ورهيب، وكأن كل شيء في هذا البيت كان يحاول إخفاء الحقيقة عنها
مع كل خطوة كانت تأخذها للأمام، كانت تسمع صوتًا جمد الدم في عروقها صوت كان يخرج من أعماقها، وكان الصوت نفسه يزداد قربًا، حتى تساءلت: هل ما تسمعه صحيح؟ كان الصوت يبدو وكأنه يجيب على أسئلتها الداخلية
آنا (بلهجة مرعوبة): بابا
لكنها لم تكن تستطيع التحرك، كانت قد تجمدت في مكانها، وكأن جسدها قد أصبح جزءًا من هذا الظلام الكثيف تقدمت خطوة أخرى إلى الأمام، اختبأت وراء الجدار كما لو كانت تخشى ما قد تراه وفي لحظة، اكتشفت ما كان يحدث كانت ترى والدها، ملامحه واضحة تمامًا، ممسكًا بوالدة الفتاة التي قتلتها، وكان يحاول أن يقيدها كانت المرأة تقاوم، تحاول الهروب، تصرخ من الألم والخوف، لكن دون جدوى كان والد آنا لا يظهر عليه أي تردد، كان يضربها على رأسها بضربة قاتلة، حتى سقطت على الأرض غارقة في بحر من الدماء
كان الشخص الآخر الذي ظهر في الشاحنة هو نفسه الذي كان يحاول ربط المرأة، وكان يبدو مذعورًا للغاية
الشخص (بزعر): لقد قتلتها
والد آنا، ويداه ترتجفان من الرعب، ردد: ألم يكن هذا هو المطلوب؟ علينا أن نبتعد عن هنا بسرعة هيا، احملها كانت الكلمات تخرج بصوت متوتر، كان يبدو عليه الارتباك والخوف من أن يُكتشف أمره
الشخص: إذا اكتشف الأمر، سنموت جميعًا
والد آنا: لا يهمني ما يحدث يجب أن أحصل على المال يجب أن أنقذ زوجتي إذا علم السيد بما فعلناه هنا، لن يسامحنا، ولن يعطينا المال كان صوته يملؤه العنف والقلق في آن واحد
الشخص: حسنًا، ضعها في هذا السجاد لا يمكننا الخروج بها هكذا
آنا كانت تقف في مكانها، مصدومة، لا تصدق ما تراه أمامها كانت اليد التي تحمل الموت قد تسببت في قتل امرأة بريئة لتسوية صفقة بشعة كان عقل آنا يكاد ينفجر، ويغلي من مشاعر الحزن والغضب والدها كان قاتلًا، نعم هذا ما أراد البيت أن يخبرها به قتل والدها امرأةً بريئة لإنقاذ والدتها، ولكن من كان ينتظر؟ أين كانت والدتها الآن؟ كانت قد ماتت في نفس هذا البيت، وقد تم إخفاء جثتها بشكل مرعب
فجأة، تغير الحال، ووجدت آنا نفسها في نفس الصحراء التي كانت قد رآتها في المرة السابقة، لكن هذه المرة كانت قد بدأت ترى الصورة بوضوح كان الرجل الذي يقود الشاحنة هو والدها، وتعرفت عليه جيدًا الآن
الشخص: يكفي، وصلنا هذا هو المكان
والد آنا: حسنًا، ساعدني في إنزالها
أنزل والد آنا والجثة مع الشخص الذي كان معه، وابتعدوا عن الطريق المظلم، إلى مكان مهجور كانوا يقفون بجانب قبر محفور بدأوا بوضع الجثة في القبر، ومن ثم بدأوا في دفنها بحذر شديد كان هذا هو نهاية القصة، نهاية فتاة برئية، وانتهت برحلة إلى الجحيم
بعد مدة من الزمن، تعثرت الكلمات في فم الشخص، الذي قال: آه، لقد تعبت
والد آنا: لن يعطينا المال إلا إذا انتهينا هذا هو الأهم
في تلك اللحظة، ظهر الرجل المدعو سامح من بين الظلال، وهو يحمل حقيبة ثقيلة رماها أمامهم قائلاً:
هذا هو المبلغ الذي اتفقنا عليه ولا أريد أن أراكم مرة أخرى
ركع الشخص في رعب، وهو يأخذ الحقيبة بكل هلع، قائلاً: شكرًا، سيدي أعدك أعدك
والد آنا: لن نتورط في شيء، أليس كذلك؟ نحن قد وعدنا بذلك
سامح، بابتسامة باردة: هل تعتقد أنني سأفضح نفسي بنفسي؟ أنتم الأغبياء لكنني أقسم لكم، إن علم أحد بشيء عن هذا، سأترك عقلكم ليتخيل ما يمكنني فعله بكل من له صلة بكم
كان كل شيء يزداد ظلامًا، وكل لحظة كانت تزيد من رعب آنا، وهي تحاول أن تفهم هذه الجريمة التي لا يمكن تصورها
استمر الظلام في غزو المكان، وكأن المكان بأسره قد اختفى تحت ستار من الرعب، لا شيء يمكن أن يوقف هذا الوحش الخفي الذي يلتهم الحقيقة ويقود الجميع نحو مصير مظلم ومع مرور الوقت، بدا أن آنا قد تحولت إلى جزء من هذا الليل المتجمد كلما كانت تقترب من اكتشاف سر جديد، كان الظلام يعيدها إلى نقطة البداية، ليغمرها بموجة من العنف النفسي والجسدي التي لا تجد لها تفسيرًا
كانت قد اختنقت داخل الزمان والمكان، وكأن الواقع قد تمزق أمام عينيها، ولم يعد هناك شيء يمكن أن ينقذها وحين تحركت بخطى مترددة إلى الخارج، وجدت نفسها في مشهد أشد قسوة من كل ما مرت به الأرض كانت متشققة، وكأنها تنبض بالألم، والنباتات الميتة تلوح لها وكأنها تذكرها بمصيرها الذي لا مفر منه
فجأة، سمعت صوتًا قادمًا من العدم، كما لو كان الصوت يتسلل عبر ثنايا الزمن نفسه، صوت لا يعقل أن يكون بشريًا كان الصوت يحمل وقع أقدام ثقيلة في الظلام، وكان يقترب شيئًا فشيئًا وفي تلك اللحظة، أدركت آنا أن هذا الصوت ليس إلا تدفقًا لموجات من الشر، مثلما تكون الروح قد خرجت من الجسد فارتكبت أبشع الخطايا
استدارت بسرعة، لتواجه ما كان يتربص بها في الظلام لكن ما رأته كانت صورًا مشوهة، ملامح غريبة، وجوه متقلبة، تتسارع نحوها كانت تلك الوجوه تعرف كيف تخترق الحواجز الزمنية وتعيش في الأبعاد المظلمة التي لا يراها البشر كانت أيدٍ غير مرئية تتقاطع مع بعضها، تلتف حول عنقها، تسحبها نحو الظلمات عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية الجدران الناطقة" اضغط على اسم الرواية