رواية احفاد المحمدي الفصل الثالث عشر 13 - بقلم سارة ياسر

   

رواية احفاد المحمدي الفصل الثالث عشر 13 - بقلم سارة ياسر

                               
                                              
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين 



"أحيانًا... القرارات مش بس بتحدد مستقبلنا، لكنها كمان بتكشف إحنا مين بجد... مين اللي مستعد يقاتل، ومين اللي يهرب."



بعد ليلة مليانة أسرار ومشاعر متشابكة، بيبدأ يوم جديد...
لكن هل اليوم ده هيكون بداية جديدة للعيلتين، ولا بداية صراع أكبر؟



****



في فيلا الألفي – صباح اليوم التالي



أشعة الشمس دخلت الصالة الكبيرة، لكنها ما قدرتش تمحي الإحساس بالثقل اللي كان سايب أثره من الليلة السابقة. البنات كانوا مجتمعين حوالين الترابيزة المستطيلة، وكل واحدة فيهم في عالمها الخاص، لكن العيون بتتكلم بصمت.



"رأفت" دخل عليهم، ملامحه هادية بشكل غير معتاد، وصوته طلع فيه حزم ممزوج بالحنان:
– "صحيتم؟ جه وقت القرار."



"ملك" رفعت عينيها وقالت بتوتر:
– "بابا... إحنا لسه محتارين."



رأفت قرب منهم وقعد، وقال بصوت أبوي واضح:
– "بصوا يا بنات... أنا طول عمري بحاول أحميكم من الدنيا، لكن ساعات الحماية مش في البُعد... ساعات في القرب من اللي يقدر يحميكم بجد. العيلة دي قوية... صح، ليها مشاكلها، وليها طريقتها المختلفة، لكن... أحفاد المحمدي رجالة تعتمدوا عليهم."



"سلمى" تمتمت:
– "بس الجواز مش لعبة يا بابا... مش عشان هم كويسين يعني نتجوزهم."



ابتسم رأفت بخفة وقال:
– "ماحدش قال إنكم تتجوزوا بالغصب، أنا واقف معاكم في ده. لكن أوقات... الفرص بتيجي مرة واحدة. فكروا كويس، مش من زاوية الخوف، لكن من زاوية المستقبل."



"ليلى" تنهدت وقالت:
– "يعني شايف إن ده الاختيار الصح؟"



– "أنا شايف إنكم تاخدوا قرار بإرادتكم، ده الأهم. وأنا هنا، أياً كان القرار، هدعمه... بس لازم تروحوا للجد دلوقتي وتقولوا رأيكم."



البنات تبادلوا النظرات... توتر واضح على وشوشهم لكن في عيونهم بداية حسم.



في الصالة الكبرى...
كان "محمد المحمدي" قاعد منتظرهم، الشباب حوالينه: "ياسين"، "مراد"، "زين"، و"جاسر". الجو كله ترقب.
أول ما دخلوا البنات مع أبوهم، ارتفعت نظرات الجد فيهم، صوته طلع ثابت وقوي:
– "أظن الوقت جه نسمع القرار... كل واحدة فيكم هتقول كلمتها."




  
                
سكون ثقيل سيطر على المكان، والأنفاس كأنها توقفت لحظة...
"ملك" بصت لأخواتها، ثم للجد، وقالت بصوت واضح لكنه مهزوز شوية:
– "إحنا قررنا..."



لقطة معلقة – كل العيون متوجهة ناحية البنات، انتظار للحظة اللي هتغيّر مصير العيلتين.



تحدثت ملك بصوت واضح لكنه فيه ارتباك:
– "أنا... موافقة، بس محتاجة وقت أفهم آسر أكتر، مش هجري على حاجة وأنا مش فاهمة مشاعري كلها."



آسر اللي كان واقف في الخلف، اتفاجئ، نظراته ليها فيها دهشة وارتياح في نفس الوقت، لكنه فضل ساكت احترامًا للموقف.



سلمى تنفست بعمق وقالت وهي تبص لياسين:
– "أنا... مش موافقة دلوقتي، مش قادرة أخد القرار وأنا لسه مش واثقة من إحساسي."



ياسين شدّ فكه لكن سكت، عينيه ثبتت عليها وكأنه بيحاول يقرأ اللي جواها.



ليلى رفعت راسها وقالت بثقة:
– "أنا... موافقة، وده قراري أنا وبس."



جاسر ابتسم بخفة، لأول مرة من ساعة بدأ الاجتماع، وكأنه ارتاح بعد توتر طويل.



جودي قالت بخجل:
– "أنا... محتاجة وقت أفكر، لسه مش جاهزة."



الجدة زينب قالت بابتسامة هادئة:
– "يبقى اتفقنا... اللي موافق يكمل، واللي محتاج وقت، ياخده من غير ضغط."



محمد المحمدي أومأ برأسه:
– "دي قراراتكم... وكل قرار ليه طريقه وتبعاته. المهم إنكم أخدتوه بإرادتكم."



رأفت وقف وقال:
– "أنا فخور بيكم كلكم، سواء وافقتوا أو لأ... أهم حاجة إنكم مشيتوا ورا قلبكم وعقلكم."



الشباب تبادلوا النظرات: ياسين سايب الكلام لحد ما يفضل وحده مع سلمى، آسر بيبص لملك بتركيز مختلف عن الأول، زين ابتسامته الغامضة ما فارقتوش، وجاسر واضح إنه مطمئن بعد قرار ليلى.



محمد المحمدي نهض من مكانه وقال:
– "دلوقتي خلاص، نبدأ خطوة جديدة... النهارده نتجمع كلنا على الغدا، نفتح صفحة جديدة. العيلة مش مجرد دم، العيلة اختيارات."



ملك بصت لإخواتها وهم ساكتين، وهي حاسة إنهم دخلوا مرحلة جديدة مش زي أي حاجة قبل كده، مرحلة مليانة تغييرات وعواطف... وأسرار لسه ما اكتملتش.



بعد كلام الجد "محمد"، خيّم صمت قصير على القاعة قبل ما زينب تقول بنبرة حنونة:
– "يلا يا أولاد... تعالوا على السفرة، اليوم ده طويل علينا كلنا."




        
          
                
اتحركوا كلهم ببطء، البنات واقفين سوا لكن كل واحدة غرقانة في أفكارها. ملك بين كل خطوتين كانت تبص على آسر بطرف عينها، أما هو فكان يحاول يخفف توتره بابتسامة صغيرة كل ما عينه تقابل عينها.



سلمى ما زالت متوترة، كانت تمشي جنب ليلى اللي قالت لها بهمس:
– "مش ندمانة على قرارك؟"
سلمى هزت رأسها:
– "مش ندمانة... بس مش مرتاحة برضه."
ليلى ابتسمت بخفة:
– "الراحة بتيجي مع الوقت يا سلمى، مش في لحظة."



على السفرة، الجو اختلف تمامًا عن أول اليوم. جاسر كان بيتكلم مع رأفت عن شغل العيلة، زين ساكت لكن مركز على تصرفات جودي، واضح إنه بيقرأ شخصيتها بهدوء، أما مراد فكان بيحاول يكسر الجدية بضحكته:
– "يا جماعة بلاش وشوش كأننا في جنازة... إحنا في بداية جديدة، ولا إيه يا جدو؟"
محمد ضحك ضحكة قصيرة:
– "عندك حق، البداية مش لازم تبقى صعبة، بس القرار اللي أخدتوه لازم تتحملوا نتيجته."



جودي كانت قاعدة قدام زين، كل مرة ترفع عينيها تلاقيه مركز معاها، فتهرب بسرعة. زين لاحظ ده وقال ببرود:
– "مش لازم تخافي مني، يا جودي... إحنا في صف واحد."
جودي ارتبكت وقالت:
– "أنا... مش بخاف، بس مش متعودة."
زين رد بابتسامة غامضة:
– "هتتعوّدي."



بعد الأكل، البنات راحوا جناحهم عشان يرتاحوا، والشباب فضلوا تحت مع الجد. محمد قال بصوت عميق:
– "ياسين، آسر، جاسر، زين... كل واحد منكم اختياره واضح دلوقتي، بس افتكروا إن البنات ليهم حريتهم. اللي يقبلوا به النهاردة، ممكن يرفضوه بكرة لو حسّوا بضغط أو عدم احترام."
ياسين رد بجدية:
– "أنا فاهم يا جدي، ومش هدوس على سلمى... بس برضه مش هسيبها تبعد من غير سبب."



محمد هز رأسه برضا:
– "ده اللي حابب أسمعه."



رأفت اتنهد وقال:
– "أنا هبات الليلة هنا مع البنات، بكرة الصبح نكون قدامك بالقرار."
محمد ابتسم:
– "زي ما تحب يا رأفت... البيت بيتك."



البنات قاموا يتجهوا لجناحهم في فيلا الألفي، والشباب والجد فضلوا قاعدين. مراد بص لـ آسر وقال بسخرية خفيفة:
– "واضح إنك مش أقل صدمة من البنات."
آسر ضحك ضحكة متوترة:
– "صدمة؟ أنا لسه مستوعب إني جزء من العيلة أصلاً."
زين رد ببرود:
– "وهتستوعب أكتر لما تعرف إن القرار اللي هيخدوه بكرة هيغيّر حياتك للأبد."
آسر رفع حاجبه:
– "عارف يا زين... بس أنا جاهز لأي حاجة هتيجي."



جاسر ابتسم ابتسامة جانبية وقال:
– "كويس... لأن أنا واثق إن كل واحدة هتختار صح."
مراد مد يده لياخد كوب العصير من قدامه وقال وهو بيضحك:
– "يعني بتراهن؟"
جاسر رد بثقة:
– "رهاني مش خسارة."




        
          
                
**



في جناح البنات، الجو كان مليان توتر وصمت ثقيل. ليلى جلست على طرف السرير، ضامة رجليها، وقالت:
– "بكرة لازم ناخد القرار... مش هينفع نتهرب."
ملك وهي واقفة قدام المراية:
– "أنا مش عارفة أصلاً أحس بإيه... موضوع آسر قلب تفكيري كله."
سلمى قالت وهي مستندة على الحائط:
– "أنا مش ضد ياسين... بس مش جاهزة لأي حاجة من دي."
جودي بصوت منخفض:
– "أنا حاسة إن حياتنا كلها قلبت فجأة... و... مش عارفة، يمكن ده مش سيئ."



ليلى بصت لهم وقالت بحزم:
– "بكرة الصبح قدام الجد... نكون متفقين إحنا عايزين إيه."



الكل سكت بعدها، وكل واحدة راحت لفراشها، لكن النوم كان بعيد جدًا عن عيونهم.



**



هدأ البيت أخيرًا بعد ليلة طويلة من النقاشات الثقيلة، حتى جاء الصباح.
كانت البنات في الصالة، كل واحدة تحمل كوب قهوة، بينما يخيّم الصمت على المكان، وكأن الليل ما زال جالسًا بينهم.



نزل محمد المحمدي من الطابق العلوي، يتكئ على عصاه، وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهه وهو يرى الجميع مستيقظًا:
– "صباح الخير جميعًا... نومتم كويس؟"



ياسين ابتسم نصف ابتسامة وهو يضبط ياقة قميصه:
– "الحمد لله يا جدي."



اقترب مراد من رأفت وربّت على كتفه:
– "شكرًا ليك يا عم رأفت... لولا إلحاحك امبارح ماكناش هنبات هنا. فعلاً محتاجين الوقت ده بعد اللي حصل."



زين، الذي كان واقفًا بجوار الباب يتهيأ للمغادرة، قال بصوته الهادئ المعتاد:
– "المهم إننا أخدنا لحظة نهدأ فيها."



جاسر أضاف بابتسامة جانبية:
– "بس ما ننساش إن عندنا شغل مستنينا... يعني لازم نمشي دلوقتي."



تحرك محمد ناحيتهم وهو يقول:
– "تمام يا أولاد... شكرًا إنكم احترمتوا كلامي وقعدتوا الليلة دي مع بعض... العيلة أهم من أي حاجة."



ياسين ألقى نظرة سريعة على سلمى قبل أن يشيح بوجهه، ثم قال:
– "إحنا هنستأذن دلوقتي، يا عم رأفت... وإن شاء الله نسمع قرار البنات قريب."



رأفت أومأ برأسه بابتسامة هادئة:
– "أكيد يا ابني... وكل حاجة هتمشي زي ما ربنا كاتب."



فتح زين الباب، وبدأ الشباب يخرجون واحدًا تلو الآخر، بينما الجد محمد التفت إلى البنات قائلاً بصوت أبوي:
– "فكروا براحتكم يا بناتي... القرار قراركم، بس خلوه عن اقتناع."



خرجوا جميعًا، تاركين وراءهم أجواء ثقيلة لكن أهدأ من ليلة الأمس... بينما البنات تبادلن نظرات صامتة، كل واحدة منهن غارقة في أفكارها.



****



عاد الصمت يخيّم على فيلا الألفي بعد مغادرة الجد والشباب، لكنه لم يكن صمت خوف مثل الأمس، بل صمت تفكير عميق.
كل واحدة من البنات غرقت في عالمها، تحاول فهم قلبها قبل عقلها، بينما الكلمات التي قالها الجد تتردد في آذانهن:
"القرار قراركم... بس خلوه عن اقتناع."



لحظة فاصلة تنتظرهم بعد ساعات... قرار قد يغيّر مصير حياتهم بالكامل.


 
تعليقات